تسعة
الرئيسية » عمل ومهارات » ادارة الاموال » كيف يؤثر توزيع الثروات العادل على التنمية الاقتصادية؟

كيف يؤثر توزيع الثروات العادل على التنمية الاقتصادية؟

يعتبر توزيع الثروات بأشكالها المتباينة من أكثر الأشياء التي تؤثر في مؤشرات الاقتصاد، ويعتبر الهدف الأساسي من علم الاقتصاد هو إتاحة الحلول التي توفر حياة هنية للمواطن، ويعد التوزيع العادل للموارد من أكثر الحلول التي سعت لمناهضة المواطن.

توزيع الثروات

نجد الكثير من الاقتصاديين عموما والذين يتبعون النظام الاقتصادي الإسلامي خصوصا، يطرحون دائما رسائل بحثية تخص توزيع الثروات بشكل عادل، وتعتبر هذه الرسائل من أبسط ما يمكن أن يقدم أو يناقش في علم الاقتصاد، لأن الأمر في حقيقته كما يظهر لا يحتاج إلى عين مدقق أو باحث، فمثلا إذا أخبرتك أن معي عشر دولارات وأريد تقسيمهم على عشرة أفراد فما هو أعدل توزيع لهذه الدولارات؟ بالطبع ستخبرني دولار لكل فرد، وفكرة إعطاء تسعة دولارات لفرد واحد وترك باقي الأفراد يتصارعون على دولار واحد هي فكرة غير عادلة تماما، وهكذا هو اقتصاد الدول بضع دولارات مقسمة بشكل عشوائي، وفي الأسطر التالية سنطرح هذه الفكرة تفصيلا، مع ذكر توزيع الثروات في أماكن مختلفة.

توزيع الثروة في الاقتصاد الإسلامي

توزيع الثروات توزيع الثروة في الاقتصاد الإسلامي

يعتبر الاقتصاد الإسلامي من أكثر الأنظمة الاقتصادية التي تهتم بالتوزيع العادل للموارد، وبالنظر إلى الإسلام وشرائعه سنجد أن مناداته بالعدل حتى في توزيع الثروات يعد أمرا عاديا، حيث يقوم الإسلام جلة على العدل والمساواة بين الأفراد والأمم، ومن هنا نجد أن الاقتصاد الإسلامي يقوم على ثلاثة ركائز أساسية ليحقق بهم ما ينشده نظامه في توزيع موارده، وتعتبر الركيزة الأولى في هذا النظام هي توزيع الثروات وتنظيم ملكية الفرد والمجتمع وتسبق هذه النقطة الإنتاج، حيث يكفل الإسلام للشخص حق الاطمئنان أولا على ملكيته للأرض أو المصنع، وتعتبر وسائل الإنتاج هنا حق انتفاع للفرد بالرغم من ملكيته التامة لها، ويعد أكثر ما يساعد النظام الإسلامي في هذا هو عقيدة المسلم أن كل شيء هو ملك لله، وأن كل ما يملك الإنسان من وسائل إنتاج عبارة عن أشياء مؤقتة يجب أن يخدم بها المجتمع لأنه سيحاسب عنها، وعن ما قدمه بها.

توزيع الدخل في الاقتصاد الإسلامي

الركيزة الثانية في الاقتصاد الإسلامي هي توزيع الدخل، ويتوازى توزيع الدخل هنا مع عملية الإنتاج، وتتم عن طريق توزيع عوائد الإنتاج في صورة دخل على عناصر الإنتاج المختلفة، ويعتبر الجهد الجسدي والذهني للفرد هو المحدد الأساسي لما يستحقه من دخل، وبالطبع تتغير نسبة الدخل إذا كان الفرد يمتلك إحدى عناصر الإنتاج، ولا يعتمد الدخل هنا على قوى العرض والطلب (التوازن السوقي) لأن التوازن السوقي لا يعنى العدل بالضرورة، ولا يعامل الإنسان في هذا النظام على أنه آلة من آلات الإنتاج ويعد الهدف الأول من عمله هو نفع المجتمع، وتحقيق الكفاية له ولأسرته، وتعتبر الكفاية في الإسلام هي ما يتيح للفرد الحصول على حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وغيره، وأشار الإسلام هنا إلى ضرورة أخذ الحال الاقتصادي العام للمجتمع في الاعتبار، والملاحظ أن اقتصاديون هذا النظام لا يخافون من ندرة الموارد وعدم إشباعها للحاجات، لأنهم على ثقة تامة أن الله خلق في الأرض ما يكفي للبشر.

إعادة توزيع الثروات في النظام الإسلامي

والركيزة الثالثة التي وضعها الاقتصاد الإسلامي لكي يتم توزيع الثروات عدلا دون جور هي إعادة توزيع الدخل والثروة، ولا يتم التوزيع هنا بناءا على العمل والجهد بل على معايير أخرى لها علاقة بكوننا بشر، وهنا نبدأ توزيع الثروات والدخل على المحتاج وبعد القضاء على الحاجة في المجتمع يتم التوزيع مرة أخرى لتحقيق حد الكفاية، ويعتبر الهدف الأساسي من هذه العملية هو القضاء على الطبقية والتخلص من الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء، حيث يساهم هذا التوزيع في القضاء على الفقر بشكل كبير إن لم يكن نهائيا، ولكي يساهم الاقتصاد الإسلامي في التوزيع العادل للثروات أرسى عدة مبادئ وحاول ترسيخها في الأذهان مثل: الزكاة والميراث، وتحريم الاكتناز، وبعد هذه الركائز الثلاثة أصبح من السهل أن يتم توزيع الموارد بشكل عادل ونلاحظ التنمية الاقتصادية، كما كان يحدث في باكورة العصر الإسلامي، ولا يساعد الاقتصاد الإسلامي في حل المشاكل الاقتصادية ماديا فقط، بل يراعي أيضا الشعور المعنوي للفرد ويحاول أن يجعله في أفضل حال.

