تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » لغة السرد : كيف تختار لغة السرد المناسبة لكتاباتك؟

لغة السرد : كيف تختار لغة السرد المناسبة لكتاباتك؟

لغة السرد هي إحدى أدوات الكاتب الرئيسية في عملية الكتابة، واختيار الأسلوب المناسب يساعد الكاتب على توصيل المعنى الذي يريده، تعرف على طريقة اختيار لغة السرد .

لغة السرد

لغة السرد هي المقام اللغوي المستخدم في الكتابات النثرية ذات الطابع السردي والحكائي، وهي الكتابة الدالة على الفعل والحدث المقترن بالزمن. ويُستخدَم هذا النوع من الكتابة في العديد من القوالب الأدبية الشهيرة مثل المقامات النثرية وفنون السرد المعروفة مثل المقال السردي والقصة القصيرة والرواية. وتهدف لغة السرد إلى تحويل المعلومة المباشرة أو الحدث البسيط إلى سلسلة من الأحداث المتوالية والمترابطة التي تُكَوِّن في النهاية قصة محبوكة ومقنعة وتشمل في الوقت ذاته كل المعلومات التي يرغب الكاتب في توصيلها من خلال إطار فني ومزخرف وممتع. ونظرًا لأهمية لغة السرد واستخداماتها المتعددة سوف نتناول في السطور التالية أهم الجوانب المتعلقة بهذه اللغة ونناقش بالتفصيل أبرز خصائصها وأشكالها.

تعرف على طرق اختيار لغة السرد الملائمة للكتابة

لغة السرد وخصائصها المميزة

نظرًا للخصوصية الشديدة للتعبيرات المستخدمة في لغة السرد فإنها تنفرد بمجموعة محددة من الخصائص التي تضمن تميزها وسهولة استعمالها في النصوص ذات الصلة بها. ومن أجل التعرف على المزيد من تلك الخصائص نستعرض في النقاط التالية أهم سمات لغة السرد المميزة.

الزمان والمكان

من الطبيعي أن يكون الزمان والمكان هما العنصرَيْن الرَّئيسيَّيْن للإطار المحيط بالأحداث؛ وذلك لأن متوالية الأحداث تحتاج دومًا إلى زمان محدد تجري فيه وحدود مكانية تحتوي شخوص الحدث وانتقالاتهم بينها. ومن ثَمَّ يجب على السارد أن يراعي استخدام لغة تبرز فيها الفترات الزمنية بوضوح، فضلاً عن القدرة على الرسم بالكلمات تفاصيل الأماكن التي تجري فيها الأحداث بكل دقة بحيث يستطيع القارئ معايشة الأحداث كأنه طرفٌ فيها، لذلك تُعَد اللغة الوصفية من أهم السمات المميزة للنص السردي بشرط أن يبرع الكاتب في توظيفها جيدًا.

اللغة الرشيقة

لا حدث دون حركة أو تنقلات، لذلك يجب الوضع في الاعتبار أن السرد يجب أن يكون مفعمًا بالنشاط السردي حتى لا يمل القارئ، ولا بد من تنويع ما يحويه الإطار السردي والانتقال من مشهد إلى آخر بسلاسة ورشاقة، بالإضافة إلى ضبط سرعة السرد التي تناسب الحدث وأهميته، وعلاوة على ذلك ينبغي للسارد الانتباه جيدًا إلى اللغة المستخدمة في الحوار والوعي بدوره المهم في دفع متوالية الأحداث إلى الأمام أو تغيير مجرى مصائر الأبطال.

التشويق والإثارة

لا بد أن تعكس لغة السرد درجة عالية من التشويق الذي يرغب الكاتب في تضمينه داخل النص نظرًا لأهمية عنصري التشويق والإثارة في النصوص السردية لا سيما تلك التي تنتمي إلى الأدب البوليسي. وبالتالي يجب مراعاة بساطة الأسلوب واستخدام الحيل اللغوية التي توحي بالغموض والمفاجأة من أجل إثارة القارئ والاحتفاظ بوعيه وتركيزه طوال مطالعته للنص السردي. وبالطبع تساعد الحصيلة اللغوية للكاتب على انتقاء التعبيرات الأدق التي تصيب المعنى الذي يريده باختصار ودون إقحام أي حشو غير مطلوب حيث يعد الإيجاز وسرعة الأحداث بمثابة وقود التشويق والإثارة.

الأزمنة المتنوعة

لا بد من إثراء لغة السرد بالكثير من الأفعال ذات الأزمنة المختلفة من أجل التعبير عن زمن الحدث وقوة تأثيره؛ حيث ينبغي استخدام الفعل الماضي في السرد الحر التقليدي الذي يروي أحداثًا ماضية وقد ألقت بظلالها على الأحداث الحالية أو الأفعال المضارعة من أجل استحضار الحدث الحالي وتسليط الضوء عليه، أو الأفعال المستقبلية التي تكشف عن نوايا البطل وتعطي مساحة من الترقب بالنسبة للقارئ لأن احتمال وقوع هذه الأحداث يظل معلقًا ويجبر القارئ على استكمال القراءة حتى يتأكد من ظنونه تجاه هذا الحدث المحتمل.

