تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الجذام : كيف ظهر هذا المرض الخطير وهل له علاج طبي مضمون ؟

الجذام : كيف ظهر هذا المرض الخطير وهل له علاج طبي مضمون ؟

مرض الجذام من الأمراض الجلدية شديدة الخطورة، وهو مرض بكتيري، لكنه قابل للعلاج، في السطور المقبلة نتعرف على كل ما يخص الجذام .

الجذام

الجذام بصفة أساسية هو مرض حبيبي مزمن ومعدي، تتسبب فيه نوع من البكتيريا صامدة للحمض عصوية الشكل تسمى “المتفطرة الجذامية”، وتم اكتشاف هذه المتفطرة للمرة الأولى على يد  جيرهارد هانسن وذلك عام 1873م. والجذام يؤثر بالأساس على الأعصاب المحيطة (الجهاز العصبي المحيطي) والعينين والجلد والغشاء المخاطي العلوي للقناة التنفسية. وتتطلب ظهور الأعراض فترة تتراوح بين 5 – 20 سنة. وهذا المرض قد ينتقل عن طريق العطاس أو النفس أو رذاذ الأنف أو السعال وغيره من طرق انتقال العدوى،وهو قابل للشفاء كما يمكن اجتناب العجز إذا ما تم توفير العلاج أثناء المراحل المبكرة للمرض.

تعرف على كل ما يخص مرض الجذام

إطلالة تاريخية سريعة عن مرض الجذام وعلاجه

عرف مرض الجذام في الحضارات القديمة في مصر والصين والهند، وتعد سنة 1550 قبل الميلاد هي تاريخ لأول إشارة مكتوبة للمرض تم اكتشافها في بردية ترجع إلى الحضارة الفرعونية. وخلال التاريخ القديم كله، كان المصاب يتم نبذه من أسرته ومجتمعه في أغلب الأحيان. وفي الأربعينيات من القرن الماضي كانت أول طفرة في علاجه، وذلك بعد استنباط دواء له يسمى الدابسون، والذي عمل على إيقاف المرض. وكانت فترة علاج الجذام به تستغرق سنوات طوال، بل أحيانا كانت تمتد لطيلة حياة المريض؛ الأمر الذي صعّب على المريض متابعة علاجه. وبعد ما يقارب العقدين من الزمن بدأ المرض يقاوم دواء الدابسون، وكان الدابسون هو الدواء المعروف الوحيد آنذاك في العالم كله لعلاج الجذام، وفي مطلع الستينيات من ذات القرن اكتشف الكلوفازيمين والريفامبسين ليكتمل بذلك ثالوث التوليفة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية عام 1981 وهي الدابسون والكلوفازيمين والريفامبسين، والتي من شأنها أن تقضي على العامل الممرض، ومن ثم شفاء المريض. ومنذ العام 1995 عملت منظمة الصحة العالمية على توفير هذا العلاج بالمجان لكل المرضى حول العالم. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية تم معالجة ما يزيد عن 14 مليون مريض بالجذام.

أسباب مرض الجذام

مرض الجذام يكثر انتشاره في البلدان التي تعاني من ظروف معيشية سيئة، يتبعها ضعف العناية الصحية. وتكمن مشكلة الجذام الأساسية في أنه مرض وبائي معد، أي أن أولى مسببات مرض الجذام هي العدوى عن طريق شخص مصاب بالمرض، ولكن بخلاف ما هو شائع ليس معد لدرجة أن تتم العدوى بمجرد لمسة للشخص المصاب فيهرع الناس من حول هذا الشخص، وإنما هو ينتقل من خلال المعايشة لفترات طويلة للمريض، والتعرض معه للهواء المشترك. ومن الأسباب الأولية للمرض هي العيش على المياه الملوثة، إذ قبل عملية العدوى كيف انتقل المرض لأول مصاب به في منطقة ما؟ وتكون الإجابة أن المتفطرة الجذامية تنمو في نوع من الرخويات تسمى “الحيوان المدرع”، وهذا الحيوان يعيش بالماء الملوث بالأساس. كما من الأشياء اللافتة للنظر وجود هذا المرض لدى بعض القرود والشمبانزي، لكن ربما يكون من المستبعد انتقال العدوى للإنسان عن طريق مثل هذه الحيوانات؛ لأن شرط انتقال المرض عن طريق العدوى هو المعايشة لفترات طويلة والاحتكاك المباشر مع المصاب.

فترة حضانة المرض

تعرف فترة حضانة المرض بأنها الفترة الزمنية بين دخول الميكروب أو الفطر أو الفيروس للجسم إلى ظهور أعراض هذا المرض على الجسم. وتعد فترة حضانة مرض الجذام من بين الفترات الطويلة جدا نظرا للبطء الشديد لنمو البكتيريا الجذامية. فهي تتكاثر بشكل بطيء جدا بالنسبة للأنواع الأخرى للبكتيريا؛ لذا ففترة الحضانة تتراوح بين 5 – 20 سنة، وبعضها يتعدى ذلك ل 40 سنة، وهنا تكمن الخطورة. وكلما كان اكتشاف المرض مبكرا كان مضاعفاته أيسر و علاجه أسهل.

كيف يتم تشخيص مرض الجذام

يتم تشخيص مرض الجذام من خلال التشخيص المخبري، إذ يتم دراسة البكتيريا الموجودة في عينة يتم تحضيرها وزراعتها خصيصا لهذا الغرض، وهذه العينة يتم أخذها من الأذن ومن بطانة الأنف الداخلية، ومن الملاحظ تواجد أعداد كبيرة من هذه البكتيريا. في العادة يشخص النوع الدرني بشكل سريع وذلك بعد سحب عينة من كافة مناطق الجلد. ومن الطرق المتبعة أيضا في عملية التشخيص قياس مستوى مادة البروستاجلاندين ل1، إذ في حالات معينة يمكن الكشف عنها.

أعراض مرض الجذام

ثمة نوعان من أعراض الجذام، أعراض أولية وأعراض ثانوية. فأما الأعراض الأولية فهي إحساس الجسم بالتخدر وفقدان الشعور بدرجات الحرارة من حيث هي ساخنة أم باردة، وللأسف الشديد فإن أعرض الجذام تظهر متأخرة جدا نتيجة البطء الشديد في نمو البكتيريا داخل الجسم، إذ تظهر الأعراض بعد ما يربو عن العام من دخول البكتيريا الجذامية للجسم.

وأما الأعراض الثانوية الظاهرة فهي تنقسم بدورها إلى نوعين، إذ ثمة نوعين رئيسين للجذام: وهما الجذام الورمي والجذام الدرني.

فأما النوع الأول وهو الجذام الورمي يمتاز بأن المناعة من خلال الخلايا تتأثر سلبا وبشدة، وتكون غير طبيعية، الأمر الذي يجعل من الجلد بيئة خصبة لنمو البكتيريا وتكون بكميات كبيرة جدا ويكون المريض معد للغاية، و الطفح الجلدي يكون شديدا جدا وموجودا على الجانبين من الجسم بشكل منتظم ومتشابه لاسيما في الوجه، ويكون الجلد أثخن عند مؤخر الرأس والشفاه والأذنين، وكل ذلك من شأنه أن يترك على وجه المريض بصمة مميزة للمرض نظرا لتميزه الشديد، ومن الأمور المميزة أيضا لهذا النوع من الجذام هي حدوث تحطم لعظام الأنف وللأصابع كما يتسبب هذا النوع من المرض في ضمور الخصيتين عند الرجال، كما تنتشر البكتيريا لتصل إلى الطحال و الغدد اللمفاوية والكبد.
وأما النوع الثاني وهو الجذام الدرني فهو يمتاز بظهور طفح جلدي يتميز لونه عن لون الجلد، ويكون في نفس مستوى الجلد متخذا شكل لويحات مفلطحة أو بقع ، وتظهر هذه اللويحات المفلطحة أو البقع على الجذع والأعضاء والوجه، وتكون حمراء الحواف يابسة بارزة، كذلك يهاجم الجذام الأعصاب الطرفية مؤديا إلى الخدران ، وهذا النوع من الجذام يتميز بحسن السيرة المرضية، إذ أن تقدم المرض يكون بطيئا جدا مصطحبا بحدوث التئام في الجروح ، ويعتبر هذا النوع من الجذام غير معد نظرا لاحتوائه على كميات قليلة من البكتيريا.

أساطير حول مرض الجذام

كان الجذام في الثقافة العربية يطلق عليه اسم “البرص”، وسوء فهم المرض جعل الجميع في الثقافات القديمة والتي لا زالت لها رواسب ممتدة إلى الآن ينظرون إلى المرض على أنه لعنة إلهية أو سيطرة أرواح شريرة على الجسم، فاقتصر علاجه على الكهنة وليس على رجال الطب.

كثير من الناس في الكثير من الثقافات القديمة يظنون أن هذا المرض إنما هو نتيجة أن المصابين به غير محافظين على نظافتهم، لذا من الضروري عدم مخالطتهم أو الاحتكاك بهم، ونتيجة لهذا الفهم الخاطئ للمرض فقد قامت بعض الثقافات القديمة بتخصيص ملابس للحاملين للمرض، هذه الملابس مزودة بأجراس لإعلام الناس بوجوب الابتعاد عن هذا الشخص. ونتيجة لهذا كان المصاب بمرض الجذام “الأبرص” منبوذا اجتماعيا.

كثير من الناس يظنون أن مرض الجذام يتسبب في سقوط الأطراف من الجسم، وربما نشأ هذا الاعتقاد الخاطئ نتيجة أن مرض الجذام يصيب بالأساس المناطق الأكثر برودة في جسم الإنسان، وهذه المناطق تشتمل في أغلبها على الأطراف، هذا بخلاف العينين وشحمتي الأذن وخلافه، وكان الأطباء قديما وقبل اكتشاف علاج للمرض يضطرون لبتر أطراف المصاب؛ فارتبط ذلك في أذهان العامة بأن الجذام يؤدي سقوط الأطراف من الجسم.
مرض الجذام قاتل وليس له علاج.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

واحد × 5 =