تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » حياة زوجية » عدم الزواج : كيف ساعد مبدأ عدم الزواج الكثيرين في عيش حياة سعيدة ؟

عدم الزواج : كيف ساعد مبدأ عدم الزواج الكثيرين في عيش حياة سعيدة ؟

اختيار عدم الزواج أصبح خيارًا للكثيرين في هذا العصر، خصوصًا في الدول المتقدمة، فكيف يمكن للإنسان أن يعيش بدون زواج وهل سيكون سعيدًا؟

عدم الزواج

عدم الزواج هو مبدأ انتشر في الآونة الأخيرة، ومازال ينتشر نظرًا للظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي باتت تحياها مجتمعاتنا العربية، ونظرًا لصعوبة تلبية متطلبات الزواج الباهظة التي لا تتوافق بأي شكل من الأشكال مع الجانب الاقتصادي لحياتنا اليوم، لذلك ينحو الكثير من الشباب إناثا و ذكورا منحى عدم الزواج ويكتفي فقط بعلاقات بسيطة أو علاقات صداقة عابرة. ولانتشار مبدأ عدم الزواج أسباب عديدة سوف نحاول توضيحها خلال المقال، كما سنحاول تحليل الواقع المعيش وهل يمكن إصلاح الأمر؟ عدم الزواج هل هو مبدأ صحيح نفسيًا وصحيًا أم لا؟ في مبدأ عدم الزواج أيهما الأكثر سعادة الشاب أم الفتاة؟ رأي علماء الاجتماع وعلماء النفس في هذه الظاهرة؟ وأخيرًا هل من يمتنعون عن الزواج حقا سعداء أم ماذا؟

اختيار عدم الزواج ودوره في تحقيق السعادة للإنسان

الفلسفة الكامنة وراء عدم الزواج

كما قلنا سابقا عدم الزواج هو مبدأ ظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة، وانتشر سريعًا بعدما كانت الحياة الزوجية هي مبتغى لكل شاب وفتاة وتكوين الأسرة هو الحلم الأكبر لكل منهما، وكانت للحياة الزوجية قدسية لا يستطيع أحد المساس بها، إلى أن تدهور الأمر واتجه إلى النقيض تماما. أصبح الشباب اليوم يفضل عدم الزواج، وليس هذا فقط بل ويروجون للفكرة على أنها الأكثر سعادة، فأنت بلا زواج يعني أنك حر، تمتلك وقتك بأكمله تخططه كما تشاء، تمتلك نقودك تنفقها فيما تحب، تستطيع السفر من حين لآخر وتسطيع ادخار بعض الأموال للخروجات والرحلات وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء، ليس لديك مسؤوليات تثقل كاهلك، لا يوجد من يراقب تصرفاتك ولا ينتقد كل صغيرة وكبيرة فيها. تشعر بالأمان مع أسرتك لأن هناك أبوين مسؤولان عنك يحبونك ويرعونك ويوفرون لك ما تريد، تستطيع أن تسهر طوال الليل كيفما تشاء على المقاهي أو غيره لا ترتبط بمواعيد سوى عملك، وهكذا تكون حياتك رفاهية وبلا قيود.

ولكن على الجانب الآخر وهو الزواج ستجد العكس تماما، تحمل مسؤولية كبيرة وتخاف من عدم قدرتك للقيام بها، تدخر المال من أجل الأسرة ومتطلباتها التي لا تنتهي، لا تستطيع السفر والترحال والقيام بغيره من الأمور الممتعة بالنسبة لك لأنك شخص مسؤول عن أفراد آخرين، لن تستطيع التأخر ليلًا مثلًا، وعليك العودة بعد عملك مباشرة إلى المنزل لأن لديك أمور أسرية يجب أن تهتم بها، وربما تُجبر على العمل لوقت إضافي لتوفير المال الكافي لتربية الأولاد وتعليمهم وخاصة في ظروفنا الاقتصادية القاسية. سوف تفقد إحساسك بالحرية وهذا إن كنت شاباً، ولكن ماذا لو كنت فتاة؟! الأمر أكثر سوءا بالطبع بالنسبة للفتيات، حيث تتمحور وتتلخص حياتهن في تنظيف المنزل وتحضير الطعام وتربية الأطفال والاعتناء بهم، فيفقدن المعنى الحقيقي للحياة ويعرفن أنهن أصبحن عاملات منزل لا أكثر.
أسباب انتشار مبدأ عدم الزواج؟

الأسباب الاقتصادية

عدم الزواج يعود في أساسه إلى الأسباب الاقتصادية، وإن كانت هناك أسباب أخرى مهمة إلا أن هذا الجانب تحديدًا هو المعرقل الأول لفكرة الزواج. تعاني الكثير من الدول العربية من مستوى منخفض للمعيشة ويعاني شبابها من البطالة أو من الأجور المتدنية التي لا تكفي الفرد بمفرده حتى يفكر في الزواج وتأسيس منزل، والعجيب في الأمر أن مع انتشار هذه المعرقلات لم تكتفِ بها الأسر العربية وإنما تفننت في وضع معرقات أكثر حيث أصبحت تكاليف الزواج خيالية لا يقدر عليها كل الشباب وإنما نسبة بسيطة منهم، وليس هذا فحسب بل أيضا يرفع من سن الزواج حيث يتفرغ الشاب للعمل لبضع سنوات حتى يكتسب المال الذي يستطيع الزواج به. فهذه الشكليات لا طائل من ورائها سوى المظاهر التي وضعها المجتمع، ولا فائدة من ورائها سوى تأكيد مبدأ عدم الزواج ونشره.

الأسباب الاجتماعية

هل لمبدأ عدم الزواج جانب اجتماعي أيضا؟ نعم، ولكن كيف ذلك؟ الموضوع بسيط للغاية، الأسرة العربية الآن تعاني من حالة تصدع، الروابط الاجتماعية تتكسر أمامنا، مفاهيمنا لم تعد قوية مثلما كانت، الشعور بالمسؤولية من كل أفراد الأسرة لم يعد كما كان، فقد كان الاهتمام الأول ببقاء الأسرة والجميع يضحي حتى تسير السفينة، ولكن الآن التفكير أصبح أناني فردي قائم على حب الذات وتمجيدها وشعار أنا ومن بعدي الطوفان، لذلك ينشأ الشاب والفتاة في أسرة مفككة فلماذا يرغبان في تكوين أسرة وهم يعانون من مثل هذا الرباط الاجتماعي المزعج!

الأسباب النفسية

نظرا للبعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي بات من الواضح أن الموضوع أصبح له جذور نفسية، وأصبحنا نسمع من علماء النفس بعض الاضطرابات النفسية المتعقلة بالموضوع مثل فوبيا الزواج، وهو ما يعاني منه الكثير فعلا وهو إصابته بالخوف والقلق من الفكرة نفسها، وخوف يتملكه من الفشل فيضطر للهروب منها حتى يشعر بالأمان، وأصبحنا نرى الكثير من الآباء والأمهات يشتكين من عدم رغبة ابنهما أو ابنتهما في الزواج، ويكون هذا الرفض غير مبرر أو مسبب بأسباب منطقية مقبولة، ويجيبك كل منهما عن سبب خوفه وقلقه قائلا: فقط خائف/ خائفة ولا نريد هذا الأمر.

الجانب السلبي لمبدأ عدم الزواج

بالطبع لا أحد يمكنه أن يرغم أحد على الزواج وتكوين الأسرة، فهذه حرية شخصية تعتمد على اختيار الفرد الحر، ولكن لننظر نظرة كلية أكثر شمولا، كيف تتكون المجتمعات؟ تتكون من خلال تكون الأسر ودخول أفرادها في علاقات اجتماعية، ماذا سوف يحدث لو لم يدخل أفرادها في علاقات وتكوين الأسرة؟ الإجابة بسيطة لن يكون هناك مجتمع لأن الأسرة هي نواة المجتمع وبدونها لن يكون، فالموضوع عن جد خطير وفي حاجة إلى تحليل ودراسة لمحاولة حل الأمور قبل أن تتأزم ويصعب معالجتها.

عدم الزواج والسعادة

هل حقا من يمتنعون عن الزواج سعداء؟ هل مبدأ عدم الزواج يحقق ما يبتغيه الشباب اليوم؟ لننظر إلى الواقع، الأغلبية المتزوجة تشتكي من بؤس حياتها الزوجية وتشتكي من التعب والإرهاق والجهد الزائد وفقد معنى الحياة وتحول الرجل والمرأة إلى آلات تعمل لتكسب المال. نسبة قليلة هي التي تشعر بالسعادة والحب، الشباب الغير متزوج هل هو سعيد؟ في الغالب لا، والفتيات الغير متزوجات هل هن سعداء؟ في الغالب لا، لماذا؟ لأن الجانب العاطفي والشعور بالحب والاهتمام من الشريك هو شعور طبيعي لا يمكن تجاهله، بالإضافة إلى ذلك الحياة الحميمة هي مطلب بيولوجي حتمي لا يمكن تجاهله، وإن تم تجاهله فسوف تكون آثاره النفسية ليست جيدة، وأبسط هذه الآثار وأكثرها انتشارا اليوم إصابة الكثير بالاكتئاب، وفى الغالب هو لا يعرف لماذا؟ فرغم أنه يفعل أو تفعل ما يريد/ تريد إلا أنهم يشعرون بالنقص، وهذا طبيعي لأنها طبيعة النفس الإنسانية.

الحلول المقترحة

إن كانت الحياة الزوجية تعيسة وإن كان عدم الزواج ليس بالأمر الجيد فما الحل؟ الحل يتوقف على تغيير تصوراتنا للحياة والحصول على قدر كافي من الوعي والثقافة نستطيع من خلاله فهم كل منا للآخر حتى نستطيع تكوين الأسرة، وجانب مهم يقع على كاهل الدولة وهو حل مشكلات البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وجانب آخر يقع على الأسرة لتعود بناء متماسك ومتكامل كما كانت وتستمسك بالقيام بدورها حتى تنتج أجيال واعية تستطيع التفاعل مع الواقع بكل جوانبه الإيجابية والسلبية، فلو قام كل جانب بدوره على أكمل وجه سوف تبدأ الأزمة في التفكك وينصلح الأمر، ولو ترك سوف ينهار المجتمع وتكون النهاية.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

ستة عشر − ستة =