تقنيات لغة السرد

هناك العديد من التقنيات والأساليب التي يجب استخدامها في لغة السرد من أجل إضفاء المزيد من الأجواء المساعدة على إيهام القارئ ودمجه بسهولة مع الأحداث. وعادةً من تلجأ هذه التقنيات إلى التلاعب بالأزمنة التي تدور فيها الأحداث من خلال التقديم والتأخير أو العرض المتسلسل التقليدي مع صناعة فجوات خفية أمام القارئ إلى أن تمتلئ هذه الفجوات في النهاية في لحظات التنوير الختامية التي يكتشف فيها القارئ كل ما كان يحيره منذ البداية. ومن أجل أن يدير السارد الأحداث في إطار محكم وشيق فإنه غالبًا ما يلجأ إلى إحدى التقنيات التالية:

  • التسلسل التقليدي: تُعَد هذه التقنية من أبسط أساليب الحكي حيث تُستخدَم لغة السرد في اتجاها الطبيعي دون التفافات أو تعرجات من شأنها إرباك القارئ. وفي هذا النوع من التقنيات تُعرَض الأحداث في ترتيبها الزمني الطبيعي انطلاقًا من البداية والتقديم ومرورًا بالتصاعد وصولاً إلى الذروة وانتهاءً بحل الصراع والخاتمة.
  • السرد المتقطع: عادةً ما تُستخدَم هذه التقنية في الأدب البوليسي حيث الإكثار من التقديم والتأخير والفراغات الغامضة التي تثير الشك والحيرة في نفس القارئ، حيث يعرض الكاتب الكثير من المشاهد المتوازية لحدث واحد دون ترتيب ويبدأ في إلقاء الألغاز وتوجيه الشكوك نحو أشخاص معينة، وبعد ذلك يبدأ في ربط الأحداث ببعضها من خلال مشاهد مفصلية أو تفسيرات حوارية تهدف إلى إلقاء الضوء على المساحات المظلمة والغامضة، وتتناوب التفسيرات والتوضيحات تدريجيًا إلى أن تضيق الفجوات وتكتمل صورة اللغز بالكامل في النهاية مع المشهد الأخير الذي يمثل آخر القطع الناقصة من الصورة العامة للحدث.
  • السرد العكسي: هي التقنية المعروفة باسم “الفلاش باك”؛ حيث تبدأ الأحداث من نهايتها ثم يتم استرجاع المقدمات من البداية لتبدأ الأحداث من جديد لمعرفة كيف وصلت إلى النهاية التي طالعها القارئ في البداية. وبطبيعة الحال كلما كانت النهاية غامضة، زاد التشويق لمعرفة تفاصيل الأحداث التي أدت إليها، وربما يلجأ الكاتب إلى التلاعب بالقارئ حيث يتم استكمال الأحداث لاحقًا بعد الوصول إلى النهاية المزعومة التي رآها القارئ منذ البداية.

المنظور السردي

يُعَد المنظور السردي هو الغلاف الخارجي التي تجري بداخله الأحداث؛ حيث أنه يوضح فقط الزاوية أو المنظور التي تُرَى الأحداث من خلاله. وعادة ما تُروى الأحداث باستخدام أحد الأساليب التالية:

  • الراوي المشارك في الأحداث: ويسرد هذا الراوي الأحداث باستخدام ضمير المتكلم، وبالطبع يشترك هذا الراوي في الأحداث، بل وعادةً ما يكون البطل أو الشاهد الرئيسي على الأحداث. ويتميز هذا النوع من الرواة بالمصاحبة اللصيقة لمجريات الأمور وسهولة استحضار المشاهد بكل تفاصيلها إلا أنه يسرد المشاعر الداخلية للأشخاص الآخرين طبقًا لحدسه وما تمليه عليه ظنونه دون يقين من ذلك.
  • الراوي العليم: ويُطلَق عليه أيضًا الراوي المحايد نظرًا لاستخدامه ضمير الغائب، ويتميز ذلك الراوي بمعرفته التامة بالمشاعر الداخلية للأشخاص ومن ثم يستطيع سبر أغوراهم وإثراء الفضاء النصي بالكثير من التعليقات والأحاديث الذاتية التي تبرز الجوانب العديدة للشخصيات. ويتميز هذا النوع من الرواة بمساحة كبيرة وأريحية واضحة في السرد لأنه غير مقيد بمنظور ذاتي يحد من إطلاعه على الجوانب الأخرى من الأحداث التي قد تُخفَى عن الراوي المشارك في الأحداث.
  • الراوي المخاطب للقارئ: يُعَد هذا النوع هو الأقل استخدامًا نظرًا لصعوبة توظيفه في النصوص السردية الطويلة خاصة أنه يميل أكثر إلى الأداء المسرحي، لذلك يمكن اللجوء إليه فقط في نطاق محدود وفي بعض المقاطع القصيرة من النص.

وفي النهاية تتضح لنا أهمية لغة السرد وتوظيفها في الكثير من الكتابات والنصوص الأدبية التي تتناول السرد بجميع أنواعه، وبالتالي ينبغي للكُتَّابِ، الذين يسعون إلى إجادة هذا الفن، الاهتمام بإثراء اللغة الفنية التي يستخدمونها في أعمالهم لإنتاج أعمال قيِّمَة قادرة على التصوير الدقيق للمعاني والأحداث التي تزخر بها نصوصهم.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

14 − واحد =