تسعة شخصيات

محمد فوزي .. مبدع الفن وصانعه الذي قتله الاكتئاب

محمد فوزي

محمد فوزي هو الفنان الذي وهب حياته بالكامل للفن وأخلص له، فأثراه بكم هائل من الأعمال المميزة كمطرب وملحن وأيضاً كمنتج للأسطوانات وأفلام السينما. محمد فوزي بكل المقاييس فنان عبقري غير تقليدي عمل على تطوير الفن، فقدم جملاً لحنية لم تكن معهودة قبله، كما إنه أول من أدخل صناعة الأسطوانات إلى مصر والتي مهدت الطريق لظهور صناعة الكاسيت بعد عِدة عقود، وهذا كله بجانب تأثيره الفني -في المقام الأول- باعتباره أحد أعذب الأصوات التي عرفتها الموسيقى العربية.

محمد فوزي .. من هذا :

محمد فوزي هو أحد أشهر المطربين وأكثرهم جماهيرية في تاريخ الموسيقى العربية، فكيف كانت مسيرته؟ وما التأثير الذي أحدثه واستحق عنه بلوغ المكانة التي يتمتع بها؟

الميلاد والعائلة :

ولد الموسيقي المصري الشهير محمد فوزي في الثامن والعشرين من أغسطس لعام 1918م، وكان ذلك في محافظة الغربية وتحديداً في كفر أبو جندي التابع لمركز طنطا، واسمه بالكامل محمد فوزي عبد العال حبس الجو. نشأ فوزي في كنف أسرة ميسورة الحال، وكان والده كثير الزواج وهذا يفسر عدد ابنائه، ففوزي يأتي بالترتيب الحادي والعشرين من أصل خمسة وعشرين أخاً وأختاً معظمهم غير أشقاء، وجدير بالذكر إنه شقيق المطربة والممثلة الشهيرة هدى سلطان.

فنان بالفطرة :

أظهر محمد فوزي منذ نعومة أظافره ولعاً وشغفاً بالفن بشكل عام وبفن الموسيقى على وجه الخصوص، فقد كان مستمع جيد وكان يعشق أداء أغنيات عمالقة ذلك الزمان مثل محمد عبد الوهاب والسيدة أم كلثوم وغيرهما. أول من انتبه إلى موهبة فوزي كان أحد أصدقاء والده ويدعى محمد الخربتلي، ورغم إن الخربتلي لم يكن فناناً محترفاً حيث كان يعمل بقطاع الدفاع المدني، إلا إنه كان موسيقياً هاوياً ويمتلك من الحس الفني ما يمكنه من التمييز بين المواهب الأصيلة والمصطنعة، فبدأ يشجعه ويحثه على التدرب وتطوير موهبته، وكان يصحبه معه إلى الأفراح والموالد وخاصة مولد السيد البدوي ليستمع إلى المطربين والمنشدين، ومن خلال تلك الليالي الاحتفالية خاض فوزي أولى تجاربه في الغناء أمام الجماهير ونال استحسانهم مما زاده ثقة وإصراراً على المواصلة.

الدراسة :

تلقى محمد فوزي تعليمه الأول بمدرسة طنطا الابتدائية واشتهر بين زملائه ومُعلميه بموهبته الغنائية، ثم التحق بمرحلة التعليم الإعدادي بنفس المدينة، ثم قرر الانتقال إلى القاهرة ليدرس بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، ولكنه لم يحضر بصفوفه إلا لمدة عامين فقط وقرر تركه قبل أن يتم دراسته بحثاً عن فرصة عمل حقيقية بالمجال الفني.

بدء المسيرة :

بدأت مسيرة محمد فوزي الإبداعية كأغلب ابناء جيله من داخل صالات الكازينوهات والملاهي، والتي كان من عاداتها أن تقدم فقرات فنية متنوعة ما بين الطرب والاستكشات وغيرها. في البداية عمل بملهى الشقيقتين رتيبة وإنصاف رشدي ورغم إن الجمهور لم يعرفه إلا إنه حقق شهرة وسط المهتمين بالفن، وكانت من بينهم بديعة مصابني التي أغرته للعمل بالكازينو الخاص به، ولم يهدر فوزي الفرصة لعلمه بإن بديعة صانعة نجوم وإن زبائنها من المشاهير وأعلام الدول، وبكازينو بديعة التقى فوزي بشباب الموهوبيين ممن صاروا نجوماً ورموزاً فيما بعد، وكان على رأسهم فريد الأطرش وعلي الشريف ومحمد عبدالمطلب وقد جمعته بهم جميعاً صداقة قوية استمرت لآخر العمر.

البداية في المسرح :

البداية الاحترافية الحقيقية لـ محمد فوزي كانت من خلال المسرح الغنائي، التي استهلها بمسرحية شهرزاد لفنان الشعب سيد درويش حين تعاقدت معه فرقة المصريين ليكون بديلاً للمطرب إبراهيم حمودة، ولكن فوزي أخفق بعرضه الأول رغم عمله تحت قيادة مخرج عبقري هو زكي طليمات مما أصابه بالإحباط. لكن الفنانة فاطمة رشدي كانت تؤمن بموهبة فوزي وقدراته، ولهذا ضمته إلى فرقتها ليعمل معها مطرباً وملحناً وممثلاً وقدم معها أكثر من عرض ناجح، فانجذبت إليه أعين صُناع السينما ومنهم يوسف وهبي الذي رشحه لدور صغير بفيلم سيف الجلاد الذي مثل نقطة تحول في مسيرة فوزي.

