تسعة
الرئيسية » العمل » مهارات » العمل الجماعي : كيف تصل إلى قمة النجاح في مجموعة ؟

العمل الجماعي : كيف تصل إلى قمة النجاح في مجموعة ؟

في السنوات الأخيرة ظهرت أهمية العمل الجماعي والتعاون في إنجاز الأعمال، وغالبية المخترعات هي نتاج العمل الجماعي ، فكيف تعمل بشكلٍ جماعي وتحقق النجاح؟

العمل الجماعي

في أي مكان ناجح في العالم، أو فريق ناجح على المستوى الرياضي يعتمد هذا النجاح في الأول والأخر على شيء واحد وأساسي ولا غنى عنه ألا وهو العمل الجماعي . وروح الفريق هي التي تجعل من أي مجموعة عادية شيء استثنائي، بمعنى، دعنا نحصر عدد الفرق في العالم المكونة تحت أي هدف، سواء مجموعة تهدف للعمل الخيري أو مجموعة عبارة عن فريق كرة قدم، أو مجموعة غنائية. فستجد أن هناك ما يزيد عن مئة ألف مجموعة ما بين الفردين إلى أكثر من مئة فرد حسب أفراد المجموعة الواحدة. دعنا أيضاً نختزل الحصر في المجموعات المشهورة جداً والناجحة جداً على المستوى العالمي، ستجد أن العدد لم يزيد عن الألف فرقة مثلاً تحت أي مسمى. والذي يميز هذه الفرق عن غيرها التي تشابها في نفس المجال دون شك هو العمل الجماعي الذي نتكلم عنه اليوم. حيث أن هذا الموضوع مهم جداً لك على المستوى الشخصي ولكم على المستوى الجماعي، لأنكم ستفهمون معلومات قيمة جداً عن هذا الموضوع.

العمل الجماعي وتحقيق المعجزات

فريق “ليستر سيتي” لكرة القدم كمثال مُلهم

كان فريق ليستر سيتي عام 2013 ضمن دوري الدرجة الأولى في الدوري الإنجليزي لكرة القدم، ومن ثم صعدوا إلى دوري الدرجة الممتازة، “البريمير ليج” والذي هو أقوى دوري كرة قدم في العالم. وكان نادي ليستر سيتي غير معروف كلياً للجماهير العالمية منذ أن صعد فهو مجرد نادي لكرة قدم صعد حديثاً. ولكن في عام 2014 أمسك المدرب الإيطالي كلاوديوا رانيري إدارة الفريق لينازع على الهبوط في عام 2014 حتى بقي في المراكز الأخيرة في الدوري. ومن ثم دخل في الموسم التالي في عام 2015-2016 وحدثت المعجزة أن فريق ليستر سيتي يكسب درع الدوري الأصعب في العالم بفارق عن أقرب منافسيه بأربع نقاط كاملة، مما جعل العالم كله يتحدث عن هذا الحدث الغريب جداً. ومن شاهد الفريق سيفهم قيمة العمل الجماعي الذي جعل لاعبين مغمورين يصلون للعالمية بسرعة الضوء لمجرد أنهم كانوا يعرفون جيداً قيمة العمل الجماعي، والذي كنت تجده واضحاً جداً في لعب الفريق لكل مبارياته.

كيفية تكوين فريق

قبل أن نقول لك كيفية العمل الجماعي فيجب عليَ أولاً أن أقول لك ما هو الفريق، وما هي المجموعة. وكيف يحدث وتتحولون من مجرد أشخاص عاديين إلى مجموعة من الناس يصلون سريعاً إلى هدفهم بصورة متقنة ورزينة وشرعية.

الرؤية

وكلمة “رؤية” لا أقصد بها الرؤية العينية التي نراها بالعين بل أقصد بها الرؤية المعنوية لمجموعة أهداف حياتية يتفق عليها أكثر من فرد. وبمعنى أوضح لو افترضنا أن (س) شخص يحب لعب كرة القدم، و(ع) شخص يحب عزف الموسيقى، فهل يمكن أن نضع الاثنين في فريق واحد؟ بالطبع لا، ببساطة لأن كل واحد منهم له مهارات مختلفة وكل واحد منهم يريد شيء مختلف. أحدهم يريد أن يصبح عازف والأخر لاعب كرة. ولكن ماذا يحدث إن تجمع خمسة أشخاص لديهم شغف بالموسيقى وهذا الشغف متساوي داخلهم، فهنا يتحول الشغف إلى أنهم يريدون أن يحققوا أهداف. وهذه الأهداف تتجمع لتكون رؤية كبيرة جداً لمستقبل الأهداف الذي يريدونها. وكمثال لأول هدف هو أن يكون لهم مكان، وثاني هدف أن يمتلكون آلات موسيقية حديثة، ثالث هدف هو أن يعملون على مشروع موسيقي كامل. كل هذه الأهداف تتجمع بسبب أنهم يريدون أن يصيروا فريق ناجح، والعمل الجماعي مع الرؤية الواحدة المجتمعين عليها جميعاً هما الشيئين الوحيدين القادرين على تحقيق هذه الرؤية لتصير واقع.

وجود الحماس

العمل الجماعي، مثل الفحم، الكل يتأثر بالكل. لو واحد من المجموعة لديه حماس كبير جداً، يستطيع هذا الشخص أن يلهم الآخرين بحماسه جداً، ويجعلهم يقاتلون من أجل تحقيق الأهداف التي يضعونها نحوهم للنجاح. ولكن العكس صحيح لو كان الفريق كله متحمس ويعمل بجهد وهناك فرد لا يعمل المفروض عليه، فهذا الشخص غالباً سيكون نقمة للآخرين ونقطة ضعف كبيرة تشوه العمل الجماعي بصورة واضحة. ولذلك يجب على أي مجموعة مقدمة على بناء نفسها واختيار أعضائها، أن يختاروا الشخص المتحمس جداً للعمل مع المجموعة، وليس الشخص البارد أو الشخص الوصولي الذي يهتم فقط بأن يكون جزء من العمل ولكن حماسه للعمل غير موجود. لأن الشخص اليائس أو البارد يؤثر أيضاً فيمن حوله، وربما يتسرب يأسه لبقية المجموعة فيكون هذا الشخص ليس سوى ضربة قاضية للعمل الجماعي بسبب تأثيره السلبي. لذلك الشخص الحماسي يكون أكثر إيجابية على العمل.

وجود تفاهم وقبول بين أراد العمل الجماعي

تخيل معي عزيزي القارئ أن مجموعة متكونة من عشرة أفراد فيها فردين لا يحبون بعضهم البعض، فكيف هم الاثنين سيبدئون في التعاون بينهم وبين بعض في تحقيق رؤية المجموعة؟ ولو حدث وتنازل أحدهم وداس على مشاعره في سبيل المجموعة مرة، فلن يفعل هذا الشيء كل مرة مع الشخص الذي يكره. ولذلك يجب عند تكوين فريق أو مجموعة ويكون هناك فرد جديد منضم أن يكون الفرد مقبول من المجموعة ككل، حتى عندما يأتي وقت العمل الجماعي يكون هذا الشخص أهل للثقة ويبدئون أن يحملونه للمسئوليات بنوع من الثقة والمحبة. وعندما تسود الثقة بين الجميع تجد الجميع يغفرون لبعضهم البعض الأخطاء لأنهم يعلمون أن أي شخص من الممكن أن يخطئ. في حين أن لو هناك شخصين لا يحبون بعض فسيتصيدون لبعض الأخطاء، ومن ثم تحدث انقسامات وبعض الأشخاص ينحازون لهذا وبعض الأشخاص ينحازون لذاك، ويحدث أن العمل الجماعي يدمر حرفياً بسبب أنه لا يوجد حب وتفاهم بين أفراد المجموعة.

انضمام الكوادر المطلوبة وعدم المجاملة والرياء

هذه النقطة مهمة جداً في تكوين فريق، حيث للأسف هناك أحياناً يكون نوع من أنواع الواسطة في تعين أفراد الفرق أو الوظائف في الكثير من الأماكن. وغالباً الواسطة تكون هي نقطة ضعف أي مجموعة أو مؤسسة قائمة مجموعتها على هذه الطريقة في التوظيف. لسبب بسيط، لأن الذي يتحمل المسئولية ليس على القدر المناسب لهذه المسئولية، بل هو عين مجاملة لأحد أو كنوع من أنواع الضغط والإحراج. ولذلك عندما تكون مجموعة فريق عمل يجب أن تكون مسألة قبول الكوادر البشرية مبنية تماماً وكلياً على الاستحقاق والإمكانيات وليس الواسطة. لأن لو كان لديك مكان في الفريق فيه خلل وتحتاج فيه لشخص متخصص وهناك أشخاص متقدمين يستطيعون أن يوازنون الخلل بسهولة، ولكن يحدث ويعين بالفريق شخص إكراماً لأحد، بل وأحياناً هذا الشخص يتعدى حدوده مع باقي الفريق لمجرد أنه يعلم أن هناك من يحميه ولا أحد يقدر على طرده. هذا غالباً يسمى سوس العمل أو بداية الانهيار بالبطيء للعمل أو المؤسسة أو الفريق. لأن العمل الجماعي يكون معدوم النتيجة، بسبب عدم وجود شخص في المكان الذي يصلح له.

أدوار الفريق

ننتقل في هذه النقطة إلى أدوار كل فرد في الفريق، حيث في العمل الجماعي من المهم أن يفهم كل واحد مسئولياته. حتى لا يرمي كل واحد خطأه على الأخر، بل إذا وجد خطأ يبحثون عن الشخص المسئول فيكون سهل تعليمه الصواب أو معرفة نقطة الضعف فيه أو علاج الأمر من خلال الآخرين.

القائد

هو غالباً يكون الشخص الذي له الخبرة الأكبر، والاحترام الأكبر في قلوب كل الفريق. فلو كان قائد الفريق غير محبوب إذاً هذا الفريق فاشل وسيحدث كل يوم تمرد من خلال أعضاء الفريق. في حين أنه لو قائد الفريق محبوب فأي شيء سيطلبه من أعضاء الفريق حتى لو كانوا غير مقتنعين به سيفعلونه لأنهم يثقون به ويحبونه، ووجود قائد يجعل للفريق روح. وهناك فرق كبير بين المدير والقائد، فالقائد غالباً يفعل كل شيء بنفسه ويكون قدوة للآخرين في الالتزام والحماس والعمل والاجتهاد. أما المدير فهو فقط شخص يدير الأمور دون أن يكون داخلها. ولذلك غالباً العمل الجماعي الذي يكون مبني على وجود قائد يكون أفضل من العمل الجماعي المبني على وجود مدير.

المُنَسِق

هو الشخص الذي يكون مسئول عن تنسيق عمل الفريق ككل. وهو غالباً يكون من أهم الأشخاص داخل الفريق بالمعنى الحرفي، لأن عدم وجوده سيشعر الجميع أنهم ضائعون ولا أحد يعرف كيفية ترتيب الأمور. ولذلك نجد في كل فريق أو مجموعة اسم وظيفي لشخص قد لا يكون ظاهر ولكنه من الركائز لأي فريق وهذا المسمى يكون “منسق عام” وهذا هو ما نتكلم عنه. وهو يكون مسئول عن المواعيد، وعن تلبية الحاجات بصورة سريعة، وهو الذي لديه المصادر لأي شيء يحتاجه الفريق. وللأسف في بلادنا الشرقية ليس لدينا ثقافة أن يكون لنا منسق عام في الفريق، بل كل شخص يحب أن يجعل الأمور تجري على هواه هو فقط. ومن هنا يحدث تضارب في الأهواء لأن كل واحد يريد شيء مختلف، ولكن في وجود المنسق العام غالباً الكلمة تكون واحدة، والميعاد يكون واحد ولا يوجد خلاف لأن الجميع يحترم وظيفة المنسق العام ويرضى بما يضعه من مواعيد وخطوط سير للفريق.

المُلهِم

هناك شخص غالباً يكون في كل مجموعة، يفرق جداً في العمل الجماعي بصورة مؤثرة فعلاً. فأي مجموعة معرضة أحياناً لوقت من الهبوط في المستوى لأن دائماً وأبداً يوجد منافسين في أي مجال. ولذلك مثلاً لا نرى فريق يسيطر على لعبة بعينيها طول الوقت بل أحياناً الفريق يمر بكبوة. أثناء هذه الأوقات يكون داخل الفريق شخص مُلهِم، شخص يكون ميزان للفريق بتشجيعه وكلامه المهم، فهذا الشخص غالباً يكون لديه كامل القدرة أن يجعل الحجر ينطق بعد عدة كلمات يقولها من فمه بتلقائية مطلقة. لأن الأمر لو مصطنع لن يقتنع به أحد، وهذا الشخص غالباً يكون محبوب من الجميع ولذلك كلامه يؤثر دائماً في الجميع. وهو من ضمن أهم الأشخاص في أي فريق أو مجموعة.

الناقد والبَنَّاء

هذا الفرد من الفريق غالباً يكون له أهميته الخاصة، وهو أيضاً له شخصيته الخاصة. حيث أن عينه ترى الأخطاء بمنظور مختلف عن الآخرين تماماً. فأي شخص يرى الخطأ على أنه كارثة، وأن الأمر السيئ قد حدث بالفعل، وأن هذا يعتبر سقطة. ولكن هذا الشخص الناقد عينه لا ترى الموضوع بهذا المنطلق، بل هو يرى الخطأ أحياناً من قبل أن يحدث، وعندما يحدث يفند أسباب الخطأ حتى يفهم الآخرين لماذا حدث هذا الخطأ بهدوء ورصانة. مما يجعل الفريق لا يرتعب ويكون لديه حلول عملية جداً. ومثل هذا الشخص يكون كبير في السن أو أكبر المجموعة، وليس شرط أن يكون القائد بل من الممكن أن يكون فرد عادي جداً في المجموعة ولكن نظرته ثاقبة وبناءة جداً.والآن نناقش كيف تستفيد من العمل الجماعي؟

روح الفريق

يجب كي تستفيد أكبر استفادة ممكنه من العمل الجماعي أن تكون روح الفريق دوماً حاضرة بين أعضاء الفريق بصورة واضحة. فلا مجال للأنانية في العمل الجماعي، مثل النمل، الكل يعمل والكل يأكل والكل ينجح. مثل النحل هناك ملكة وهناك شغالات وهناك ذكور ولكل فصيلة وظيفة. هذين المثلين هما أكبر مثالين حيين في الكون كله عن نجاح روح الفريق. فالنمل الأفريقي قادر معاً على أكل فيل بالغ في أقل من 12 ساعة فقط. قد تكون النملة وحدها كائن ضعيف جداً ولا محالة ستموت ولكن مجموعة النمل قادرة على الفتك بأفعى حية لو دخلت عشهم. كل ما أريد أن أوضحه بهذه الأمثلة، أن روح الفريق والتعاون يجعل القوة قوتان، بل ثلاث، بل عدد لا نهائي من القوى والإمكانيات المتنوعة بين أعضاء الفريق. لو كل شخص عرف إمكانيات الآخرين وإمكانيات نفسه سيحدث التفاهم من خلال روح الفريق ومن ثم سيبدع كل شخص بإمكانياته.

السرعة والإتقان

لو شخص عمل وحده في بناء بيت مكون من طابقين فهو غالباً سيأخذ وقت ما بين الثلاث إلى ستة أشهر. في حين أنه لو اجتمعوا عشرة رجال سيبنون البيت من طابقين في خلال أسبوعين فقط. هذا يوضح لك قيمة العمل الجماعي في الإنجاز، وأكبر دليل على هذه النقطة هي الصين التي لديها أكبر عدد من السكان في العالم والذي يفوق المليار والنصف مليار. حيث أن الصين صارت هي أقوى اقتصاد على مستوى العالم متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. وكل هذا بسبب نجاح فلسفة الصين في استخدام العدد البشري في الصناعة. حيث الصين حالياً أكبر دولة مصنعة في العالم بسبب عدد العمالة الغير عادي بها، فالناس كثيرين وبأجر معقول ومن هنا صارت فكرة المصانع بديهية لكسب المال وأصبح الإنتاج ضعف باقي الدول بأسعار رخيصة جداً. وهنا ذكاء الصين في فهم قيمة العمل الجماعي، وهو الذي سيرتقي بهم عن طريق السرعة والإتقان.

التناغم والجمال

الجميل في العمل الجماعي أن يكون لكل شخص مذاقه الخاص، وله إمكانياته، مثل مجموعة من الآلات الموسيقية التي تكمل بعضها البعض، هكذا البشر أيضاً. وهذه الفكرة الأساسية من الفريق، حيث يمكن الكمال أن يكون موجوداً وجائزاً. لأن كل شخص يستطيع أن يؤدي دوراً يكمل الأخر. بل إن أي مجموعة يقاس نضجها بمدى تكامل أفرادها. حتى لو لم يحققوا شيء على المستوى العالمي فسيظل التكامل يعلق في ذهن أي شخص يقابل هذا الفريق.

التعلم من الآخرين

العمل الجماعي سيجعلك دائماً لا تركز على نفسك ولا تتعامل مع نفسك على أنك دوماً على صواب. بل سيكون هناك قائد وسيكون هناك منسق، وسيكون هناك أشخاص خبرة أكثر منك. كل هذا سيجعلك تتعلم أشياء ومهارات لم تكن لديك، فهناك مثل يقول “الحديد بالحديد يحدد”، بمعنى أخر الاحتكاك بالفريق سيجعلك تطور باستمرار.

أخيراً عزيزي القارئ إذا قررت أن تلتحق بإحدى المجموعات أو الفرق تأكد من أن الأشياء التي ذكرناها سابقاً تتوفر فيك وفي الفريق الذي ترغب في أن تلتحق به. وثاني شيء هو أن تتأكد أن كبريائك لن يعوقك في كونك جزء من الفريق. لأن معنى أن تكون في فريق هو أنك ستخضع لشروط وقواعد الفريق، ولن تتخطى حدودك مع أحد بل كل شيء ستفعله لن يكون لأجل مجدك الشخصي بل سيكون لأجل مجد الفريق ككل. ولذلك إن كنت لا تمتلك القدرة على التعامل في ظروف الفريق لا تظلم نفسك والآخرين معك.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

3 × واحد =