تسعة شخصيات

عبد الحليم حافظ : العندليب الماشي على الأشواك

العندليب عبد الحليم حافظ الماشي على الأشواك

عبد الحليم حافظ هو اسم لفنان عظيم مؤكد أصابه الحسد مراراً، فكل شاب عاصر عبد الحليم تمنى لو كان محله، وينال ما ناله من مكانة في قلوب الفتيات، وكل مطرب عاصره أو جاء في وقت لاحق عليه، تمنى أن يبلغ ولو قدر قليل من المكانة التي بلغها عبد الحليم حافظ ،ولكن ربما هؤلاء جميعاً لو عرفوا من يكون عبد الحليم بعيداً عن الأضواء، لتغيرت نظرتهم كثيراً إليه، فهو ربما انجز ما يستحق عليه الحسد لكنه بالتأكيد كان أحق بالإشفاق.

عبد الحليم حافظ .. من هذا ؟

يستحق عبد الحليم وعن جدارة المكانة التي بلغها ولايزال محتفظاً بها، فهو فنان من طراز فريد ونادر، ولكن ماذا عن الوجه الآخر لمطربنا الشهير؟، كيف كان حاله وحياته بعيداً عن الأضواء وفلاشات الكاميرات؟، كيف وهب السعادة بأغنياته لملايين البشر وهو لم يذق من أطعمة السعادة إلا طعم النجاح فقط.

اليُتم المبكر :

تشتهر سيرة عبد الحليم حافظ بمعاناته مع المرض الشديد الذي أصابه منذ طفولته، وتفاقم مع تقدمه في العمر عام بعد عام، لكن الحقيقة أن معاناة عبد الحليم قد وُلِدت معه لحظة ميلاده، ففي محافظة الشرقية وتحديداً في القرية الصغيرة المسماه الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية، ولد عبد الحليم حافظ باسم عبد الحليم علي شبانة في الحادي والعشرين من يونيو لعام 1929م، وكانت ولادته متعسرة الأمر الذي أدى إلى وفاة أمه بعد ميلاده بأيام قليلة، وقبل أن يُـم حليم الطفل عامه الأول، كان قد التحق والده -هو الآخر- بأمه ورحل عن دنيانا، وبذلك كُتب على عبد الحليم حافظ شق طريقه في الحياة يتيم الأبوين.

الأسرة والنشأة :

من المعروف إن علاقة عبد الحليم حافظ بأسرته كانت تتسم بقوة الترابط، وذلك لأنه وجد فيهم عوض من الله عز وجل عن والديه اللذان رحلا مبكراً، فبيت خاله الذي نشأ فيه لم يكن سوى مأوى للنوم، أما الرعاية الحقيقية التي كان يحتاجها كطفل خلال مختلف مراحل نموه، فقد وفرها له أخوته اللذين يكبرونه سناً، وهم ثلاثة أخوة ولدين هما إسماعيل ومحمد شبانة وفتاة واحدة هي عيلة، وحَلّت عليه محل الأم في حياة عبد الحليم حافظ ،وهو نفسه أقر بذلك في أكثر من لقاء تلفزيوني وصحفي، وكان دائماً ما يعبر عن امتنانه لها، حتى إنه كان يرفض أن يقال عنه أنه يتيم الأم لأن علية حية ترزق.

تأثره بأخيه :

كان قدر عبد الحليم حافظ أن يكون موسيقياً ومطرباً، فهو لم يسع إلى تعلم الموسيقى بل إن الموسيقى هي من اتجهت إليه، فأخيه الأكبر إسماعيل شبانة والذي كان بمثابة أباً له، وقدوته الأولى في الحياة، كان محباً للغناء ويمتلك صوتاً عذباً، بجانب إنه كان يعمل مدرساً للموسيقى، وقد لاحظ الحس الفني المرهف الذي امتلكه أخيه الأصغر منذ نعومة أظافره، فقرر أن يعلمه مبادئ الموسيقى والعزف وهو في هذه السن الصغيرة، فزاد تعلق عبد الحليم حافظ الصغير بهذا الفن، وصار دون غيره مبعث الفرحة والبهجة في حياته.

التعليم :

اهتم أخوة عبد الحليم حافظ اهتماماً بالغاً بتعليم أخيهم الصغير، على الرغم من أن ما كان يمكن أن يلومهم أحد لو أهملوا ذلك الأمر، خاصة وإن في تلك الفترة لم يكن يهتم غالبية عامة الشعب بتعليم أطفالهم، خاصة في القرى الفقيرة بالمناطق الريفية، لكن إسماعيل وعلية شبانة أيقنا من أن التعليم سيساهم في تنشأة نشئة سوية، فتم إلحاقه في بادئ الأمر بكُتاب القرية، حيث تعلم عبد الحليم حافظ هناك مبادئ الحساب والعربية، كما حفظ قدر مقبول من سور القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة وتدرج بالمراحل التعليمية المختلفة، وفي عام 1943م التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين.

من شبانة إلى حافظ :

كما ذكرنا سلفاً فإن عبد الحليم حافظ قد وُلِد باسم عبد الحليم شبانة، فمن أين جاء اسم “حافظ” الذي اشتهر به وما قصته؟.. القصة تبدأ بمحاولات عبد الحليم الأولى في الدخول إلى مجال الغناء، والتي اتسمت بالصعوبة الشديدة، ورغم فشل عِدة محاولات لم ييأس حليم واستمر في البحث عن فرصته، والتي ساقه القدر إليها حين جمعه بالإعلامي الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب، والذي قَدّر موهبة حليم الفريدة وقرر تقديمه للإذاعة للمرة الأولى، لكنه رأى إن اسم “شبانة” ليس باسم فني لائق، فكان يريد له اسماً موسيقياً فمنحه اسمه، ومنذ ذلك الحين صار حليم يعرف باسم عبد الحليم حافظ

المكانة :

الإنجاز الحقيقي في حياة عبد الحليم حافظ يتجسد في المكانة التي بلغها، فهو المطرب العاطفي الأشهر في العالم العربي إلى يومنا هذا، وهذا لإنه لم يكن مطرباً نمطياً أبداً، بل حرص على تجديد موسيقاه بصفة مستمرة، وحَدّث في النمط الموسيقي السائد بشكل عام، والأهم إنه فعل كل ذلك دون أن ينحدر إلى الابتذال، بل على العكس كان يرتقي بالمستوى الفني للأغنية في كل مرة.

عبد الحليم الإنسان :

على المستوى الإنساني لم يحقق عبد الحليم حافظ إنجازات عديدة، فلم يكن يحظى بحياة جيدة بعيداً عن دائرة الضوء، فحياته الخاصة كانت بعيدة كل البعد عما يمكن وصفه بـ”السعيدة”، فهو فقد والديه قبل أن يتجاوز العام الأول من عمره، ثم فقد الإنسانة التي أحبها، وهذا كله بجانب معاناته مع المرض الشديد الذي أصابه في وقت مبكر من حياته، واضطر آسفاً إلى التعايش معه طوال الوقت حتى أودى بحياته.

 الحب في حياة حليم :

تغنى عبد الحليم حافظ بالحب مراراً وتكراراً، ولكنه لم ينل منه حظاً وفيراً، فهناك بعض المصادر تشير إلى وجود علاقة عاطفية بينه وبين النجمة سعاد حسني، وبعض تلك المصادر تقول بإنه كان هناك زواج سري بينهما، ولكن في النهاية ذلك الأمر لا يوجد عليه دليل واحد، وقد يكون محض إشاعة كتلك الإشعات التي تنال من كل شهير، أما قصة الحب المُعلنة والمعروفة للجميع، هي تلك التي جمعت بين حليم والفتاة الارستقراطية ديدي، والتي أغرم عبد الحليم حافظ بها واتفق معها على الزواج، ولكن أثناء قيامه بتحضيرات الزفاف وتجهيز منزل الزوجية، توفت ديدي إثر إصابتها بمرض خبيث بالمخ، وهو ما شكل صدمة شديدة لـ عبد الحليم حافظ ،استغرق وقت طويل حتى يتعافى منها، وربما لم يتعاف حتى وفاته، فالبعض يقول أن عدم زواج عبد الحليم حافظ راجع لحالته الصحية، بينما البعض الآخر يؤكد إنه لم يلقى الإنسانة التي تستطيع أن تحل محل جيجي بقلبه.

الوفاة :

في الثلاثون من شهر مارس لعام 1977م أذيع نبأ وفاة عبد الحليم حافظ، والذي شكل صدمة بالنسبة للملايين من محبيه بأرجاء الوطن العربي، وكانت وفاته بالعاصمة الإنجليزية لندن، حيث كان قد نُقل إلى هناك قبل فترة لتلقي العلاج، ويُشاع أن السبب الرئيسي في وفاة العندليب الأسمر هو مرضه الذي عاش به منذ طفولته، بينما الحقيقة والتي كشفتها فحوصات الأطباء، إن الوفاة نتجت عن خطأ في العلاج، حيث كان قد تم نقل دم ملوث إليه أثناء علاجه، تسبب في إصابته بالألتهاب الكبدي “فيروس سي”، والذي عجز الأطباء عن مكافحته بسبب إصابته المسبقة بتليف الكبد.

الوداع يا حب يا أحلام :

“الواد يا دنيا الهنا.. الوداع يا حب يا أحلام”، ليس هذا مجرد مقطع من واحدة من أشهر أغنيات عبد الحليم حافظ ،بل إنه يصلح ليكون وصفاً لوداع الجماهير له، اللذين كان يمثل عبد الحليم مصدر البهجة والفرحة والحب في حياتهم، فقد شهدت مصر خلال تاريخها المديد ثلاث جنازات مهيبة، خرج فيها الملايين إلى الشوارع، هم جنازة السيدة أم كلثوم وجنازة الزعيم جمال عبد الناصر والثالثة هي جنازة العندليب عبد الحليم حافظ ، وقدر المؤرخون ممن عاصروا الحدث أن عدد المشاركين في الجنازة تخطى حاجز الـ2.5 مليون، وهو رقم بالغ الضخامة خاصة إذا ما تمت مقارنته بتعداد الشعب المصري آنذاك.

سيرة حياة

أضف تعليق