تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » حالة الوحدة : كيف تستمع بكونك وحيدًا وتتجنب أضرار الوحدة؟

حالة الوحدة : كيف تستمع بكونك وحيدًا وتتجنب أضرار الوحدة؟

الوحدة بلا ريب شئ غير محبب، لكن حالة الوحدة قد تكون مفيدة في بعض الأحيان، في السطور المقبلة نتعلم أفضل أساليب الاستفادة من الوحدة والهروب من أضرارها.

حالة الوحدة

حالة الوحدة من الحالات التي يمر بها الكثير من الأشخاص في حياتهم لأسباب متعددة، وعادةً ما ينظر المرء إلى هذه الحالة بنظرة سلبية نتيجةً لارتباطها بمفاهيم العُزلَة والنبوذ والانطوائية وغيرها من الانطباعات غير المحببة إلى الإنسان الذي يُوصَف دومًا بأنه كائن اجتماعي بالفطرة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن حالة الوحدة من الممكن أن تكون فرصة إيجابية جَرَّاء المميزات التي تجلبها لصاحبها إذا أحسن استغلالها. إن الخلوة والانفراد بالذات تخلق الكثير من الفرص الجيدة القابلة للاستثمار إذا تم إدراكها جيدًا وتغيَّرَت النظرة العامة تجاهها. ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي أن نعي كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من تلك الحالة من أجل تحويلها إلى حالة من النجاح الذي يضيف قيمة إلى حياتنا، ومن ثَمَّ نتناول في السطور التالية أهم مميزات الوحدة ووسائل الاستمتاع بها.

دليل الاستفادة من حالة الوحدة وتجنب أضرارها

حالة الوحدة فرصة لتجديد الطاقة

غالبًا ما يعاني الإنسان العصري من روتين الحياة اليومية الذي يستهلكه ويستنزفه معظم ساعات اليوم، فبمجرد أن يستيقظ الشخص في الصباح حتى يدخل في شبكات معقدة من العلاقات الاجتماعات ما بين أسرية وعملية من أجل تحقيق أهدافه بجميع مستوياتها، وعادةً ما يؤدي ذلك إلى استنزاف كل الطاقة الحيوية لديه، فضلاً عن شعوره بأنه قد صار ترسًا في آلة ما يؤدي إلى إحساسه بحالة من الخواء.

ومن أجل التغلب على هذه الحالة المحبطة ينصح الخبراء بأخذ قسط من الراحة والعزلة التامة عن جميع الأنشطة اليومية العادية والانقطاع المؤقت عن التواصل مع الآخرين بهدف الاستمتاع بالخلوة والانفراد بالذات والتي من شأنها تعزيز الطاقة وتجديدها واستعادة اللياقة النفسية والذهنية وإعادة الشحن الحيوي من جديد والاستعداد إلى العودة إلى الحياة مجددًا بنظرة مختلفة وروح مغايرة.

زيادة القدرة على التركيز

تساعد حالة الوحدة على زيادة التركيز والقدرة على الاستيعاب الجيد، وذلك لأنها تُبعد الشخص عن معظم المشتتات التي قد تضعف من تركيزه. وبالتالي تصبح حالة الوحدة فرصة جيدة لإنجاز الكثير من المهام والمشاريع المؤجلة. وهكذا يمكن استثمارها من أجل تحقيق نقلة نوعية في حياتنا في جميع المجالات من خلال دمج طَقْس العزلة في البرنامج الروتيني من حياتنا، وعادةً ما يُفَضَّل قضاء عطلة نهاية الأسبوع في هذه الحالة من أجل تنفيذ كل مؤجلات الأسبوع التي لم نستطع إنجازها.

التأمل والاسترخاء الذهني

إن العقل يعاني من ضغط العمل المستمر، وبالتالي من الطبيعي أن يحتاج الشخص إلى اقتطاع فترة زمنية من وقته من أجل الراحة والدخول في حالة من التأمل والاسترخاء الذهني. ولا شك أن حالة الوحدة تساعد على ذلك لا سيما إذا أُضيفَت بعض المؤثرات الحسية التي تساعد على الاسترخاء مثل الموسيقى الهادئة والإضاءة الخافتة أو الاستلقاء أمام المشاهد الطبيعية التي تزخر بها الكثير من الأماكن السياحية الشهيرة. ومن المؤكد أن التأمل يساعد على تحسين الحالة الصحية والوقاية من معظم الأمراض التي يُصَاب بها الإنسان نتيجةً لسوء الحالة والنفسية والتوتر والقلق مثل أمراض القلب وضغط الدم. لذلك يمكن استغلال العزلة في الاستشفاء الذاتي والتقاط الأنفاس بعد فترة طويلة من العمل الشاق.

ممارسة الهوايات المفضلة

قد يعاني البعض من حالة الوحدة نتيجةً لظروف جبرية، وقد تسوقه هذه الحالة إلى الاكتئاب والحزن نتيجةً لتلك العزلة غير المتوقعة، بيد أنه يجب أن يدرك آنذاك أنها منحة وليست محنة؛ لأنها فرصة مثالية لممارسة الهوايات المفضلة التي نُسيَت في غمرة الانغماس في روتين الحياة اليومية، وبالطبع هناك قائمة طويلة من الهوايات والأنشطة المفيدة التي يمكن ممارستها خلال حالة الوحدة والتي نسرد منها بعض الأمثلة في النقاط التالية:

  • القراءة: تُعَد القراءة من أهم العادات التي ينبغي ممارستها بانتظام نظرًا لفائدتها في إثراء العقل والروح بالثقافة والتنوير، إلا أنها عادةً ما تُهمَل نتيجةً للانشغال بملهيات الحياة، وبالطبع لا يوجد أفضل من المطالعة حيث أنها تبدد الشعور بالوحدة وتجعلنا نرى الكثير من الأماكن ونناقش العديد من الأفكار ونحن جالسين في غرفنا الدافئة دون أن نبرحها.
  • مشاهدة التلفاز: لا شك أن التلفاز يحتل مكانة مميزة في حياتنا حيث أنه البلورة السحرية التي نشاهد من خلالها كل ما يُمتعنا، ومن ثَمَّ هو الوسيلة التي سرعان ما تتبادر إلى الذهن بمجرد الشعور بالوحدة، ويتميز التلفاز بتنوع المواد المرئية التي يوفرها حيث يمكن مشاهدة الأفلام الروائية الممتعة أو الأفلام الوثائقية المفيدة أو البرامج النقاشية التحليلية التي تقدم محتوىً جيدًا وموجزًا للأحداث الراهنة في حياتنا على جميع المستويات.
  • ممارسة الرياضة: للأسف غالبًا ما نهمل أجسادنا نتيجة للانشغال بأمور حياتنا، لذلك تُعَد الرياضة من أفضل الأنشطة التي يمكن ممارستها في حالة الوحدة من أجل قضاء وقت الفراغ في فعل مفيد يعود بالنفع على الجسم والروح، ويمكن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق من خلال الركض حول الحدائق العامة أو القيام بالتمارين الخفيفة بهدف تليين وتقوية المفاصل والعضلات الرئيسية، ومن ناحية أخرى تعمل الرياضة على تجنُّب العادات السيئة التي تضر بالصحة مثل التدخين أو الإفراط في الطعام الذي يصير مغريًا خاصة في الأوقات التي نقضيها وحدنا.
  • تربية الحيوانات الأليفة: قد يعيش البعض حالة الوحدة نتيجة لتغيُّر الظروف الاجتماعية مثل التقاعد المهني الذي يعقب حياة مهنية حافلة أو رحيل شريك العمر وسفر الأبناء بعيدًا. ومن أجل التغلب على هذا الوضع الجديد يمكن اللجوء إلى تربية الحيوانات الأليفة مثل الكلاب والقطط حيث أنها قادرة على تعويض جزء من هذا الشعور بالفقد وبعث الإحساس بالتأنس والمشاركة وإزالة الشعور بالاغتراب. وقد يقترن هذا النشاط أيضًا بزراعة النباتات في أصص الشرفة ورعايتها حتى تنمو حيث يولد ذلك شعورًا نبيلاً ومريحًا.

تقييم ما مضى

إن حالة الوحدة طوق نجاة من الغرق في دوامات الحياة، إنها استراحة المحارب بعد معارك طويلة ومرهقة. إن الإنسان لا بد له من الاحتماء بالوحدة من حين إلى آخر حتى يتسنى له مشاهدة وتأمل آخر الأحداث التي خاضها في حياته والعلاقات التي شاركها وذلك من أجل تقييمها والوقوف على وضعه منها بشكل عاقل ومحايد وبعيدًا عن أي مؤثرات قد تغير نظرته الموضوعية للأمور. إن الخلوة مناخ مثالي لالتقاط الأنفاس وتقليب صفحات الماضي ومطالعة بانوراما العمر من الأعلى لرؤية الأشياء في حجمها الطبيعي دون مبالغات وبغير تهوين أو تهويل. إن هذا التقييم يساعدنا على التحوُّل النوعي والنضج المبكر واجتياز مرحلة جديدة من حياتنا والبدء في فصل آخر ندخله وفي جعبتنا رصيد رائع من الخبرات والمواعظ المستفادة من تجارب الماضي. لذلك ينبغي لكل إنسان الحرص على الاعتكاف وحده كل فترة من أجل حذف كل ما هو زائد في حياته من أجل تهذيب أفكارنا ومشاعرنا والاستحالة إلى حالة أكثر وعيًا وبصيرة.

وهكذا يتضح لنا أن حالة الوحدة ليست أمرًا معيبًا وليست دليلاً على الابتعاد والعجز عن التواصل الاجتماعي، بل هي منحة من الظروف من أجل تحسين ظروفنا الاجتماعية وحالتنا الاجتماعية، إنها فترة قابلة للاستثمار من أجل ممارسة الكثير من الأنشطة التي تحرمنا الحياة منها، لذلك ينبغي لنا الاستمتاع بها كلما سنحت الفرصة للانفراد بأنفسنا.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

واحد × 1 =