تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » الإبداع والجنون : كيف يكون الجُنون طريق الإبداع أحيانًا ؟

الإبداع والجنون : كيف يكون الجُنون طريق الإبداع أحيانًا ؟

بدأ الكثير من المبدعين أفكارهم العظيمة بأشياء جنونية في نظر الكثير ممن حولهم، لهذا يُقال دومًا أن الفرق بين الإبداع والجنون شعرة رفيعة، فكيف ذلك؟

الإبداع والجنون

ربما لو تكلمنا على التوأمة أو صلة الرحم بين الصفات البشرية، فمن ضمن التوائم الأكثر شهرة هم الإبداع والجنون . هكذا يتخيلهم الجميع وهكذا يتخيل الموضوع المبدعين أنفسهم، لأن غالباً المبدعين مميزين ومعروفين أنهم يكونون حالات خاصة جداً. والأمر ليس حكراً على المجانين أن يكونوا مبدعين، بل العكس تماماً فغالباً المبدعين يكون لهم عادات أو طريقة تفكير تكون بالنسبة للآخرين ليست سوى جنون. ولهذا تجد المقارنة دائماً وأبداً بين المشاهير أو العباقرة والجنون. وتجد دائماً الإسقاط الرهيب على الشحاذين أو الدراويش الذين يمشون في الشارع ويقولون كلام هذي ليس إلا، وما هم سوى عباقرة ومن شدة تفوقهم، ما كان من عقلهم إلا أن شت وتجنن. في هذا المقال ستعلم لماذا الإبداع يحتاج للجنون، وليس الموضوع مجرد عرض جانبي للإبداع بل أن المبدع الحقيقي يحتاج إلى ألا يكون نمطي، أو شخص عادي.

الإبداع والجنون : الشعرة الرفيعة التي تفصل بينهما

كل المبدعين مجانين وليس كل المجانين مبدعين

بمعنى بسيط أن الجنون الذي نتكلم عنه، ليس الخطل، أو نوع من أنواع الأمراض العقلية. بل ما نتكلم عنه هو عدم التآلف مع الطبيعي، مع الحياة الروتينية اليومية بل هو الفائق عن الطبيعي في أي مجال. وفي المقابل فالإبداع أيضاً ليس له مجال محدد، بل أي مجال يستطيع المرء أن يبدع فيه، وسنجد ببساطة هناك مبدعين في الرياضة، ومبدعين في الموسيقى، ومبدعين في الأدب، ومبدعين في التمثيل، ومبدعين في الفيزياء، ومبدعين في الكيمياء، ومبدعين في الصناعة والإلكترونيات، لكل شيء في هذه الحياة مبدعين، والذي يفرق بين المبدع والعادي في المجال الواحد هو الجنون. وهذا الجنون هو الشغف بهذا الشيء. فتجد مثلاً رسام معين في كلية الفنون الجميلة، هذا الرسام لا يفعل فقط ما يقوله المعيد الذي يُدرس له بل يبحث، ويجلس بالساعات ليمزج ألوان بطريقة جديدة، ليصنع تحفة فنية وهو مازال يدرس. في المقابل هناك زملاء آخرون ليسوا مثله، هم فقط يفعلون ما يتوجب عليهم لا أكثر ولا أقل. الفارق هنا أن الطالب الأول مجنون بحب الرسم ويقضي كل وقته في هذا الشيء إنما الآخرون لا يفعلون هذا بل الرسم بالنسبة لهم شيء ثانوي. ولهذا غالباً المبدع يكون مجنون بما يفعل، وليس مجنون في المشفى.

قيمة الجنون في الفن الإبداعي

الفن الإبداعي لا محالة تتمثل ركيزته الأساسية في عدم التكرار، أو لا يجب أن تكون مثل الآخرين. وغالباً حين يوجد هذا الشخص المختلف يكون بمثابة المجنون، أو المريض، أو الشاذ. عندما يكون الشخص مبدع فهو يمتلك هذا النوع من الاختلاف، ولذلك الناس دائماً تقول على المبدعين مجانين. وقيمة الإبداع والجنون معاً هي أن الشخص المبدع يختلف عن الآخرين فيما يفعل. مثلاً آينشتين، العالم الرياضي الأشهر، وكان في زمنه العالم بور وغيره من العلماء القيمين. ولكن الذي جعل آينشتين مبدع في الفيزياء والرياضة هي نظريته النسبية التي كانت بمثابة نقلة في العلم نفسه. والأمر ببساطة بدء بفكرة بسيطة جداً وهي أن الزمن والمكان شيء واحد، بل وأنهما معاً شيء مادي وكانت فكرة تبدو مجنونة وسخيفة ولم يتم تصديقها بسهولة، إلا أنها هي من جعلت آينشتين يكتب اسمه في صفحات التاريخ. أمثلة كثيرة على الإبداع الغير مسبوق نجدها غالباً في الأدب أو بمعنى أوضح في القصص والأساطير، حيث أن الأدباء والقصاصين يتبارون مع بعض دائماً في أنهم يأتون بأفكار جديدة، وكلما كانت الفكرة غير طبيعية ومجنونة كلما كان العمل جديد وغنى وإبداعي. الموضوع بسيط جداً، الإبداع يحتاج تفكير خارج الصندوق والجنون يلهو دائماً خارج الصندوق لذلك الإبداع والجنون يلتقيان معاً كثيراً.

الشخصية المبدعة

غالباً المبدعين كأشخاص يكونون غير نمطيين، غير واقعيين، حالمين، وأحياناً تافهين وكسولين جداً. وقد تجد هذا غريباً ولكن أخيراً ظهرت دراسة، على أن الكسولين هم أكثر إبداعاً من المجتهدين، لأن لديهم الراحة النفسية والخيال الذي يجعلهم يفكرون في فعل الأشياء دون بذل جهد. في حين أن المجتهدين تجدهم دائماً دؤوبين وينظرون على خطوات الآخرين، ويفعلون مثلها ولذلك نسبة الإبداع تكون قليلة جداً ونسبة العمل تكون كبيرة جداً. ولذلك غالباً المجتهدين ينظرون للكسالى على أنهم فاشلين، وبالفعل نسبة كبيرة من الكسالى غير ناجحين وغير مبدعين. ولكن هناك نسبة أيضاً تكون كسوله جداً مثل الكُتاب، ومصممين الجرافيك، والمبرمجين، والثلاثة غالباً مبدعين والدليل هو عالم الإلكترونيات والبرمجيات الذي لا ينضب مثل الكتاب الذين لا يكفون على إبداع كل شيء جديد في عالم الكتابة من شعر ومقال ورواية وقصة وحتى خط الكتابة.

الجنون كموضوع للإبداع

الإبداع والجنون موضوع في حد ذاته، بل موضوع مشوق على الدوام. وكمثال ستجد رائعة الكاتب الكبير ستيفن كينج والذي جسدها الممثل الأشهر والأفضل على الإطلاق “جوني ديب”. وهي رواية “النافذة السرية” والتي تحولت إلى فيلم بعد ذلك، وتعد من أفضل الروايات والأفلام على مر التاريخ التي توضح علاقة الإبداع والجنون. حينما جسد جوني ديب دور الكاتب المبدع الذي يعاني من انفصام الشخصية، والذي تسبب في قتل نفسه في نهاية الرواية. ومن هنا أقول لك أن الإبداع والجنون كموضوع تكتب فيه أو تمثله أو تحكي حتى عنه بين أصدقائك لهو شيء مثير جداً وجذاب. ويعتبر مادة أساسية يتلاعب بها الأدباء والمخرجين من مختلف ثقافات العالم.

عدم التشجيع هو السر وراء الإبداع والجنون

في المجتمعات الجاهلة نسبياً بقيمة الإبداع، تجد أن الأشخاص المبدعين في منزلة المكروهين، المنفيين، المنبوذين، وخصوصاً في الأماكن التي يكون فيها التعليم قليل. حيث أن المجتمع هناك لا يعرف سوى العمل كنوع من أنواع الحياة، وليس هناك وقت ليقف أحدهم ويفكر في شيء. ولذلك عندما يكون هناك طفل يجيد الغناء في وسط أسرة جاهلة، تجد أن الأسرة لن تشجع الطفل أو الشاب أو الرجل على الغناء، بل سيشجعونه فقط على العمل من أجل المال حتى يكون نفسه ويتزوج وهذا في حد ذاته قاتل للموهبة والإبداع. وعندما يقرر الشخص أن يترك كل هذا ويذهب نحو إبداعه فهنا يأخذ لقب مجنون عن جدارة.

كيف تواجه قمع المجتمع من أجل إبداعك

غالباً عدو أي مبدع هو أسرته، وهنا لا أعمم كل الأسر حاشا لي لأن الأب والأم والأخوة هم كل شيء تقريباً وهم هدف الحياة الأسمى للإنسان، ولكني أقول هذا عن بعض الأسر والتي هي ليست بقليلة. الذين لا يرون الأشياء بمنظور الشاب أو الشابة من حيث القدرة التي لديهم، بمعنى أنك كشخص مبدع في الكتابة أو الرسم أو لعب الكورة مثلاً، وتقول لأبيك وأنت في عمر الثالثة عشر أريد أن ألتحق بنادي معين ألعب الكورة، فسيكون الرد الطبيعي لأسر الطبقة المتوسطة هو “ادرس جيداً وفي الإجازة سوف ندعك تفعل ما تريد”. بكل بساطة هم لا يعلمون أنك مبدع في لعب الكورة أو لاعب رائع هم فقط يريدون المعتاد. وكثيرون أمثلة على ذلك مثل اللاعب الأشهر على مواقع التواصل الاجتماعي “كرستيانو رونالدو” الذي كان يهرب من مدرسته، وبعد ذلك أصبح أفضل لاعب في العالم. هنا أنا لا أقول لك اهرب من مدرستك، ولكني أقول لك إن كان لديك القدرة على الإبداع فلا تتنازل عن هذا الإبداع، وإن كان الجنون هو الطريق الوحيد، فالإبداع والجنون سيوصلانك معاً.

