تسعة
الرئيسية » عمل ومهارات » ادارة الاموال » كيف تصنع قرارات مالية حكيمة حتى في أسوأ الظروف المادية؟

كيف تصنع قرارات مالية حكيمة حتى في أسوأ الظروف المادية؟

مجموعة من الخطوات البسيطة التي تساعدك على اتخاذ قرارات مالية حكيمة وذكية ومن ثمّ التوقف عن القلق كثيرًا بشأن المال وتحقيق مستقبل مالي آمن؛ وذلك من خلال معرفة فجوة السلوك التي تفصل بين ما نتمنى تحقيقه وبين إمكانياتنا الواقعية.

قرارات مالية حكيمة

ما الذي يجعل كثير من الناس يستمروا في خسارة أموالهم ويشعرون بالانهيار خلال الأزمات المالية؛ بالرغم من توافر عدد ضخم من النصائح والمعلومات المالية؟ فإذا نظرت حولك سوف تجد الكثير من الأشخاص لا يتخذون قرارات مالية حكيمة ثم يندمون بعد ذلك من نتائج قراراتهم. كان ذلك هو السبب الذي دفع المؤلف “كارل ريتشاردز” إلى كتابة مؤلفه “الفجوة السلوكية: طرق بسيطة للتوقف عن فعل أشياء غبية بالمال”. ويقدم هذا المقال مناقشة لأهم تلك الخطوات والدروس التي يمكن تطبيقها في الحياة كما عرضها ريتشاردز في كتابه؛ وسنتعلم حينها كيف أن تجاهل كل الضوضاء المحيطة بك والتركيز على أهدافك الشخصية سوف يساعدك على الاستثمار الحكيم وتأمين مستقبلك المالي ومن ثمّ التمتع بحياة مستقرة وسعيدة.

اتخاذ قرارات مالية حكيمة والفجوة بين الطموح والإمكانيات الواقعية

هل وجدت نفسك ذات مرة تفعل شيئًا ما، كان ينبغي عليك أن لا تفعله، مثل تناول قطعة ثالثة من الكعك بالرغم من أنك تريد أن تفقد وزنك؟ إن ذلك هو ما يمكن تسميته بفجوة السلوك، وهو يمثل فجوة أو فراغ بين ما نعلم أنه ينبغي علينا أن نفعله وبين الذي نقوم به بالفعل؛ أي بين الطموح والإمكانيات الواقعية. ترتبط تلك الظاهرة برغبتنا الفطرية في تجنب الألم والبحث عن اللذة، مما يدفعنا للتصرف بشكل غير واعي. وأحد آثار ذلك هو أننا عادة ما نتبنى عقلية القطيع، حيث نتصرف مثل من حولنا تمامًا بدون التأني لصنع قرارات مالية حكيمة أو حتى قرارات غير مالية؛ ذلك لأننا نفترض أن الأمر سيكون أكثر أمانًا بالنسبة لنا عندما نفعل ما يفعله الآخرون.

انظر على سبيل المثال إلى انتشار ما تمت تسميته بفقاعة تكنولوجيا المعلومات أو فقاعة دوت-كوم في التسعينات. وقد بدا حينها أن الجميع يجني أرباحًا هائلة من الاستثمار في ذلك، حتى الأفراد العاديون قد شرعوا في اقتراض الأموال مقابل الأصول العقارية الخاصة بهم، وانتهوا بالاستثمار في أسهم تقدر ب 44 مليار دولار. وعندما خسرت تلك الأسهم في بورصة نازداك نصف قيمتها فقد خسر الناس استثماراتهم ووجدوا أنفسهم غارقين في الديون. وتنتج تلك المواقف فجوة سلوكية؛ فبدلًا من أن يتصرف الناس بعقلانية، واتخاذ قرارات مالية حكيمة فإنهم يتصرفون وفقًا للعواطف والانفعال بما هو سائد ومنتشر وهو ما يحرك قراراتهم المالية.

ولكي تعالج تلك الفجوة وتملأ فراغها قم بالتفكير فيما هو أعمق من الموضة أو الصيحة السائدة في أيامنا هذه، وتذكر أحداث الماضي المثيرة للعجب مثل انهيار فقاعة الإنترنت وفقاعة قروض الإسكان وأزمة ديون عام 2008. توضح لنا تلك الحوادث ضرورة التركيز على أهمية الاستثمار الرشيد دون أن تقع في خدعة النجاح والازدهار المؤقتة. إن تذكر تلك الحوادث سوف يساعدك على إغلاق الفجوة السلوكية. ولكي تصنع قرارات مالية حكيمة ينبغي عليك أن تتجنب الثقة الزائدة. ففي التسعينيات قام بعض الفائزين بجائزة نوبل بإدارة صندوق وقائي من رأس مال طويل الأجل، ونتيجة لتلك الثقة الزائدة فإن مجلس إدارة الشركة كان يجزم بعدم إمكانية خسارة المؤسسة نهائيًا بأكثر من 25 مليون دولار؛ وفي يومًا ما فإن الشركة قد خسرت 553 مليون دولار، ومع الوقت وجب خروج الشركة بضمان من بنك الاحتياط الاتحادي (الفيدرالي). لا يمكننا إذن أن نتوقع المستقبل، يمكننا فقط التحكم في سلوكنا الخاص.

استثمر واصنع قرارات مالية حكيمة انطلاقًا من أهدافك الشخصية

هل تساءلت يومًا: ماهو أفضل استثمار في العالم؟ إن طرح السؤال بهذا الشكل غير مفيد وإليك السبب: يستلزم التخطيط لمستقبلك تكوين توازن دقيق بين أن تعيش لليوم وأن تدخر للغد. يمثل ذلك التوازن بين الإنفاق والادخار قدرًا ضئيلًا فقط من وضعك المالي في المستقبل، مع العلم أن الاستثمار هو الأصل الذي نتوقع له أن يكتسب قيمة مع الوقت. ويمكنك أيضًا بالإضافة إلى البحث عن أعلى عائد للاستثمارات أن تؤمّن مواردك المالية بادخار مال أكثر، ثم اعتزال المجال فيما بعد أو البدء في مجال آخر. ولأن من المستحيل توقع مدى نجاح الاستثمار مع الوقت، ولذلك لا يمكن تصنيف أي استثمار بأنه “الأفضل”. وبدلًا من مطاردتك لذلك السراب، يمكنك الحكم على الاستثمارات المالية بمدى مساعدتها لك على تحقيق أهدافك الشخصية ومن ثمّ يمكنك اتخاذ قرارات مالية حكيمة .

فلا يوجد أي استثمار يمكنه إرضاء الجميع، لذلك اسأل نفسك: ما هو أفضل استثمار بالنسبة لي؟ ستعتمد الإجابة على عوامل شخصية، مثل أهدافك وشخصيتك وممتلكاتك الحقيقية وحتى بطاقة الائتمان الخاصة بك. فمثلًا إذا أردت أن تسدد المصاريف الجامعية لأطفالك في المستقبل، يمكنك أن تفتح حسابًا للتعليم أو استثمر في صناديق تمويل مشتركة قبل دخول أبناءك الحياة الجامعية بحوالي 18 عام. وبالطبع لن يكون لتمويل التعليم الجامعي فائدة إذا لم يُقبل أبناءك في جامعة ما، فلا تنسى إذن أن تساعدهم في واجباتهم المدرسية!ويتعامل بعض الناس مع محفظة استثماراتهم المالية مثل جامعي بطاقات رياضة البيسبول، فهم يشترون الأسهم بناءً على توصيات المجلات بلا خطة مترابطة، فلا تقم بذلك الخطأ. أنت لست جامع، بل مستثمر. فأحكم على الاستثمارات المالية طبقًا لكيفية مساعدتها إياك في تحقيق أهدافك. فإذا لم تساعدك، لا تقم بالاستثمار فيهم، وتلك نهاية القول. بهذه الطريقة تصنع قرارات مالية حكيمة قائمة على مبادئ وليست خاضعة للانفعالات والعواطف.

