تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » ظاهرة أطفال الشوارع : كيف يمكن التعامل مع الأطفال المشردين ؟

ظاهرة أطفال الشوارع : كيف يمكن التعامل مع الأطفال المشردين ؟

ظاهرة أطفال الشوارع من الظواهر المقلقة في أي مجتمع، ورغم أن علاج هذه المشكلة تمامًا أمر مستحيل، إلا أن هناك الكثير من الأساليب للتعامل معها وتخفيف أضرارها.

ظاهرة أطفال الشوارع

تعدُّ ظاهرة أطفال الشوارع من الموضوعات الهامة التي يتم تداولها على الصعيد المحلي والعالمي؛ حيث تحتل تلك المشكلة مكانة عظمى بسبب العدد الهائل لأطفال الشوارع على مستوى العالم، فقد أكدت بعض الدراسات الأمريكية الحديثة ومنظمة الصحة العالمية التي قام بها بعض الأطباء النفسيين أن عدد أطفال الشوارع على مستوى العالم قد بلغ أكثر من مائة مليون طفل، كما أشارت الإحصاءات أن أغلب هؤلاء الأطفال ينحدرون من أسر بسيطة أو فقيرة جداً أغلبها في دول العالم الثالث أو الدول النامية، وتتميز بكثرة أفرادها مع عجز الوالدين عن تعليم الأطفال أو الإنفاق عليهم، كما جاءت الهند على رأس الدول التي تعاني من مخاطر تلك الظاهرة، وفي العالم العربي تشير الإحصاءات إلى أن حوالي عشرة ملايين طفل مشرد يعانون الفقر والقسوة وسوء المعاملة، كما كان نصيب مصر فقط حوالي مليونين من الأطفال المشردين، وفي هذا المقال نتناول تعريف ظاهرة أطفال الشوارع ، وعوامل انتشار تلك الظاهرة، وأهم المخاطر التي تواجه أطفال الشوارع، وكيفية التغلب على ظاهرة أطفال الشوارع.

أفضل أساليب التعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع

ماذا تعني ظاهرة أطفال الشوارع ؟

يُطلق مصطلح أطفال الشوارع غالبا على الأطفال الذين يغادرون بيوتهم طواعية أو قسراً ولا يجدون مأوى سوى الشارع الذي يعيشون فيه بدون حماية أو توجيه وإشراف رقابي من جانب الكبار والوالدين، ومن الجدير بالذكر أن تعريف أطفال الشوارع يختلف باختلاف الباحثين؛ حيث أن هؤلاء الأطفال ينقسمون –من حيث تواجدهم في الشوارع- إلى ثلاثة أقسام: أولها الأطفال الذين ليس لهم مأوى إلا الشارع أو الأماكن المهجورة؛ لأنهم بدون أسر بسبب انقطاع أو ضعف علاقتهم بأسرهم بصورة ما، والنوع الثاني من ظاهرة أطفال الشوارع هم الأطفال الذين يعملون في الشارع أو يقضون معظم يومهم في التسول أو البيع المتجول ثم يعودون في المساء للمبيت مع أسرهم في منازلهم، أما النوع الثالث فهم الذين يعيشون مع أسرهم في الشوارع لعدم وجود مأوى؛ وطبقا لذلك فقد قدرت الأمم المتحدة في إحدى إحصائياتها بأن أطفال الشوارع يبلغ عددهم حوالي مائة وخمسين مليوناً، وأيًّا كان الأمر فإنها ظاهرة تمثل خطرا في جميع حالاتها الثلاث المذكورة آنفاً، وتستوجب العمل من أجل التغلب عليها.

