تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » كيف تكتب الشعر الغنائي وما الفرق بينه وبين بقية الأنواع؟

كيف تكتب الشعر الغنائي وما الفرق بينه وبين بقية الأنواع؟

الشعر الغنائي يُقصد به تلك النوعية المميزة من الشعر والتي تصلح للغناء من قِبل المُغنيين، بل إن كل الأغنيات الموجودة حولنا في الأساس عبارة عن كلمات من الشعر الغنائي ، وهو بالتأكيد يختلف كل الاختلاف عن بقية الأنواع الشعرية الأخرى.

الشعر الغنائي

لا خلاف طبعًا على كون الشعر الغنائي وكتابته والاستماع له واحدة من أبرز الأمور التي تشغل أوساط الشعراء والمُحبين للشعر بشكل عام، إذ أنه ليس من المعقول أبدًا ألا يكون هناك تقدير لتلك النوعية التي تُعتبر الأبرز والأهم بين جميع أنواع الشعر، وربما السبب الرئيسي والأهم لذلك هو كون تلك النوعية هي التي تُقدم في شكل أغاني ويتم تناقلها بكثرة بسبب سهولتها على اللسان وعدم الحاجة إلى القواميس لفهمها، فبكل تأكيد لن يقف شخص ما مشهور ليُغني كلمات غير مفهومة أمام جمهوره، وهو ما يأخذنا إلى مبدأ الأفضلية بهذا الصدد، فليس كل شعر مكتوب على نسق غنائي يصلح أن يُغنى بالفعل في أغنية، وإنما تكون هناك بعض الضوابط له بالإضافة إلى بعض الفروق التي تفصله عن الشعر العامي أو الفصيح أو أي نوع آخر من الأنواع المتعارف عليها، وإن كان ثمة سؤال يدور في أذهان القراء بخصوص هذه النوعية من الشعر فبكل تأكيد سوف يكون السؤال متعلق بكيفية كتابته وفوارقه التي تفصله عن الأنواع الأخرى، فهي بنا سويًا نُجيب على هذه الأسئلة.

الشعر الغنائي

الشعر الغنائي الشعر الغنائي

إذا سمع البعض مصطلح الشعر الغنائي فربما يُصاب بشيء من الحيرة وتختلط عليه الأمور، فهل نحن نتحدث عن الأغنية أم الشعر والقصيدة؟ والحقيقة أن فكرة الحيرة هنا منطقية للغاية وخصوصًا لمن هم ليسوا منخرطين في المجالين، على العموم، الشعر الغنائي هو نوع هام جدًا من الشعر، وهو الذي يُستخدم في مُحيط مُحدد للغاية، بمعنى أن أكثر من خمسين بالمئة من قصائد الشعر الغنائي تُكتب لتُحول إلى أغنيات، وبما أن فئة قليلة جدًا من الشعراء هم من يكون بمقدورهم تحويل أشعارهم الغنائية إلى أغنيات فعلًا فبالتالي ثمة فئة قليلة تعمل في هذا المجال أو تقوم بكتابته، كما أنه ثمة فئة قليلة تسمعه من المحبين، فالوضع الطبيعي لهذا النوع من الفن أن يخرج في صورته النهائية، وهي صورة الأغنية.

ظهر الشعر الغنائي منذ وقت طويل، فكل أغنية تم غنائها هي في النهاية مجرد أغنية من الأغنيات، لكن ربما تكون أشهر النماذج في هذه النوعية من الشعر، وخصوصًا في الوطن العربي، قد ظهرت مع بداية القرن العشرين، ففي هذا القرن كان ثمة الكثير من المغنيين الذين يعتمدون في المقام الأول على شعر وقصائد لكبار الشعر في هذا التوقيت، ومن أشهر النماذج المُدللة على ذلك مغنيين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي وغيرهم الكثيرين ممن صالوا وجالوا بالقصائد الشعرية التابعة لنوعية الشعر الغنائي .

الشعر الغنائي الحديث

بشكل عام فإن الشعر الغنائي بالشكل الذي يتواجد عليه الآن يُصنف غالبًا بأنه شعر غنائي حديث، فهو الذي يمتاز أكثر بسرعة الإيقاع وسلاسة الكلمات وسهولتها إلى الحد الذي يجعل البعض يعتقد بأنه من الممكن كتابة هذه النوعية من الشعر من قِبل أي شخص، ببساطة، يجعل الأمور سهلة على المستمع وكذلك المؤلف الحقيقي الموهوب، أما الشعر القديم فقد كانت الكلمات المُستخدمة فيه أقوى وأفصح بعض الشيء، كذلك كان هناك التزام أكبر بالأوزان والبيوت الشعرية، وهو ما لم يعد موجودًا في الوقت الحالي، أيضًا هناك تقليد أصبح منتشرًا في الشعر الحديث وهو كونه قد أصبح يخرج أولًا في صورة قصائد شعرية عادية تُصنف على أنها منتمية للشعر العامي، ثم بعد ذلك تُغنى وتُصبح تابعة للشعر الغنائي، بمعنى أدق، أصبح هناك نوع من أنواع التداخل بين النوعين الشعريين، لكنه يبقى تداخل محمود طبعًا.

الشعر الغنائي المصري

فيما يتعلق بالشعر المصري الغنائي على وجه التحديد فهو طبعًا أصبح أشهر من النار على علم، إذ أنه يُعتبر الأفضل بين كل أنواع الشعر العربي، وهذا الأمر في الواقع يُصبح واضحًا من خلال النظر في زاويتين غاية الأهمية، الزاوية الأولى هي زاوية الشهرة والانتشار اللذين تحظى بهما الأغنية المصرية تحديدًا، أيضًا كون الأغاني الخليجية والعربية الغير مصرية بات يكتبها كذلك كُتاب من مصر، وهو ما يعكس الدور الريادي الذي تقوم به بهذا الصدد، أما كتاب الشعر الغنائي في مصر فحدث طبعًا ولا حرج، حيث أنه في السابق كان ثمة قامات مثل عبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد النجم، ثم في الوقت الحالي أصبح هناك متميزون ومبدعون مثل أيمن بهجت قمر، فهم رواد كتابة الشعر الغنائي في مصر والوطن العربي بأكمله.

كيف تكتب الشعر الغنائي؟

الآن نأتي للنقطة الأهم في مقالنا والمتعلقة بكيفية كتابة هذا اللون المميز من الشعر، فدعونا نتفق أنه ليس من السهل أبدًا كتابة هذا اللون، حتى الشعراء الذين يكون من الطبيعي كتابتهم لألوان أخرى من الشعر يجدون صعوبة في هذا اللون تحديدًا، على العموم، أولى خطوات وطرق الكتابة للشعر ذو النوعية الغنائية أن يتم فهم ماهيته جيدًا.

فهم ماهية الشعر الغنائي جيدًا

عزيزي الشاعر الشاب الموهوب، هل أنت فعلًا راغب في كتابة الشعر الغنائي واحتراف هذا المجال؟ جميل جدًا، لكن هل تعرف أساسًا ما هو هذا الفن وما الذي يقوم عليه وما هي ماهيته؟ هل تُدرك أنه علم يجب تعلمه قبل البدء في كتابته؟ إذا كنت فعلًا تُدرك ذلك فأنت الآن مُخول بكتابته، أما في حالة إلمامك بتفاصيل إجابات هذه الأسئلة فأنت بالطبع لا تزال في حاجة إلى المزيد من الدراسة والفهم، فالأمر ليس سهلًا ولن يكون بتلك السهولة التي تتخيلها، نحن لا نتحدث عن أبيات متوحدة القوافي، نحن نتحدث عن نسج حقيقي لا يُمكن لأي هاوي نسجه بالصورة الصحيحة، احترم الشعر الغنائي أولًا بالتعرف على ماهيته وأشكاله ودروبه ثم بعد ذلك اشرع في كتابته.

الاستماع إلى قصائد الشعر الغنائي بكثرة

الشعر الغنائي الاستماع إلى قصائد الشعر الغنائي بكثرة

عندما تُريد أن تكتب رواية، وتعتقد يقينًا أنك تملك الموهبة اللازمة كي تفعل ذلك، ما الذي ستلجأ إليه يا تُرى من أجل زيادة تلك الموهبة وإجادة الكتابة؟ بالضبط كما قلت الآن، قراءة الكثير من الروايات، وهذا بالضبط ما نريدك أن تفعله فيما يتعلق بعملية كتابة الشعر الغنائي وإجادة هذا الفن المميز، إذ أنك أيضًا مُطالب بالاستماع إلى الكثير من القصائد المميزة التي كُتبت في مجال الشعر الغنائي، ليس هذا فقط، بل قراءة النصوص الأصلية لها، بمعنى أن تستخدم الصوت والصورة بكثرة حتى ينتج في نهاية المطاف شكل من أشكال الإجادة التامة، فليس من المعقول أن تقرأ وتسمع مئات الأبيات من الشعر الغنائي ثم تنتظر أداءً سيئًا منك، فعلى الأقل ستعرف أن ما تكتبه ليس جيدًا ولا يصلح للغناء.

