تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أمور الاسرة » تدمير الزواج : كيف يمكن للعادات والتقاليد أن تدمر الزواج؟

تدمير الزواج : كيف يمكن للعادات والتقاليد أن تدمر الزواج؟

بمجرد الزواج، يتوقع الشريكان حياة سهلة خالية من المشاكل، لكن الكثير من الأشياء تهدد الزواج في الحقيقة، نتعرف على أثر العادات والتقاليد في تدمير الزواج .

تدمير الزواج

تدمير الزواج مشكلة كبيرة، لها العديد من الأسباب، والتي لا تتوقف عند حدود الإمكانيات فقط، ولكن تتعداها للعادات والتقاليد التي قد ابتدعت تلك المقاييس والمعايير التي يسير عليها المجتمع. بالطبع هناك أسباب أخرى، لن يسعنا حصرها هنا، وتختلف بفروق فردية من شخصٍ لآخر، ولكن تبقى العادات والتقاليد شبحًا يهاجم كل شابٍ يقدم على تلك الخطوة. فكما نعلم أن الزواج هو حجر الأساس في تكوين الأمم والمجتمعات، والذي صار في يومنا هذا من أكثر الأمور صعوبة، كما أن نسبة الطلاق صارت تتزايد بطريقة مرعبة، فالقلق لا ينتهي بمجرد عقد القران، بل يبقى بعد ذلك، فلا تكتفي العادات والتقاليد من تدمير الزواج قبل أن يبدأ بل أحيانًا يكون لها يدٌ في ذلك بعد أن يتم. ولكن هل المشكلة فعلًا في العادات والتقاليد؟

كيف تسهم بعض العادات والتقاليد البالية في تدمير الزواج

ما هي العادات والتقاليد؟

هي تلك الأفعال والأشياء التي يتوارثها الناس من جيل إلى جيل، سواءً أكانت تلك العادات معلومة السبب أو غير معلومة، فالعادات والتقاليد هي الأمور التي اعتاد المرء أن يفعلها تقليدًا لما رآه من قبل، دون النظر إلى السبب وراء ذلك الفعل، أو معرفته، سواء كان الأمر عن اقتناع أم لا، فعادةً الذين يسيرون على العادات والتقاليد لا يهتمون بقناعاتهم اتجاه الأمور، بل بما يجب عليهم فعله فقط، وإن لم يكونوا على اقتناعٍ تام، فنظرات الناس، وتقييمهم هي الحكم الرئيسي، ربما السبب الوحيد هو “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”. فمحاولة تغيير هذا الأمر ليس مقبولًا تمامًا، وربما يصير من يحاول أن يحيد عن الطريق وإن كان رأيه سديد فهو غريب، أو مذموم. بالطبع ليست جميع العادات والتقاليد بهذا السوء، ولكن طريقة التفكير بأخذها قانون يعاقب عليه المجتمع يجعلها أكثر من سيئة، بل سيئة تمامًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالزواج، أو بدء حياة جديدة. فتدمير الزواج في هذه الحالة سيكون وارد جدًا، وهناك من يحاولون إدخال كل ما هو غربي في المجتمع سواءً كان سليمًا أو لا، يناسب المجتمع أو لا، مندفعين بانبهارهم لما يرونه من حضارة الغرب، وهذا ما هو إلا تقليد آخر بطريقةٍ أو بأخرى، فلا يوجد اختلاف كبير.

أهمية العادات والتقاليد

ربما موضوعنا هنا عن مدى سوء العادات والتقاليد، ولكن قبل أن نستفيض في هذا الأمر، يجب أيضًا ذكر محاسن العادات والتقاليد كي نكون أكثر إنصافًا وموضوعية، فالعادات والتقاليد الجيدة بالطبع لها أهمية في حياة الفرد، فأحيانًا نجد بعض الأفعال التي نتوارثها عن الأهل، خاصةً نصائح الأم، والجدة، والتي تظل تفيد الأحفاد إلى ما لا نهاية، رغم تغير العصور، واختلاف الأحوال، ولكن لا يوجد مجتمع يتغير من جذوره تمامًا بل يبقى فيه هذا الأثر الذي يستلزم بعضًا من عقليات القدامي كي نستطيع التعامل معه، مع مرونة العقليات الجديدة، وأيضًا لا توجد أمة عظيمة قد تجردت من أصلها، أو لم تحترم أصلها، فنحن ننظر إلى اليابان فهي من أعظم الدول المتقدمة الآن، والتي لا زالت تحتفظ بعاداتها وتقاليدها، وحضارتها، بغض النظر عن مدى روعة تلك العادات، أو سوءها، ففيها الجيد، وفيها السيئ، ولكن احترام تلك الشعوب لعاداتها الجيدة، جعل لها هوية، وهيبة، خلافًا لتلك الدول العربية التي تحاول جاهدةً أن تقلد الغرب والغريب في كل شيء، وتتجرد حتى من لغتها، الأمر الذي جعلها خاوية حتى منها.

