تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » حرية التعبير : كيف تساعد الحرية في نهضة الأمم المختلفة ؟

حرية التعبير : كيف تساعد الحرية في نهضة الأمم المختلفة ؟

يذكر التاريخ أن الأمم التي تمتعت بحرية التعبير هي الأمم الأكثر نجاحًا وتطورًا، تناقش الكاتبة في هذا المقال دور حرية التعبير في تقدم الشعوب ووصولها للرفاهية.

حرية التعبير

حرية التعبير هي أهم عامل في نهوض الأمم، وفكرة الديموقراطية عموماً هي الأفضل على الإطلاق إن أردت أن تبني مجتمع مدني متحضر وواعي ويحترم الأخر بطريقة ملتزمة دون التعدي على حقوق الأخر، ولا الجور ولا التجبر ولا قمع. وربما يظهر للجميع عبر التاريخ مساوئ الحكم القمعي ومحاسن الحكم الديموقراطي والفرق بين الرقي والنهضة في كل الحضارات المختلفة عبر الأزمنة والأماكن المتباينة.

كيف تسهم حرية التعبير في صناعة الأمم المتقدمة ؟

لماذا حرية التعبير هي سبب النهضة

ببساطة لأنها المجرى أو الطريق إلى المساواة والعدل بين الناس، فعندما يكون لديك شعب مقموع غير قادر على التعبير عن نفسه فهذا سيؤدي في الأخير إلى أن هذا الشعب سيكون شعب جاهل، هذا أولاً ومنه سينتقل الشعب إلى المرحلة الأكثر انحداراً وهي الغوغائية حيث القمع يولد صفات حيوانية ونزاع تحتي بين المحكومين بهذه الطريقة فيصير الشعب عبارة عن مجتمع شهواني وغير متحضر ولا يمتلك أدنى مقومات الرقي الاجتماعي. وعلى النقيض تماماً المجتمع الحر الذي فيه يقول الشخص رأيه بصراحة دون خوف فهذا يجعل الشعب لا يهاب التجديد ولا يهاب الأفكار الجديدة، بل يصبح لدينا شعب ذو نزعة نقدية قادر على فلترة الأمور جيداً، وبالطبع سنجد من يستغل الحرية هذه بطريقته السيئة جداً والتي تكون أحياناً تتعدى حدود الأدب. ولكن في الأخير الحالات الفردية في استغلال الحرية بسوء أقل بآلاف المرات من الحالات الجماعية السلبية الناتجة من القمع.

حرية التعبير والثقافة

بالطبع لا أحد يقدر أن ينكر أن كل ما كانت التعددية أكثر كل ما كان الثراء أكثر من حيث المعرفة، حيث يكون المجتمع ذو الثقافات المتعددة هو الأقدر على التأقلم مع الواقع بشكل أكبر، لأن الثقافات تتأثر ببعضها لو وجدت فكرة حرية التعبير بصورة لائقة ومفيدة لكل الأشخاص بمنحى محترم، فيكون قادراً على موجهة كل الصعوبات لأنه يكمل بعضه البعض. ومن المعروف أيضاً في أي وسط ثقافي أن حرية التعبير هي أساس الكتابة والتعبير الخطي عن الأفكار حيث بلا حرية لا يوجد ثقافة، وتخيل معي لو أن مجالات المعرفة محددة على الدين فقط فماذا سينتج المجتمع؟، ببساطة سينتج لك ثقافة دينية فقط وغالباً ستكون متطرفة وغير متعايشة مع العالم الآن، ولكن لو كان لديك مجالات وحريات للتعبير في مجال الطب والفلسفة والرياضة والسياسة والمجتمع فسيتكون لديك شعب مثقف وفاهم لمجريات الحياة من حوله وسيساعد الحكومات نفسها على الرقي لأنه سيكون منفتح على الأخر، ولو رأى شعباً أخر يفعل تجربة إيجابية فلن يتكبر الناس ويقولون أن لدينا عداتنا وتقاليدنا ولن نتأثر بهؤلاء القوم، بل بالعكس سيتوفر لديك شعب عالم وفاهم ومنفتح على الآخرين من حيث الثقافة والمعرفة التي هي ركيزة أساسية للنهوض بالشعوب المحترمة على مستوى العالم.

حرية التعبير والرقي الاجتماعي

الرقي الاجتماعي يقاس بمقدار حرية التعبير والديموقراطية داخله، لسبب بسيط، لأنه في البلاد المستقرة سياسياً واجتماعياً غالباً تكون حرية التعبير داخلها بصورة أخلاقية داخلية لشبع الإنسان نفسه وشعوره بالأمان وأن الأمر غير متأزم، لذلك تصبح لغة الحوار بين الناس هادئة ورصينة غير الشعوب الفقيرة التي تشعر بالقهر والمؤامرة دوماً من حكوماتها ومسئوليها الذين يكونون في الغالب هم سبب الفقر والكساد وقلة الموارد بصورة أساسية وسرقتها لأجل مصالحهم الشخصية، فيكون حوار الشعب معهم عنيف وطبقي وغير مهذب. لأنه كيف يتهذب من ينام وهو لا يعلم ماذا سيأكل غداً فالأمر نفسياً صعب وإذا انتشر هذا الشعور بين أفراد الشعب بصورة كبيرة فتخيل معي مدى النقمة التي سيشعر بها الناس، ولذلك غالباً وأبداً سياسات البلاد الفقيرة تعتمد على القمع وسياسات الدول الغنية تعتمد على حرية التعبير. ولكن الحقيقة أن ليست حرية التعبير هي سبب الغنى بل أن الغنى هو سبب حرية التعبير والهدوء النسبي. فالإنسان بطبعه كائن ثوري وإن شعر بالخطر سيثور دفاعاً عن حياته بصورة غريزية ليس إلا، لذلك إن أردت أن تجعل من الشعب راقي ويمتلك حرية تعبير اجعله شعب مطمئن مادياً، ولكن الحقيقة أن تجربة الشعب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية تختلف كثيراً.

التجربة الألمانية

بعد انتحار أدولف هتلر وانهيار الإمبراطورية النازية كانت ألمانيا عبارة عن كومة من الأنقاض، وهناك صور أرشيفية عن سيدات ألمانيا وهم يضعون رُزم النقود في الفرن للتدفئة من البرد، حيث أن في هذا الوقت لم يكن هناك ألماني من الأساس لذلك كان هناك تضخم في العملة الألمانية حتى أنها صارت بلا قيمة من الأساس في السوق العالمية ولم يكن هناك أي شيء يوحي أن هناك أمل لهذه الدولة أن تقوم من جديد. ولكن الغريب أن وبعد 70 عام تقريباً من الحرب العالمية الثانية قامت ألمانيا وصارت من الدول العظمى اقتصادياً في العالم وأشهر دليل هو السيارات الألماني الغنية عن التعريف، إنها الأفضل في تاريخ السيارات والمثل الشهير الذي أطلق على الألمان “المستحيل ليس ألماني”، وغرض هذا المثل هو أن الموارد البشرية هي الأهم. فطبيعة الشعب الألماني وحرية التعبير والثقافة التي فهموا قيمتها من بعد الحكم النازي جعلهم يتعلمون من أخطاءهم ويعلمون أن الحكم القمعي ليس أخرته إلا خراب حتى لو كان شكله من الخارج إمبراطورية في زمن ما.

حرية التعبير والقوة الفكرية

حرية التعبير ستفيد الحكومات في أنها ستجعل الشعب عبارة عن أشخاص لديهم الحرية أن يطلقوا العنان لأفكارهم، مما سينتج في الأخير حلول عملية فعلاً، فإن كان مليون شخص رأيه غير صائب لابد أن يأتي المليون وواحد وسيكون رأيه صائب. وهنا الحقيقة أنه لابد للحكومات أن تقتنع تماماً بفكرة أن الشعب قادر على إدارة نفسه والإشكالية أن الحكومات لا تعطي الشعب هذه الثقة، بل يسربون أن الحكومة إذا تركت للشعب حرية الرأي وطرح الحلول للأزمات المجتمعية أو الاقتصادية ستحدث فوضى عارمة، ولكن ربما ما يحدث بعد ذلك هو وفاق بين الجهة التنفيذية والجهة الشعبية وربما يسود الرضى. ولا أتكلم هنا عن حكومات بعينها ولكن الحقيقة أن أغلبية الحكومات تفعل بند حرية التعبير ولكن تحت ضوابط معينة ومن أشهرها ميثاق الصحافة الخاص بكل دستور في كل بلد، حيث إن الصحافة تعتبر هي الرأي الأشهر والأرجح في صوت الشعب لأن رأي الصحافة يكون ناتج من محللين ومتخصصين سواء اقتصاديين أو اجتماعيين، وحالياً وجود ما يسمى بالمدونات الإلكترونية الذي من خلاله يستطيع أي شخص أن يقول رأيه في مدونة أو صحيفة إلكترونية خاصه به، وهناك الكثير من المدونات الناجحة حالياً بل أيضاً ومربحة على المستوى المادي ولكن الأهم في كل هذا أن يكون الرأي بصورة محترمة وواقعية.

أخيراً عزيزي القارئ حرية التعبير سلاح ذو حدين، نعم هذه الحقيقة ولكل حرية ضوابط فلا يجب أن يشتم أحدهم أخر وفي الأخير يقول “أنا حر في حرية تعبيري عن فلان”. فالإهانة والاستهزاء ليست حرية تعبير ولذلك إن وجب عليك التعبير عن رأيك فيجب عليك أن تكون محترم مع نفسك قبل أن تكون محترم مع الآخرين، وعندما يتسنى لك حرية التعبير عن رأيك يكون رأيك سديد وراجح وفعال ولا تكون مجرد شخص يقول كلام زائد عن الحاجة أو مكرر.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

12 − 10 =