ملازمة شعر الأبنودي وأحمد فؤاد نجم

مثلما ترغب في كتابة الرواية فتقرأ لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس فمن نفس المنطلق إذا رغبت في كتابة الشعر الغنائي فعليك أن تقرأ لأنجح كتاب هذا الفن في الوقت الحالي، أو الذين تركوا علامات وبصمات واضحة به، ومثال أولئك الشعر الخال عبد الرحمن الأبنودي والنجم أحمد فؤاد النجم، فهؤلاء كانوا ولا يزالون علامات هذا الفن، ليس في مصر فقط، وإنما في كل الوطن العربي، أيضًا أغلب قصائدهم الغنائية التي كتبوها أصبحت الآن تتر لمسلسلات في غاية الأهمية، ولكيلا ننسى أحد ففي الوقت الحالي يلمع نجم أيمن بهجت قمر الذي يكتب الأغاني الخاصة بأهم نجوم الغناء بالوقت الحالي.

التمسك بالسلاسة والقافية

من أهم مميزات الشعر الغنائي كونه يُكتب بشكل سلس ويُسمع بشكل سلس ويخرج بصورة سلسة تجعل الجميع يشعر بالسهولة في كل شيء يتعلق به، ولابد طبعًا أن ينطبق هذا الأمر على عملية الكتابة وبنسبة سلاسة أكبر بحيث يخرج البيت منك عزيزي الشاعر الشاب وكأنه شكل من أشكال الموسيقى وليس مجرد شعر، أيضًا من الأمور التي يجب التنبيه عليها أن يكون الشعر المكتوب ملتزم بالقافية والوزن المضبوط، فبخلاف ذلك سوف تخرج الأبيات بشكل نشاز لا يُطرب الآذان، وهو أمر لا ترغب فيه طبعًا ككاتب ولا يرغب فيه أحمد كمستمع بالتأكيد.

الاستماع إلى تتر المسلسلات العربية القديمة

من طرق مذاكرة الشعر الغنائي المميزة، وحتى يُمكنك فعلًا إجادة الكتابة في هذا الفن، أن تقوم بالاستماع مجددًا إلى تتر كل مسلسل قديم شاهدته بيوم من الأيام، وخصوصًا إذا كان ذلك المسلسل مصري، فالمسلسلات المصرية، وخصوصًا التي صدرت في فترة التسعينات، امتازت بتواجد جزء كبير من التوفيق في اختيار التتر الخاص بها، والنماذج على ذلك ليس هناك أكثر منها، لكن مسلسلات مثلًا سوق العصر والمال والبنون وذئاب الجبل تُعتبر أفضل النماذج التي شهدتها الدراما المصرية من هذا الاتجاه، أيضًا مسلسلات السنوات العشر الأولى من الألفية الحديثة كانت تتمتع بمستوى جيد نسبيًا من حيث كلمات أغاني التتر، وبمناسبة القِدم، وبما أننا في الأساس نتعلم هذه الطريقة من أجل كتابة الشعر الغنائي ، دعونا لا ننسى الأغاني القديمة لنجوم الزمن الجميل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبد الوهاب ومن هم على شاكلتهم، فهؤلاء أيضًا استعانوا بأكبر وأهم شعراء الأغاني لكتابة أغانيهم، وبالتأكيد الرجوع لها أمر مفيد لإتقان تلك العملية.

بث الأحاسيس والمشاعر خلال الكتابة

الشعر الغنائي بث الأحاسيس والمشاعر خلال الكتابة

أكثر ما يؤثر في عملية الكتابة وعملية القراءة في نفس الوقت أن تكون المشاعر والأحاسيس حاضرة، فالكتابة التي تخرج من القلب تأخذ طريقها ناحية القلب مباشرةً، وهو المقصود بعملية الكتابة بلا شك، فأن تقتحم قلوب المُستمعين لك أمر ليس سهلًا بالمرة، على العموم، عندما ترغب في كتابة الشعر الغنائي لا تُحاول أبدًا التصنع والتكلف من أجل إرضاء السوق للدرجة التي تجعلك تضع هذا نصب عينيك وكأنه هدف أسمى لك، بل استخدم قلمك وموهبتك من أجل إفراز إبداع يُدغدغ مشاعر الناس بكل ثقة، وإياك أبدًا أن تستخف بهذا الكلام، فالناس هكذا، يُحبون من يتحدث عنهم ولهم ويؤمنون به إلى درجة الاتباع التام، ثم إن عملية الاعتماد على المشاعر والأحاسيس خلال الكتابة سوف تُفرز في نهاية المطاف كتابة سلسة، وهذا ما نُريده من البداية في الأساس أليس كذلك؟ إذًا دعنا نجرب ونرى.

ختامًا عزيزي القارئ، لا يزال الشعر الغنائي يُعتبر شكل من أشكال موسيقى الأذن، فعلى الرغم من أن القصائد والأشعار بشكل عام يكون له وقع خاص على الأذن لكن الشعر الغنائي على وجه التحديد له مكانة خاصة، وبالتأكيد هو يستحق هذه المكانة ولا يزال بانتظاره مشوار طويل وانتشار أكبر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

تسعة عشر + 7 =