تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » حدوث الأحلام : كيف تحدث الأحلام الليلية وما هو الحلم ؟

حدوث الأحلام : كيف تحدث الأحلام الليلية وما هو الحلم ؟

حدوث الأحلام هو أمر مقترن بالنوم لدى الإنسان، ولا يوجد شخص تقريبًا لا يحلم في الليل، في هذه السطور نحاول تسليط الضوء على الحلم والأحلام وكيفية حدوثها.

حدوث الأحلام

الأحلام.. الكيان اللا ملموس الغامض الموجود وجود الإنسان ذاته، في كل النواحي الدينية والروحانية والعلمية، وكل الثقافات والأساطير والألغاز كأنه لم يكفنا لغز الحلم وحده حتى يصبح مادةً دسمةً لكل تلك الاتجاهات المختلفة تستقي منه وتضيف إليه، تصنع من الأحلام اتجاهاتٍ روحانية و رؤى دينية أو أحلامًا ذات مغزى أو تنبؤاتٍ بقادم أو اعتقاداتٍ أسطوريةٍ أخرى كأن يحلم النائم بشيءٍ فعله ويستيقظ ليجده حدث فعلًا، أو يحلم بشيءٍ يحدث لأشخاصٍ لا يعرفهم ومكانٍ لم يزره قط وعندما يفيق يجد حلمه واقعيًا، أو أن يحلم بكائناتٍ خرافيةٍ أو غير حقيقيةٍ فيعتقد معتنقو الثقافات المؤمنة بوجود تلك الكائنات أنه حصل اتصالٌ بينه وبينهم عبر الحلم، فالأحلام ليست عمليةً عقليةً وعصبيةً أو تفريغ شحناتٍ نفسية في بعض الثقافات القديمة وإنما هي عملية تواصلٍ بين أرض الواقع والأكوان الأخرى التي لا نطال تواصلًا ملموسًا معها في واقعنا، حدوث الأحلام من الأشياء التي تتشارك كل الثقافات القديمة في الإجماع على نسج الأساطير حولها، قبل أن يأتي العلم ويفسر، وربما لا يكون تفسيره كافيًا وتامًا وربما يأتي علمٌ مستقبليٌ يفسر حدوث الأحلام بصورةٍ أوضح وأكثر واقعيةً وكفايةً، بصورةٍ تكفي لملء فضولنا نحو ذلك العالم الجذاب.

حدوث الأحلام : التفسير الصحيح

حدوث الأحلام نتاج النوم

الأحلام نتاج النوم وطفلته المدللة تأتي تتهادى لنا بعد أن يصيبنا سلطانه ونسقط في هوته العميقة، فلو أردنا أن نسأل ما الأحلام فلنسال أولًا ما النوم؟ النوم هو الموت الأصغر وحالة الراحة التامة ووقت الانفصال عن عالمنا والخروج منه والانسياب في العالم اللا محسوس الآخر، ينساب النائم في حالةٍ متدرجةٍ من اللاوعي والاسترخاء بدايةً من آخر لحظة يقظةٍ له وحتى أعمق درجات نومه وإصابته منطقة الحلم، في الواقع لقد أدت الدراسات الحديثة إلى حقيقة أن الإنسان لا يسقط في نومٌ واحدٍ وإنما يسقط في نومين،النوم الأول هو النوم البطيء والنوم الثاني وهو النوم المفارق ولكلٍ منهما مراحله وفترته من نوم النائم.

