تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أبوة وأمومة » التوحد : كيف يتصرف الوالدان مع الطفل المتوحد ؟

التوحد : كيف يتصرف الوالدان مع الطفل المتوحد ؟

التوحد أصبح واحدًا من أشهر الأمراض النفسية شيوعًا، خاصة بالنسبة للأطفال وصغار السن، هنا نشرح الأسلوب المثالي للوالدين للتعامل مع مشكلة التوحد .

التوحد

التوحد هو اضطراب النمو العصبي والذي يمكن وصفه بضعف التواصل اللفظي والغير لفظي وكذلك التفاعل الاجتماعي، وهو ليس مرض كما يظن البعض وإنما اضطراب، كاضطرابات في التواصل اللغوي، اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، سلوكيات نمطية مثل هز الجسم لف الأشياء، التحديق في شيء ما بدون هدف، التوحد أحد ثلاثة اضطرابات تندرج تحت مرض طيف التوحد، ويتطلب التشخيص الصحيح وضوح الأغراض ربما منذ أن يبلغ الطفل ثلاثة سنوات، ويؤثر التوحد على طريقة معالجة البيانات في المخ ولم يُعرف كيفية حدوث ذلك إلى الآن، والتوحد ربما يمكن اعتباره وراثيا على الرغم من أن جينات التوحد معقدة وفي حالات نادرة يمكن اعتباره مرتبط بالعوامل المسببة للتشوهات الخلقية أو حتى عوامل بيئية مثل المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية ولقاحات الطفولة، التوحد يصاب به الأولاد 4مرات أكثر من البنات، وقد أنتشر المرض بشكل سريع حتى وصل إلى زيادة كبيرة في عدد المصابين في الثمانينيات، وقد يبدأ الأبوين بملاحظة أعراض التوحد في العامين الأولين من حياة الطفل، وتتطور بشكل تدريجي وقد يحدث اضطراب في النمو وقد يحدث النمو بشكل سريع ثم يقف ويتراجع، ليس له علاج نهائي إلى الآن لكن الاكتشاف المبكر للمرض يضع أمام الأبوين اختيارات علاجية متعددة، حيث يتم مساعدته وتوجيه للتخفيف من الأمر ومحاولة إقامة العلاقات والتواصل وكذلك الاعتماد على النفس وقد حقق نتائج جيدة مع الأطفال الذي تم تدريبهم.

التعامل الصحيح مع مشكلة التوحد لدى الأطفال

أعراض المرض

أعراض مرض التوحد تنقسم إلى جزئيين: هناك علامات مبكرة يمكن ملاحظتها بسهولة مثل: طفل التوحد في عامه الأول يمكنك ملاحظة انزوائه عن الآخرين بشكل واضح وطريقة تواصله مع العالم الخارجي وخوفه منه ويظهر للطفل علامات مثل:

  • لا ينظر إلى للناس في أعينهم.
  • لا يستجيب لصوت أبويه.
  • لا يستجيب حينما يسمع أسمه.
  • لا يبتسم ولا يستجيب للإشارات الاجتماعية من البيئة المحيطة به.

ثم تتطور العلامات وتصبح أكثر وضوحا، الأطفال الأسوياء حينما يريدون شيء ما كلعبه مفضله مثلا يمكنهم الإشارة إليها أم طفل التوحد فلا يستطيع، يستطيع الأطفال تمتمة بعض الكلمات وصياغتها أو حتى تقليد كلام الأم مثلا بينما يظل طفل التوحد منعزلا لا يصدر ردود أفعال، ويمكننا تلخيص الأعراض في: المهارات الاجتماعية رديئة، مشاكل في الكلام والنطق، متلازمة اسبر جر، والأطفال اللذين يعانون من متلازمة اسبر جر لا يعانون من مشاكل عقلية ولا تدني في الذكاء أو حتى مشاكل لغوية بل على العكس لديهم مهارات لفظية قوية ولكن المشكلة تتركز أكثر على الجانب الاجتماعي ولا ينجحون في تفسير الرموز الغير لفظية ولغة الجسد مثل تعبيرات الوجه في الفرح والغضب والحزن وهكذا، ليس لمرض التوحد علاج حتى الآن ولكن كيف يتم التعامل معه؟ ما الوسائل المستخدمة حاليا والتي يتم تطويرها باستمرار؟

علاج أعراض التوحد

مبدئيا التوحد ليس له علاج بشكل نهائي حتى الآن ولكن بعض الأمور يمكن اتباعها لتحسين الأوضاع مثل: العلاج السلوكي، ويعمل هذا الجانب على مساعدة الأطفال لتعلم وتطوير وسائل التواصل والتحدث ونطق الكلمات، التطور جسديا والتعامل مع الآخرين بسهولة أكبر، يشجع العلاج السلوكي النشاطات الإيجابية ويستبعد السلوكيات السلبية، كما أن هناك نوع آخر من العلاج السلوكي يعمل على تنمية العواطف والمهارات الاجتماعية من خلال اللعب ببطاقات الصور والوسائل البصرية.

الأدوية

لا يوجد أدوية لعلاج اضطراب التوحد ولكن توجد أدوية لمعالجة بعض الأعراض أدوية المكافحة الذهانية يمكن أن تساعد في المشاكل السلوكية مثل العدوانية، إيذاء الذات ونوبات الغضب، كما يمكن وصف أيضا بعض المهدئات ومضادات الاكتئاب، وهكذا تتوقف أهمية استخدام الأدوية على تخفيف الأعراض حينما تحدد لمستوى يصعب التعامل معه.

التدخل الحسي

الأطفال المصابون باضطراب التوحد حسّاسون جدا للروائح والأصوات واللمس والذوق ومشاهد معينة، لذلك بعضها يولد لديهم شعور ما والبعض الآخر ليس كذلك، وتكون هذه الأحاسيس سلبية في الغالب ويخاف منها الطفل أو تضايقه، فيتم مساعدتهم بالتدريب على مواجهه مثل هذه المواقف ومع الوقت تتحسن سلوكياتهم بشكل ملحوظ.

تعامل الأبوين مع طفل التوحد

مشكلة طفل التوحد أنه لا يظهر عليه علامات إعاقة بالشكل الخارجي مثل باقي الأطفال المعاقين وتلك تعتبر ميزة أيضا حيث يسلم من سخرية المجتمع له، يتعامل الأبوين مع الطفل بشكل عادي ولكنهما لا يخطر ببالهم إصابة طفلهم بالتوحد، وعندما يذهبون به إلى طبيب يصابون بالصدمة لمعرفتهم الخبر، وينقلب حال العائلة تمام على كل المستويات، المستوى الاقتصادي: حيث يحتاج إلى أدوية وعلاج سلوكي وأِشياء أخرى كثيرة، المستوي الاجتماعي: توفير المزيد من الوقت له فهو يحتاج إلى متابعة وعناية بشكل دائم، فطفل التوحد لا يعي ذاته ولا يستطيع معرفة المخاطر التي تواجهه إذا تعرض لإحداها لذلك يجب أن يتفرغ أحد الوالدين لمراقبته بشكل دائم ومراقبة سلوكه، نظافته الشخصية، تناوله لطعامه.. إلخ، بعض الأسر تصاب بالإحباط وتفكر في إخفاء الطفل عن العيون حتى لا يهتز موقفهم الاجتماعي ويشعرون بالخجل لإصابة طفلهم بالتوحد، وتتزايد المشكلة إن وجد أبناء آخرين حيث يقفون عاجزين أمام استيعاب الأمر ومعرفة وسائل التعامل معه، تختلف نظرة المجتمع للطفل المتوحد من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخري ومن وقت لآخر، فالدول الأكثر تقدما تعتبره شيء عادي ويتعاملون ببساطة مع الأمر ولا يشعر الطفل المتوحد بأنه غريب أو منبوذ، والعكس في بعض المجتمعات الأخرى، خصصت الكثير من المجتمعات مؤسسات لرعاية أطفال التوحد ونشر ثقافة اضطراب التوحد للتقليل من وطأة الموضوع، وتزايدت المؤسسات والجمعيات التي تقدم الدعم للأسر التي يعاني أطفالها من التوحد سواء ماديا أو حتى على مستوى الرعاية والاهتمام والدعم النفسي، على الأبوين التعامل مع الموضوع ببساطة وينبغي أن يعرفوا أن لديهم طفل مختلف عن باقي الأطفال ، طفل مميز بشكل أو بآخر، ليس هناك كارثة، وإنما أمر جديد يحتاج إلى ثقافة معينة وبعض الجهد للتعامل معه، لا ينبغي أن يشعروا بالحزن والمعاناة فالأمر بسيط، فقط بعض الحكمة من أجل هذا الكائن المسكين.

طرق متعددة

حالته النفسية، ككل الأطفال يطرأ علي طفل التوحد التغيير في حالته النفسية من الأحسن للأسوأ والعكس أيضا فينبغي مراعاة ذلك جيدا واعتباره أمرا طبيعيا والفرق الوحيد بينه وبين الطفل العادي سيكون في حساسية المتوحد عن غيره من الأطفال، ينبغي تدريب الطفل باستمرار على التواصل مع الأبوين ومع أخوته والمحيطين به أيضا، فلا نعطيه شيئا يريده إلا حينما ينظر في أعيننا ونحن نعطيه له، كذلك الطفل الذي تنمو لديه القدرة علي الكلام يجب تشجعيه وحثه على مواصلة الكلام ومحاولة التعبير عما يريد، معظم الأطفال المتوحدون لديهم بعض الحركات النمطية التي يفعلونها ليل نهار ونحن نحاول أن نوقفهم بالأمر أو النهي عنها ببعض الحزم ولكن الحل هنا ليس في الكلام وإنما ينبغي شغل الأطفال عن هذه الحركات وتوجيه انتباههم إلى أمور أخرى، تنمية الثقة بالنفس والاستقلالية، وذلك من خلال تشجيعه على القيام ببعض الأعمال بمفرده وعدم الصراخ في وجهه إن فشل في أداء مهمة ما، تدريب الطفل على الدفاع عن نفسه فهو لا يعي الخطر ولا يعرف كيف يتعامل معه لذلك علينا تدريبه على صد مصدر الخطر والبعد عنه، التدريب على اللعب حيث أثبتت الدراسات أن للعب دور مهم في تنمية مهارات الأطفال ولكن ينبغي علينا اختيار اللعبة التي تناسب سن الطفل، توحيد طرق التعامل مع الطفل، من الممكن أن لا تتقدم حالة الطفل رغم اتباعنا للقواعد المفروضة ويكون ذلك لاختلاف أسلوب التعامل من البيت والمدرسة والمؤسسة وهكذا فينبغي توحيد طرق التعامل ويكون أسلوب واحد، وهكذا يمكننا تخفيف الأمر علينا وعلى الأطفال وتحقيق الراحة للطرفين.

دواء لكل داء

إن لم يتم اكتشاف علاج نهائي لأطفال التوحد إلى الآن فإني أعرف العلاج الذي يصلح لكل داء مهما عظم أو صغر، إنه القوة التي تصنف على أنها أقوى طاقة في الكون إنه الحب، بالحب وحده يمكنك مساعدة طفلك، اجعله يشعر كم هو ذو قيمة بالنسبة إليك، لا تجعله يفهم أن في اختلافه شيء مشين وإنما تدعمه وتخبره بأنه مميز عن الآخرين وإن لديه هبة منحت له دون سائر الأطفال العاديين، الاهتمام بالطفل المتوحد لا يشمل المأكل والملبس والأدوية والنظافة وإنما الجانب المهم أن يشعر هو باهتمامك أنت وبحبك أنت.

معلومات شائعة وخاطئة

اعتبار التوحد مرض وهو ليس مرضا بل يطلق عليه اضطراب وهو من ضمن اضطرابات النمو عند الأطفال.
مشاهدة التلفزيون في الشهور الأولي ليست هي المسبب الأساس للتوحد فلم يتم تحديد أسباب واضحة إلى الآن، وتتوقف مشاكل مشاهدة التلفزيون في الأشهر الأولي على عدم تفاعل الطفل بالرقص أو الغناء أو الانفعال بالأحداث وفي بعض الأحيان تكسب الأطفال الكثير من العادات السيئة، من الأفضل عدم مشاهدة الطفل للتلفزيون أو استخدام الموبايل قبل أن يتم سنتين لتقليل من آثارهم الجانبية.

عظماء ولكنهم مصابون بالتوحد

بالطبع الطفل الذي يعاني من التوحد كما أشرت مسبقا يعني أنه مختلف عن الآخرين، لديه قدرات مختلفة وربما أعلى وربما أكثر عبقرية من الأشخاص العاديين وإليكم بعض الأمثلة:

  • إسحاق نيوتن: من لا يعرف نيوتن الذي صاغ لنا قوانين الحركة وقانون الجذب العام التي سيطرت على رؤية العلماء قرنين من الزمان، كان نيوتن كما وضع المؤرخون يعاني من صفات توحدية.
  • ألبرت أينشتاين: العالم الأكثر شهرة عند الكبار والصغار وهو أعظم علماء القرن العشرين وعالم الفيزياء الأعظم صاحب نظرية النسبية كان يعاني من متلازمة أسبر جر. فان جوخ وهو رسام هولندي مشهور مصنف أحد أهم فنانين الانطباعية حققت رسوماته انتشارا واسعا، وحققت مبيعات ضخمة وأسعارا لم يسبق لها مثيل، أبهر العالم بفنه ولوحاته ورسوماته الرائعة وكان فان جوخ ممن يعانون من اضطرابات التوحد.
  • بيل جيتس: مؤسس شركة مايكروسوفت وإمبراطور الكمبيوتر ما يزال حتى الآن يعاني من أعراض أسبر جر لا أحد منا لا يستخدم منتجا من منتجات مايكروسوفت، كلنا مدينون له بالكثير وما زلنا.
  • مناهل ثابت: هي باحثة وخبيرة في الاقتصاد المعرفي وتعد واحدة من أذكى النساء في العالم وتبنت مؤسسات عالمية عدة النظريات التي صاغتها في مجال الفضاء لقياس المجرات الكونية وسرعة انتقال الضوء منها، وهي أول سيدة عربية تدخل موسوعة العباقرة عام 2013.

وليسوا هؤلاء فقط وإنما هناك المزيد ولن يتوقف عن إذهالنا من الحين والآخر مدى قدرة وعبقرية هؤلاء الأشخاص، لذلك لا تقلق من قدرة أحدهما فربما يفوقك أنت وآلاف غيرك ولكن الأمر غير واضح لنا الآن، هؤلاء الأطفال كالنجوم على الأرض، وجودهم لحكمة ما، فلا ينبغي الاستهانة بهم أو بقدراتهم، وهم ليسوا متخلفين أو معاقين وإنما مختلفون وبشكل مميز وصفات مميزة عن غالبية الأطفال، إعطاء المزيد من الحب والرعاية والاحترام هو الطريق الأمثل للتعامل معهم، وتذكروا بالحب فقط يذوب الجليد.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

15 − عشرة =