في مجتمعاتنا العربية والشرقية التي يلعب فيها الدين والجانب الروحاني دورا كبيرا وملحوظا , بكل تأكيد تجد فيها امور مثل الاطلاع على حظك هذا اليوم وما تنصح به الابراج الفلكية, وامور السحر والالعاب السحرية رواجا كبيرا عن الغرب المادي والذي لا يستهويه بشكل أساسي امور مثل هذه الا فيما ندر. سنتحدث في هذه المقالة عن تفسير الاحلام ونحاول ان نستطلع أبعاد هذا الموضوع وما يعقل وما لا يعقل وينكر.
تفسير الاحلام والاديان السماوية
ليس كما يعتقد البعض ان الاحلام بعيدة كل البعد عن ابعاد الدين وتعاليمه .بل ستجد الاحلام وتفسيرها في الكتب السماوية الثلاثة التي جاء بها الرسل موسي وعيسي ومحمد عليهم الصلاة والسلام اجمعين. في هذه الكتب ستجد رؤيا يوحنا (النبي يحيي عليه السلام ابن خالة المسيح عليه السلام) وهي مروية بنصوص مقدسة في الكتاب المقدس. وستجد في القران في سورة يوسف قصة تفسير سيدنا يوسف عليه السلام لرؤيا عزيز مصر وتفسيره لرؤيا السجينين في سجن الفيوم. وفي سورة يوسف ستجد مدي اهمية تفسير الحلم والرؤيا وكيف كان النبي يوسف موهوب بها , وكيف كان يحاول كهنة امون اصحاب العلم والحضارة في مصر القديمة ان يفسروا الحلم ولم يستطيعوا, وكيف لما استطاع ونجح يوسف عليه السلام في تفسير حلم عزيز مصر ارتقي الي سدة الحكم وتولي مسئولية اقتصاد مصر بأكمله ووضع خطة اقتصادية من ابسط واعظم الخطط التي عبرت بمصر في وقتها من السنين العجاف لسنوات الرخاء .
تفسير الاحلام في التاريخ
“ذات ليلة، حلم الاسكندر المقدوني ذو القرنين أنه يراقص إله الغابات عند اليونانيين القدماء “ساتاير” الذي يأخذ شكل فرس جامح. وقد استدعى مفسّرا ليشرح له معنى الحلم. فقال له: هذه بشارة لك بأنك ستفتح مدينة صُوْر المطلة على ساحل البحر الابيض المتوسط من الشرق في الشام. وقد بنى المفسّر نبوءته على أساس أن المقطع الأخير من اسم إله الغابات يطابق اسم صُوْر باللاتينية. وفي نفس تلك السنة، فتح الاسكندر صُوْر بالفعل وضمّها إلى امبراطوريّته الواسعة”.
وفي اضاءة اخرى يحكي عن الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن أنه داهمه في إحدى الليالي حلم غريب فقد “رأى نفسه جالسا ليلا داخل قاعة فسيحة ومضاءة. وفجأة تناهت إليه أصوات رصاص، وشعر بأنه يسقط على الأرض فاقدا الوعي. وهُرع باتجاهه أشخاص كان بعضهم يصيح والبعض الآخر يبكي. وبعد ذلك بأيّام، أي في الخامس عشر من ابريل عام 1865م، اغتيل لينكولن برصاصة في الرأس أطلقها عليه احد الأشخاص بينما كان يحضر عرضا في احد مسارح ولاية إلينوي”.
وفي قصة أعجب رويت عن الزعيم النازيّ ادولف هتلر بأنه رأى ذات مرّة حلما مزعجا جعله يقفز من سريره مرعوباً. وبعد لحظات، اخترقت قذيفة مدفع جناح المبنى الذي كان يستخدمه كمكتب وقتلت كلّ من كان فيه..
وفي قصة اخرى رويت عن كارل يونغ، المفكّر وعالم النفس السويسريّ المشهور، حلم في إحدى الليالي” أن طوفانا عظيما غمر كافّة أرجاء أوربّا ووصلت مياهه إلى قمم جبال سويسرا، ثمّ تحوّلت المياه إلى دماء. وبعد أشهر من ذلك الحلم الغريب، انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى”.
و”الموسيقيّ الايطالي جيوسيبي تارتيني أمضى أشهرا عديدة وهو يبحث، دون جدوى، عن خاتمة مناسبة لتحفته المشهورة سوناتا الشيطان. وذات ليلة، حلم انه عثر على زجاجة على شاطئ البحر وبداخلها شيطان محبوس. وقد توسّل إليه الشيطان أن يطلق سراحه. وتوصّل الاثنان إلى صفقة. ناول تارتيني كمانه للشيطان، وذُهل لروعة وجمال عزفه. وعندما استيقظ من حلمه، حاول أن يستعيد ما سمعه في الحلم. وقد كتب تارتيني بعد ذلك يقول: سوناتا الشيطان هي أفضل ما كتبت. غير أنها اقلّ جمالا بكثير من الموسيقى التي سمعتها في الحلم”.
ولا ننسي هنا ما دونه المنجم الكبير والمدهش نوستراداموس في ابيات اشعاره ونصت عليها قصائده المشفرة والتي بعد ان حللها كثير من الفلكيين والمنجمين في العصر الحديث فاجأتهم بما تحقق منها بشكل مدهش ولكن نحن لا نعلم يقينا هل كان نوستراداموس يحسب الحسابات التنجيمية فيقول بتوقعاته ويرمز لها ويكتبها اتقاءا لشر الكنيسة في اوروبا وقتها أم كان ما يراه كله عبارة عن احلام فيرويها ويكتبها كما رأها لأن من يقرأها سيجدها تحمل صبغة ونكهة الاحلام برمزيتها وعدم دقة صورتها في اغلب الاحوال.
وتاريخيا تعتبر أقدم الأحلام المسجّلة هي التي وجدت في وثائق يعود تاريخها إلى ما يقرب من 5000 عام أي قبل الميلاد بحوالي ثلاثة الاف عام، في بلاد ما بين النهرين أو الهلال الخصيب في الشام وبالتحديد تعود لعصر الحضارة السومارية،فكانت أوّل مجموعة ثقافية موروثة عن تلك المنطقة سجلات للأحلام يعود تاريخها إلى عام 3100 قبل الميلاد. ووفقاً لتلك الكتابات المبكّرة، كانت الآلهة والملوك، مثل الملك العالم آشور بنيبعل من القرن السابع، يبدون اهتماما كبيرا بالأحلام .ومن ضمن أرشيف هذا الملك من الألواح الطينية، تمّ العثور على أجزاء من ملحمة الملك الأسطوريّ جلجامش. في هذه القصيدة الملحمية، وهي واحدة من أقدم القصص الكلاسيكية المعروفة، يسرد جلجامش أحلامه المتكرّرة على أمّه الإلهة نينسون التي قدّمت أوّل تفسير مسجّل لحلم. كما اتخذت أحلامه كنبوءات. المواقف المدوّنة في ملحمة جلجامش توفّر مصدراً قيّماً للمعلومات حول المعتقدات المتعلقة بالأحلام في العصور القديمة ومن المدهش ان اسطورة جلجامش حفظت وورثناها حتي عصرنا الحالي وتستطيعون قراءتها.
وعندما تأتي لتتأمل حال الاحلام وشكلها وأساليب التعامل معها في أمة بنو اسرائيل أو العبرانيون القدماء فكانوا يعتقدون أن الأحلام هي عملية اتصال مع الله. الشخصيّات التوراتية التي يسمونها في ديانة اليهود الانبياء الكبار مثل سليمان ويعقوب ويوسف، كلّهم زارهم الربّ أو الأنبياء الاوائل في أحلامهم وساعدوهم في توجيه قراراتهم. كان من المسلّم به والمقبول أن أحلام الملوك يمكن أن تؤثّر على أمم بأكملها وعلى مستقبل شعوب بأسرها ومن هؤلاء الانبياء الذين ذكرناهم من كان له الملك والنبوة مثل النبي داود وابنه سليمان. وفي كتاب اليهود الثاني بعد التوراة ومقدس لديهم ربما اكثر من التوراة “التلمود”، المكتوب ما بين عامي 200 و 500م، يتضمّن أكثر من 200 إشارة لأحلام. وهو يشير إلى أن الأحلام غير المفهومة هي عبارة عن ” الرسائل التي لم يتمّ فتحها”. ولذلك ينفصل اليهود عن اتباع الديانات السماوية “الابراهيمية” المسيحيين والمسلمين لأنهم أولوا في احلامهم التي قدسوها بعض الصفات لله المتعالي والمنزه عن الصفات بخرافات لا يؤمن بها المسيحييون ولا المسلمون بل ينكروها ويرفضوها وأبسطها ان يري النبي يعقوب ان الله هبط من السماء وصارعه وعندما غلبه يعقوب فاستحق النبوة فأعطاها له الله واسبل عليه اسم اسرائيل أي “من غلب الله”. وكثير من المسلمين والمسيحيين لا يعلم معنى هذا الاسم.
