تسعة
الرئيسية » دين » كيف يحول رمضان في العراق البلاد إلى حالة مختلفة تمامًا؟

كيف يحول رمضان في العراق البلاد إلى حالة مختلفة تمامًا؟

لم يفقد رمضان في العراق روعته وجماله وألقه، لم ينتقص من قدسيته وخصوصيته، ولم تستطع النوازل والأحداث التي حلت بالعراق أن تجعل منه أطلالا لا يستقبلون رمضان بحفاوة ويعدون العدة له في حماس، لا زال رمضان قادرا على إحياء العراق من جديد.

رمضان في العراق

رمضان في العراق لا زال يحمل بعضا من ألقه، يغرق العراق في الغالب في الكآبة، فيمزقه كل ممزق النزاعات الطائفية وانهيار البنية التحتية وتهاوي النخبة السياسية وما ألم بها من حروب وحصار اقتصادي سابق وغزو واستعمار، كل هذه النوازل التي ألمت به أصابت البلد العريق والذي يعتبر صاحب أول حضارة على وجه الأرض في مقتل، حبي للعراق يتجدد كل يوم حين أرى بعين البصيرة الحضارات المتعاقبة عليه وفي نفس الوقت أرى ما آل إليه حاله اليوم ولا زال يثقله ويضربه في مقتل، ورغم ذلك يأتي رمضان فيوحد السني والشيعي جنبا إلى جنب لإحياء الشهر الكريم والاحتفاء بهذا الشهر الفضيل، فكيف أتى علينا رمضان في العراق وما الأثر الذي تركه؟ هذا ما سنتناوله في السطور التالية.

رمضان في العراق قديمًا

رمضان في العراق رمضان في العراق قديمًا

لم يتغير رمضان في العراق قديما عن رمضان في العراق حديثا، تحول فقط الأوضاع الأمنية والظروف الاقتصادية بين مقاربة الحالة القديمة بالكامل ولكن يحرص العراقيون على الدوام على الإبقاء على الشكل المعروف والمحبب لشهر رمضان على الدوام، تتزين الشوارع والدكاكين في رمضان بمصابيح الزيت احتفاء بالشهر الفضيل واحتفاء بالليل في رمضان الذي سيشهد زحاما كبيرا، وتطبخ المرأة العراقية التمن بالمرشدة، وهو الأرز بالشعرية الذي نأكله في مصر نفسه، أعتاد العراقيون أيضًا في رمضان وضع “دش” في الشوارع وذلك بسبب حرارة الجو وتنظف النسوة المنازل والباحات في البيوت، ولا شك أن رمضان قديما قد تغير كثيرا ولكن لا يزال الناس يتزاحمون على الأسواق كأنهم يجلبون مؤونة أيام الحرب، وذلك بسبب الحصار الاقتصادي الذي عاشه العراقيون لفترة من الزمان تجعلهم لا يضمنون قوت يومهم بالتالي يسعون إلى تخزين المؤن جميعها، لتأمين طعامهم لفترة طويلة من الزمن، كذلك يفعلون مع رمضان وحتى الآن حتى بعد انتهاء هذا الحصار الاقتصادي بعد عام 2003.

أغاني رمضان في العراق

يغني الناس أغاني رمضان سواء في العراق أو غيره بالأغاني المعتادة التي يغنيها العرب جميعهم، وأبرزها أغاني مصرية مثل أغنية “رمضان جانا” للفنان محمد عبد المطلب والتي تعد النشيد الرسمي لشهر رمضان لكافة الدول العربية لكن الفنان العراقي العظيم ناظم الغزالي أخرج أغنية خاصة بالعراقيين اسمها “قوموا صلوا الفجر بيّن” وكانت تذاع على الدوام في فترة السحور في شهر رمضان في العراق، ومن الأغاني الفلكلورية الخاصة بالعراق تحديدا، مثل أغنية فرقة الإنشاد العراقية “يا إله الكون” والتي ارتبط بها العراقيون بشكل خاص، وتقول كلماتها “يا إله الكون إنا لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا”، وهناك أغنية كان يرددها أطفال العراق تقول “ماجينا يا ماجينا، فك الكيس وأعطينا” وكلمة ماجينا من اللغة الكردية وهي تتكون من مقطعين “ماج – ينا” ومعناها الغفران والرحمة لأهل هذا البلد، إلى جانب الكثير والكثير من الأغاني التراثية والمرتبطة خاصة بأهل العراق.

