تسعة

لعنة الفراعنة : ‫هل تعلم ما اذا كانت لعنة الفراعنة حقيقة ام خيال؟

سلسلة من مقالات عن لغز لعنة الفراعنة : هل ما زلتم تصدقون اخبار لعنة الفراعنة وتثقون في الروايات التي احتوتها صحف الغرب وافلامهم الرائعة أم تشككتم في الامر؟

في نهاية القرن السابع عشر الميلادي وبالتحديد في عام 1798 ميلادية جاءت الى مصر حملة حربية فرنسية قادها القائد الحربي العبقري نابليون بونابرت. كانت الحملة تحمل الجنود والسلاح ونية الحرب ولكن حملت ايضا مطبعة للكتب سرقها الفرنسيون من عائلة ميدتشي التي اشتهرت بالطباعة العربية في احدي الجزر الايطالية واصطحب نابليون معه عشرات من العلماء والمفكرون فقد كان محبا للعلم والعلماء وكان يعلم ان الفتح العسكري يتضاءل كثيرا امام الفتح الذي يحققه العلم والفكر. حتى هذه الفترة كانت الحضارة المصرية القديمة كنزا مدفونا لم يعرف احد اسرارها بعد. كان اقصي ما يفعله الناس منذ القدم والذين اتوا ومروا في ارض مصر هو الانبهار بأثار ومعابد الفراعنة العظماء ولكن لم يستطيع احد ان يتعرف على لغة هذه الحضارة واسرار هذا الشعب العريق المكتوبة على جدران المعابد كأنها طلاسم عصية على الفهم للابد.

الحجر العجيب

بعدما وصلت السفن العسكرية الفرنسية لسواحل مدينة رشيد المصرية وسيطر الفرنسيون على المدينة الساحلية , وفي احد الايام في العام 1799ميلادية تعثر احد الجنود الفرنسيون بحجر كبير قديم وعليه رموز غريبة لم يعرف عنها شئ ومنقوشة على ثلاثة اوجه من اوجه الحجر الضخم. نقل الجندي ما وجده للضابط الاعلى في الرتبة ومن ثم وصل الامر الى قائد الحملة نابليون الذي اهتم بالموضوع جدا وارسل جنوده ليحضروا هذا الحجر فورا واستدعي كل العلماء الذين قدموا معه من فرنسا ليشاهدوا هذا الحجر الذي سمي بحجر رشيد. تعجب العلماء لرؤية هذا الحجر العجيب وشاهدوا رموز وحروف وكانت المفاجأة ان تعرفوا على احدي اللغات مكتوب بها على احد الاوجه الثلاثة للحجر وهي اللغة اليونانية القديمة وكان هذا فتحا جديدا اذا اكتمل ستنفتح كنوز واسرار تلك الحضارة العظيمة وتبوح بأسرارها. ونظرا لاهمية الموضوع فضل العلماء ان يأمر نابليون بنقل الحجر لفرنسا فيجمعوا له علماء اوروبا للبحث ومحاولة فك رموزه ومعرفتها وتحليلها. وقد كان واصدر نابليون اوامره فورا واراد ان يبدأ بنفسه خطا يحقق به لفرنسا سبقا حضاريا لن تمحوه ذاكرة التاريخ قط.

واجتمع علماء فرنسا وبعض علماء اوروبا الغربية وكان الشوق لمعرفة اسرار هذا الحجر تجمعهم كلهم وكانوا يظنون انه طالما تعرفنا على احدى اللغات على احد الاوجه فالامر سيكون اسهل وافضل مما كان يواجهنا من طلاسم لا دليل عليها ولا شئ يرشدنا. ولكن الامر كان اصعب كثيرا مما تتخيلوا فالنقوش لا يوجد دليل يسهل فك طلاسمها فلم يعلموا من اين يبدأون ولم يوجد من يؤكد هل ما هو مكتوب باليونانية هو نفسه المكتوب باللغة القبطية القديمة والهيروغلوفية أم يكون شيئا مختلفا؟ الامر محير…

شامبليون

الاجابة كان يحملها شابا في الحادي والعشرين من عمره اتخذ القرار الصعب وقرر ان يتفرغ تماما لدراسة حجر رشيد مهما كلفه الامر من مجهود او وقت. امتلك صلابة ومثابرة تليق بمحارب صنديد واخلص حقيقة في محاولته للكشف عن اسرار حجر رشيد و تحقق له ما اراد واعلن شامبليون عن نتائج كشفه العظيم وهو تحليل والكشف عن اسرار اللغة الهيروغلوفية والقبطية القديمة. وبدأ في كشفه بأسلوب ذكي وهو ان تأكد من ان المكتوب باليونانية عبارة عن ترجمة امينة للمكتوب بالهيروغلوفية والقبطية. ففرز الاسماء التي استطاع تحديدها وتمييزها بأسماء الفراعنة ودونها وكان يبدأ من هذه الاسماء في فك شفرة الحروف والرسوم حتى توصل الى الكشف الكامل عن المنقوش على حجر رشيد . وبعد ان ذاع صيته وحقق شهرة فاقت كل توقعاته وتصدرت صورته واخباره كل عناوين الصحف العالمية. أصيب شامبليون وهو في الثانية والثلاثون من العمر بشلل رباعي مفاجئ وحمى شديدة غير معروفة وهذيان ويتركز الهذيان ايضا في مطاردات من فراعنة له وتهديدهم له. مات شامبليون في هذا المرض تاركا لغزا كبيرا لا ينتهي. هذا اللغز هو ” لعنة الفراعنة “.

تيودور بلهارس والاكتشاف العجيب حول لعنة الفراعنة

بعد تفاقم الامر . عجبا يسلم عجب ويزداد اللغز تفاقما ويبقي بلا حل ولا حتى يلوح في الافق تفسيرا مناسبا يرضي الناس ويقنعهم بما يتعجبون منه وهو لعنة الفراعنة . ودفعت الاقدار بمفاجأة وعجيبة اخرى وكانت تحوي في طريقها عدة عجائب مختلفة. الاعجوبة هذه المرة بطلها عالم يحمل اسمه العديد من الاوراق البحثية العالمية, ويحمل اسمه حتى الان معهد بحثي متخصص في امراض البطن والكبد والبلهارسيا. هو العالم تيودور بلهارس الذي عكف سنوات طويلة في البحث عن سر هذه الديدان الغريبة الطفيلية التي تقبع في اصداف صغيرة بنهر النيل والترع والمصارف المتصلة به وتصيب اكباد المصريين.

البلهارسيا …هل تحمل شفرة الحل؟

العبقرية التي تميز قليل من العلماء كانت البريق الذي لمع في ذهن تيودور بلهارس فقد ألهم بفكرة عبقرية وهي ان يبحث في تاريخ اصابة المصريين بديدان البلهارسيا وليس الاكتفاء بدراستها وتشخيصها في المصريين الموجودون ببر مصر في زمانه فقط. ولكن أين يبحث وكيف؟

وجاءه الالهام بأن يبحث في مومياوات المصريين القدماء وخاصة مومياوات الفلاحيين والعمال فهم من المرجح كان اسهل اصابتهم بهذه الديدان لاستحمامهم بمياه النهر الخالد وذلك اذا رجح تخمينه بأن الاصابة بالبلهارسيا قديمة وتاريخية واصابت المصري القديم مثلما تصيب المصري الحديث. وكان من حسن حظه ان المومياوات وقت اجراءه للابحاث العلمية كانت سهلة في الحصول عليها بثمن بخس فقد كان الناس لا يدركون قيمتها, وهكذا الاشياء لو لم يدرك الانسان قيمتها الحقيقية باعها بأبخس الاموال واذا ادرك قيمتها لحارب من يحاول المساس بها. راجعوا موقف المصريين من البعثة المكتشفة لمقبرة عنخ امون التي ذكرناها في المقالات السابقة وموقفهم من العالم بلهارس. وبين عشرات المومياوات والاثار القديمة وداخل بعض المقابر والمعابد بدأ بلهارس ابحاثه الهامة مثابرا محاولا الوصول الى اكتشاف مدهش.

وتوصل تيودور بلهارس فعلا الى اكتشافه المذهل وهو ان المصريين القدماء اصابتهم ايضا ديدان البلهارسيا ودمرت اكبادهم ببطء مثل احفادهم الذين يعيشون على ضفاف النيل حتى الان. بل تأكد بلهارس من دليل عجيب وهو وجود بعض ديدان البلهارسيا محنطة في بعض المومياوات بالفعل. وهذا كان دليلا عجيبا كان فقط ينتظر الباحث الملهم الذي تأتيه الفكرة ويبحث عنها ويؤمن بها. وحتى الان كان كل علاقة تيودور بلهارس بمومياوات المصريين القدماء علاقة باحث طبيب يشخص الداء ويبحث في تاريخ الاصابة به. ولكن ما حدث في الوقت الذي شرع فيه بلهارس في نشر نتائج ابحاثه كان اغرب كثيرا من بحثه ونتائجه.

الحمى العجيبة مجددا

أصاب تيودور بلهارس حمي غريبة عليه ولكننا عرفناها وادركنا علاقتها الغامضة بمومياوات ومقابر المصريين القدماء. شخصها الاطباء وقتها بحمي تيفودية غريبة ولكن هي ليست بتيفودية ولا غيرها . راح تيودور بلهارس يدخل في نوبات صرعية عنيفة ونوبات من الصراخ والهلوسة التي اعتدناها في الحالات التي ذكرناها في المقالات السابقة. تتشابه الهلاوس فقد كان تيودور يهلوس بالمومياوات التي عمل وشرح فيها اثناء بحثه , كان يخيل اليه ان اصحابها يطاردونه ويريدون التمثيل به والانتقام منه. وفي النهاية تسببت هذه الحمي في وفاة تيودور بلهارس عام 1862 ميلادية وهو لم يبلغ الاربعين من عمره تاركا خلفه جحيم من الالغاز والافكار والمخاوف التي انتقلت من الجدال والهزل الى الخوف والرعب لدي كل من يزور المعابد الفرعونية واكتسبت هذه الاماكن رهبة وخشية. واستمر اللغز ولكن لم يظهر أي بشارات لتفسير علمي حقيقي لهذه الحوادث جميعها ويجد اي خيط رابط بينها حتى نتمكن من الوقوف على حقيقة ” لعنة الفراعنة ” ..هل هي حقيقة أم خرافة؟ والحل في العلم, العلم وحده.

محمد سرور

كاتب علمي منذ عام 2005, يهوى الكتابة العلمية وفي مجال الفضاء والطب والعلوم. هواياته المفضلة القراءة,الكتابة,الموسيقي,الانترنت,السفر.

أضف تعليق

أربعة × خمسة =