أما قدماء المصريين أيضاً ” أولوا اهتماماً خاصّاً بأحلام قادتهم الملكيين، بالنظر إلى أن الآلهة كانوا أكثر عرضة للظهور فيها. سيرابيس، إله الأحلام المصريّ، كانت له معابد لحضانة الأحلام. وقبل الذهاب إلى هذه المعابد، يصوم الحالمون ويصلّون كي يضمنوا رؤية أحلام سعيدة”. كما قال د.وسيم السيسي في كتابه عن مصر القديمة. وكنا قد ذكرنا في المقال الاول ان عزيز مصر وهو بحكم التاريخ ينتمي الي عائلات الهكسوس الذين حكموا مصر ولكن طبقا للتاريخ التوراتي فينتمي لعهد امنحتب الرابع الملقب بأخناتون الداعي للتوحيد في مصر القديمة ابان عصر الدولة الوسطي كانوا يهتمون كثيرا بتفسير وتأويل الاحلام ويتخذون قرارتهم بعد مشورة الكهنة الكبار.
أما الصينيون فاعتبروا أن روح الحالم هي العامل المهمّ في توجيه الحلم. كانوا يعتقدون أن “الهون” أو الروح تغادر الجسد أثناء الحلم لتتواصل مع أرض الأموات. وفي كتاب الأوبنيشاد الذي ظهر في الزمن ما بين 900 و 500 قبل الميلاد. وهو يتناول منظورين عن الأحلام: الأوّل يرى أنها مجرّد تعبير عن الرغبات الداخلية. والثاني يشبه الاعتقاد الصيني عن الروح التي تغادر الجسد أثناء النوم لتعود عندما يستيقظ الجسد ثانية. ولو تأملنا قليلا في المنظور الصيني الاول والثاني سنجد أنه التفسير الاقرب لأفكار أغلب فلاسفة وعلماء النفس في القرن العشرين وستجد هذه الافكار في كتب نيتشه الفيلسوف الالماني الشهير, وفي تفسيرات الاحلام لسيجموند فرويد وسيزماروف وغيرهم. كثير من علماء ومفكرين اوروبا في القرن العشرين كانوا يهتمون بأفكار الشرق الاقصى التي عانت تجاهلا نسبيا من الاوروبيين لفترات طويلة لبعد المسافات وغياب التفاعل الذي قد ينقل الافكار بسهولة مثلما حدث مثلا بين حضارة العرب والمسلمين واوروبا. فكان من العادي ان تجد في اوروبا في القرن السادس عشر الميلادي كتب اطباء وعلماء العرب مثل الرازي وابن النفيس والحسن بن الهيثم وابن البيطار وغيرهم وباللغات العربية واللاتينية وغيرها.
وفي السرد التاريخي ننتهي بقصتين في بدايات عصر ظهور الاسلام في جزيرة العرب ظهر فيهم تأثير الاحلام جليا واضحا. الاولى رؤيا للصحابي الجليل عمر بن الخطاب عندما رأي كأن ديكا ينقره نقرات حادة في رأسه , ففسرها بنفسه انه سيقتل ويموت شهيدا في مدينة رسول الله وبيد شخص اعجمي غير مسلم!!
فاستغرب الناس وقالوا هذا مستحيل فالمدينة امنة وتخلو من غير المسلمين فمن يقتل فيها امير المؤمنين؟؟
وبعد ايام ظن الناس في الفتى الاعجمي الوحيد الذي كان يعمل خادما لسيد من سادات المدينة نظرا لمهارته في الاشغال اليدوية وكان صغيرا فاستبعد الناس خطره وارتاب البعض فيه لكراهيته للمسلمين. وبالفعل بعد ايام تحققت رؤيا عمر بن الخطاب وقتله الشاب الاعجمي وطعنه اثناء الصلاة وعانى امير المؤمنين في جراحه ايام واستشهد فعلا. أما القصة الثانية فتخص التابعي الكبير ومفسر الاحلام صاحب الصيت محمد ابن سيرين. حيث رأت فتاة رؤية بأن القمر هبط الي بيت ابن سيرين يسأل عنه وقامت الفتاة لتقص عليه الرؤيا , فارتعش وقال لها سامحك الله يا ابنتي قد جئتي تقولين لي ستموت بعد اسبوع, وبعد اسبوع مات محمد بن سيرين !!
وهناك الكثير في تفسير الاحلام ولنا فيه سبيل…….
من اجمل المقالات التي قراتها عن موضوع الاحلام و الرؤي ، المقال متسلسل بطريقة سلسة و سهلة و بعيدة عن المبالغة و التطويل الذي نراه في كثير من الكتابات العربية
وفقكم الله