ولكن عن أي حضارةٍ مصرية قديمة من المفترض أن نتحدث؟

لقد مرت مصر بالعديد من الحضارات ومنها الحضارة الفرعونية والتي لا يخفى علينا آثارها إلى الآن، فجعل الله آثارها باقية ليخبرنا مدى عبقرية، وروعة ما فعله الفراعنة، ومدى قدرته تعالى بأن حفظ لنا تلك المعالم دون أن يمسها شيء، وبالفعل قد ورثنا العديد من العادات الفرعونية القديمة، فمثلًا دبلة الخطوبة التي لدينا الآن وهي من الطقوس الرئيسية للزواج قد ورثناها من القدماء المصريين، والتي كانت لديهم تسمى “حلقة البعث”، وهي توضع أيضًا في اليد اليمنى في البداية، ثم تنتقل بعد الزواج إلى اليد اليسرى، وغيرها من تقاليد الزفاف من الزينة، والزغاريد، والاحتفالات وغيرها، فمن الطبيعي أن لكل أمة طقوسها، ولا زالت مصر تحتفظ بالكثير من هذه الطقوس الفرعونية دون أن تدري، وعندما جاءت الحضارة الإسلامية، لم تنكر من العادات إلا الذي يخالف شريعتها، فلم تنكر الأفراح أو غيرها من مظاهر البهجة مما لا يخالف الدين، بل إنها حثت على إشهار تلك الفرحة، وإشراك الآخرين فيها، فعندما نتحدث عن وجوب تمسك الناس بعاداتهم وتقاليدهم فيجب أن نوضح عن أي عادات وتقاليد نتحدث، فإذا ربطنا العادات والتقاليد بالدين، فديننا الإسلامي بغض النظر عن وجوب الاقتداء بتعالميه، فهو يوافق جميع العصور، والأوقات إن تم السير وفق تعاليمه بطريقة صحيحة، دون الغلو، أو التفريط، فالبعض يحرم الحلال، أو يحلل الحرام، وبذلك فإنه يعطي صورة غير صحيحة عن الإسلام، كما أن الأخذ ببعض تعاليم الإسلام كأنها عادة وليست عبادة جعلت التمسك بتلك التعاليم هش كفاية كي يتركها المرء، وينسلخ عنها بسهولة، ففي الوقت الذي تتمسك فيه كل أمة بتعاليمها، نرانا نحن ننسلخ عن الدين ظانين أنه مجرد جزء من العادات والتقاليد، وليس شيئًا أكبر من هذا كله. بل إن الإسلام عندما أتى قد نظم حياتنا بطريقةٍ سليمة، بغض النظر عما يفعله الجاهلون.

بعض العادات والتقاليد

بالطبع الزواج في مصر يسير وفق تعاليم الشرع والدين، ولكن هناك بعض العادات والتقاليد التي تجعل الأمر يبدو بغاية الصعوبة خاصةً في خضم الأوضاع الاقتصادية الحالية، فعوضًا عن تيسير الزواج، صار الأمر صعبًا وشاقًا جدًا على كل من العريس والعروس، بالأخص عندما يتعلق الأمر بالماديات، فاليوم صار من تقاليد الزواج أن يأتِ العريس بشقة بعدد أمتار معين، يجب أن تكون تمليكًا باسمه، ويقوم بتجهيزها وتوضيبها بطريقةٍ معينة، ولا بد أن تكون في موقعٍ معين أيضًا، هذا بخلاف الشبكة التي تختلف من مكانٍ لمكان، فبعض العائلات في الريف تشترط جراماتٍ معينة لخطبة ابنتهم، والبعض الآخر بالمال، دون النظر لمقدرة الشاب، ناهيك عن المواسم والأعياد، وهي الهدايا التي يجب أن يهديها العريس لخطيبته في كل موسمٍ أو عيد، وأيضًا الهدية التي يجب أن يعطيها إياها كل زيارة، حتى لا يزورها بيدٍ فارغة، وهذا ليس كل شيء، فعندما يريد أن يقيم زفافًا يجب أن يقام بشروطٍ معينة، فقديمًا كانت حفلات الزفاف تقام في بيت العريس، أو حسب الاتفاق، بغض النظر عن مدى كبر المنزل أو غيره، ولكن اليوم أصبح شرطًا أن يُقام العُرس في قاعة احتفالاتٍ ضخمة، وبتكاليفٍ معينة، وفقراتٍ معينة، وكل طبقةٍ حسب إمكانياتها، فمن يستطيع أن يأتي بفنانٍ مشهور يحيي الحفل فهذا جيد، وأيضًا فستان العروس الباهظ التكاليف الذي إن لم تأتِ به فقد أجرمت في حق نفسك، ليس هذا كل شيء، بل يتبقى شهر العسل، الذي يجب أن يكون في مكانٍ مميز، كل هذا ولم نتحدث عن المبالغ التي تتكلفها أسرة العروس من تجهيزاتٍ لابنتهم، فما يسمى “النيش” هو لعنة العصر، لا أدري من هذا البائس الذي اخترع تلك الأعداد وجعلها مقياسًا ليسير الناس عليه!، ولكن بالطبع تدمير الزواج صار ضرورة مع كل هذا الهراء.