عليك بتجاهل أغلب النصائح المالية العامة التي تسمعها من وسائل الإعلام

يحب الكثير من الناس إعطاء النصائح، فذلك يجعلنا نشعر بالأهمية والحكمة، ولكن لذلك السبب تمامًا تكون أغلب النصائح أساسًا بلا فائدة؛ حيث تكون أكثر النصائح التي نسمعها عامة، مما يعني عدم صلاحيتها بالضرورة لموقفنا الخاص. وذلك يصح خاصةً عندما يتعلق الأمر بالنصيحة أثناء البحث عن قرارات مالية حكيمة . تكون الخطة المالية جيدة عندما تكون شخصية ومتفردة، لذلك ما هو صالح لك قد يأتي بالكوارث لشخص آخر.

فنجد الملايين تقرأ مجلة “الخبير الاقتصادي” معتقدين بذلك أن في وسعهم التغلب على سوق الأموال باتباع نصيحة الخبير، ولكن النصيحة العامة قد تخذلنا، وإليك مثال: ينصح الأفراد الذين يريدون أن يفقدوا من أوزانهم أن يمارسوا تمرينات بشكل يومي. قد تكون تلك نصيحة جيدة للكثيرين، ولكنها لن تساعد شخص مريض بحالة قلبية. بالإضافة إلى أن معظم المستشارين “الخبراء” يقعون دائمًا في تضارب المصالح. لذلك لن نتوقع أبدًا أن نجد مسؤول مبيعات بمعرض سيارات “تويوتا” يخبرنا بأن سيارات “هوندا” هي الأفضل في العالم.

هناك الكثير إذن مما يدفعك إلى أن تكون متشككًا في تلك النصائح العامة. وبذلك يمكنك أن تتوقف عن ملاحقة الاستثمار أو اختيار المحفظة الاستثمارية المثالية. يمكنك بدلًا من ذلك أن تصمم محفظة الاستثمارات التي تناسب فهمك الحالي للسوق وتعدلها عندما تتغير الأمور. فأنت لست في حاجة إلى أن يخبرك شخص ما ماذا تلبس كل صباح؛ عليك أن تثق بدلًا من ذلك في ذوقك الخاص وحصيلتك المعرفية من حياتك الخاصة وبالتالي تتمكن من صناعة قرارات مالية حكيمة خاصة ومناسبة لك.

يشتري المال قدرًا كبيرًا من السعادة وبعد ذلك الحد يكون أداة لتحقيق الأهداف الشخصية

يسعى أكثرنا جاهدين لتحقيق التأمين المالي نتيجة لرغبتنا في أن نكون سعداء وأن نوفر الحياة الكريمة لأحباءنا. السعادة مهمة جدًا، ولكن ينبغي لنا دائمًا محاولة التذكر أن السعادة الحقيقية تتعلق بدرجة أكبر بتوقعاتنا ورغباتنا، أكثر من كمية أرباحنا. فقد كشفت دراسة حديثة بواسطة الفائز بجائزة نوبل “دانيل كانيمان” وأستاذ جامعة برينستون “أنجوس ديتون” أن السعادة تتعلق بالدخل حتى سقف ما من الأرباح السنوية الفردية يقدر ب 75000 دولارًا. بعد ذلك المستوى لا يكون لأصحاب الدخول الأعلى منه مستويات أعلى من الرخاء العاطفي. مما يعني أن معظم الناس يبالغون في تقدير مواردهم المالية.

فإذا كان باستطاعة المال أن يشتري لك سعادة جمة، يكون المال بعد ذلك الحد مجرد أداة لتحقيق الأمور التي تعود عليك بالرضى الحقيقي في حياتك. فمثلًا يسمح لك المال بالسفر لرؤية العالم، وأن تشتري حديقة شاسعة، أو أن تدعم قضية أنت مؤمن بها بشدة. لذلك لكي تصنع قرارات مالية حكيمة عليك أن تعرف ذاتك. وبذلك يمكنك استخدام أصولك المالية لقيمك الشخصية. يمكنك تطبيق تلك القاعدة على مستوى الفرد كما يلي: توقف عن القلق كثيرًا بشأن المال. حارب بدلًا من ذلك من أجل أهدافك الشخصية. سيتيح لك ذلك أن تصنع أفضل الخيارات المالية، ولعمل ذلك أنظر إلى ما بداخلك أكثر مما بالخارج.

يتطلب اتخاذ قرارات مالية حكيمة أن تبتعد عن عقلية القطيع

نريد جميعًا أن نعرف كل جديد ونمتلك معرفة كبيرة بالأسواق المالية والاقتصاد، ولكن الاستماع إلى الاتجاه السائد لوسائل الإعلام يؤدي عادةً إلى أن نوع من التشتت والتضليل. وذلك بسبب أن الاتجاه السائد لوسائل الإعلام عادة ما يعزز عقلية القطيع، وهو ما يجعلنا نشعر بالأمان مع الكثرة. لذلك عندما نتبع نصائح وسائل الإعلام نرتاح عندما نعرف أننا نتصرف بنفس طريقة الآخرين. وقد نفهم بداهةً ذلك لأن الجميع يفعلون كذلك، وذلك لا يعني أنه الصواب، ولكننا كبشر مخلوقات ينتابها القلق، فيكون القطيع مغريًا. وبالرغم من منطقية ذلك إلا أن اتباع الجمهور قد يكون مكلفًا. خذ أزمة الرهون العقارية لعام 2006 كمثال، عندما هبطت أسعار الإسكان بنسبة 30% في المتوسط. والأسوأ أن أسعار الأسهم في السوق هبطت بنسبة 57% من قيمتها العظمى لعام 2007.

نتج ذلك الانهيار باعتبار حقيقة تقييم الأصول بأسلوب مبالغ جدًا، وذلك لأن الجميع كان “يتبع القطيع” ويشتريها مما رفع من أسعارها. فلتكن رشيدًا إذن ولا تتبع القطيع أثناء صنع قرارات مالية حكيمة . تجاهل كل شيء تقوله وسائل الإعلام تقريبًا. تقدم وسائل الإعلام بالطبع بعض المعلومات الجيدة، ولكن الكمية الهائلة للمعلومات تجعل الأمر مستحيلًا أن تنتقي وتجد ما يهم وينفع بالفعل. وذلك التشبع المعلوماتي يجعل الأمر سهلًا للغاية بأن تتبع النصيحة الباطلة.

ومن الأمثلة على التضليل الإعلامي السائد، تصريح مجلة “الخبير الاقتصادي” بكل سرور في مقال بها عام 2010 بعودة وتعافي الاقتصاد الأمريكي! وقدم التقرير قائمة مطولة من المؤشرات الإيجابية لاستعادة عافية الاقتصاد. ولكن ما ظهر فيما بعد أن توقعاتهم كانت خطأ، فقد تعثر الاقتصاد مرة أخرى. ولحسن الحظ هناك سبيل للتعامل مع كل ذلك التضليل المالي: كن على وعي بالذي يقود ويحرك جميع الأنباء والإشاعات التي تقابلها في الإعلام السائد، وبدرجة أعم لا تقلق بشأن المال. فعندما تصفي ذهنك من كل ذلك العبث وتتجاهل الضجة، يمكنك حينها أن تعود إلى طريق تحقيق أهدافك الحقيقية وتصنع قرارات مالية حكيمة ، وبتلك الطريقة عندما تفكر بشأن المال ستفكر بمنطق الأمور التي تهمك.

كن على استعداد لمواجهة التغيرات والمفاجآت التي ستقابلك باستمرار

هل تعرف الفرق بين التخطيط وصياغة الخطة؟ هناك تمييز بين الاثنين: تضع الخطة افتراض تنبؤي عن المستقبل، ولكن بغض النظر عن الجهد الذي بذلته لتتوقع المستقبل من الممكن أن تكون مخطئًا. على الجانب الآخر نجد أن التخطيط لا يتعلق بتوقع المستقبل، بل الإعداد له. يشمل التخطيط صنع قرارات بناء على ما يحدث الآن، ولا مجال لافتراض أنك تعلم ما سوف يحدث. وهي عملية قيّمة بدرجة خاصة لأنها تتيح مساحة للمفاجآت. على سبيل المثال: في عام 2004 اشترى مالك منزلًا بقيمة 575,000 دولارًا، وقد كان ذلك المنزل بقيمة 400,000 دولارًا عندما اشتراه المالك السابق، وحين ارتفعت قيمة المنزل إلى مليون دولار في عام 2007، توقع المالك أن سعر المنزل سيستمر في الارتفاع، لذلك لم يسعى لبيعه لكسب الأرباح. ولكن بعدها عندما انهار سوق الإسكان وجد المالك نفسه مدينًا بما هو أكثر من قيمة المنزل.

لسوء الحظ عندما يكون السوق المالي مضطرب فإننا نواجه مفاجآت. ولكي تتخذ قرارات مالية حكيمة تقف في مواجهة تلك التغيرات والمفاجآت، فعليك فقط أن تقوم بتصحيح مسارك المالي طوال الوقت لتكون محتفظًا بتحقيق أهدافك المالية، وكذلك تعديل خططك المالية طبقًا للظروف المتغيرة. فكر بالأمر بتلك الطريقة: تخيل أنك تقود رحلة طيران من لوس أنجلوس إلى ميامي. فإذا انحرفت بقدر ضئيل عن مسارك عند الإقلاع فستظل تشعر أنك تحلق في الاتجاه السليم، ولكن مع الوقت تنتهي في ولاية أمريكية أخرى غير التي تقصدها، ولا يسمح معظم الطيارين بحدوث ذلك. وعلى نفس المنوال يتطلب التزامك بمسار تحقيق أهدافك المالية أن تنتبه إلى موقعك الآن وأن تصنع تعديلات ضئيلة لمسارك. ولأجل تحقيق ذلك من الأفضل أن تفكر بالأطر الزمنية القصيرة: ركز على التخطيط لثلاثة أعوام قادمة وليس 15 عامًا. بذلك أنت تعمل باتجاه هدفًا أكبر بدون أن تلتهمك الصورة الكبرى.

لا تتردد في التخلص من الاستثمارات التي لا فائدة منها

إن المشاعر تعتبر ضرورة إنسانية ولكن هناك كُلفة كبرى عندما تتيح لمشاعرك الفرصة أن تشكل قراراتك المالية. كيف لك إذن أن تتجنب السماح لمشاعرك أن تتحكم في مواردك المالية؟ أولًا، كن أمينًا مع نفسك، حيث تتطلب الاستثمارات المتميزة قدرًا من الحظ يضاهي قدر مهارتك.فأحيانًا تصنع قرارات مالية حكيمة وبارعة تقودك إلى استثمارات ناجحة. وأحيانًا أخرى تكون محظوظًا لا غير.

هناك سبيل آخر لتجنب صنع قرارات عاطفية، وهو اختبار “التحول المفاجئ”: اسأل نفسك، إذا باع أحد ما استثماراتك ليلًا (فجأة)، ماهي الأسهم التي ستسعى لشراءها مرة أخرى غدًا؟ ستجد أنك تتخلى في هذا الموقف الافتراضي عن بعض الاستثمارات. فعادة ما نحتفظ باستثمارات معينة لأننا فقط اعتدنا الاستثمار بها، بنفس طريقة احتفاظنا بعلاقات غير ودية لأننا نتأقلم معها فقط. هاهنا يساعدنا اختبار “التحول المفاجئ” بأن نتخطى تحيزاتنا السابقة ونعيد تقييم استثماراتنا بأسلوب موضوعي. وإذا لم يتأكد لك إذن إن كنت ستحتفظ باستثمار معين أم لا، فاسأل نفسك: هل سأقوم بشراءه مرة أخرى غدًا؟ إذا كانت الإجابة “لا”، تخلص منه.

ويوجد سبيل ثالث للتأكد من أن مشاعرك لا توجه عملياتك المالية واتخاذ قرارات مالية حكيمة : عليك أن تتيقن من أن القرار الذي ستتخذه سيساعدك في المستقبل على تحقيق أهدافك الشخصية. فلا يقوم بعض الناس بذلك. وبدلًا منه يسعون لشراء سهمًا يقال عنه أنه “سيكون الاستثمار الأمثل”. ولكن لا يعد الاستثمار في شيء ما كاختيار مالي لمجرد أنه صيحة اليوم. إليك ما يعد بحق اختيارًا ماليًا: تنمية المدخرات لحين التقاعد. لذلك عليك التفكير بشأن ما تريده فعلًا لنفسك ولأسرتك في المستقبل. ثم تساءل عما إذا كان الاستثمار للمستقبل يلعب دورًا واضحًا في تطوير الحقيبة الاستثمارية التي تحتاج إليها لتحقيق تلك الأهداف المالية. بالطبع قد لا يأتي القرار الرشيد دائمًا بالنتائج المتوقعة. ذلك لأنك حتى إن راعيت حذرك تدفعك الاستثمارات دائمًا إلى صنع قرارات محاطة بأجواء ضبابية. إن الأمر الوحيد الذي باستطاعتك هو أن تصنع أفضل القرارات بقدر الإمكان اليوم وتولى مسؤولية النتائج المستقبلية.

تحمل مسؤولية قراراتك وراجع باستمرار تصوراتك بشأن وضعك المالي

لقد تربى الأطفال على أن يعترفوا بأخطائهم عندما يرتكبون الخطأ، ولكن هل نتبع نحن الراشدين نصح ذواتنا؟ والحقيقة أنك إذا لم تعتاد من قبل على تولي مسؤولية أفعالك فقد يكون ذلك صعبًا بالنسبة لك. لكنه في نفس الوقت ضروري لتطوير وضعك المالي وقدرتك على صنع قرارات مالية حكيمة . فهناك مثلًا اعتقاد بأن امتلاك ملابس ثمينة وقيادة سيارة غالية قد يجعلك تبدو أكثر نجاحًا، ولكن لا يوجد أي جوهر لتلك الأمور البراقة، وتكون تكلفة الاحتفاظ بتلك المظاهر أن تقودك إلى تراكم الديون عليك. لذلك ينبغي عليك بدلًا من ملاحقة النجاح الزائف أن تعمل بجد لتصعد إلى درجات رفيعة في مجالك، وذلك هو العمل الجاد وهو يتطلب الصبر والتنظيم، فمن الضروري لكي تصنع تغييرات إيجابية أن تعمل جاهدًا لذلك.

هناك سبيل آخر لتطوير وضعك المالي ودفعك نحو اتخاذ قرارات مالية حكيمة ، وهو الاستمرار في مراجعة افتراضاتك وتصوراتك عما يؤثر فعلًا في وضعك المالي؛ ففي معظم الأحيان نقوم بالتركيز على أمور لا صلة لها بالمطلوب. فعلى سبيل المثال عندما يتطلب الأمر من صاحب سيارة أن يقود لمسافة طويلة للحصول على وقود رخيص الثمن، ولكنه في منتصف الطريق أجرى بعض الحسابات الذهنية؛ حيث أدرك أنه إذا ادخر 10 سنتات لكل جالون لحاوية وقود تتسع ل 20 جالون، فستتراكم قيمة ادخار تقدر ب 2 دولار. وذلك المبلغ يغطي تقريبًا تكلفة الوقود الذي استخدمه للقيادة. فإذا أدرك ذلك من قبل لوفر على نفسه عناء القيادة لهذه المسافة الطويلة.

وكما ترى فإن الخطط المالية نفسها التي تبدو فعالة كشراء وقود رخيص الثمن تتطلب دراسة دقيقة ومراجعة. ومع ذلك نجد أنه بالرغم من أن إجراء مراجعة كاملة لقراراتك تساعد على التيقن من الناتج الإيجابي، فأنت أيضًا بحاجة إلى إدراك أن زمام الأمور كلها ليست بيدك حتى مع اتخاذ قرارات مالية حكيمة . فعلى سبيل المثال إذا ألحقت ابنتك بجامعة هارفارد فانت تجري استثمارًا ضخمًا لمستقبلها المالي. ولكن قد تقرر ابنتك بعد تخرجها أن تعلم الأبناء غير المحظوظين بمدرسة ثانوية في منطقة ريفية بأجر 19000 دولار سنويًا؛ فبالنسبة لها يكون ذلك هو العائد المناسب، ولكن ذلك لم يكن ما توقعته تمامًا عندما قررت الاستثمار في تعليمها. ولأن تلك المفاجآت تنتظرنا في أي وقت، فمن الأفضل أن نتقبلها قبل أن تحدث.

ناقش القضايا المالية مع الأصدقاء والعائلة بحذر

يرى أغلب الناس أن مناقشة القضايا المالية بانفتاح مع الأصدقاء والأقارب يعتبر أمرًا حرجًا. فعندما يمتلك الجميع خلفيات فكرية مختلفة وطريقة يسلكون بها تجاه وضعهم المالي، فإن موضوع المال أحيانًا يشعرنا بالخطورة. ولكن إذا التزمت بصنع قرارات مالية حكيمة فمن الضروري أن نتجنب الحديث عنها. فإذا أردنا تجنب سوء الفهم، نحتاج إلى أن نضع في اعتبارنا تحيزاتنا ونسعى جاهدين لأن نجد لغة مشتركة.

إليك مثال على سوء فهم حول المال ظهر في حياة المالك:  كان يحاور هو وزوجته صديق عن عملية تحديث المطبخ مؤخرًا التي أجراها، وكما شرح الصديق تفاصيل العمل الذي تم بأكملها، بدأ المالك مباشرةً بحساب تكاليف المشروع. وأخبر زوجته فيما بعد أنه ليس باستطاعتهم تحمل تكاليف تحديث منزلهم الخاص. فاندهشت زوجته لأنها كانت تناقش تحديث مطبخ شخص آخر، وليس تخطيط محاكاة عملية التحديث لديهم. وكان ذلك بعد 15 عامًا من الزواج! يكون من المربك أن يتناقش الأزواج بشأن المال، وقد يكون الأمر مثيرًا للسخط أن يناقش مع الأبناء، ولكن لا تدع ذلك الضجر يوقفك عند ذلك، حيث يمكن أن تدفع تلك المناقشات إلى صنع قرارات مالية حكيمة .

وهناك مثال آخر من حياة المالك: حيث أرادت صديقته أن تكون أمينة مع أبناءها بشأن الوضع المالي. فمتى طلب الأطفال شراء شيء ما معقول، كانت تقول لهم لا يمكننا تحمل تكلفة ذلك، وبغض النظر عن الإحراج في الموقف، فقد أنتجت تلك الخطة نقاش عائلي مثمر؛ سأل ابنهما الذي يبلغ من العمر 14 عامًا عن مدة ضعف الوضع المادي للعائلة على مقياس من 0 إلى 10. وكما أدرك الوالدين بسرعة، لم يكن الابن محبطًا من الوضع المالي لعائلته، ولكنه كان قلقًا بشأن تحسن حالهم. فعامةً يمكن أن يكون نقاش الوضع المالي مع عائلتك وأصدقاءك ذو فائدة حقيقية حتى إن كان حرجًا. وفي النهاية يمكن معاملة تلك النقاشات بأسلوب صريح وبسيط.

تعامل ببساطة وكن مُملًا عندما يتعلق الأمر بصنع قرارات مالية حكيمة

هل سمعت مرة بجملة البساطة هي أقصى أشكال التعقيد؟ تنطبق تلك المقولة كذلك على تعاملاتك المالية، حيث يمكن للحلول البسيطة أن تقربك من تحقيق أهدافك بينما تقف الحلول المعقدة عائقًا أمامك. فمثلًا يصرف الأفراد حوالي 40 مليار دولار سنويًا على برامج التخسيس بالرغم من أنه يمكن القيام بذلك من خلال النشاط الذاتي دون الاعتماد على برامج التخسيس؛ وذلك من خلال استهلاك سعرات حرارية وتمرينات أقل وفي نفس الوقت فإن النشاط الذاتي هو الأكثر فعالية. فالأفراد يتيهون وسط الأنظمة الغذائية التسويقية والمنتجات المعقدة، وعادة لا يحققوا أهدافهم؛ لأنهم لو كانوا يحققونها لما كانت أرباح شركات التخسيس تقدر ب 40 مليار سنويًا. ومن هنا يأتي الطريق البسيط: فلتحافظ دائمًا على البساطة، فبدلًا من شراء منتجات باهظة الثمن، مارس رياضة العدو كل صباح.

يمكن لهذا المبدأ أيضًا أن يرشدك في التعامل مع مواردك المالية وصنع قرارات مالية حكيمة . فلا تشتري كل ما يمثل صيحة جديدة، وأنفق مالك بحرص وادخره بانتظام؛ حيث يسمى ذلك التفكير برأس المال المتأني والمستقر. ويتطلب تأسيس رأس مال متأني ومستقر أن تتجنب إغراءات المتع اللحظية. وفي الواقع فإن تأخير المتع يعتبر مهمًا جدًا بدرجة عامة للنجاح على المدى البعيد. ففي الخمسينيات أطلقت جامعة ستانفورد دراسة استمرت لعقد من الزمان بحثت قدرة الناس على تأجيل المتع، ووجدت أن الأفراد الذين لهم القدرة الأكبر على تأجيل تحقيق الرغبات فإنهم ينالوا نجاح أكبر وأطول أمدًا من مثيله للذين يستسلمون للإغراءات. لذلك عندما يتعلق الأمر بتكوين رأس مال متأني ومستقر فأنت لا تنظر إلى أرباح قريبة ضخمة، ولكنك تأخذ خطوات لجمع ثراء على المدى البعيد بتأني. سيساعدك ذلك على تجنب الخسائر الكبيرة وأن يتأكد لك التأمين المالي.

هل يبدو ذلك مملًا؟ هذا أمر جيد، فلتكن مملًا في عاداتك المالية؛ أنفق أقل مما تربح، ونحي المال جانبًا، وادفع ديونك، و تجنب الخسائر الكبرى. يؤدي ذلك المنظور المحافظ للمعاملات المالية إلى نتائج كبرى مع الوقت والوصول إلى قرارات مالية حكيمة . فذات مرة قابل المالك رجلًا كريمًا قد حول إرثًا قليلًا قد ورثه إلى ثروة هائلة. سأل المالك ذلك الرجل عن سر هذا النجاح المالي المبهر، فأجابه باستغراب أنه لا يوجد سر؛ لأنه تجنب فقط شراء المنتجات الباهظة وبدلًا من ذلك اشترى أشياء مملة كان يدفع بانتظام للحصول عليها كأي شخص آخر.

خاتمة

مما سبق عرضه نجد أن هناك شقًا أو فجوة بين الذي ينبغي علينا فعله والذي نقوم به فعلًا، ويسمى ذلك بالفجوة السلوكية والتي عادة ما تمنعنا من صنع قرارات مالية حكيمة . فيجب علينا أن نسعى لتجنب ذلك ونغلق الفجوة السلوكية؛ وذلك بأن نكون أمناء مع أنفسنا وأن نراجع العوامل التي لها دور في قراراتنا. إن سُبل تحقيق استثمارات مستدامة هو أن نتعامل ببساطة مع الأمور ونتولى مسؤولية أفعالنا. لذلك قم بتخصيص وقتًا كل شهر لانتقاد ومراجعة أهدافك الشخصية وتيقن أن تكون استثماراتك على وفاق مع تلك الأهداف.

محمد السيد

باحث أكاديمي ومترجم - ماجستير آداب جامعة القاهرة.

أضف تعليق

سبعة + 20 =