أهم عوامل انتشار ظاهرة أطفال الشوارع

لقد تعددت الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وتفاقمها بصورة مخيفة تدعو إلى دق ناقوس الخطر، ولا شك أن تلك الأسباب ليست متعلقة بالأطفال وحدهم بل منها ما يرتبط بالأطفال أنفسهم، ومنها ما يرتبط بأسرهم، ومنها ما يرتبط بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وفيما يلي تفصيل أهم تلك الأسباب:

عوامل خاصة بأطفال الشوارع

تشير الدراسات إلى أن ميل بعض الأطفال في الأسر الفقيرة إلى الحرية المفقودة، والهروب من ضغوط الوالدين والأسرة، والبحث عن وسائل الترفيه المختلفة في الشارع -بسبب حرمانهم منها في البيت- وحب التملك مع عجز الأسرة عن توفير احتياجاته الخاصة، بالإضافة إلى حب التجريب، والرغبة في المغامرة واكتساب خبرات جديدة جذابة، كلُّ تلك العوامل تساهم في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وتزايد أعدادهم بصورة مطردة خاصة في المجتمعات والأحياء الفقيرة.

عوامل خاصة بالأسرة

تمثل العوامل الأسرية أخطر وأهم عوامل انتشار التشرد والعنف ضد الأطفال، فاليتم بفقدان أحد الأبويين أو كليهما والإهمال أو التعرض للعنف الذي يعاني منه الأطفال نتيجة لذلك وضعف الرقابة يؤدي إلى الانحراف والهروب إلى الشارع، وتفكك الأسرة أو انفصال الوالدين يؤدي إلى تشرد الأبناء وتشتتهم بينهما وكذلك التعرض للقسوة أو العنف من قِبَلِ زوج الأم أو زوجة الأب بالإضافة إلى التمييز بين الأبناء بتفضيل أحدهم على الآخرين؛ يؤدي إلى الهروب من الأسرة واللجوء إلى الشارع، كما أن مهنة الأب أو الأم إذا كانت في أعمال غير مشروعة أو يجاورون بعض الأفراد المنحرفين يؤدي إلى الاحتكاك المباشر بين الأطفال ومثل هؤلاء الأشخاص مما يتيح الفرصة للسير في نفس الطريق وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع بصورة كبيرة، ولا يمكن إغفال دور الإدمان وكثرة الإنجاب لما لهما من دور مدمر في الأسرة وسوء حالتها الاقتصادية وبحث الأطفال عن بدائل أخرى في الشارع لإشباع حاجاتهم المختلفة.

عوامل خاصة بالمجتمع

لا يمكن إغفال دور المجتمع وتأثيره كعامل مهم في انتشار أو تقليص ظاهرة أطفال الشوارع، فمثلاً الظروف الاقتصادية السيئة والمتدنية التي تسيطر على البيئة والمجتمع تُلجئ بعض الأسر إلى إجبار الأطفال على العمل والنزول إلى الشارع بدلا من الدراسة والتعليم تلبية لاحتياجات الأسرة الحياتية مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع بشكل ملفت للنظر، كما أن البيئات الفقيرة تتعرض فيها البنات للقسوة والإهمال وأعمال الخدمة المنزلية والحرمان من كثير من الحقوق وامتهان الكرامة، وأيضاً الهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية واستغلال الأطفال في التسول والخدمة في المنازل أو البيع المتجول من العوامل المباشرة لانتشار تلك الظاهرة، كما أن النظم التعليمية غير المناسبة في المحتوى أو المستوى المادي يؤدي إلى تسرب الأطفال واللجوء إلى الشارع بحثا عن لقمة العيش أو غير ذلك.

أهم المخاطر التي تواجه أطفال الشوارع

لا شكّ أن حجم المخاطر التي يتعرض لها أطفال الشوارع تهدد بكثير من الكوارث والأزمات المجتمعية؛ لذلك ينادي الكثير من الباحثين بضرورة التكاتف والعمل من أجل الحد من انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وتقليصها بقدر الإمكان، وفيما يلي أهم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها هؤلاء الأطفال في الشارع:

  • المخاطر النفسية والاجتماعية: يعاني أطفال الشوارع من مشكلة رفض المجتمع لهم وعدم الرغبة في التعامل معهم أو الاحتكاك المباشر بهم بسبب السلوك المنحرف أو المظهر العام غير المقبول، أو لأسباب صحية وفشلهم في التكيف مع المجتمع نفسياً وعدم امتلاك مهارات التفكير وتطوير المهارات الشخصية؛ وبالتالي يؤدي هذا الرفض والمعاملة القاسية إلى الشعور بقسوة المجتمع والعداء الزائد نحوه وانتهاز الفرص للانتقام من أفراده وعدم الاهتمام بمصالحه، مع العجز عن التوافق أو التكيف مع واقع المجتمع واستمرار ظاهرة أطفال الشوارع وانحرافهم.
  • المخاطر الصحية: يعاني أطفال الشوارع من مخاطر الإصابة بعديد من الأمراض، ومن أهم تلك المخاطر التسمم الغذائي؛ حيث أنهم يعتمدون على تناول الأطعمة الفاسدة والملوثة من أكوام القمامة، كما يهدد تلوث الطعام وتعرضه للبعوض والحشرات بإصابتهم بمرض التيفود ومخاطرة الكبيرة، ومن أخطر الأمراض التي يتعرض لها أطفال الشوارع ديدان البلهارسيا بسبب التعرض للمياه الملوثة في الترع والمصارف بالشرب منها أو الاستحمام والاغتسال فيها؛ مما يهدد بانتشار أمراض خطيرة كالأنيميا وفقر الدم والفشل الكلوي والالتهاب الكبدي وغير ذلك، والجدير بالذكر أن الأمراض المنتشرة بين أطفال الشوارع ناتجة عن تناول الطعام الملوث والبيئة غير النظيفة التي يعيشون بها.
  • مخاطر الإدمان: يعتبر الإدمان من أخطر المشاكل التي تهدد ظاهرة أطفال الشوارع وتؤثر في سلوكياتهم؛ حيث يعمد تجار المخدرات إلى استغلال هؤلاء الأطفال في ترويج تلك التجارة وتوزيع أنواعٍ مختلفة منها؛ مما يؤدي إلى تجريب الأطفال لهذه الأنواع من باب حب الاستطلاع، وبالتالي تبدأ رحلة الإدمان بما تحمل من مخاطر على صحة الفرد وعلى الأسرة والمجتمع ككل، وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن أطفال الشوارع أكثر فئات المجتمع عرضة للإدمان بسبب الجهل والأمية وعدم الاستقرار النفسي.
  • مخاطر الاستغلال الجنسي: من أقسى المخاطر التي تسببها ظاهرة أطفال الشوارع وتنتشر بينهم هي عمليات الاستغلال الجنسي والاغتصاب، وكما يؤكد خبراء علم الاجتماع فإن أكثر من 100 ألف طفل في الولايات المتحدة –على سبيل المثال- يتعرضون لأشكال مختلفة من الاستغلال الجنسي والاغتصاب، ولا يستطيع الأطفال بسبب صغر السن مواجهة تلك الظاهرة أو العادة السيئة، ويشير الخبراء والأطباء إلى أن الاستغلال الجنسي للأطفال يهدد بإصابتهم بعديد من الأمراض الصحية كالإيدز وأمراض الجهاز التناسلي فضلاً عن كثير من الأمراض النفسية ورفض المجتمع لهم والشعور بالعداء نحوه وتأصل الرغبة في الانتقام.

كيف نتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع؟

لقد أدرك المجتمع الدولي مؤخراً خطورة ظاهرة أطفال الشوارع وما يتعرض له الأطفال من قسوة وتشرد ومخاطر صحية وغير ذلك، وفي سبيل ذلك أصدرت الأمم المتحدة في عام 1989م اتفاقية حقوق الطفل التي تمت الموافقة عليها بالإجماع من أعضاء الأمم المتحدة، وقد تبنت تلك الاتفاقية أهم الحقوق العامة للأطفال بصفة عامة لحمايتهم من التشرد وجميع أشكال العنف وضمان الحياة الكريمة والحق في الترفيه والتعليم وغير ذلك، وبالرغم من تلك الجهود الدولية فما زالت حقوق الأطفال مهدرة في كثير من الدول والبيئات الفقيرة، وفيما يلي بعض الآليات والطرق التي يمكننا من خلالها التغلب على ظاهرة أطفال الشوارع:

  • دراسة الظاهرة: إن غض الطرف عن المشكلة لا يؤدي إلى حلها أو مواجهتها بأي شكل من الأشكال؛ لذلك يجب تسليط الضوء على ظاهرة أطفال الشوارع ودراستها من جميع جوانبها وعمل حصر شامل ووصف دقيق لأهم المشاكل والمخاطر التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال؛ ليمكن التعامل معها ووضع الحلول المناسبة لها.
  • وسائل التوعية: يجب على الحكومة رفع مستوى الوعي بمخاطر تلك المشاكل بين جميع أفراد الشعب من خلال وسائل التوعية المختلفة في الإعلام المسموع والمرئي؛ حتى يتعرف الناس على التأثيرات السلبية لتلك الظاهرة على الأسرة والمجتمع ككل.
  • مؤسسات رعاية أطفال الشوارع: يعتبر إنشاء مؤسسات خاصة لرعاية أطفال الشوارع لتوفير الرعاية الصحية والنفسية لهؤلاء الأطفال وإنقاذهم من التشرد والضياع من أهم وسائل مواجهة تلك الظاهرة، بالإضافة إلى توفير الحياة الكريمة والمسكن المناسب، وكذلك توجيههم إلى الحرف والأعمال التي تتناسب مع قدرات وإمكانيات كلٍّ منهم، كما ينادي البعض بإنشاء بعض المراكز المتخصصة كشريك حكومي لليونيسيف، وتكون مهمة تلك المراكز هي تأهيل وتدريب هؤلاء الأطفال على وسائل الاعتماد على النفس والتأهيل المهني وتنمية المواهب المختلفة للحد من انتشار ظاهرة أطفال الشوارع ومواجهتها بكل السبل.
  • سن القوانين المناسبة: يجب على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني العمل على سن ووضع القوانين والتشريعات المناسبة التي تعالج حقوق الأطفال، كما تراقب مدى الالتزام المجتمعي بتلك القوانين والحرص على مصلحة الأطفال بصفة عامة وحمايتهم من جميع أشكال العنف والقسوة وأنواع الاستغلال المختلفة، كما يجب على الحكومة معاقبة جميع المتسببين في العنف ضد الأطفال أو المتسببين في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وتعرضهم للإهمال وصنوف الاستغلال المختلفة.
  • مواجهة التسرب من التعليم: يجب العمل بشتى السبل على حماية الأطفال من التسرب من التعليم، وذلك من خلال توفير وسائل التعليم المجاني للأطفال الذي يوفر للأطفال جميع سبل الترفيه داخل المدرسة حتى لا ينزح الأطفال إلى الشارع تاركين التعليم والمدرسة.

لا شك أن أطفال الشوارع يتميزون ببعض السمات التي تجمع بينهم كالميل للعدوانية والعنف في التعامل مع الآخرين وكذلك سرعة الانفعال والكذب والخداع بالإضافة إلى ضعف القدرات الذهنية وتدني مستوى الثقافة والعجز عن التعليم، وكذلك انتشار الأمية وبعض السمات السلوكية والنفسية التي تجمع بينهم؛ لذلك يجب أن يتحد المجتمع الدولي لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع والتغلب عليها قبل أن تؤدي إلى تدمير المجتمع وتقويض أركانه، وقد تناولنا في هذا المقال تعريف أطفال الشوارع، وأهم عوامل انتشار تلك الظاهرة، وأهم المخاطر التي تهدد أطفال الشوارع، وكذلك كيفية التعامل مع تلك الظاهرة ومواجهتها بنجاح.

محمد حسونة

معلم خبير لغة عربية بوزارة التربية والتعليم المصرية، كاتب قصة قصيرة ولدي خبرة في التحرير الصحفي.

أضف تعليق

ثلاثة عشر + 16 =