تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » كيف يكون الاختصار في الكلام سببًا للنجاح في الحياة؟

كيف يكون الاختصار في الكلام سببًا للنجاح في الحياة؟

هناك مقولة تقول: “تكلم حتى أعرفك” لكن أيضًا هناك الكثير من السلبيات التي يمكن أن يوجدها الكلام في حياة أي منا، و الاختصار في الكلام هو سلوك رشيد يتبعه الكثير من الناجحين في الحياة كما سنرى في السطور التالية.

الاختصار في الكلام

إن الاختصار في الكلام أصبح مهارة لا غنى عنها هذه الأيام، فنتيجة للتقدم المذهل في التكنولوجيا، فإن العالم المعاصر الذي نحيا فيه، يخضع لسطوة الكم الهائل والجبار من المعلومات المتدفقة والسريعة التي تتحرك أمامنا في كل ثانية. ولا يمكننا أن نعمل على ملاحقتها أو استيعاب هذا الكم الهائل، لذلك نقوم بالتركيز على ما هو هام فقط واستبعاد الزوائد والحواشي التي لا تهمنا من تلك المعلومات المتدفقة. نستطيع فعل ذلك من خلال الاختصار في الكلام والإيجاز أثناء تواصلنا مع الآخرين، لنقول ما قل ودل فقط. ومن ثمّ نستطيع أن نخلق ونصنع تأثيراً كبيراً بكلام قليل ومختصر. هذا ما سوف يتناوله المقال ومن ثمّ يعزز مهارة الاختصار في الكلام من أجل حياة أفضل على كافة المستويات، الشخصية والعملية. وسوف نتعرف من خلال السطور التالية على إجابات للعديد من الأسئلة الخاصة بتلك المهارة الهامة، مثل: كيف يؤدي الكلام الزائد عن الحاجة والشرح المطول إلى خسارة مالية كبيرة أو فقدان لأشخاص من حياتك العملية أو الشخصية؟ ولماذا يمكنك أن تقول الكثير وتحدث تأثيراً قوياً من خلال صورة مرئية أكثر من حديث مطول لمدة ساعتين؟ وما هي أهم الأسباب التي تدفع الناس للاسترسال في الكلام والشرح المطول دون فائدة تذكر من هذا الحشو، وكأنهم يكررون كلامهم بشكل دائري؟

مهارة الاختصار في الكلام تجعلك مسموعًا بشكل أكبر

يتسم العالم المعاصر اليوم، بتقدم سريع ومدهش في مجالات التكنولوجيا والاتصالات، إلى الحد الذي أصبحنا نصف فيه هذا العصر بأنه عصر المعلوماتية والإنترنت. ومن ثمّ أصبحت المعلومات متوفرة أمامنا بشكل هائل قد نعجز في كثير من الأحيان عن متابعتها، وكذلك فإنها تتدفق وتتحرك بشكل سريع للغاية، فمن منا لديه القدرة الفائقة على ملاحقة هذه السرعة والوفرة الهائلة؟ انظر على سبيل المثال، إلى تعاملات الناس اليومية مع الإنترنت وهواتفهم الجوالة، لتؤكد لك التقارير والإحصاءات أن الأفراد يراجعون هواتفهم بما يقارب 150 مرة في اليوم الواحد. وهذا يتطلب أن يتوقف الموظف التقليدي عن ممارسة ما يقوم به كل ثمانية دقائق لكي يراجع هاتفه. وانظر أيضًا إلى من يعمل في مجال السوشيال ميديا والبرمجيات، لتجده يستقبل مئات من الرسائل بشكل أسبوعي.

هل نمتلك إذن، القدرة الذهنية والملكات العقلية اللازمة لملاحقة ومتابعة هذا التدفق المتضخم والسريع للمعلومات أمامنا في كل دقيقة وفي كل ثانية من حياتنا؟ إن إجابة هذا السؤال واضحة تمامًا، ذلك لأننا سوف نغرق ونضل الطريق وسط هذه الأمواج العاتية من المعلومات. فليس من السهل أن نعطي انتباهنا وتركيزنا الكاملين لهذا الكم من المعلومات دون أن نتشتت سريعًا. لذلك أصبح لعنصر الوقت أهمية كبرى في عصر المعلومات، لأن من لا يتخذ في اعتباره الاختصار في الكلام والإيجاز والتحديد السريع للهدف المطلوب، سوف يتخطاه الآخرين دون اهتمام أو انتباه لما يقول.

لقد أصبح كل شئ في عالمنا يحدث ويتم بسرعة كبيرة، ففي مجال الإعلانات على سبيل المثال، سنجد أن الإعلان التليفزيوني أصبح يتسم بالسرعة و الاختصار في الكلام وربما دون كلام مطلقًا، لذلك علينا نحن المشاهدين أن ننتبه لمحتوى الإعلان ونفهمه رغم سرعته. وهو ما تؤكده بعض التقارير حيث وجدت أن السنوات الخمس الأخيرة قد تحول زمن جذب الانتباه من 12 ثانية إلى 8 ثوان. ومن ثمّ فإنه يتوجب علينا أن نصارع من أجل الوصول إلى المعلومات المطلوبة بشكل محدد والتي نريدها هي فقط دون غيرها.

كيف نستطيع إذن أن تصل بسرعة إلى هدفنا مع الاختصار في الكلام ، لكي تشد انتباه الآخرين ويعطونك التركيز اللازم دون تشتت ومن ثمّ تصبح مسموعًا بشكل أكبر؟ لكي تفعل ذلك وتحقق غايتك المنشودة، فإنه يتعين عليك القيام بأمرين. أولاً: أن تقوم بصياغة وطرح عناوين جذابة تشد المستمعين نحوها وتجعلهم في حالة انتظار وتشوق لسماع المحتوى والمضمون الكامن خلف تلك العناوين. ثانياً: عليك أن تقوم بعرض وتقديم النتائج أو التوقعات أو الأهداف التي تريدها، بشكل سريع ومباشر أمام المستمعين، ومن ثمّ لا تقدم سيل من المعلومات بشكل بطئ والتي لن تفيد كثيراً بل ربما ستضلل المستمعين عن النتائج والأهداف النهائية التي تريد الوصول إليها. إن المديرين التنفيذيين، على سبيل المثال، لن يكون أمامهم فرصة لتذكر كم كبير من المعلومات التي تعرض أمامهم، لذلك ينبغي عليك الاختصار في الكلام والتركيز على الأهداف والنقاط الرئيسية مباشرة، عندما تريد محادثتهم، وإلا لن يتذكروا ما ستقوله.

نستطيع أن نقرر في النهاية أن التحدث ببطء والعرض التفصيلي للمعلومات والموضوعات، دون أن تدخل في لُب الموضوع سريعاً وبشكل موجز؛ سوف يجعلك تفقد الكثير من المال والأشخاص وتقديرهم لك. لذلك نجد الأشخاص الأكثر فعالية ونجاحًا يسعون دائمًا نحو الوضوح والسرعة في كل شئ، ولا يتقبلون التناول الممتد والطويل للموضوعات والمعلومات.

أهم الأسباب التي تقف عائقًا أمام الاختصار في الكلام

ما هو السبب الذي يجعل الناس يسترسلون في أحاديثهم ولا يتكلمون باختصار أو تركيز على النقط الهامة فقط، حتى لا يمل منهم الآخرون أو يتشتت انتباههم؟ إن هؤلاء الأشخاص الذين يتحدثون كثيراً دون ملل ودون حاجة إلى هذه الزوائد، يمكنهم أن يستبعدوا تلك الزوائد أو اختصارها لكلمات أقل وفي نفس الوقت يصل المعنى المراد بقوة وتركيز. فلماذا يصعب عليهم فعل ذلك؟ إن السبب الكامن في تلك المشكلة يعود إلى شعورهم بالاسترخاء وعدم التوتر مع من يتحدثون إليه، وكذلك شعورهم بالثقة الزائدة في حديثهم ومعلوماتهم وأفكارهم، لذلك يعتبرون أنفسهم أهلاً للتحدث عن الموضوع الذي يتناولونه، ومن ثمّ يلجأون إلى الشرح التفصيلي الطويل دون محاولة الإيجاز أو الاختصار في الكلام .

فعلى سبيل المثال، عندما يتحدث شخص إلى صديق مقرب إليه، سوف يشعر بالسهولة وعدم التوتر أو التحفظ على ما يقوله، لذلك ينطلق دون اعتبار لأي زوائد في كلامه، بل ربما يكرر كلامه أكثر من مرة دون أن يشعر بذلك وكأنه يدور في حلقة مفرغة. وأيضًا عندما يسألك شخص ما عن موضوع خاص، تعتقد أنت أنك على دراية وعلم كافي به وكأنك خبير في الموضوع، فسوف تتحدث إليه بشكل مفصل وطويل دون الاختصار في الكلام أو تلخيص لحديثك، إنه شعورك الزائد بالثقة. لكن في حقيقة الحال أن كل تلك الأحاديث والأقوال الزائدة عن المطلوب سوف تكون عديمة الفائدة وربما تعمل على الملل وتشتيت انتباه من يستمع إليك.

هناك أيضًا سببًا آخراً وراء الاسترسال في الأحاديث المطولة والكثيرة، وهو عدم وضوع الفكرة وانتظامها في ذهنك بشكل بسيط دون تعقيد. فعندئذ ستبدو وكأنك تفكر بلسانك أولاً ولذلك يخرج منك كلمات كثيرة مبهمة وغير مرتبة أو مرتبطة ببعضها البعض، لأنك فقدت التركيز وتفكر بشكل معقد وسريع. لذلك ستترك انطباعًا لدى الآخرين بأنك غير منتبه لما تقول وتتحدث دون تركيز. عليك إذن أن تراجع كلماتك وأفكارك وتنظمها جيداً قبل أن تنطلق في الحديث مع الأشخاص الآخرين، حتى لا تفقد بريقك وتركيزك وانتباه الآخرين لك.

الاختصار في الكلام يأتي من التحضير المسبق للأفكار وتنظيمها

تستطيع أن تصل إلى مستوى جيد من الاختصار في الكلام والإيجاز في الحديث وفي نفس الوقت تصل إلى هدفك والنقاط التي تسعى لها بشكل سريع وقوي، كل ذلك من خلال اتباع أسلوب يعتمد على الإعداد المسبق والتحضير لما سوف تقوله أو تعرضه على مستمعيك. ومن ثمّ لن تدفع من يستمع إليك إلى الملل وعدم الانتباه والتشتت مع حديثك التفصيلي الطويل أو المعقد. فقط من خلال التنظيم والتخطيط المسبق يمكنك فعل ذلك. فسوف تجد أن حديثك عن موضوع ما سوف يكون أكثر وضوحًا وأنك قادر على الاختصار في الكلام عندما تعتمد على تحديد النقاط العامة وكذلك تحضير رسومات وخرائط فكرية موجزة من شأنها أن تعمل على تنظيم وتبسيط عرض المعلومات والبيانات التي تقدمها وتعبر عنها.

ابدأ أولاً في حديثك من خلال مقدمة مختصرة وبسيطة. تحتوى هذه المقدمة على نظرة سريعة وإجمالية إلى الموضوع الذي سوف تتناوله. وكذلك قم بطرح الإشكالية أو السؤال المركزي أو الرئيسي للموضوع وأيضًا الأسئلة الفرعية التي سوف تناقشها. وعندما تقوم باختيار العناوين الرئيسية أو الفرعية التي ستقوم بتفصيلها، عليك أن تجعلها عناوين جذابة ولافتة للانتباه بحيث تجعل المستمع في حالة من الانتظار والترقب لما سيستمع إليه داخل هذا المحتوى التالي. يمكنك أن تبدأ بعد ذلك في العرض المفصل للموضوع، مع من يستمع إليك سواء كان فرداً أو أكثر. يتم ذلك بعد أن يلتفت إليك الشخص ويكون جاهزاً لكي يستمع ويركز في حديثك. قم أولاً بتوضيح السبب الأساسي الذي يدفعك لهذا الحديث أو مقابلة هؤلاء هذا الشخص، وما علاقته بالمعلومات التي سوف تقدمها وأهمية الموضوع نفسه. ثم ابدأ في عرض المعلومة الرئيسية التي تود إيصالها للمستمع. وعندما تصل إلى نهاية حديثك، قم بعرض موجز ختامي يوضح ما تحدث عنه لكن في صورة خطوط عريضة ومحددة. ثم قم بذكر المهام المطلوب تنفيذها في المرحلة المقبلة، لكي يتم إنجاز ما تم عرضه والتحدث عنه. وعليك أن تستعد لاستقبال أسئلة واستفسارات المستمعين عن الموضوع الذي تحدثت فيه. ويفضل أن تتوقع هذه الأسئلة بشكل مسبق وتجهز إجابات قبل أن تبدأ.

ومع تطبيقك لهذا الأسلوب بشكل دائم ومستمر، بحيث تتحدث دائمًا انطلاقًا من تحضير وتنظيم وتجهيز مسبق لما سوف تقوله، فإنك سوف تجد تقدم سريع في طريقة عرضك وإيجازك و الاختصار في الكلام ، ومن ثم تصل لهدفك عن طريق أقصر الطرق الممكنة.

استخدم الصور والوسائل المرئية لتساعدك على الاختصار في الكلام

لقد أدى التطور السريع للتكنولوجيا في العالم الحديث، إلى تصدر الوسائل المرئية والصور في واجهة العصر الذي نعيشه، إلى الحد الذي جعل البعض يصف عصرنا هذا بأنه عصر الصورة. فكما يقولون قديمًا (الصورة تساوي ألف كلمة)، فإن هذا القول يقترب من الصحة إلى حد كبير. فمن خلال الصور يتم توضيح وتأكيد الشئ أمام المتلقين، فالصورة تمثل أداة جبارة تستخدم في الإقناع والتذكر وتعميق الفهم لأي موضوع، مقارنة بما تم عرضه في صورة لغوية فقط، وهذا بدوره يساعد على الاختصار في الكلام .

وتكشف لنا الإحصاءات أن الناس يستطيعون تذكر 80%مما يشاهدونه مقابل 30% مما يقرأونه. كذلك فإن 65% من الناس يتمكنون من التعلم من خلال المشاهدة والنظر. وانطلاقًا من تلك الحقائق، فعليك أن تجعل تلك الوسائل المرئية من رسومات وصور وفيديوهات، كدعامات وعناصر في توضيح وإيصال موضوعك الذي تريد التحدث عنه. عندئذ قد تكتفي بصورة واحدة وتتمكن من الاختصار في الكلام . فنتيجة لوتيرة السرعة والتدفق الهائل في المعلومات وتفاصيل الحياة اليومية، فإن الناس لم يعد لديهم الوقت الكافي للقراءة أو سماع التفاصيل الكثيرة التي تشتت انتباههم. وهو ما تعتمد عليه بعض الصحف والمجلات عندما تجعل النسبة الأكبر من محتواها، عبارة عن صورة وأشكال توضيحية، ومن ثمّ تستطيع إيصال رسائلها وأفكارها بشكل سريع ومختصر.

استخدم الحكايات والقصص بشكل موجز لتجذب انتباه المستمعين

إن استخدامك لسرد الحكايات التي تم تحضيرها بشكل منظم وجيد أمام المتلقين، له فاعلية كبيرة عن مجرد الإقناع وتسويق رأيك وأفكارك الخاصة بشكل تقليدي. كما أنه يقرب المسافات ويشعر معه الناس بالألفة والتواصل الجيد، وبالتالي تستطيع توظيف القصة الموجزة كأداة ذكية ضمن استراتيجية الاختصار في الكلام التي تتبعها. وتتميز القصة الجيدة بوجود عدة عناصر أساسية، هي: عنوان جذاب وقوي، مدخل تمهيدي يشد الانتباه، إحساس بوجود صراع وتنافس، إيقاع صوتي متميز، اتساق وتسلسل منطقي في الأحداث، وأخيراً خاتمة جيدة؛ فالقصة يجب أن تحتوى على معنى ومضمون وتحقق نتيجة وتصل إلى نقطة مقصودة في النهاية.

ولكي تتجنب الوقوع في أخطاء إذا أردت أن تستخدم السرد والحكايات في عرضك، فينبغي أن تبتعد عن القصص الخرافية والخيالية وقم بالتركيز على قصص عمل ونجاح حقيقية. كذلك يجب أن تكون القصة قصيرة والدخول إلى أساس الموضوع بشكل مباشر وسريع دون التطويل. إن الناس واقعون تحت حصار مصطلحات ولغة العمل التقليدية في الشركات والمؤسسات، لذلك تستطيع أن تجذبهم وتشد انتباههم عن طريق سرد الحكايات لتصبح أكثر وضوحًا وإيجازاً.

كُن مستمعًا جيداً لكي يمكنك الاختصار في الكلام

إن قدرتك على الاستماع والانصات الجيد والتركيز في أحاديثك وحواراتك مع الآخرين دون قطع للحوار بشكل سريع ومفاجئ، يشكل أهمية وإفادة حقيقية بينك وبين الآخرين. فتركيزك ومعرفتك بالأشياء المهمة بالنسبة إلى الشخص الذي تتحاور معه، سوف يجعلك أكثر انضباطًا وتحديداً في حديثك ومن ثمّ تتمكن من الاختصار في الكلام . وتصل إلى هذا من خلال وضع مهارات الاستماع الجيد والأسئلة والتواصل المتبادل الفعال بين الطرفين، في الحسبان. ومن ثمّ يحقق الحوار نتائج وتأثيرات أكبر، ويصبح التحدث ممتع مع هذا الشخص.

قم أولاً بالاستماع إلى الآخرين جيداً واتركهم يعبرون عن وجهة نظرهم وأفكارهم. ولكي تحقق هذا بشكل فعال، فحاول أن لا تقاطعهم وتشتت تركيزهم، ثم استمع بانصات جيد إلى ما يقولون؛ وهذا يعني أنك ستركز على ما تسمع دون أن تكون مشتتًا في اتجاه آخر. لذلك استمع بانتباه إلى المفردات الأساسية والمفتاحية فيما يقولونه، ولا تغفل تاريخًا أو معلومة مهمة يذكرونها، من الممكن أن تنفعك في الرد عليهم. والآن عليك أن تكون جاهزاً للتفاعل والرد عليهم بردود مناسبة، مع إظهار اهتمامك وانتباهك لكل ما يقولونه. وأثناء الرد عليهم، لا تتجه نحو مناقشة موضوعات وأمور جديدة، بل ناقش القضية والموضوع المطروح بالفعل، بشكل محدد. يمكنك أيضًا أن تعمق هذا التواصل المتبادل بينك وبين الطرف الآخر من خلال مداخلة بسيطة أو طرح سؤال، لكي تظهر اهتمامك وتفاعلك مع ما يقول. وكلما كنت على دراية بالمواضع التي ينبغي أن تتوقف عندها ولا تتكلم، لتسمع فقط، وكلما كان الاختصار في الكلام على قل ودل داخل حسبانك .. كلما حققت إفادة أكبر في هذا الحوار المتبادل.

إن الانصات الجيد لما يقول الآخرين يمثل شرطًا أساسيًا لكي تصبح متحدثًا متميزاً. ومن ثمّ تتمكن من تقديم ردود ملائمة ومختصرة لما سمعته. ولا ينبغي أن يكون دورك سلبي في مشاركة الحديث، كما لو كنت تقف في طابور منتظراً دورك في طرح النقاش والحوار، بل تحرك مع الطرف الآخر بمرونة ويسر نحو الموضوع وتشارك معه أطراف الحديث كما لو كانت لعبة رياضية جماعية. وفي النهاية ستكون قدرتك على الاختصار في الكلام أبلغ وأدل وأكثر إفادة من الاستغراق في التفاصيل الهامشية غير المؤثرة والزائدة عن الحاجة في الحوار.

إن احترامك لوقت الآخرين هو جوهر فوائد قلة الكلام

هل تعلم أن المدير التنفيذي قد يستهلك حوالي 60% من عدد ساعات عمله في لقاءات واجتماعات؟ وقد تكون هذه اللقاءات لا فائدة منها سوى إهدار لوقته الثمين، حينما لا تكون منظمة ومختصرة جيداً. لذلك عليك أن تراعي هذا الأمر باستخدام حد زمني للعروض والمناقشات التي تتم في هذه الاجتماعات. والحقيقة أن الاختصار في الكلام والتركيز في الحديث على ما قل ودل وعلى المختصر المفيد من الموضوعات أثناء تواصلك مع الآخرين سواء كنت في اجتماع عمل أو عروض ولقاءات أو حتى التواصل معهم عبر البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعية .. كل ذلك يمثل درجة عالية تدل على احترامك وتقييمك لوقتهم، ومن ثمّ فهو ليس مجرد وسيلة نستخدمها في العمل فقط من أجل الإنجاز، بل هو أيضًا مؤشر على ذوقك وتقييمك للأشخاص وللوقت، وسوف ينطبع بالفعل لدي من تتواصل معهم هذا الشعور بالاحترام المتبادل تجاهك نتيجة لهذا الاختصار في الكلام على المفيد فقط.

ولكي تتمكن من تحقيق هذا التركيز على ما قل ودل، قُم بتقديم تعريف تمهيدي للموضوع الذي تتناوله، من خلال البداية بسؤال يوضح السبب الذي من أجله يتم مناقشة الموضوع (لماذا). سوف يدفع هذا التوجيه نحو الوصول لإجابات على الإشكاليات والأسئلة المهمة المطروحة في الموضوع، بشكل سريع. والقاعدة الأساسية هنا، هي أن لا تؤجل النقاط المهمة والمحورية في موضوعك حتى تأتي للنهاية، بل قم بطرحها أمام المتلقين مباشرة لتشد اهتمامهم وتجعلهم في ترقب وشوق لمعرفة المزيد.

ولا ينبغي أن تتحدث بشكل مندفع وتقول كل ما تفكر فيه بشكل فوري كما لو كنت تقوم بعصف ذهني بصوت مرتفع، لأن ذلك سوف يقلل من انتباه وتقدير الآخرين لك، وربما تفقد عملاً أو أموالاً كبرى نتيجة لهذه التصرفات التلقائية المطولة. وعندما تقوم بتوصيل معلومة سارة للآخرين استخدم مهارة الاختصار في الكلام أيضًا وتوجه مباشرة نحو النتيجة المهمة والمفيدة. وعندما تريد إيصال معلومات حزينة وسلبية إلى الآخرين، فقم باختصارها أيضًا حتى لا تركز وتؤكد على مسامع المتلقي التفاصيل المؤلمة والسلبية بشكل طويل وبطيء، وبالتالي يصبح تأثيرها قوي عليه مقارنة بما لو قمت باختصار التفاصيل. وفي كافة تفاصيل حياتك سوف تكسب الكثير من الاحترام والأعمال والصفقات والأشخاص حينما تتخذ من مهارة الاختصار في الكلام منهجًا لك، وتوجز في كلامك بما قل ودل.

خاتمة

لقد رأينا كيف أن العالم المعاصر بنظامه التكنولوجي والاقتصادي يحتاج بشدة إلى الإيجاز والاختصار. وبالتالي علينا أن نلتزم بالوضوح والكلام الأقل المؤثر والمفيد، وإلا كانت النتائج غير مضمونة، وقد نخسر العديد من الموارد والوقت والمال والأشخاص. لذلك عليك أن تتخذ من الاختصار في الكلام مبدأً غير قابل للتفاوض أو الرجوع عنه. وليكن الوقت المناسب هو صلب الموضوع وعليك أن تدخل في صلب الموضوع وإلا ستكون العواقب وخيمة. وإليك تلخيص موجز لأهم النقاط التي تساعدك على تحقيق ذلك:

  1. قم بصياغة عناوين جذابة ولافتة للانتباه لموضوعاتك التي تتحدث عنها.
  2. قدم النقاط والنتائج المحورية والهامة في بداية حديثك ولا تنتظر حتى النهاية.
  3. قم بالتخطيط والتحضير المسبق لما سوف تتحدث عنه أمام المتلقيين.
  4. استخدم اللغة البصرية والمرئية كالصور والفيديوهات لتصنع تأثيراً أكبر من الكلمات.
  5. استخدم طريقة سرد قصص أو حكايات بسيطة وموجزة أثناء إلقاءك لموضوع أمام الجمهور.
  6. اعتمد على مهارة الاستماع الجيد للآخرين لتتمكن من الاختصار في الكلام والتركيز على المهم.
  7. استخدم الإيجاز والقليل من الكلمات الواضحة والمؤثرة في كافة لقاءاتك واجتماعاتك ورسائلك .. لكي تحظى بالاحترام والوصول السريع لهدفك.

محمد السيد

باحث أكاديمي ومترجم - ماجستير آداب جامعة القاهرة.

أضف تعليق

5 − 5 =