الوحدة مع الإبداع والجنون

كثيرون من المبدعين وحيدين، والموضوع بسيط ومعروف وليس مجرد ظاهرة غير طبيعية. إنها نتيجة لعدم قبول المجتمع للمبدعين لأنهم يرونهم مجانين فغالباً ينتحي الشخص المبدع وينزوي وحيداً، لئلا يسمع كلام مؤذي لا داعي له. فهناك بالتأكيد من سيقلل من الإبداع، وهناك من لا يفهمون شيء في الفن مثلاً أو في أي شيء تفعله أنت بإتقان وتجدهم يعدلون عليك بجهل عميق. إضافة إلى السبب الأول فالشخص المبدع يميل إلى الهدوء ولا يميل إلى الصخب والصراخ وعجلة الحياة السريعة. ومن الممكن أن تجد الكثير من الكتاب أو الممثلين المشاهير غير متزوجين، لسبب بسيط لأنهم لا يريدون تحمل مسئولية شخص أخر في حياتهم يقلق الهدوء الذي ينعمون به دائماً، وعدم التفكير في شيء فهذا نعمة بالنسبة لهؤلاء الناس.

الجاذبية في الإبداع الجنون

على نقيض النقطة السابقة، نجد أن المبدع وخاصة المجنون له أرضية كبيرة من المعجبين، وربما لا يصرح لك أحد بحبه لك. فمثلاً لو كنت شاب ومبدع في شيء معين وتفعله بروعة منقطعة النظير، افهم جيداً أنك ستجد في يوم فتاة تأتي لك وتقول لك أنها معجبة جداً بما تفعل. والفتيات عموماً عندما يعجبون بشيء فهم أيضاً يعجبون بصاحب الشيء معه، ولو كنتِ فتاة فهذا غني عن التعريف، حيث ستجدين الشباب يمشون خلفك ويحاولون أن يثبتون لكِ أنكِ عظيمة، وأنكِ رائعة، وأنهم يؤمنون تماماً بقدرة السيدات على الإبداع، كل هذا لمجرد أنكِ تكونين فعلاً جذابة بسبب مهارتك فيما تفعلين. من الناحية الأخرى فالمبدع لا يهتم بكل هذا، وإن كان يهتم بشيء فهو سيهتم بما يريد أن يأخذه من هؤلاء المعجبين، لا أكثر. وربما يكون هذا من ضمن سلبيات الجاذبية التي تتبع الإبداع والجنون، لسبب بسيط لأن المبدع غالباً لا يحبذ الحب والعلاقات طويلة الأمد وليس الكثير سيتفهم هذا. ولذلك سيرجع المبدع للدائرة المفرغة من الوحدة. إلا في بعض الحالات طبعاً فيكون الأمر طبيعي جداً وليس هناك مشكلة مع المبدع أو المجتمع المحيط، وربما يتزوج وينجب مثل الكثيرين جداً من المبدعين المعروفين في كل مجالات العالم.

الإبداع والجنون يلدون الحياة الخالدة

الكثير من المبدعين تكون قضيتهم الأساسية هي الخلود، وهذا في حد ذاته درب من دروب الجنون، لأن الموت هو الحقيقة الوحيدة لنا في هذا العالم. ولكن هؤلاء المبدعون لديهم وسيلة أخرى، وكل مبدع يحاول أن يخلد اسمه بطريقته. إننا في يومنا هذا ندرس مادة في كل الصفوف الدراسة اسمها التاريخ، وفي التاريخ ندرس الملوك والسلاطين والحقب الزمنية، وهذا بالنسبة للبعض جيد، ويريد أن يصير واحد منهم عندما يكبر. ولكن المبدعون يريدون أن يخلدون أسمائهم بأعمالهم، مثلاً عندما تذكر “نجيب محفوظ” هو الأديب العربي الوحيد الذي حاز على جائزة نوبل للأدب وهذا في حد ذاته تخليد لاسمه، وهناك في العلوم مثل آينشتين ونيوتن، وهناك نحاتين يخلدون أسمائهم بتماثيلهم، وهناك رسامين مثل دافنشي وهناك موسيقيين مثل بيتهوفن. كل هؤلاء أشخاص كانت حياتهم أصبحت خالدة بسبب إبداعهم.

أخيراً عزيزي القارئ عليك أن تعلم جيداً أن الإبداع والجنون هما شيئين صحيين لك، لو كانا بدرجة مقبولة ولا تؤثر على حياتك الشخصية وعلاقاتك مع الآخرين. فالحياة لا تحتاج إلى النمطية دائماً، وهناك أوقات يجب أن تجن وتثق في قدرتك وإبداعك حتى لو كان الكل من حولك لا يرون هذا، ولكن جنونك هو الذي سيجعل إبداعك له وجود.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

14 − ثلاثة عشر =