تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أبوة وأمومة » النمو العقلي للطفل : كيف تحافظ على عقل طفلك سليمًا ؟

النمو العقلي للطفل : كيف تحافظ على عقل طفلك سليمًا ؟

النمو العقلي للطفل لا يقل عن النمو الجسدي له، ورغم أن كثير من الآباء يهتمون بالثاني ويهملون الأول، إلا أن الصواب هو مراعاة نمو الطفل عقليًا في كل مراحله.

النمو العقلي للطفل

التطور الجسدي للطفل يكون ملاحظًا بسهولة من أي أب أو أم، لكن ماذا عن النمو العقلي للطفل ؟ بعد فرحة الولادة، تبدأ مرحلة جديدة في حياة الأبوين مع طفل جديد، عقله وقلبه مثل الصفحة البيضاء، التي تعكس أبسط الأشياء التي تكتب عليها، وينشغل أغلب الآباء في المحافظة على نظافة الطفل باستمرار وتوفير ملابس جديدة له وتقديم الهدايا واللعب البسيطة له، ولا تقل أهمية ملاحظة النمو العقلي للطفل عما سبق، فهي تبدأ منذ لحظة الولادة، حيث يستوعب الطفل كل ما يدور حوله من المشاعر الداخلية للأبوين ونظرات أعين المحيطين به، ويفسر العالم بناء على هذا، ويتجاوب الضحكات أو الصراخ والبكاء مع المتغيرات من حوله، وبعد السنة الأولى يكون الطفل قد استوعب كل المشاعر الإنسانية، وإن كان لا يستطيع التعبير عنها بلسانه؛ لعدم توافر مصطلحات كافية لديه.

دليل الوالدين لمتابعة النمو العقلي للطفل

أهمية البدايات

تؤثر البذور، التي تغرس في عقل ووجدان الإنسان منذ الطفولة، في سلوكه ونظرته للعالم بعد ذلك، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة في أثناء التعامل مع الأطفال، فالبعض منهم تجده حذرًا والآخر منفتحًا والثالث يغلب عليه الخوف بينما زميله في الفصل يتميز بالشجاعة.

ولعل أهم نصيحة توجه للآباء في أول ثلاث سنوات، هي إعطاء أكبر قدر من الحنان للطفل، حيث يستكشف الطفل العالم من حوله عن طريق الفضول، حتى أخطائه في هذه المرحلة، نابعة من حب التجربة ومعرفة المجهول، وليس عن عناد أو تعمد الخطأ، ولعل من المفيد هنا شراء لعب للطفل ليقوم بتركيبها وتفكيكها بل وتكسيرها؛ حيث تبدأ حواس الطفل في النمو، ويبدأ عقله في تسجيل العلاقة بين الأشياء والأشخاص والأصوات والمشاعر، لذلك نلاحظ، بعد السنة الأولي من الولادة، انتباه الأطفال للأصوات ومصدرها.

من المهم كذلك الاهتمام بزرع القيم الحميدة والأخلاق الرفيعة في نفس الطفل منذ صغره، وتجنب الانفعال أو الشجار أمامه وتعليم الطفل العادات السليمة في الملبس والأكل والشرب، ومعرفة الخير والشر، ومساعدة الناس.

أخطر ما يهدد النمو العقلي للطفل هو تعطيل حواسه وحركته وقدرته على الإبداع وعلى التجاوب مع الناس، ويتحقق ذلك عندما يجلس الطفل أمام التلفاز والراديو والحاسب الآلي وغير ذلك من الأجهزة الحديثة، التي تعتمد على إلقاء المعلومات في عقل الطفل دون تجاوب منه، فيتوقف عقله عن الابتكار ومحاولة تفسير الأحداث من حوله في البيت أو الشارع.

الاختلاط بالأطفال

أسرع طريقة لزيادة النمو العقلي للطفل هي وضعه وسط أطفال في سن مقاربة، مما يجعله يتعلم منهم بسرعة ويكسر حاجز الخوف بسهولة على عكس الجلوس مع الكبار، حيث يخاف الطفل من الإقدام على المواقف الجديدة عليه تحت حجة إنه مازال صغيرًا.

كذلك تساعده مشاركة اللعب والحركة مع أطفال آخرين في تقوية عضلات جسمه وتعليمه مهارات جديدة مثل: أساسيات القراءة والكتابة والنطق، وتفتح عينه على مناطق مجهولة في الحياة، ومن المهم هنا أن يتحدث الآباء مع أبنائهم بعد انتهاء اللعب؛ لتنقية الأفكار السلبية التي قد يلتقطها الطفل من قرنائه، ويجب أن تجرى المناقشة بهدوء بدون عقاب ولا تكون على شكل استجواب؛ حتى لا يتعود الطفل على الكذب أو إخفاء المعلومات عن أهله.

يمنع تحت سن ست سنوات ضرب الطفل بأي شكل بأي من الأشكال وإنما يكفي تنبيهه ومنعه من الخطر ومحاولة إشغاله بأي شيء آخر وإيجاد بدائل له يشغل بها يومه لأن هدف الطفل الأساسي في تلك السنوات هو اللعب وليس استفزاز الآخرين من حوله.

اتخاذ القرارات

بعد سن ست أو سبع سنوات، يجب على الأبوين مشاركة الأبناء في بعض القرارات البسيطة؛ ليتعود الطفل على إبداء رأيه وتحمل المسئولية والتفكير في العواقب والنتائج قبل اتخاذ القرارات ومثال على ذلك، ترك الحرية للطفل ليختار ملابسه بنفسه أو يختار ألوان الشنطة المدرسية أو تكليف الطفل بتنظيف حذائه أو وضع ملابسه النظيفة بعيدًا عن غيرها.

يأخذ الطفل عدة سنوات لإدراك أهمية المال، وحدوده وما لا يمكن شراؤه به وكيفية التحكم به وتقسيمه، وهنا تبرز أهمية المصروف الشخصي للطفل أثناء الدراسة، حيث يمكث الطفل ما يقرب من نصف يومه بعيدًا عن أهله، ويشتري بنفسه الطعام والمشروبات ويقسم شراء احتياجاته على حسب ساعات الدراسة ويعرف الفرق بين السلع وجودتها وغير ذلك من الأمور التجارية البسيطة الضرورية في الحياة، التي يكتسبها من زملائه ومن خلال التجربة والخطأ.

عمل الأطفال

يعرف الكبار أهمية العمل والقيم التي يكتسبها الفرد من خلاله، بجانب أهمية الحصول على المال ومعرفة مصادره، والتعامل مع مختلف فئات الناس مثل العملاء والزملاء وغير ذلك، ورغم أهمية ما سبق، إلا أنه لا ينصح بعمل الأطفال قبل سن المراهقة حيث لا يكون الجهاز العصبي للطفل قد اكتمل بعد، مما يؤثر على النمو العقلي للطفل، ويجعله لا يتحمل الضغوط الكبيرة في المستقبل.

يمكن تكليف الطفل قبل سن المراهقة بمسئولية شراء احتياجات البيت أو تنظيفه أو أي عمل دائم، لا يوجد به ضغط عصبي، أو يمكنه متابعة أشقائه الصغار في غياب الوالدين والمذاكرة معهم.

كرامة الطفل

تحتاج تهيئة الطفل للحياة في المجتمع إلى زرع مفاهيم العزة والكرامة والثقة في نفسه على الدوام؛ لكي يطور من نفسه، ويصبح قادرًا على الحصول على عمل متميز وإنشاء أسرة سوية في المستقبل.

تؤثر إهانة الطفل أو لومه أو معاتبته، وخاصة أمام الآخرين على النمو العقلي للطفل، حيث يعتقد أنه غير مرغوب به ولا يجيد التصرف في المواقف المختلفة، ويفقده ذلك اتزانه النفسي، ويتجه إما للعنف والصراخ باستمرار أو الانطواء والانكفاء على النفس واعتزال المجتمع، ولحل تلك المعضلة يجب مدح الأفعال الحميدة للطفل في أثناء تقويم الأخطاء وعدم الإسراف في العقاب أو الانتقاص من قدر الطفل أمام أخواته أو الآخرين.

البرامج الخاصة

مع تطور العلوم الحديثة وخاصة العلوم السلوكية يتم تطوير واستحداث برامج تعليمية لتطوير النمو العقلي للطفل، وتعتمد هذه البرامج على تطوير قدرة الطفل على القيام بالعمليات الحسابية حتى المعقدة منها، وزيادة قدرة المذاكرة.

على جانب آخر، هناك برامج مخصصة للأطفال مرضى التوحد، حيث يعاني الطفل من عدم الانتباه للآخرين، ويحتاج للمساعدة لتنشيط حواسه، وزيادة قدرتها على الاستجابة للبيئة المحيطة، وينبغي على الأهل الانتباه لقدرة الطفل على التجاوب معهم لاكتشاف أي نوع من مرض التوحد مبكرًا؛ حيث يسهل علاجه في الصغر عن طريق أساتذة متخصصين حتى يلحق النمو العقلي لأقرانه في نفس السن.

المسابقات

تظهر مواهب الطفل في السن الصغيرة، خاصة مع الاهتمام بممارسة الرياضة، مما يدفع الأهل لمشاركة ابنهم في المسابقات المختلفة لحصد الجوائز، إلا أن هذا الأمر له خطورته على المستوى البعيد، حيث يهمل الأهل بقية الجوانب في حياة الطفل من أجل التركيز في التدريب، وبالتالي يتأثر الطفل سلبًا خاصة مع ازدياد الضغط العصبي عليه، ويظهر ذلك في المستقبل عندما تضعف قدرة الطفل على التركيز في موضوع واحد لمدة طويلة، ولذلك تمنع عدة دول الأطفال من المشاركة في أي مسابقات تحت سن معين للحفاظ على النمو العقلي للطفل وكذلك الحفاظ على مستقبله.

اتباع النصائح السابقة سيوفر بيئة صالحة للطفل؛ لكي ينمو ويترعرع فيها بيسر وبسهولة وبدون تكاليف شاقة على الأهل، وخاصة مع اختلاط الطفل بالمجتمع، ويجب أن يحرص الأبوين على زيارة الأقارب، والسفر لمدة قصيرة إلى مكان ما، وزيارة حديقة الحيوانات، وغير ذلك؛ من أجل المساعدة في النمو العقلي للطفل وتزويده بمعلومات وخبرات جديدة.

محمد محمود

حاصل على ماجستير في العلوم، تخصص كيمياء.

أضف تعليق

سبعة − 7 =