تسعة شخصيات

يوسف شاهين .. سفير السينما المصرية حول العالم

يوسف شاهين

يوسف شاهين هو المخرج العربي الذي تمرد على المسلمات السينمائية وحطم أسطورة النجم الممثل، ففي حين كانت جميع الأفلام العربية تسوق في دور العرض باسماء أبطالها من الممثلين والممثلات، كانت أفلام يوسف شاهين وحدها يتم تسويقها في سوق السينما باسم مخرجها، على الرغم من أنه تعامل على مدار سنوات نشاطه الفني مع عملاقة نجوم التمثيل على رأسهم نور الشريف ويسرا وسعاد حسني ومحمود المليجي وأحمد مظهر وكان آخرهم خالد صالح.. يصنف يوسف شاهين ضمن أهم عشرة مخرجين في تاريخ السينما المصرية والعربية، كما يوصف بأنه أول مخرج عربي يصل بأعماله الناطقة بالعربية إلى العالمية، فترى كيف كانت مسيرته الفنية؟ وما الإنجاز الفني الذي حققه خلالها؟

يوسف شاهين .. من هذا؟

الأستاذ هو اللقب الذي عرف به يوسف شاهين طوال سنوات عمله في مجال الفن، وحتى اليوم لا يزال يُعرفه به تلاميذه ومن عاصروه.. فترى هل استحقه؟ وكيف كانت مسيرته نحو اعتلاء عرش السينما؟

الميلاد والأصول :

يوسف شاهين واسمه بالكامل يوسف جبرائيل شاهين المولود في مدينة الإسكندرية المصرية في الخامس والعشرين من يناير 1926م، ورغم أن يوسف شاهين يعد من أعملام السينما المصرية ويحمل جنسيتها إلا أنه يندرج من أصول غير مصرية، وتحديداً من دولتي اليونان ولبنان، حيث أن والده جبرائيل شاهين جاء إلى مصر من شرق لبنان، أما والدته فقد كانت تنتمي إلى إحدى الأسر اليونانية التي هاجرت إلى مصر خلال القرن التاسع عشر واستوطنت الإسكندرية. نشأ يوسف شاهين في كنف أسرة مسيحية كاثوليكية متعددة الأصول مصرية الهوى والانتماء، وكانت أسرة شاهين تنتمي إلى الطبقة المصرية المتوسطة من الناحية المادية.

بين الدراسة والفن :

من حسن حظ يوسف شاهين أنه نشأ داخل أسرة تعي أهمية الثقافة والتعليم وتُقدر دور الفن، فلولا ذلك لربما أُهدِرت موهبته وما نال فرصته، حيث أن أسرة شاهين قد كافحت من أجل تعليمه خاصة وأن تكاليف الدراسة في مدارس فيكتوريا كوليج السكندرية التي تم إلحاقه بها مرتفعة مقارنة بتكاليف الدراسة في المدارس الأميرية الأخرى، لكن الأسرة قبلت التضحية وتكبد العناء في مقابل مستوى التعليم الراقي الذي سيُقدم لنجلها.

بعد اجتياز يوسف شاهين لاختبارات المرحلة الثانوية استكمل دراسته في جامعة الإسكندرية، وخلال تلك الفترة كان عشقه للفن قد بلغ ذروته، وقرر أن يحترفه ويُكرس له الحياته، وبناء على ذلك فقد سافر إلى الولايات المتحدة بهدف صقل موهبته وإتقان فنون التمثيل والإخراج، وبالفعل نجح في الانضمام إلى معهد ياسادينا المسرحي في الولايات المتحدة والمعروف باسم ياسادينا بلاي هاوس، ودرس شاهين به مختلف فروع الفنون المسرحية وأتقنها.

الفيلم الأول :

تعد العقبة الأكبر في مسيرة أي موهوب هي الحصول على فرصته الأولى للإطلال على الجماهير وتعرفيهم بنفسه وقدراته وموهبته، وحين عاد يوسف شاهين من الولايات المتحدة كان همه الأول الحصول على تلك الفرصة، التي جاءته في أوائل الأربعينيات حين ساعده صديقه المصور السينمائي ألفيزي أوفانيللي في الدخول إلى الوسط الفني، ومن ثم تمكن من الحصول على فرصة إخراج فيلمه الأول الذي حمل عنوان بابا أمين.

رغم أن شاهين كان لا يزال حديث العهد بالعمل السينمائي إلا أنه استطاع أن يكتسب ثقة عدد كبير من الفنانيين وإقناعهم بمشاركته العمل ومنهم فاتن حمامة وكمال الشناوي وحسين رياض وفريد شوقي وماري منينب، كما أن البناء الدرامي للعمل ساعد يوسف شاهين على إبراز قدراته الإخراجية، وحقق الفيلم عن طرحه بدور العرض في عام 1950 نجاحاً مقبولاً وأشاد به النقاد، الأمر الذي مهد الطريق أمام شاهين لمواصلة عمله السينمائي والاتجاه إلى الفيلم الثاني في مشواره الفني.

البداية القوية :

ما حققه يوسف شاهين من خلال فيلمه الثاني استغرق تحقيقه سنوات طويلة من المخرجين الآخرين، حيث استطاع يوسف شاهين أن يشارك بفيلمه الثاني الذي حمل عنوان ابن النيل في العديد من الفاعليات والمهرجانات السينمائية العالمية، كان أهمها مشاركة الفيلم ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي الدولي، وقد كان الفيلم من بطولة شكري سرحان وفاتن حمامة ومحمود المليجي ويحيي شاهين.

المسيرة السينمائية :

بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلم يوسف شاهين الثاني ابن النيل وجد أبواب السينما مفتوحة أمامه على مصرعيها، فتوالت أعماله ونجاحاته، وقدم على مدار سنوات نشاطه الفني عشرات الأعمال المميزة التي تمثل علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية، وقد جاء إنتاج يوسف شاهين السينمائي متنوعاً ما بين الأفلام التاريخية والدرامية والملحمية.

اتسمت أغلب أفلام يوسف شاهين بالعمق، حيث شارك شاهين في كتابة السيناريو الخاص بالنسبة الغالبة من الأفلام التي قدمها، وكانت تحمل قصصها بُعداً فلسفياً يدركه بسهولة المشاهد الواعي، كما أنه أسهب في استخدام الإسقاطات والرمزيات وخاصة في مجموعة الأفلام التي قدمها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، وقد بلغ رصيد شاهين الفني 37 فيلماً سينمائياً طويلاً وخمسة أفلام قصيرة، ومن أهم الأعمال في مسيرة شاهين السينمائية الآتي:

  • صراع في الوادي
  • جميلة .. عن قصة حياة المناضلة جميلة بوحريد
  • باب الحديد
  • الناصر صلاح الدين
  • الأرض
  • الاختيار
  • عودة الابن الضال
  • المهاجر
  • الآخر
  • هي فوضى

يوسف شاهين وأهم 100 فيلم مصري :

في عام 2006م وضمن فاعليات الاحتفال بمرور مائة عام على بدء صناعة السينما في مصر، قام مركز الفنون الذي يتبع مكتبة الإسكندرية بتشكيل لجنة من النقاد سمير فريد وأحمد الحضري وكمال رمزي بهدف اختيار قائمة تضم أفضل 100 فيلم روائي طويل في تاريخ السينما المصرية، وقد كان لـ يوسف شاهين نصيب الأسد من هذه القائمة، حيث تضمنت اسماء سبعة من أفلامه هي:

  • إسكندرية ليه
  • عودة الابن الضال
  • باب الحديد
  • العصفور
  • صراع في الوادي
  • باب الحديد
  • عودة الابن الضال

شاهين .. مكتشف النجوم :

أثر يوسف شاهين في تاريخ السينما المصرية بأساليب مختلفة ومتنوعة، حيث أن أثره لا يقتصر على مجموعة الأفلام الهامة التي أثرى بها المكتبة السينمائية العربية، بل أنه ساهم في صناعة عدد غير قليل من نجومها وإعادة اكتشاف عدد آخر، فهو مكتشف النجوم خالد النبوي ومحسن محيي الدين ويسرا اللوزي وهاني سلامة كما أعاد اكتشاف موهبة حنان ترك، كما خرج العديد من المخرجين الكبار من تحت عباءة شاهين أبرزهم المخرج خالد يوسف والمخرج علي بدرخان، وكذلك هو الحال في باقي المجالات السينمائية من تصوير وديكور ومونتاج ومكياج وإضاءة.

أثره وإنجازه :

استطاع يوسف شاهين أن يجعل من اسمه مرادفاً لمصطلح السينما المصرية، حيث أنه واحد من أبرز مخرجيها وأهم أعلامها وأشهرهم، كما أنه يعد بمثابة سفير السينما المصرية في العالم، باعتباره المخرج المصري الأكثر شهرة في أوروبا والأكثر مشاركة في المحافل السينمائية الدولية، أما على الجانب الفني فقد انفرد يوسف شاهين بمدرسة إخراجية خاصة تعرف باسمه وتدرس حتى اليوم ضمن الدورات التدريبية الخاصة بإعداد المخرجين والسينمائيين.