العادات والتقاليد في المجتمع العراقي

أكثر ما تعارف عليه العراقيون وأصبح من عادات وتقاليد رمضان في العراق هو المسحراتي ويسمونه في العراق أبو طبلة، وقد لوحظ وجوده في المغرب وفي مصر أيضًا وكذلك قديما في سوريا، وقد نظم فيه الشاعر المصري من أصل سوري فؤاد حداد من قبل ديوان كامل بعنوان المسحراتي، وهو شخص يجوب الشوارع ليوقظ الناس من أجل تناول السحور ويدق على طبلته من أجل تنبيههم، وتكثر ظاهر المسحراتي في منطقة الشمال إلى حد كبير والتي تطورت إلى إدخال آلات موسيقية أخرى مع الطبلة لذلك للمسحراتي خصوصية عن باقي الدول وهناك أيضًا لعبة المحيبس وهي تتكون من فريقين يلعبون بخاتم وعلى كل فريق التخمين مع من الخاتم من أفراد الفريق الآخر وهكذا وتنتشر هذه اللعبة بغزارة بين كافة أرجاء العراق وتعرف بعدة أسماء أخرى منها “الصينية” ومنها “بات”، وتنتشر أكثر بين سن المراهقين والأطفال، ويكثر لعبها في شهر رمضان.

تقاليد رمضان

من تقاليد رمضان في العراق تجهيز الإفطار في المنزل ولعل الدلمة أشهر أكلة عراقية وأشهر ما يتم أكله على مائدة إفطار رمضان إلى جانب الإفطار على التمر واللبن البارد والزبادي والبرياني والمقلوبة وغيرها من الأكلات الشهية مثل الكبة والكفتة وغيرها من المشويات الرائعة التي يعشقها الشعب العراقي ويفضلها على الإفطار، ومن الحلويات التي يحبها العراقيون أيضًا الزلابية والبقلاوة، وقد استورد مؤخرا العراقيون من الشام “البرازق” ومن لبنان “المناقيش” ولكن لا زالت الحلويات العراقية قادرة على محاصرة هذه الحلويات المستوردة وفرض نفسها على المائدة العراقية بقوة، أما إذا أتى رمضان في الشتاء فلا غنى عن الحساء وعن شوربة العدس من أجل روي الظمأ وبعث الدفء في الأوصال.

طقوس رمضان

من طقوس رمضان التزود والتبضع بكافة لوازم الشهر الكريم مرة واحدة قبل رمضان، ولا زالت هناك عادة من عادات رمضان في العراق لم يستطع النيل منها لا الحروب ولا معارك داعش ولا حصار الجيش الأمريكي ولا الحصار الاقتصادي ولا الأوضاع الأمنية المتردية وهذا إن دل فإنما يدل على المعدن الأصيل للشعب العراقي، هذه العادة هي تبادل الأطباق بين الأهل والجيران وإرسال بعض من الأصناف التي تجهزها ربة المنزل لأقاربها ولجيرانها وبالمثل يفعل الجيران أيضًا، ومن طقوس رمضان أيضًا امتلاء المساجد عن آخرها والمسامرة بعد التراويح بين الأقارب والأصدقاء والتزود باستكان الشاي المميز لأهل العراق مع الحلوى المميزة والمعدة للأكل منها بعد التراويح، ولا يتوقف العراق عن إبهارنا بكل ما هو أصيل وعريق.

رمضان في العراق والوضع الأمني

رمضان في العراق رمضان في العراق والوضع الأمني

من المعروف أنه من بعد العام 2003 أي من بعد اجتياح القوات الأمريكية بغداد وحتى العام 2015 كانت العراق تواجه حظرا ليليا للتجوال، حيث يحظر على المواطنين التجوال أثناء الليل بسبب الأوضاع الأمنية ومن بعدها الصراعات الداخلية ومن بعدها ما فعلته داعش بالموصل ونينوى وغيرها من المحافظات التي استولت عليها، إلا أنه من بعد 2015 وإلغاء حظر التجوال حتى تنفس العراقيون الصعداء وتجاوبوا مع الوضع الجديد وشعروا أنهم عادوا لشهر رمضان في العراق أيام الثمانينات قبل تورط العراق في أمور لم تكن بالحسبان وبالتالي أصبح الليل مرتعا لتحدي العنف والعمليات الإرهابية والسيارات المفخخة وازدحم الناس على المقاهي والمطاعم، وتناول البغداديون إفطارهم بالخارج وتناول العراقيون السحور في المطاعم مما يدل على أن العراقيون محبون للحياة وكارهون للعنف والدمار وقادرون رغم كل ما حل بهم على أن يعيشوا طقوس الشهر الفضيل بكل مفرداته، متحدين كل الأوضاع المتردية.

رمضان في العراق مختلف تماما عن كل الدول، وحين نقول مختلف فهذا يعني أننا أمام حالة متفردة تماما من شعب حدث له كل ما يمكن أن يكسر كل شعوب الأرض مجتمعة ورغم ذلك لا زال يحرص على عاداته وتقاليده وطقوسه في استقبال الشهر الفضيل، والشعور بفرحه وبهجته وإشاعة السرور والمحبة بمناسبة شهر رمضان في كافة الأركان والأرجاء.

محمد رشوان

أضف تعليق

ستة عشر + 2 =