النظام الاشتراكي، والتوزيع العادل للموارد

يعد النظام الاشتراكي من أكثر النظم الاقتصادية محاربة للتوزيع الغير عادل للموارد، ويهدف هذا النظام في الأساس على ملكية الجماعة (الشعب) لوسائل الإنتاج، ويشبه هذا النظام النظام الإسلامي كثيرا، فمنذ ظهوره وهو يحارب من أجل توزيع الثروات بشكل متساوي على الأفراد حسب طاقتهم وجهدهم، ولهذا يحاول النظام الاشتراكي إلغاء حافز الربح، وتنمية الشعور بالوطنية مما يجعل كل فرد يعمل من أجل تطور المجموع ولا ينتظر عوائد شخصية تصل به في النهاية إلى الثراء الفاحش، وذلك على حساب فقر الأفراد وتدهور أحوالهم، وينظم هذا النظام التوزيع من خلال الدولة والجمعيات التعاونية، وبالرغم من انتشار النظام الاشتراكي في بعض الدول وتدهوره وفشل هذه الدول مرة أخرى فهذا لا يعني فشله بالضرورة، بل قد ينبهنا إلى ضرورة معالجة بعض السلبيات في هذا النظام.

توزيع الثروات في العالم

يعاني العالم من مشكلة كبيرة في توزيع الثروات ، هذا بالرغم من التطور الكبير الذي وصلنا له في مختلف المجالات العلمية والفكرية بل وحتى الاقتصادية، وعند النظر إلى أخر الأبحاث التي أجريت لدراسة توزيع الموارد في العالم، سنجدها تخبرنا أن 80% من الأصول العالمية تذهب إلى 1% من سكان العالم، وعند تأمل الخبراء في هذا التباين الرهيب يصيبهم الهلع، فبالرغم من زيادة الأغنياء بنسبة 127% عن عام 2000 إلا أن نصف العالم مازال يحسب من الفقراء، ويعد هذا منطقيا جدا فكل ثمان من أصل عشر دولارات يذهبن لواحد بالمائة، والدولارين الباقيين يوزعان على العالم بأكمله، ويحذر الاقتصاديون رؤساء الدول من هذا التفاوت وينصحوهم بالتدخل السريع، حيث لا يدل هذا التباين أو غيره في توزيع شتى الموارد إلا على الفشل الاقتصادي الذي ينتشر في العالم بأسره، وربما يعد زيادة الفقر دليل على هذا، وتعتبر هذه الدراسات وغيرها، من الأمور التي تنبهنا على ضرورة وضع خطة اقتصادية جديدة فعالة، تعالج هذه الفجوة الكبيرة.

توزيع الثروات في الوطن العربي

توزيع الثروات توزيع الثروات في الوطن العربي

بالرغم من أن الوطن العربي دول إسلامية ومن المفترض أن يطبقوا النظام الاقتصادي الإسلامي في توزيع الثروات والموارد، إلا أننا نجد هنا أيضا تباين في التوزيع لا يختلف كثيرا عن التوزيع العالمي، وعند النظر إلا نسبة التوزيع لا نجدها سيئة فقط بل هي أيضا في تدهور مستمر فمنذ خمسة أعوام فقط كان الوطن العربي يشهد زيادة في نسبة الفقر بنسبة 3.3% وذلك خلال عامين فقط، وسجلت نسب الفقر في الشرق 28% وذلك حيث يعد دخل فرد من كل خمسة أفراد من العرب لا يزيد عن دولارين يوميا، وبالطبع هذه المعدلات الضخمة تسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية والثقافية لدى الأفراد وقد يعكس هذا صورة سيء للسياح والمستثمرين مما يزيد الأمر سوءا، وعلى نقيض هذا تمام نجد أن مجلة فوربس الأمريكية تخبرنا أن هناك 40 مليارديرا عربيا تفوق ثروتهم ميزانية 11 دولة عربية، ومن هذه الأرقام يسهل ملاحظة أن الفشل الوحيد في هذه الاقتصادات هو التوزيع غير العادل للموارد.

وهكذا نكون قد عرضنا لكم أثر توزيع الثروات العادل، وكيف يساهم إهمال هذا التوزيع في فقر الدول وتخلفها على أكثر من صعيد، وعرفنا أن هناك بعض النظم الاقتصادية قد شجعت التوزيع العادل مثل: النظام الإسلامي، والنظام الاشتراكي؛ ونجد أن معظم أجزاء المقال تثير الكثير من الأسئلة مثل: هل كل ما يهم رؤساء الدول هو وجود ثروة ولا يهم هل هي في يد فرد أم دولة؟ ولماذا يقتصر تطبيق النظم الاقتصادية الفعالة على عدد قليل من الدول بالرغم من وعي معظم الدول بأهمية هذه النظم؟

لا تعتبر الإجابة على معظم الأسئلة الاقتصادية أمرا يسيرا بالرغم من بساطة الأسئلة في أحيانا كثيرة، وأخيرا كل الأرقام في هذا المقال مأخوذة من دراسات معتمدة قد تتغير قليلا من موقع لآخر أو حسب تاريخ هذه الدراسات التي تتم شكل دوري.

الكاتب: أحمد أمين

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

5 × 4 =