مراحل النوم

فالنوم البطيء ينقسم إلى أربعة مراحل المرحلة الأولى والثانية منه هي النوم الخفيف الذي يستيقظ فيه الإنسان بالمنبهات الخارجية وهي مرحلة النعاس وما بين النوم واليقظة بشكلٍ تقريبيٍّ للفهم، يأتي بعدها مرحلتا النوم البطيء العميق وهما المرحلتان الثالثة والرابعة وهي مرحلة الاستغراق التام في النوم ويسجل فيها الدماغ أقل وأبطأ نشاطٍ منه لكننا لم ندخل بعد في مرحلة الأحلام، تستغرق مرحلة النوم البطيء تلك ما يقارب الساعة والنصف من بداية النوم، بعدها تأتي مرحلة النوم المفارق وهي مرحلة الحلم، ومن اسمها فإن الإنسان يبدو كأنه قد فارق كل ما حوله وواقعه وعالمه، فلنفترض أن شخصًا نام جالسًا أو قطًا نام متخذًا وضعية أبو الهول الشهيرة فذلك قد يستغرق فترة النوم البطيء كلها لأن الجسد يسترخي ولكنه يحافظ على أخذ العضلات لوضعية الجلوس، لكن عند الدخول في فترة النوم المفارق نجد الجالس سقط نائمًا والقط انقلب على جنبه وبدأت مرحلةٌ أعمقٌ من النوم ومن الجدير بالذكر أن مرحلة حدوث الأحلام لا تستغرق سوى دقائق معدودةً من دورة النوم كلها ثم تنتهي وتتكرر الدورة خلال النوم عدة مراتٍ حتى نستيقظ.

عدم امتزاج ما يحدث أمام الشخص بالأحلام

ومن اللافت للنظر أن الإنسان يصبح أعمى في تلك المرحلة، قام أحد العلماء بتجربةٍ على بعض النائمين في فترة النوم المفارق بفتح أعينهم وعرض أشياء أمامها وبعد استيقاظهم وجد أن أحلامهم لم تمتزج بما رأوه أو عُرض عليهم ما يعني انعدام القدرة البصرية للإنسان أثناء نومه، لكن برغم ذلك فإن عينا الإنسان ترجفان وتتحركان تحت جفنيه بصورةٍ ملحوظةٍ ومتوترةٍ أثناء الحلم!

جذع الدماغ وعلاقته بعملية حدوث الأحلام

يصبح المايسترو الرئيسي للجسد في حالة النوم هو جذع الدماغ الذي ينظم كل ما يحدث للجسد أثناء نومه، في النوم البطيء يسترخي الجسم كما أسلفنا أما في النوم المفارق فيبدأ النشاط بالظهور على المخ والعينين وحتى طبلتي الأذن فيبدو وكأن الشخص يرى أشياءً ويسمع أصواتًا ومخه يعمل بقوةٍ ونشاط في حين أن باقي جسده في حالة استرخاءٍ تامٍ وعميق، نشاط قشرة الدماغ يبدأ بإرسال إشاراتٍ وأوامر حركيةٍ يعمد النخاع الشوكي إلى حبسها ومضادتها وإرسال أمرٍ بالشلل المؤقت لعضلات الجسم ومنعها من الحركة وربما من هنا أتت أسطورة الجاثوم التي يعتقد فيها البعض أن الجاثوم وهو كائنٌ أسطوريٌ مرعبٌ يجثم على صدر النائم ويشل حركته وإنما الحقيقة أن النائم لسببٍ ما استيقظ فجأةً في مرحلة الشلل المؤقت تلك واستغرق جسده وقتًا للخروج منها والعودة لطبيعته أما هو فقد أصابه الرعب لشلله ووجوده في حالةٍ فجائيةٍ بين الحلم واليقظة صورت له تلك الهلاوس.

السلوك الحلمي

بعض الحالات وتسمى حالات السلوك الحلمي لا تفقد فيها عضلات الجسد قدرتها الحركية فنجد النائم يتحرك حسب حلمه وتعيش عضلاته الحلم بطريقةٍ واقعية فهو ينهض ويتحرك ويتكلم ويمسك بالأشياء ويمشي وهو نائم ويقفز ويسبح حتى يؤدي نشاطه إلى حركةٍ توقظه أو يوقظه أحد المحيطين به.

أنواع الأحلام

قلنا أن الأحلام تراود الشخص في مرحلة النوم المفارق ولكن ذلك جزءٌ من الحقيقة لا الحقيقة كلها، فالأحلام أنواعٌ عدةٌ ومختلفة تتنوع بين رؤية مشاهد منفصلة أو أكثر من مشهدٍ منفصلٍ أو حلمٌ طويلٌ من الهلاوس اليومية أو حلمٌ طويلٌ والنائم مستغرقٌ فيه ويحمل الكثير من الصور والمضامين الذهنية وبعض اللمحات الغريبة والغير منطقية وبالتحديد النوع الأخير هو النوع الذي نطلق عليه الحلم وهو الذي نستيقظ جميعًا لنتذكره يحدث في وقت النوم المفارق ويكون في آخر الليل وقبل اليقظة، ولكننا نرى أحلامًا أخرى من أنواعٍ أخرى خلال النوم البطيء في مرحلتيه الأولى نجد الصور والمشاهد، أما في مرحلة النوم العميق فتلك المرحلة التي نستيقظ لنقول أننا لا نتذكر ما حلمنا به أو ربما نعتقد أننا لم نحلم لأن أحلام تلك الفترة غالبًا لا يتذكرها الحالم، لكن كثيرًا منا لا يتذكر أحلامه كلها أيًا كانت مرحلة حلمه أو استيقاظه فذكرى الحلم من الأشياء التي تنمحي سريعًا فور الاستيقاظ لكن عوامل أخرى تساعدنا في تذكر الحلم كشغفنا واهتمامنا بمادة ذلك الحلم أو موضوعه لأي سببٍ أو كأن يمتلك الشخص ذاكرةً قويةً أو مجرد استعادة الحلم في الذاكرة فور الاستيقاظ يزيد من نسبة تذكره فتتحول ذكرى الحلم من الذاكرة قريبة المدى للذاكرة بعيدة المدى.

تفسيرات الأحلام

للأحلام عدة تفسيراتٍ ومعاني عند الكثير من الناس، فيُقال أن الدماغ لا يتوقف عن التفكير إلا عند الموت فقط والأحلام هي تفكير النائم، بعض الأديان والاتجاهات الدينية تعتبر الأحلام أو بعض الأحلام رسائل إلهية أو رؤى تأتي للإنسان في نومه لتخبره بما يفعل في يقظته أو تنير له الطريق وحتى في ديننا فالرؤى موجودةٌ لكن لها أحكامها ومعاييرها وليست كل الأحلام رؤى وقد يعيش الإنسان حياةً طويلةً لا يرى فيها رؤيا واحدةً حتى.

حدوث الأحلام بالنسبة للأطباء النفسيين

للأطباء النفسيين آراءٌ أخرى فالأحلام بالنسبة إليهم هي مجموعةٌ من الدلالات يعملون على تحليلها وتفنيدها وتجميع الكلمات الدالة فيها مع حذف الزائد من الكلام، لكن حتى في الطب النفسي فقد يجد الباحث صعوبةً في التوفيق بين الحالة النفسية لمريضه وأحلامه ودلالاتها وأسبابها وقد لا يصاحبه التوفيق مراتٍ كثيرةٍ في ذلك.

رؤية فرويد لعملية حدوث الأحلام

كان فرويد من أوائل من بحثوا في حدوث الأحلام وفسروها وتتبعوا مساراتها ووضعوا النظريات لأسبابها، يقول فرويد أن الأحلام هي نتيجة الرغبات الغير مشبعة أو الخفية لدى الإنسان والتي لا يستطيع بلوغها وتحقيقها في العالم الواقعي لذا فإن أحلامه تنوب عنه في تحقيقها وتصل بعقله إلى درجةٍ من الاكتفاء بها تغنيه عن حاجته الملحة لها، أي تعمل كملجأ أو متنفسٍ له يستهلك فيه لا وعيه طاقته النفسية المختزنة تلك.

التفكير قبل النوم وعلاقته بعملية حدوث الأحلام

كذلك فإن التفكير قبل النوم بشكلٍ ملحٍ في شيءٍ يجعلك تحلم به حتى أن البعض يعتبر تلك طريقةً للتحكم في الأحلام لأن الحلم سيجد عقلك ولاوعيك ممتلئين بما كنت تفكر فيه فلا يجد بدًا من أن يجعلك تحلم به سواءً كان تفكيرًا عميقًا قبل النوم أو أمرًا جللًا شغل عقلك وحياتك في تلك الأيام بشكلٍ مستمر.