ملك السينما الغنائية :

شاهد المخرج محمد كريم محمد فوزي من خلال فيلم سيف الجلاد، وكان بتلك الفترة يبحث عن وجه جديد ليسند له دور محوري بفيلم أصحاب السعادة أمام رجاء عبده وسليمان نجيب، فقرر أن يسند إليه الدور وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً مهد الطريق أمام فوزي لمواصلة مسيرته، فتعددت أعماله السينمائية الغنائية وتوالت نجاحاته، حتى إنه تربع على عرش السينما الغنائية خلال عقدي الأربعينات والخمسينات.

التراث الغنائي لمحمد فوزي :

يملك محمد فوزي رصيداً كبيراً من الأغنيات والألحان يقدر بحوالي 400 أغنية أهم ما يميزها هو تنوعها، فقد كان فوزي حريصاً منذ اللحظة الأولى على ألا يحصر نفسه في قالب فني محدد، فتنوع تراثه الفني ما بين الأغنية الوطنية والدينية بجانب عدد هائل من الأغاني العاطفية والتي جاءت أغلبها متضمنة أفلامه السينمائية، كما إنه من المطربين القلائل ممن اهتموا بأغنية الطفل ومنها أغنية ماما زمانها جاية، التي تعد أشهر أغنية مقدمة للأطفال في تاريخ الموسيقى العربية.

تأثيره :

تأثير محمد فوزي الفني لا يتمثل فيما عدد ما قدمه من أغاني أو ألحان أو أفلام، بل إن تأثيره أشمل وأعمق من ذلك بكثير، فكان فوزي فناناً مجدداً عمل على تطوير آليات العمل الفني وأساليبه، وقام بذلك بصفتيه سواء كفناناً مبدعاً أو كمنتجاً من خلال شركته الخاصة بإنتاج الأسطوانات وشركة الإنتاج السينمائي، جدد فوزي في الألحان والموسيقى وأدخل إليها بعض الآلات والأساليب التي لم تعرف قبله، الأمر الذي يجعل منه موسيقياً فذاً.

حياته الخاصة :

رغم إن حياة محمد فوزي الفنية يمكن وصفها بالمستقرة في أغلب الفترات، حيث كانت في تصاعد مستمر وكان يرتقي سلم النجاح درجة بعد درجة بخطوات واثقة وثابتة، إلا إن حياته الشخصية أو العائلية لم تحظ بنفس درجة الاستقرار، الذي يبدو إنه كان يبحث عنه بشتى السبل وهو ما يفسر تكرار تجارب الزواج في حياته والتي بلغ عددها ثلاث تجارب، هم كالآتي:

  • السيدة هداية : هي الزوجة الأولى في حياة فوزي وقد أعلن زواجه منها في عام 1943م، ورُزق منها بثلاثة أنجال هم نبيل وسمير ومنير، ورغم إن تلك الزيجة قد دامت لقرابة عشر سنوات إلا إنها انتهت بالانفصال الذي وقع في عام 1952م.
  • الفنانة مديحة يسري : في ذات العام -أي 1952م- خاض محمد فوزي تجربة الزواج الثانية وكانت من سمراء النيل الفنانة مديحة يسري، والتي شاركته بطولة أكثر من عمل من أعماله السينمائية أبرزها معجزة السماء وبنات حواء، ورُزق منها بابن واحد يُدعى عمرو، ثم اتخذا قرارهما بالانفصال في عام 1959م.
  • السيدة كريمة : بعد عام واحد من انفصاله عن مديحة يسري قرر محمد فوزي الزواج للمرة الثالثة، ولكن زوجته بتلك المرة كانت من خارج الوسط الفني وتدعى كريمة، ورُزق منها بأبنته إيمان، وقد دام زواج فوزي من السيدة كريمة حتى وفاته في عام 1966م.

الأزمة الأخيرة والوفاة :

أصعب مراحل حياة محمد فوزي كانت آخرها، فقد عاش سنواته الأخيرة في شقاء وأصيب بحالة من الاكتئاب الحاد نتيجة تأميم شركته مصر فون لإنتاج الأسطوانات في أعقاب ثورة يوليو، وقد كانت تلك الشركة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، فكانت لها مكانة خاصة لديه ويعتبرها حلمه الذي طالما جاهد لتحقيقه.

أصيب بصدمة قوية بعد علمه بقرار تأميمها وفقدانه لحقه بها فتردت حالته الصحية ولم يستطع الأطباء في مصر تشخيص مرضه، مما اضطره للسفر إلى لندن ثم إلى ألمانيا لإجراء فحوصات وكان قد تدنى وزنه بذلك الوقت إلى 36 كيلو جراماً فقط، وفي ألمانيا اكتشف الأطباء إصابته بمرض تليف الغشاء البريتوني، وفي العشرين من أكتوبر 1966م توفي في العاصمة الألمانية برلين عن عمر يناهز 48 عاماً، وتم تشييع جثمانه في جنازة حاشدة حضرها المئات من محبيه.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق