تطور الطفل

كيف تمتلكي مفاتيح قلب الطفل وتجعلي علاقتك به أفضل وأنجح ؟

هل أنت في انتظار طفلك الجميل؟ وهل تحبه؟ بالطبع! من منا لا يحب طفله. ولكن الكثير منا لا يستطيع امتلاك مفاتيح قلب الطفل والنجاح في كسب الحب منه. لعل هناك خطأ ما، ولعلنا في حاجة إلى أن نعيد حساباتنا وننظر للأمر من زاوية أخرى.


على الرغم من أنه ليس من الصعب امتلاك مفاتيح قلب الطفل منذ ميلاده وحتى اللحظة الأخيرة في الحياة، يجد بعض الآباء والأمهات صعوبة بالغة للوصول إلى ذلك الهدف. والسبب في ذلك عامة هو سلوك الطريق الخطأ للوصول إلى مبتغاهم. نعم، هم يبذلون الكثير من الجهد ولا يستطيعون فعل ما هو أكثر من ذلك، ولكننا في بعض الأحيان نبذل جهودا ضارية في طرق خاطئة فنخسر الكثير. ولكي نعرف لماذا لا يمكننا امتلاك مفاتيح قلب الطفل طيلة حياتنا، لابد وأن نعرف سيكولوجيته والأخطاء التي تصدر منا في تعاملنا معه أو أمامه؛ حتى إذا وضعنا أيدينا على الخطأ تمكنا من إيجاد الحل المناسب له وإحداث التغيير الذي حتما سينعكس بالإيجاب على الطفل، بل على جميع أفراد الأسرة.

كيف يتكون سلوك الطفل؟

إن امتلاك مفاتيح قلب الطفل يتوقف على فهمنا له والتواصل الجيد معه. الكثير من الآباء والأمهات ينكرون على أطفالهم بعض السلوكيات التي يرونها من وجهة نظرهم خاطئة وغير سليمة. والحقيقة أنه لابد من الاعتراف بأن عيوب الأطفال ما هي إلا نتائج لأخطائنا نحن. نعم، فالطفل يولد على الفطرة، ويكون عبارة عن ورقة بيضاء تنتظر من يسطرها بحروفه. ولأن مجتمعاتنا تفتقر إلى ثقافة التدريب وتعليم كيف تكون التربية وكيف يمكن التعامل الصحيح مع الطفل في جميع أطواره العمرية، فإننا نقع في الكثير من الأخطاء.

والخطأ الأول الذي يحدث منا عند رؤية أخطاء الطفل، هو التركيز على الخطأ، أو السلوك الذي يصدر عنه، متناسين أن هذا السلوك نابع عن شعور معين، والشعور هذا نابع عن قناعة معينة. إذن نحن نقلب الهرم ونتعامل مع رقم 3 على أنه رقم 1. والصحيح أن نبحث عن سبب السلوك السلبي للطفل عن طريق معرفة طبيعة مشاعره تجاهنا أولا، ثم القناعات الموجودة بعقله وأسلوب تفكيره. ولا يمكن تغيير سلوك شخص قبل البدء بتغيير القناعة، الذي يليه تغيير في الشعور الوجداني، ثم تغيير في السلوك. وفي حال أجبرنا الطفل على القيام بسلوك معين دون تغيير قناعاته، فقد يقوم بهذا الشيء اتقاء للأذى الذي من الممكن أن يقع منا عليه، ولكن ما إن يكون بمفرده فسيفعل ما يحلو له وما يناسب قناعاته. إذن ليس نجاحا أن أشعر طفلي بالخوف مني وأن أجبره على القيام بما أود، بل إن هذا ليس أسلوبا تربويا من الأساس.

وعلى سبيل المثال، لو جاءت الأم التي اعتادت على ضرب طفلها وإيذاؤه ووضعت يدها على كتفه من الخلف محاولة احتضانه، فقام هو بالتحرك المفاجئ إلى ناحية أخرى مبتعدا عنها، ثم نظر إلى حيث تقف فتفاجأ أنها تبتسم وتنظر إليه بتودد، فقام في الحال بتغيير سلوكه وابتسم إليها بسعادة مقتربا منها. هنا نحلل هذا الموقف بأن الطفل تكونت لديه قناعات بأن أمه لا تحبه بسبب معاملتها السيئة له، والتي لا يمكنه ترجمتها إلى غير ذلك، وهذه القناعة ولدت لديه شعورا بالنفور ناحية أمه والابتعاد عنها قدر الإمكان، تفاديا للأذى الذي يقع عليها منه، وهذا الشعور القلبي هو ما تسبب في ردة فعله العنيفة عندما حاولت الاقتراب إليه؛ ولكن بعد أن نظر الطفل ناحية أمه ووجد ابتسامة تصطدم بعينيه تغيرت قناعاته عن هذه اللحظة وفهم أن الدافع وراء اقتراب الأم منه هو الحب والود، وهذه القناعة الجديدة ولدت لديه شعورا إيجابيا نتج عنه السلوك الجميل الذي صدر عنه وغير منه تماما. ولو تعاملت الأم بهذه الطريقة دوما لاستطاعت امتلاك مفاتيح قلب الطفل ولنجحت في إزالة الرواسب التي تركها التعامل السيئ في عقل الطفل وقلبه.

الأوامر والنواهي ضد امتلاك مفاتيح قلب الطفل

تعتبر هذه النقطة غاية في الأهمية. ولو تحدثنا عنها باستفاضة، فلن يكفيها كتابا كاملا. والإنسان في وجه العموم لا يحب أسلوب إلقاء الأوامر والنواهي بشكل يرفضه. وهناك من الآباء والأمهات من يبدؤون في توجيه أطفالهم للسلوك الحسن، فإذا لم يفعله الطفل في اليوم التالي قابل كما من الانتقادات والصراخ والكلام السلبي الذي يعتبره ظلما له وإجحافا في حقه؛ لماذا يقولون علي أنني كسول؟ لماذا يرونني بهذا السوء؟ هل أنا فعلا شخص مستهتر ولا أطيع أمي؟ هل أغضب من حولي؟ ألا يحبونني؟ كل هذه الأسئلة تدور في ذهن الطفل بسبب الكلام السلبي الذي لا حاجة به على الإطلاق.

ويقول علماء النفس أن طبيعة الطفل أنه لا يتذكر الشيء الذي وجهه له أبويه إلا بعد التكرار لمرات كثيرة، فذاكرته في هذه السن تعتبر قصيرة المدى. ولو فهم الأبوين هذه النقطة لما شعروا بالسأم من توجيه الطفل إلى القيام بما هو واجب عليه مرات ومرات. هذا فيما يخص عدد المرات التي على الأبوين استخدام التوجيه فيها. أما بالنسبة للأسلوب الذي يستخدمه الأبوين، فقد يكون له مردود حسن وقد يشكل عائقا أمام الطفل للقيام باللازم ويبدأ بمقاومة أبويه وتعمد عدم طاعتهما. وهنا يفقد الأبوين مفاتيح قلب الطفل الواحد تلو الآخر.

وعلى سبيل المثال، لو جاء أحد الوالدين فقال لابنه بشكل صارم ووجه جامد لا يرتسم شيئا من الود عليه، وقد يكون عالي الصوت، قال للطفل قم استذكر دروسك! لو حدث ذلك فإن الفكرة التي ستتكون في ذهن الطفل عن المذاكرة ستكون دائما مربوطة بتعبيرات وجه الأب القاتمة وصوته المزعج؛ وهذا بالطبع شيء غير محبب للإنسان. وطالما أن الأمر كذلك، فإن المذاكرة نفسها ستكون مهمة ثقيلة على قلب الطفل، وهو هنا تكونت لديه قناعة أن المذاكرة شيء سيء بسبب أسلوب الأب في التعامل، ثم شعر بمشاعر سلبية تجاهها، ثم سلك سلوك البعد عنها والنفور منها.

ولكن ماذا لو تغيرت تعبيرات وجه الأب، وتغيرت نغمة صوته، وتبدلت الكلمات السلبية لديه بأخرى إيجابية، واستخدم أسلوبا يخالف أسلوب الأمر والنهي؟ وتمكن من الوصول إلى مفاتيح قلب الطفل جميعها؟ بالطبع سيختلف الأمر. وليس كل طفل يمكن كسب مفاتيح قلبه بنفس الطريقة التي تناسب الطفل الآخر، على الرغم من أن هناك الكثير من الأمور التي يتفق فيها الأطفال. فهناك من ينجح معه أسلوب التلميح، وهناك من يحب أسلوب القصة والحكاية، وهناك من يحب فقط تقليد الأبوين، لحبه لهما، ولا يحتاج لتوجيه، وهكذا. وأهم ما في الأمر أن يعي الوالدين أن حب طفلهما لهما سيوفر عليهما الكثير في رحلة تربيته.

اعرفي مفاتيح قلب الطفل

بالطبع يؤدي عدم معرفة مفاتيح قلب الطفل إلى حدوث خلافات بينه وبين والديه. والخلافات التي تحدث بين الأبوين والطفل تؤدي إلى حدوث فجوة كبيرة بينهما؛ حتى ولو كانت العلاقة بينهما أكثر ممتازة وقت أن كان الطفل صغيرا. والسبب الأكبر في ذلك هو توقع الأبوين بقيام طفلهما بفعل الأشياء الحسنة وترك الأشياء السيئة بمجرد توجيهه إلى ذلك. والأمر لا يسير بهذا الشكل دائما. والطريقة الأمثل لجعل طفلك يتقبل كلامك هو كسب حبه في البداية. وكسب حب الطفل منذ مولده يأتي من إشباع رغباته وإعطائه احتياجاته. واحتياجات الطفل في هذا العمر لا تخرج عن الطعام والشراب والتعبير عن الحب الذي يأتي عن طريق التقبيل أو الاحتضان أو التعبير عن حبه بالكلمات العذبة أو التبسم في وجهه والتحدث إليه بنغمة ودودة، وهكذا.

ولو سارت الفترة الأولى من حياة الطفل، حتى أن يتم عامين مثلا، على هذا المنوال، ففي المرحلة المقبلة سيولد هذا الحب الذي يتضاعف في قلب الطفل تجاه أبويه رغبة في تقليدهما فيما يأتيا ويذران. وهذه قاعدة تنطبق على جميع البشرية، من يحب أحدا يقلده دون أن يدري. وهنا يفضل استبدال التوجيه في كثير من الموافق بفعل ما نود أن يقوم به الطفل، وسيحاول تقليدنا على الفور. لا أقول أن التربية الحسنة لا يمكن أن يدخل فيها التوجيه، بل ما أود قوله هو أن كثيرا من الأمور سيتعلمها الطفل من أبويه لمجرد رؤيتهما يقومان بها، وأما بعض الأمور الأخرى التي لم ترد عليه من قبل، فلابد من توجيهه إلى الصواب بالشكل الذي يفضله ويأتي بنتيجة جيدة معه.

نصائح لمعرفة مفاتيح قلب الطفل

لكي يقوم الأبوين بمهمة معرفة مفاتيح قلب الطفل ومحاولة كسبه وإيجاد مكان لحبهما فيه، عليهما اتباع بعض الإرشادات التربوية التي تترك أثرا جميلا في نفس الطفل وتريح كلا الأبوين. وهذه الإرشادات هي:

  • تخصيص وقت يومي يقوم فيه الأبوين بالقراءة والاطلاع على أساليب التربية السليمة ومناقشة بعضهما البعض فيما توصلا إليه.
  • توحيد الأسلوب التربوي لكل من الأم والأب وعدم الاختلاف بينهما، حتى لا يسبب ذلك أثرا نفسيا سيئا على الطفل في الحاضر والمستقبل.
  • إياك وإيذاء الطفل عندما تقوم بتوجيهه، ويشمل ذلك الإيذاء باللفظ أو ارتفاع الصوت أو تعبيرات الوجه أو لغة الجسد عامة أو التطاول عليه باليد.
  • لا توجهي الإهانة لطفلك مهما حدث منه، فالإنسان يشعر بالبغض تجاه من يهين كرامته.
  • وضع رؤية لتربية الطفل بمجرد ولادته؛ بحيث يقوم كلا الأبوين بعمل اجتماع والاتفاق على المكان الذي يحبون رؤية طفلهم فيه خلال عدة أعوام، والطريقة الصحيحة التي تمكنهم من تحقيق ذلك؛ فالتربية العشوائية لن تأتي إلا بنتائج عشوائية مشابهة.
  • معرفة احتياجات الطفل الجسمانية والعاطفية في كل واحدة من مراحل حياته واستيفائه حقوقه.
  • تعليم الطفل كيف ينخرط في العالم الخارجي عن طريق القدوة والتوجيه الحسن من أهم مفاتيح قلب الطفل .
  • مدح الطفل عندما يقوم بشيء حسن والتغافل عن السلوكيات الخاطئة وعدم تسليط الضوء عليها دوما؛ يكفي أن يقوم الأبوين بتشتيت انتباه الطفل عما يقوم به من شيء سيء ومحاولة شغله بشيء آخر.
  • عدم الانتقاد الدائم الذي يشعر الطفل بعدم التقبل ويفقده أي شعور بالأمان.
  • الاعتذار إلى الطفل إذا ما صدر من الأبوين ما هو سيء في حقه، كأن يكون أحدهما قد انفعل عليه دون قصد منه.
  • الإنصات لمتطلبات الطفل، حتى لو كانت فوق إمكانيات الأبوين.
  • تعليم الطفل تحمل المسؤولية منذ صغره، بأن تجعليه على دراية دائما بالوضع المادي للأسرة بمنتهى الشفافية. ومن الممكن أن تحضري له ما يطلب مرة وتعتذري له في مرة أخرى بأنك غير قادرة ماديا، وأنه بمجرد قدرتك على توفير هذا الشيء لن تتأخري في جلبه.
  • احترام مشاعر الطفل وعدم السخرية منه أو من هيئته.
  • عدم استنكار مشاعر الطفل وصده عند التعبير عنها والقيام بدور المحقق الذي يقوم باستجواب الطفل ولا يعطيه الفرصة الكاملة للبوح بما يعتمل في نفسه والتعبير عما يريد.
  • عدم إشعار الطفل بأنك الكبيرة الذي تعرف دوما كل شيء وهو لا زال صغيرا جاهلا لا يدري عن الدنيا أتفه ما فيها.
  • عدم القيام بعملية التعلم من طرف واحد، بمعنى جعل هذه العملية متبادلة، فكما أن طفلي يتعلم مني لابد وأن أتعلم منه هو الآخر.
  • تدعيم الثقة بالنفس لدى الطفل وتحسين نظرته إلى نفسه دوما.
  • عدم توجيه النصح للطفل أمام الناس، فالنصيحة على الملأ فضيحة؛ ولو كانت النصيحة كذلك فماذا عن ضرب الطفل أمام الناس؟!
  • اختيار الوقت الأنسب لتوجيه النصح إلى الطفل من أهم مفاتيح قلب الطفل ؛ فليس من الجيد أن يكون جائعا أو مريضا وتقوم أنت بعمل محاضرة في الأمور الأخلاقية.
  • اختيار أسلوب العقاب الذي لا يعتمد على الإهانة أو الحرمان، فليس معنى أنه من الواجب توجيه الطفل إلى الصواب أن يتم ذلك بطريقة تؤذيه.
  • حاولي قدر الإمكان التقليل من كلمة لا؛ فهي كلمة تصدم الطفل وتظهرك أمامه بمظهر المتعنت البحت الذي يحب فقط قول لا دون وجود أسباب. وفي حال كنت غير موافقة على شيء، فلابد من توضيح سبب الرفض بأسلوب يفهمه الطفل ويتقبله عقلا ووجدانا وإيجاد البديل لما يطلبه منك الطفل.
  • كوني أنت الأمان الذي يبحث عنه الطفل. كوني ملاذا له مما يخاف. أحبيه بدون شروط. ربتي عليه وتعمدي لمسك له برقة، فالتقارب الجسدي بين الطفل وأبويه يخلق علاقة ودودة لا مثيل لها.
  • عبري عن مشاعرك أمام طفلك ودعي المجال له لاحتوائك وكأنك الصغيرة وهو الكبير. ومن هنا سيتعلم أنه ليس غريبا أن يبكي الكبير، كما أنه سيشعر بتقديرك له وثقتك به.
  • لأن الطفل لا يحب أكثر من اللعب، فليس هناك أفضل من أن تشاركيه اللعب. هنا سيشعر بأنك تراعي اهتماماته وسيقترب منك كثيرا.
  • ولابد من تعامل الأب مع الطفل بنفس الطريقة التي نوجه الأم إليها في هذا المقال.

ولا أعتقد أنك إذا قمت بتطبيق هذه التوجيهات ستفشلين في امتلاك مفاتيح قلب الطفل على الإطلاق؛ فالأمر ليس بالمعادلة الصعبة أو الأمر المعقد الذي يحتاج إلى بذل جهد يشبه هدم الأرض وإعادة بنائها. فقط أحب طفلك، وعندما تحبه املأ نظراتك له بالحب، وغلف كلامك بالحب، وأره الحب كل الحب في تصرفاتك.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى