تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » كيف تعرف من يكرهك وتتعامل مع مشاعر الكراهية بكفاءة؟

كيف تعرف من يكرهك وتتعامل مع مشاعر الكراهية بكفاءة؟

مشاعر الكراهية أجسام مضادة لمشاعر الحب ظهرت بعدها بفترة وجيزة، فقد كان الحب هو الشعور السائد على الأرض حتى اختلف ابني آدم وتقاتلا، ليبدأ الكره في الانتشار.

مشاعر الكراهية

معرفة من يضمر مشاعر الكراهية لك أمر هام جدًا، فإذا كنت تعتقد أن البشر ملائكة على الأرض وأنهم يعيشون في حب وإيخاء فأنت بالتأكيد شخص مسكين لأقصى درجة يمكن تخيلها، بل إن ثقتك في البشر سوف تقتلك في يوم من الأيام، والحقيقة أنه لا مجال للعجب من أمر كهذا، فالتطور الطبيعي للكره هو التفكير في إيذاء الآخرين، ولهذا نقول إن عليك أن تعرف جيدًا من يكرهك ومن يضمر الشر ويتمناه لك، لأنه وببساطة قد يتسبب في أذيتك، والأفضل من كل ذلك أن تتعرف على هذه المشاعر وتعرف كذلك كيفية التعامل معها، وهذا بالضبط ما سنحاول تبسيطه سويًا خلال السطور القادمة، حيث مشاعر الكراهية والتعرف على الحاملين لها وكيفية التعامل معهم بأفضل طريقة ممكنة.

تعريف الكراهية

مشاعر الكراهية هي أسوأ شعور يمكن أن تشعر به في يوم الأيام، والشعور الوحيد كذلك الذي ستتمنى من كل قلبك ألا يشعر به أي شخص تجاهك، فهي رغبة في التدمير والصراخ والضرب وكل شيء سيء يمكن أن يجول بخاطرك تجاه من تكرهه، بل إنك ستشعر في الأغلب بالرغبة بإنهاء ذلك الشخص من العالم نهائيًا واقتياده إلى الموت بيدك إن أمكن، أو الاكتفاء على الأقل بتمني هذا الأمر والدعاء بتحققه في أقرب وقت، أرأيتم إلى أي حد تبرز خطورة الكره!

مشاعر الكره لا تكون غالبًا تجاه الأشخاص فقط، فقد تكره الجمادات والحيوانات وأي شيء تشعر به على وجه العموم، بل أنك قد تكره نفسك، وهذا بالتحديد أقصى مراتب الكره والتي يمكن القول بعدها أنك قد وصلت إلى حالة صعبة جدًا تحتاج لتدخل المتخصصين، لأنك ببساطة شديدة قد تقتل نفسك دون وعي، فقط لأنك تكرهها.

الكراهية بعد الحب

أسوأ أنواع الكراهية على الإطلاق، بعد كرهك لنفسك، هي مشاعر الكراهية التي تكنها لشخص كنت في السابق تحبه، ونحن هنا نتحدث عن علاقات الحب العاطفية تحديدًا، فقد سمعنا كثيرًا عن قصص حب رائعة يُمكن أن تُسجل في التاريخ، ومع أول اختبار حقيقي يتبخر ذلك الحب ويتحول إلى كره، وقد يقوم الشخص، الذي كان يقول لمحبوبته أن لها وجه كالقمر، بإلقاء ماء النار على وجهه وحرقه، هكذا يفعل الكره بالناس.

الكراهية التي تأتي بعد الحب عادة ما تكون بنفس مقدار الحب الذي كان، أو ربما أكثر، لكنها لا تكون أقل، وهؤلاء الذي يتحولون للكراهية يتمنون دائمًا فشل الشخص الذي تركهم وانكساره وتعثره في كل خطوة يخطوها، تخيلوا أن الشخص الذي كان يُخطط للارتقاء لأعلى القمم رفقة شخص آخر أصبح الآن يجد متعته الكاملة في رؤية ذلك الشخص يتحطم، بل بات ينتظر بشغف اليوم الذي يسمع فيه خبر موته، ولهذا ذكرنا أن أسوأ أنواع الكره هي تلك التي تأتي بعد الحب.

كيف تعرف من يكرهك؟

معرفة الشخص الذي يكن لك مشاعر الكراهية أمر ليس بالهين على الإطلاق، فعندما تُفكر بالأمر ستجد أن نسبة لا تتجاوز التسعين بالمئة ممن يكرهونك يكنون ذلك الشعور، بمعنى أدق، يتوارون عنك، وبالتالي من الصعب اكتشافهم، ولم تتمكن من فعل ذلك إلا بعد أن تكون ناضجًا وواعيا بما فيه الكفاية، فالأمر الآن أصبح أشبه بشخص يُجاهد لكي يُخفي شيء وآخر يُجاهد كي يكشف ذلك الشيء، إنه أمر صعب بالتأكيد، خاصةً مع بعض صفات الدهاء والتمويه التي يمتاز بها البشر، لكننا سنحاول معًا وضع بعض الأمور التي مع وجودها يُصبح يقينًا أن ذلك الشخص الموجودة فيه كاره لك، ولنبدأ تلك اللائحة بالأمر الأكثر وضوحًا على الاطلاق، وهو تمني الفشل وكره النجاح.

 تمني الفشل وكره النجاح

عندما تشعر بأن ثمة شخص يتمنى فشلك ويكره نجاحك فاعلم يقينًا أنه يكن لك مشاعر الكراهية بدرجة كبيرة، وبالتأكيد هو ليس بساذج لكي يأتي ويُخبرك أنه يتمنى فشلك ويكره نجاحك، لكنك سوف تكون قادرًا على اكتشاف الأمر بسهولة من خلال المشاعر، كما أن شيء ما بداخلك سوف يستوقفك دائمًا تجاه ذلك الشخص، والأسهل من كل ذلك هي تعبيرات وجهه عندما تُعلن خبر جيد أو سيء لك، هذا على الرغم من أن هناك بعض الأشخاص يشبهون الأفاعي بالضبط، ويُمكنهم التلون وإخفاء الأمر، لكن شعور ما بداخلك سيفضحهم كما ذكرنا.

اصطناع الابتسام أو عدمه

الابتسامة دليل قوي من دلائل الحب، والحقيقة أن مشاعر الكراهية كي تضح لا تحتاج إلا لنقيض تلك المشاعر بالضبط، فالشخص الذي يكرهك لن يبتسم في وجهك ابتسامة صافية أبدًا، وإذا صادف ورأيته يبتسم فانظر هل هي ابتسامة صادقة حقيقية أم هي زائفة، وثق تمامًا أنك سوف تكتشف ذلك الأمر، بالابتسامة هي الشيء الوحيد الذي لا يمكنك أبدًا أن تخدع الناس به، مهما فعلوا، إذا كانت الابتسامة مصطنعة فسوف تعرف ذلك من الوهلة الأولى، هذه أمور لا تمر على القلب.

التسبب في الألم

إنه شخص يكن لك مشاعر الكراهية، لذلك من البديهي جدًا أن يحاول جاهدًا أن يُسبب لك الألم ويُغيظك، حتى ولو كان الأمر بسيطًا، هو لن يتمكن من إخفاء ضلوعه في هذا الألم الذي يحدث لك، والحقيقة أن هذا النوع تحديدًا هو الأكثر وضوحًا ويُمكن كشفه لك بسهولة، فبقليل من البحث يُمكنك أن تعرف من يقف وراء ألمك ولماذا قد يُريد مُضايقتك، والكره أيضًا سوف يبدو لك كنار تتلألأ من عينيه، يُمكنك أن تشعر بحرارتها وأن تكتوي بها إذا تعاظم الأمر، هل بعد كل ذلك لا يمكنك الاستدلال على أن الشخص الواقف أمامك يكرهك؟

تصيد الأخطاء وتجنب المدح

من الطبيعي أن تجد الثناء الشديد عندما تقوم بأمر جيد، لكن، في حالة إذا ما كان لك شخص يكن مشاعر الكراهية فإنك لن تجد شيء سوى الانتقاد وتصيد الأخطاء، حتى ولو فعلت شيئًا جيدًا ولم يجد الشخص الكاره لك أي عيب يُمكن استخراجه فإنه سوف ينسحب دون أن يعترف بعظم ما فعلت أو يمدحك، سوف يحرص في مرة على أن يُقلل منك مهما كلفه الأمر، وسوف تكون بالنسبة له مجرد منتجع من الأمور الجيدة به القليل من الأمور السيئة والأخطاء، هو سيتولى مهمة البحث عن الأخطاء داخل ذلك المنتجع، والسبب ببساطة أنه يكرهك.

الفرار وقت الشدائد

إن وقت الشدائد هو الوقت الأمثل لإظهار الحب، هذا أمر لا خلاف فيه، فقد جرت العادة على كون الأصدقاء المُقربين المُتحابين هم الأكثر وقوفًا بجانب بعضهم البعض، ولهذا عندما ترى العكس من شخص مقرب منك فاعلم يقينًا أنه يكن لك مشاعر الكراهية، بل بالعكس تمامًا، فبدل أن يساعدك وقته الشدائد ستجده حريصًا في كل مرة على أن يضع أمامك العراقيل التي من شأنها أن تجعلك تتعثر، وللأسف ستتعثر، لكنك في نفس الوقت ستعرف جيدًا من يُحبك ومن يكرهك.

عدم النظر إليك

الشخص الذي يحمل مشاعر الكراهية تجاهك لن ينظر إليك، وإذا فعل فلن يكون النظر من أجل أي شيء سوى تملقك بغل وحقد، هذا هو الكره في أبهى صوره، لكن للأسف لن تتمكن من اكتشاف ذلك لأنه سيحرص على فعله في الوقت الذي تُعطيه ظهرك فيه، هكذا هم الكارهون، مستعدون للطعن والخيانة، وهكذا هم الطيبون دائمًا، مُعرضون للاحتكاك بمثل هؤلاء، والذين لا يمكن مواجهتهم سوى بالحرص وأخذ الحيطة دائمًا في كل شيء.

الكراهية في علم النفس

علم النفس بالتأكيد لم يترك مشاعر الكراهية دون أن يتناولها بالدراسة والتحليل، فهي ظاهرة مثل أي ظاهرة أخرى، بل إنها في الحقيقة ظاهرة جديرة بالدراسة أكثر من أي شيء آخر، والواقع أن خبراء علم النفس أول ما بحثوا في الكره بحثوا عن أسبابه التي تكون عادة مُتمحورة حول الغيرة والحسد والحقد على الآخرين، ولقد أرجع العلماء أكثر من تسعين بالمئة من العلاقات التي تتحول إلى كراهية لأسباب الحقد، فقد قالوا بأن الرغبة في التفوق على شخص تتحول إلى كراهية إذا لم يستطع ذلك الشخص تحقيق ذلك التفوق.

علم النفس بحث كذلك في أصل العلاقة بين الطرفين، الكاره والمكروه، فوجد أن ثمة اشتراك كبير في الذنب بينهما، فعادة ما يسمح الشخص المكروه للآخرين بكرهه، وذلك من خلال التعجرف والتكبر على من هم معه في نفس المجال، وعادةً ما تجد مشاعر الكراهية فرصة سانحة للانقضاض على هؤلاء الذين تحكمهم علاقات واحدة مع تفوق للبعض على الآخرين.

تحليل مشاعر الكراهية

إن تحليل مشاعر الكراهية أمر لا يحتاج في الحقيقة إلى عناء بأي شكل من الأشكال، فهي مشاعر مُتدنية سوداوية تشاؤمية، فالشخص الكاره لشخص يفقد الأمل تمامًا في إصلاح العلاقة المتوترة بينهما، هذا في حالة أنه قد قام بالمحاولة من الأساس، ثم مع الوقت يأخذ الكره مكان التوتر والحقد، ويُصبح من غير الممكن التراجع عن ذلك الشعور لأن الأمور تأخذ الألوان السوداء كما ذكرنا، وهذا ما لا يُحمد عقباه أبدًا.

مشاعر الكراهية عند التحليل سيتضح بما لا يدع مجالًا للشك أنه عبارة عن طبقات من كل شيء سيء يُمكن تخيله، فهي حقد وغل ونفور وتمني للفشل، وكذلك التطور الأخير الذي يحدث في حالات نادرة فقط، وهو الرغبة في القتل، تخيلوا أن شخص قد يرغب في قتل آخر لمجرد أنه يكرهه، وتخيلوا أن ذلك الكره قد نشأ في الأساس بسبب الحقد والحسد، والسؤال الآن، ماذا لو حاول ذلك الشخص الكاره استغلال طاقته في التحسن والحصول على أفضلية، ولو معنوية، على الشخص الذي يكرهه ويتمنى موته، ألن يكون ذلك الأمر أفضل وأكثر فائدة له وللمجتمع! لكن، كيف يحدث ذلك في وجود أكثر الكارهين للبشر بأكملهم، الشيطان اللعين.

الشيطان ومشاعر الكراهية

مما لا شك فيه أن الشيطان يجد نفسه بكثرة بين الكارهين لبعضهم، والحقيقة أن هذا الأمر ليس بالغريب، فحقد الشيطان وكرهه لسيدنا آدم مع رفضه للسجود له عندما أمر الله بذلك هو الذي أنزل آدم إلى الأرض وتسبب في كل هذا الجحيم الذي نعيش فيه، ولذلك فهو يُريد إدراج الكره في كل علاقة إنسانية موجودة على وجه الأرض، وصدقًا هو بارع جدًا في هذا الأمر، إضافةً إلى أن البشر يتركون له المداخل الذي يستطيع الولوج منها وتحقيق رغبته المجنونة تلك، ولا مواجهة له بالطبع أفضل من التقرب من الله والتعوذ من الشيطان في كل وقت ومكان لإغلاق المداخل عليه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

3 × 1 =