كيف يمكن للعادات والتقاليد تدمير الزواج ؟

في واقعنا الحالي، ومع ارتفاع تكاليف الزواج بشكلٍ غير مسبق، مع الإبقاء على نفس المستوى الاقتصادي، فبغض النظر عن أسباب الارتفاع، فمن المستحيل أن يعيش المرء ليواجه تلك الأمور بنفس العقلية القديمة، فيجب وضع أولويات، ما الضروري ليتم فعله، وما هو الغير ضروري ليتم تجنبه، في حدود الشرع والدين والعرف، من غير إفراطٍ أو تفريط، فعندما ينتظر الأب أن يزوج ابنته في مستوى هو لم يصل إليه إلا بعد عشرين عامَا من الزواج، فهو لن يكون عادلًا أبدًا، بالطبع كل أب يريد الخير لابنته، ولكن هذا الخير يجب أن ينظر فيه مرة أخرى، فالتدخل المبالغ فيه في تكاليف الزواج أمرٌ مرهق جدًا بالنسبة إلى الشاب والفتاة، فيزيد نسبة العنوسة التي أصبحت ركنًا ثابتًا وسمة أساسية في المجتمع، كما يزيد من نسبة تأخر الزواج لدى الشباب، فمن الصعب أن يرضى والد فتاةٍ أن يزوج ابنته لشابٍ حديث التخرج، لا يمتلك من المال سوى اليسير، ناهيك عن ارتفاع نسبة التحرش وغيرها من الأمور التي تترتب على هذا الأمر دون الحاجة إلى ذكرها، كما أن من العادات والتقاليد البائسة التي هي سببًا في تدمير الزواج، التدخل الكبير بين العائلات، والذي يأتي بالمشاكل التي لا تنتهي، ولا يعط فرصة للأب والأم من تربية أطفالهم بطريقتهم الخاصة، من دون أية مشاكل، فمن وجهة نظري بيوت العائلة ما هي إلا لعنة على المتزوجين جميعًا، فالزواج هو المرادف لكلمة الاستقرار، والاستقرار يعني الاستقلال عن الحياة السابقة، بالطبع لا يعني الانسلاخ والبعد، فهناك صلة رحم، ولكن يجب أن يستقل المرء بشئونه، بعيدًا عن التدخلات البائسة من أي شخصٍ آخر. كما أن ما يزرعه المجتمع في الرجل قبل الزواج من أنه إن عامل زوجته بطريقةٍ معينة سيفقد رجولته، أو ما إلى ذلك، أو أنه إن كان بارًا بوالدته سيفقد رجولته أيضًا، كل هذا الهراء من الأمور التي يزرعها المجتمع في الفرد، والتي تظل بعيدةً كل البعد عن الدين.

تدمير الزواج في اللحظة الأخيرة

من الغريب جدًا، والذي أجده شائعًا في مجتمعنا أن يتدمر زواج، وينفصل عروسان يوم الزفاف، أو في الشهور الأخيرة قبل الزفاف، وهذا في الأغلب يكون بسبب أمورٍ ساذجة، أتذكر أني سمعت أن هذا حدث من قبل عندما اختلف الأهل على نوعٍ معين من مقابض الأبواب، والذي لم يلتزم العريس بها، فتدمر الزواج! لا أعلم كيف يمكن لتلك العقليات أن تبني بيتًا، إن كانت من الأساس ترى الأمور بتلك السطحية؟ فالفتاة لا تقدر الرجل إلا بما يمتلكه من مال، وما الذي يستطيع أن يحققه لها من أحلام، ربما وصف “فارس الأحلام” هو الأمثل لما نقول، وأيضًا الرجل الذي يتكلف تلك المبالغ الباهظة من أجل أن يتزوج، لن يرضى بأي فتاة، بل يبحث عن فتاةٍ معينة، بمواصفاتٍ خيالية، فهو في النهاية يشتريها بما معه من أموال، ولا أحد يرضى بأقل مما يريد إن كان الأمر يتعلق بالمال، فعندما أصبحت الأمور تقدر بتلك المادية، صارت السطحية أساسًا في العلاقة فيما بعد، فهو لن يتقبل عيوبها إذا يريدها كاملة، ولا أحد بالطبع يخلو من العيوب، ربما قد يكون إفلاس هذا الشاب فيما بعد سيكون سببًا في تدمير الزواج ، لأنها لن تتحمل ما لم تعتد عليه من قبل، أو ترض به، بمعنى آخر شرط قبولها للزواج قد فسد.

ليست العادات والتقاليد جميعها خاطئة، ولكن تلك التي تخالف الدين، ولا يرضى بها الإسلام، هي تلك التي يجب أن نقف عليها جيدًا، ونتأملها بعقلٍ واعٍ، ونحاول أن نتجنبها قدر الإمكان، خاصةً في هذا الوقت الذي صار من الصعب جدًا أن تمارس تلك العادات والتقاليد بسهولة كما في السابق، وأصبح تدمير الزواج أمرٌ عادي.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

تسعة − سبعة =