حدوث الأحلام وعلاقتها بحياتنا

كما ن الأحلام منفذٌ للأشياء والأفكار التي تتجنبها في وعيك فهي تظل حبيسةً وعالقةً في لا وعيك ولا تجد متنفسًا لها إلا عند النوم كما المخاوف التي نهرب من التفكير فيها في يقظتنا فتخرج على هيئة كوابيس في الليل تؤرق نومنا وتقلقنا، ومن هنا يأتي إلهام البعض أثناء نومهم فكثيرون اشتهر عنهم أن إلهامهم الأكبر زارهم في منامهم واستفاقوا فحققوه، لأن الإنسان في يقظته ووعيه قد يفقد تسلسل أفكاره وانتظامها وقد تكثر المشتتات من حوله وتقف في طريق تنظيم أفكاره، فهو يحتاج إلى حلٍ أو إلى فكرةٍ ويشعر بقربها منه لكن التشتت يمنعه من الإمساك بها، ثم ينام فيصفو ذهنه من مشتتاته ويجتمع له الحل الذي غاب عنه ويتبلور أمامه.

اختلاف حدوث الأحلام لدى الأشخاص

قد يحلم الكثير منا بأحلام اليوم السابق الذي مر به ما بين يومٌ روتينيٍّ عاديٍّ أو يومٍ تجمعت فيه أحداثٌ جديدةٌ ومختلفةٌ أثارت ذهنه وشغلت عقله فهي تشغل نومه أيضًا كذلك، قد يحلم بها الشخص كما هي وكما حدثت أو قد يحلم بإسقاطاتٍ عليها كأن يحلم شخصٌ تزلج على الجليد اليوم السابق بأنه ينزلق على الأرض مثلًا، وكثيرنا جربنا ذلك الإحساس بعد العودة من السباحة ففي الأحلام نشعر كأننا في عربةٍ نتحرك فيها كنفس الحركة التي حركتنا إياها أمواج البحر ويختلف ذلك حسب اختلاف درجة النوم.

الأحلام والهلاوس

وقد تكون الأحلام هلاوسًا أو دمجًا بين الواقع والحلم معًا كدخول صوت المنبه أو جرس الباب في الحلم أو سماع شخصٍ يتكلم في حلمك ويقول أشياءً يكون أحدٌ بجانبك في الواقع هو قائلها، أو أن تشعر بألمٍ في أي مكانٍ في جسدك فتحلم بأنك جرحت فيه أو أن حيوانًا مفترسًا يجرحك فيه أو أنك في غرفة العمليات وغيرها من تلك الأحلام.

التعلم في الأحلام

التعلم من ضمن مهام الأحلام وأسبابه معًا فكثيرًا ما نصحنا آباؤنا أن ننام جيدًا في ليالي الامتحانات وبعد يومٍ طويلٍ من المذاكرة قد يكون تجنب الإجهاد سببًا جيدًا لكن الحقيقة هي أن العقل يعيد على نفسه ما تعلمه مرارًا وتكرارًا طوال فترة نومك وتزداد أخاديد قشرة المخ أثناء النوم ليحتفظ المخ فيها بذكريات الشيء الذي تعلمه، كما أن العضلات والأماكن في المخ التي استخدمت لتعلم شيءٍ جديدٍ لوحظ أنها تعود إلى النشاط أثناء النوم كما لو أن الشخص مستمرٌ في التعلم أثناء نومه.

الأحلام عالمٌ واسعٌ وغامضٌ وكما نرى حتى يومنا هذا لم يصل العلماء إلى البت فيها والتأكد من حقيقتها ووضع قواعد ونظرياتٍ أكيدةٍ عنها حتى أن كل ما قيل هنا قد يبدو في المستقبل خاطئًا أو شديد السطحية لما قد يكتشفه العلم الحديث المستقبلي، لكن برغم ذلك وأيًا كانت النظرية التي يبنى عليه الحلم فهو يشكل جزءًا حلوًا في حياتنا الصغيرة.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

ثمانية + 11 =