الجوائز العالمية :

يوسف شاهين هو المخرج العربي الأكثر مشاركة في المسابقات الرسمية للأفلام في كبرى المهرجانات السينمائية حول العالم، وقد رُشِح على مدار سنوات نشاطه الفني إلى العديد من الجوائز العالمية وحصد بعضها بالفعل، ومن أهم وأبرز الجوائز السينمائية التي نالها شاهين ما يلي:

  • جائزة التانيت الذهبية من مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم الاختيار عام 1970م
  • جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين السينمائي عن فيلم إسكندرية ليه عام 1979م
  • جائزة أفضل مخرج من مهرجان أميان السينمائي الدولي عن فيلم المصير عام 1997م
  • تم تكريمه بجائزة الإنجاز العام من مهرجان كان السينمائي عن مجمل أعماله عام 1997م
  • جائزة فرنسوا كاليه لأفضل مخرج من مهرجان كان السينمائي عن فيلم الآخر عام 1999م
  • احتفى موقع جوجل الشهير بذكرى ميلاد يوسف شاهين عام 2015م وذلك بوضع صورته على الواجهة الرئيسية لمحرك البحث الشهير

حياته الخاصة :

حرص يوسف شاهين بقصد أو بدون على أن يبعد حياته الشخصية عن عالم الأضواء، حيث أنه كان يحرص خلال اللقاءات التلفزيونية والصحفية التي تجرى معه على أن يكون الضوء مسلطاً على حياته الفنية دون غيرها، ولكن من المعلوم أن شاهين قد تزوج في عام  من سيدة فرنسية تدعى كولييت، وقد استمر زواجهما حتى وفاة شاهين في عام 2008م، ولم ينجب الزوجان لكن شاهين كان يؤكد للمقربين منه أنه استعاض عن الإنجاب بابناء شقيقته المنتج جابي خوري وشقيقته ماريان خوري.

شائعة اعتناقه للإسلام :

أشيع كثيراً أن يوسف شاهين قد اعتنق الدين الإسلامي سراً تأثراً بدروس الشيخ محمد متولي الشعراوي، وقد ترددت تلك الأقاوبل بقوة في أعقاب وفاة شاهين، إلا أن عائلته والمقربين منه قد نفوا ذلك الأمر جملة وتفصيلاً، وأرجعوا السر وراء انتشار مثل هذه الشائعة هو تسامح شاهين واحترامه لمختلف الأديان، حتى أنه كان يحتفظ داخل منزله بنسخة مترجمة من القرآن الكريم، ولكنه لم يعتنق حتى وفاة أي عقيدة بخلاف المسيحية الكاثوليكية.

آراء شاهين السياسية :

تعرض يوسف شاهين خلال مسيرته إلى العديد من المضايقات والمتاعب بسبب مواقفه السياسية، وانتقاده الدائم لرموز الأنظمة الحاكمة وسياساتهم، حيث عُرف عارض شاهين العديد من سياسات الرئيس الراحل أنور السادات كما كان من أشد معارضي حكم حسني مبارك وقد تنبأ بقيام الثورة ضده من خلال فيلمه الأخير هي فوضى، أيضاً طالما استفز يوسف شاهين الجماعات الأصولية المتطرفة بسبب هجومه عليهم من خلال العديد من أعماله السينمائية، وقد كان يُصنف يوسف شاهين نفسه ضمن أنصار الفكر الليبرالي الداعي إلى الحرية والمساواة.

أيام شاهين الأخيرة :

تدهورت حالة يوسف شاهين الصحية بشكل ملحوظ خلال الشهور الأخيرة، حيث تعرض في يونيو 2008م إلى نزيف متكرر في المخ، الأمر الذي استدعى سفره لتلقي الرعاية الصحية بالخارج داخل المستشفى الأمريكي في العاصمة الفرنسية باريس، ولكن لم تتحسن حالته الصحية فعاد إلى مصر مرة أخرى حيث مكث لعدة أسابيع في مستشفى المعادي العسكري بالعاصمة المصرية القاهرة. دخل شاهين في غيوبة لمدة ستة أسابيع وفي يوم الأحد الموافق السابع والعشرين من يوليو 2008م أُعلِن خبر وفاة يوسف شاهين عن عمر يناهز 82 عاماً.

في وداع يوسف شاهين :

أقيم قداس يوسف شاهين داخل كاتدرائية القيام بمنطقة العباسية في العاصمة القاهرة، ثم تم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقابر الروم الكاثوليك في منطقة الشاطبي بمسقط رأسه مدينة الإسكندرية بحسب وصيته، وقد تم ذلك في جنازة مهيبة حاشدة حضرها عدد كبير من نجوم الوسط الفني وعدد من الشخصيات العامة بجانب ممثلين عن مؤسسات الدولة، كما قامت العديد من الدول ومشاهير العالم بنعي يوسف شاهين وإرسال برقيات العزاء وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي وصف شاهين بالمبدع المدافع عن الحريات.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق