تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » كيف يؤثر تحكم الجينات على الكثير من جوانب شخصياتنا؟

كيف يؤثر تحكم الجينات على الكثير من جوانب شخصياتنا؟

مدى تحكم الجينات وتأثيرها على الإنسان هو سؤال مهم لا يزال يشغل حيز كبير من تفكير العلماء والأطباء، لأن المتعارف عليه هو أن الجينات تتحكم في فسيولوجيا الإنسان من الداخل وشكله وخصائصه من الخارج، أيضًا تتحكم

تحكم الجينات

مدى تحكم الجينات وتأثيرها على الإنسان هو سؤال مهم لا يزال يشغل حيز كبير من تفكير العلماء والأطباء، لأن المتعارف عليه هو أن الجينات تتحكم في فسيولوجيا الإنسان من الداخل وشكله وخصائصه من الخارج، أيضًا تتحكم في العمليات الحيوية للإنسان مثل الهضم والنمو، كما أنها تتحكم في ظهور الأمراض وفي قوة الجهاز المناعي لمحاربة الأمراض وغيرها من الخصائص الفسيولوجية الداخلية للإنسان، ولكن الجديد هو أن مجال تحكم الجينات أوسع وأكبر من ذلك في البشر، لأن العلم الحديث أثبت أن الجينات تتحكم في بعض سلوكيات البشر أيضًا، ماذا يفضلون! ما يخافون منه! ما يجعلهم ينفقون المال أو يستثمرونه! وحتى سلوكيات مثل النوم والتسوق وتكون العلاقات العاطفية، في هذا المقال شرح للمجالات الغريبة التي تتحكم فيها جينات البشر بأفعالهم، كما يتضح من العلم الحديث.

السمنة وتناول السكريات

تحكم الجينات السمنة وتناول السكريات

يواجه بعض الأشخاص صعوبة بالغة في التخلص من السمنة الزائدة مهما حاولوا من طرق لإنقاص الوزن، وفي الحقيقة قد يكونوا تحت وطأة ما يُسمى بالجينات القاتلة، لأن تلك الجينات تجعل الإنسان يأكل مأكولات غنية بالسكريات والدهون بشكل خارج عن سيطرته، يفسر بعض الخبراء وجود هذه الجينات نتيجة ما واجهه الإنسان قبل آلاف السنين من الآن، ففي الماضي اعتمد الإنسان على الصيد، والصيد لم يوفر الأمان الكافي بوجود وجبات متتالية خلال اليوم، بعض البشر كانوا يعانون من فترات طويلة من عدم وجود فرائس مناسبة للصيد.

هذه الحياة الصعبة جعلت الإنسان يدرك بأن الدهون والسكريات هي أكثر المأكولات التي ستوفر لهم طاقة ولفترة طويلة، بالطبع لأنها تحتوي على سعرات حرارية أكثر، كما أنها مميزة في سهولة تخزينها ونقلها، والإنسان القديم الذي اعتمد على الدهون والسكريات كمصدر غذائي، كانت لديه فرص بقاء أكبر، وبالتالي نقل جيناته إلى الأجيال التالية التي اهتمت بشكل غير واعي بتناول هذا النوع من المأكولات للصمود ضد المجاعات، القليل من الأجداد لم يحتاجوا إلى تلك الجينات وكانوا يؤمنون الطعام بطرق أخرى، ولم يورثوا أجيالهم هذه الجينات، إلا إن تحكم الجينات القاتلة في معظم البشر هو أمر حقيقي ومنتشر جدًا.

تحكم الجينات في عادات الإنفاق والاستثمار

اكتشف العالمان ستيفان سيجل وهينريش كرونكفيست بأن الجينات تتحكم عادة في عادات إنفاق الأموال أو الادخار أو الرغبة في الاستثمار، وذلك خلال تحليل للعادات والجينات على أكثر من 15 ألف توأم، فوجد العلماء بأن الأخوين التوأم يمتلكون نفس عادات الإنفاق أو الادخار حتى إن لم تتم تربيتهم سويًا أو يعيشوا سويًا، ولتوضيح البحث بأكثر دقة، يقول ستيفان بأن عادات إنفاق الأموال وتنظيمها هي أمور تتحكم فيها تربية الطفل وأبويه حتى يبلغ سن 25 عام، ومن ثم تدريجيًا يتغير الحال ويصبح تحكم الجينات أمر حتمي عند بلوغ الأربعين من العمر، ومن الأبحاث يتضح بأن الجينات تتحكم في الرغبة في الاستثمار، سواء كان هذا الاستثمار في المسار الصحيح ويصب في مصلحة الفرد أم استثمار خاطئ ويضيع الأموال، وفي إحصائية لمدى تحكم الجينات في عادات الإنفاق عند البشر، يظهر أن 25% من البشر يمتلكون جينات تدفعه للإنفاق بشكل أقل، أما النسبة الغالبية فتدفعهم جيناتهم إلى الإنفاق أكثر.

الخوف من الثعابين والعناكب

لدى البشر خوف من الحيوانات المريبة ومن أشهر هذه الحيوانات هم العناكب والثعابين، ويتضح ذلك بشكل أكبر في الأطفال الصغار، الذين يمتلكون خوف طبيعي وغريزي من الثعابين والعناكب على الرغم من أنهم لم يتعرضوا لهم من قبل، في تجربة تمت على مجموعة كبيرة من الأطفال الذين لم يتخطوا عمر الستة أشهر، تم عرض صور عناكب وثعابين على الأطفال فأظهر الطفل رد فعل يوحي بالقلق أو عدم الارتياح، بينما لم تظهر نفس ردود الأفعال في حال رؤيتهم لصور بعض الأسماك والزهور، وفي تجربة أخرى من جامعة كولمبيا على يد العالمين جوشوا نيو وتايمسون جيرمان، تم عرض مجموعة كبيرة من الصور على المشتركين في التجربة بشكل سريع، وهذه الصور تحتوي على صورة لعنكبوت وفي بعض الأحيان كانت صور العناكب غير واضحة بشكل كبير.

إلا إن 252 فرد من المشتركين كانوا دائمًا يتمكنون من اكتشاف صورة العنكبوت من بين الصور بسرعة، ما يؤكد بأن العقل مستيقظ وحذر من العناكب بشكل واضح، لمحاولة تفسير هذا الخوف الذي تتحكم فيه الجينات بشكل واضح، ويجب الرجوع قبل ملايين السنين حين كانت أغلب الثعابين والعناكب سامة وقادرة على قتل الإنسان في ثواني معدودة، بينما في الوقت الحالي تعتبر أغلب العناكب غير ضارة خاصة تلك التي تعيش بالقرب من التجمعات البشرية الكبيرة، أما بالماضي فكان على الإنسان تطوير جينات تعمل على الخوف من العناكب بشكل حاد وسرعة تحديدهم بين أشجار الغابات بسرعة للبعد عنهم، بعض العلماء يعتقدون أن سبب هذا الخوف يأتي من حركة العناكب المريبة والتي تجعل البشر في قلق مستمر.

تحكم الجينات في عادات نوم البشر

في المتوسط يحتاج الإنسان الطبيعي إلى سبع ساعات من النوم ليلًا، أقل من ست ساعات يصيب الجسم بالتعب وبقدرة أقل على التفكير والتركيز والقيام بالأعمال التي تحتاج على مجهود بدني، مع زيادة فرص الإصابة بالاكتئاب، ولكن هناك مجموعة معينة من الأفراد الذين يحتاجون إلى ساعات أقل من النوم ليلًا بشكل طبيعي، وهم من يمتلكون جين يدعى p. Tyr362HIS أو جين تاتشر، والذي تم تسميته نسبة إلى رئيس وزراء بريطانيا السابقة “مارغريت تاتشر” والتي كانت معروفة بالنوم لعدد قليل جدًا من الساعات خلال الليل، وقد تمت إجراء تجربة لتوضيح مدى تحكم الجينات وخاصة هذا الجين في عادات النوم على 100 زوج من التوأم، ووجد البحث بأن من يحمل هذا الجين لديهم قوة عقلية مثالية في حال حصولهم على ساعات نوم قليلة، أما من لا يمتلكون هذا النوع من الجينات تضعف قوتهم العقلية حين يفتقرون إلى ساعات النوم المثالية.

تحكم الجينات في عادات التسوق

تحكم الجينات تحكم الجينات في عادات التسوق

عادة التسوق إحدى أشهر عادات النساء والتي يشتهرون بها في كل العالم، ولكن بحسب جيفري ميلر من جامعة كوليدج بلندن فإن الرجال هم أكثر عرضة لاكتساب عادات التسوق النهمة، لأن الرجال يعشقون التسوق حتى يظهرون للمرأة بأنهم يمتلكون الكثير من الأموال وبأنهم أغنياء بشكل كافي لشراء ما يرغبون فيه، وشراء المنتجات باهظة الثمن يعطي رسالة واضحة بأن هذا الرجل قادر على الاعتناء بالمرأة، قبل ملايين السنين اعتمد الرجل القديم على ارتداء جلود الحيوانات المفترسة وطلاء أجسامهم بألوان مختلفة لجذب نظر النساء، بينما في العصر الحالي الملابس الباهظة والسيارات الفاخرة وتقديم دعوة عشاء باهظة الثمن هي الحل الأمثل لجذب نظر المرأة، وبعد الزواج تتوقف هذه العادات عن الظهور لأن الرجل بالفعل تمكن من إقناع المرأة بالزواج، فتبدأ المرأة بالاهتمام بجمالها وتتسوق بشكل أكبر للحفاظ على زوجها وتتجمل أمامه، ولهذا السبب فقط تشتهر النساء بالتسوق أكثر من الرجال.

الخيانة الزوجية

كشف فريق من الباحثين عام 2010 بقيادة جوستين غارسيا من جامعة بنجهامتون، أن الرجال الذين يحملون جين يدعى DRD4، لديهم قابلية أكثر للخيانة الزوجية، وذلك بعد القيام الباحثين بإجراء اختبارات على الحمض النووي لدى 181 رجل، وسؤالهم جميعًا عن طبيعة علاقتهم مع زوجاتهم، وكما يوضح غارسيا فإن هذا الجين يرتبط بشكل وثيق بإفراز هرمون الدوبامين في الدماغ، وهو الهرمون المسئول عن الشعور بالمتعة، وبالتالي الخيانة الزوجية لا تحدث نتيجة أسباب معينة سواء مع الرجل أو الزوجة، بل لمجرد رغبة الرجل في الخيانة فقط، وذلك لأن معدل إفراز الدوبامين في الدماغ يزيد عند هؤلاء الرجال عن غيرهم، من ناحية أخرى يعتقد بعض العلماء أن التجربة ليست كافية ولا يمكن الأخذ بنتائجها كمسلمات، لأن البيئة المحيطة وطبيعة العلاقة الزوجية والخبرات الحياتية قد تغير من قرارات الرجل فيما يتعلق بالخيانة.

تحكم الجينات في بناء العلاقات العاطفية

اكشف فريق من الباحثين من جامعة بكين، أن الجينات البشرية تتحكم في رغبة الإنسان في تكوين علاقات عاطفية ثم الارتباط، أو البقاء عازبًا، وقد وجدوا أن جين يسمى C-1019G يجعل أصحابه يميلون للبقاء عازبين ولا يرغبون في الارتباط، هذه الاستنتاج تم بعد تجربة أجريت على 579 من الطلاب الصنيين بالجامعة، ومن لديهم هذا الجين كانوا أقل الطلاب في الرغبة في بناء علاقات عاطفية، يعتقد الباحثون أن السبب هو أن هذا الجين يجعل صاحبه مزاجي وقلق ولا يتمتع بروح مرحة، ما يجعله أقل قابلية لتكوين علاقة عاطفية أو يفكر في الارتباط، وفي تجارب أخرى مماثلة توصل الباحثون بأن الجينات المسئولة عن إفراز هرمون الأوكسيتوسين هي المسئولة عن قابلية الإنسان للدخول في علاقات عاطفية، لأن هذا الهرمون هو من يساعد الإنسان ليكون شخص اجتماعي وودود، وقلته تعطي نتائج سلبية، ما يقلل الرغبة بتكوين علاقات عاطفية.

الذوق الموسيقي

في الماضي اعتقد العلماء أن تعريض الطفل من سن مبكر إلى الموسيقى يجعله ذو حس موسيقي رهف ويمكنه من الغناء بشكل أفضل، ولم يعتقدوا أن تحكم الجينات قد يكون له دور كبير في القدرات الغنائية والموسيقية، إلا بعد تحليل للحمض النووي أجرى على 568 توأم من الفتيات البريطانيات، حيث قدم العلماء للفتيات مجموعة من الأغاني المشهورة جدًا في بريطانيا مع بعض الأخطاء البسيطة في النوتات الموسيقية، وكانت النتائج هي تمكن الأخوات من التوأم المتماثلة من اكتشاف الخطأ الموسيقي بنفس السرعة، بينما الأخوات من التوأم الغير متماثل تعثروا في إيجاد الأخطاء الموسيقية بنسبة 50%، أي إن فرصة الأختين في إيجاد نفس الخطأ الموسيقي تقل للنصف في حال عدم تطابق حمضهن النووي.

طريقة الاحتفال بالنصر أو الهزيمة

إمالة الرأس للخلف، أو رفع قبضة اليد في الهواء عاليًا، أو الإشارة بعلامة النصر هي عادات يفعلها عادة من يكون في موقع فوز، ويمكن ملاحظتها بشكل أكبر في الرياضيين عند الفوز، أما إرخاء الكتفين أو وضع اليد على الوجه فهي طريقة مشهورة أيضًا للتعبير عن الخزي والشعور بالهزيمة، في البداية اعتقد العلماء أن تلك الحركات تتشكل لدى الإنسان نتيجة للخبرة ورؤية الآخرين يفعلونها بعد فوزهم أو هزيمتهم، ولكن خلال أولمبياد 2004 لذوي القدرات الخاصة، لاحظ عدد كبير من العلماء بأن الرياضيين المكفوفين يمتلكون نفس طريقة الاحتفال بالنصر أو الهزيمة، على الرغم من أنهم مصابون بالعمى منذ الولادة، ولا توجد أي إمكانية لتعلم هذه الحركات من أشخاص آخرين، وما يستنتجه العلماء من ذلك هو أن تلك الحركات طُبعت في الجينات البشرية بشكل ما، مع استخدام الأجداد لها أو رؤيتها مرارًا وتكرارًا عبر الزمن.

تحكم الجينات في رائحة الإبط

تحكم الجينات تحكم الجينات في رائحة الإبط

98% من البشر تظهر لديهم رائحة كريهة تحت الإبط في حال تعرقهم أو قيامهم بمجهود بدني أو في الأيام الحارة، ولكن 2% من البشر لا ينتجون أية روائح كريهة من الإبط مهما فعلوا من مجهود أو تعرقوا وذلك لأنهم يمتلكون ما يسمى بجين ABCC11، هذا الاستنتاج توصل إليه باحثون من جامعة بريستول، بعد تحليل الحمض النووي لدى 6495 امرأة ليجدوا أن 2% منهن فقط يمتلكن هذا الجين.

وفي الحقيقة لدى العلماء فكرة كبيرة عن هذا الجين ولكن كان التركيز الأساسي في الدراسات بأن هذا الجين يسبب جفاف حاد في شمع الأذن، بل إن جفاف شمع الأذن يدل بشكل كبير على وجود هذا الجين، الذي ينتشر بشكل ملحوظ في سكان شرق أسيا، ويعتقد العلماء بان هذا الجين يجعل تعرق الإبط بدون رائحة لأنه يقلل من إفراز الأحماض الأمينية في جسم الإنسان عن المعدل الطبيعي، ما يقلل من تراكم البكتريا تحت الإبط، وهي السبب في ظهور رائحة العرق، ومن الغريب أن العديد ممن يحملون هذا الجين يستخدمون مزيلات العرق كعادة لا داعي لها غير مدركين حقيقة أجسامهم.

بالنهاية، مدى تحكم الجينات البشرية في عادات وتصرفات البشر هو أمر مذهل للغاية، فما يورثه البشر من أجدادهم قد يؤثر على جوانب عديدة من حياتهم وهم لا يعلمون السبب الحقيقي، مثل الرغبة بالتسوق أو تناول مأكولات دهنية أو حتى الرغبة في بناء علاقات عاطفية، وفي هذه الحالة يكون من الصعب جدًا الخروج عن الطبيعية البشرية للإنسان لتغير ما تسيطر عليه جيناته، وطرق التربية لم تعد المؤثر الوحيد الذي يؤثر به الآباء في الأبناء، ولأجيال بعيدة كذلك.

أيمن سليمان

كاتب وروائي، يعشق منهج التجريب في الكتابة الروائية، فاز ببعض الجوائز المحلية في القصة القصيرة، له ثلاث كتب منشورة، هُم "ألم النبي (رواية)، وإنها أنثى ولا تقتل (رواية)، والكلاب لا تموت (مجموعة قصص)".

أضف تعليق

11 + 13 =