تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » كيف كان الشعر العربي في صدر الإسلام وسيلة لنشر الدين الإسلامي؟

كيف كان الشعر العربي في صدر الإسلام وسيلة لنشر الدين الإسلامي؟

في عصر صدر الإسلام، كانت الدعوة الإسلامية تعلو أنحاء شبه الجزيرة العربية، لكن لم تقف عند هذا الحد، فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستقبل الوفود من كل مكان لتعلن إسلامها، ومن هنا تأتي وظيفة الشعر العربي ، كأداة مهمة في نشر الإسلام.

الشعر العربي

الشعر العربي بصفة عامة، ذو أهمية كبيرة، ويبدأ تاريخه منذ العصر الجاهلي، فكان العرب منذ الأزل يستخدمونه لأغراض متعددة، كما كان المصدر الوحيد والأساسي، من حيث التعبير عما يشعرون به، لأن الجاهليين أميّون، فلا وجود لملامح الكتابة، فنستطيع القول، أنّ الشعر العربي كان الملاذ الذي يرجع إليه العرب في كل وقت وكل أذان، وكان الأداة المستخدمَة في التعبير عن المواقف الحياتية، والتي تعرضوا لها على مر حياتهم، كما كان الوصف سائدًا في ذلك الوقت، فكان لابد لهم من إخراج ما يرونه، ولكن ليس بطريقة كلامية عادية، وإنما عن طريق شيء أو أسلوب مختلف، ولم يجدوا سوى الشعر كأداة يومية ومهمة. والشعر يُعبَّر عنه بديوان العرب، حيث يعد مصدر الثروة اللغوية، إذ يرجع إليه علماء اللغة في الاستشهاد به، كما أن القرآن الكريم نزل لتحدي العرب، والذين هم أفصح الأمم، مما يدل على قيمة الشعر الكبيرة، وقيمة اللسان العربي الناطق به، كما أنّ الشعر العربي القديم استوعب الكثير والكثير من الألفاظ.

الشعر العربي القديم

الشعر العربي الشعر العربي القديم

أولًا، نوضّح مفهوم الشعر العربي، فالشعر: الكلام الموزون المُقفّى، ويحمل معنى معين، وبذلك يتوفّر فيه أربعة شروط: الوزن، والقافية، والمعنى، والقصد منه. والسؤال هنا: ما الغرض من الشعر العربي ؟ تتنوع أغراض الشعر العربي القديم، فكان الجاهليون يكتبون الشعر تارة للهجاء، بمعنى أن القبائل استعانت بالشعر في الهجاء، فكانت القبيلة المعادية لأخرى تستخدمه، للتوبيخ والذم، وتارة للغزل، فكان الشاعر منهم يتغزّل بمحبوبته، كما يتناول في غزلها وصفها بجمالها أو مدى حبه لها، كما استخدموه في الحماسة، بمعنى التباهي بالقوة والشجاعة في القتال، والفروسية، فكان الفخر والحماسة من أشهر فنون الشعر في ذلك الوقت، بالإضافة إلى استخدام الشعر في مناسبات كالرثاء، فكانوا يعبرون عما يجول بخاطرهم، والتعبير عن شدة الجزع والألم، وهناك غرض الوصف، والذي كان فنًا أساسيًا للتعبير، من وصف الطبيعة، ووصف الناقة، والخيل في الحرب، وتصوير الطبيعة..، كل مما سبق كان من فنون الشعر القديم، وغرض أي قصيدة من القصائد الجاهلية، فمثلًا عند قراءة الشعر الجاهلي، تجد عنوان القصيدة، ومن ثمّ الغرض منها كشيء أساسي.

منهج القصيدة العربية القديمة

قبل التعرُّف على الشعر في صدر الإسلام، نبيّن نهج القصيدة القديم، والذي ظل متبعًا منذ ذلك الوقت، إلى باقي العصور التي جاءت بعد ذلك، فاعتمدت أي قصيدة على وجود ما يلي: بدء القصيدة ببكاء الأطلال، وهو الوقوف عند بيت أو أثر الحبيبة، والبكاء على أثرها، ثم الوصف، بوصف الخمر أو الناقة، ثم الدخول إلى الغرض الأساسي للقصيدة، سواء كان هجاء أو رثاء، أو وصف، أو فخر وحماسة، أو الغزل. وكانت هناك خصائص تميزت بها القصيدة القديمة: فهناك خصائص معنوية، وتمثّلت في: التصوير والتمثيل للواقع كما هو، بمعنى أن الشاعر الجاهلي كان بسيطًا، لا يرى إلا الطبيعة والصحراء، فبذلك تميزت المعاني في تصوير جمال الطبيعة، وهناك الألفاظ، حيث ظهرت بالجزالة، والفخامة، وترى فيها أحيانًا ألفاظًا قوية وغريبة، كما امتلأت بالصور البلاغية، كاستخدام المجاز، والاستعارة، والكنايات، والمحسنات البديعية، واستعانوا ببعض الأساليب، كما تواجد في شعرهم الحكم والأمثال. ونشير إلى غرض الغزل، أنه كان نوعان، نوع عفيف، وآخر فاحش، والذي يصف جسم المرأة، ولا يكتفي بوصف حبه لها.

الشعر في عصر صدر الإسلام

اتّبع شعراء الإسلام نهج القصيدة القديم، ببدء القصيدة ببكاء الأطلال، ثم الوصف..، والدخول إلى الغرض الأساسي لها، لكن هناك بعض الأغراض قد هجرها العرب بعد ذلك، لأنها تتنافى مع تعاليم الإسلام، كالغزل الفاحش، ووصف الخمر، ووصف مجالس اللهو والمجون ولعب القمار، وظهرت أغراض جديدة تتفق مع الدين الإسلامي، كأغراض: الدعوة إلى دين الإسلام، -ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم-، والتنديد بالشرك والمشركين، وأيضًا حث الناس على جميل الأخلاق، والصفات الحسنة، وبالتالي تميّز الشعر العربي في صدر الإسلام بالسمات التالية: كانت الأفكار تدعو إلى الدين، والتمثّل بالأخلاق النبيلة، كما أثّر القرآن الكريم في الألفاظ والعبارات، فكانت رقيقة، كما كان فيها بعض العبارات الجديدة، كما استخدموا التصوير البليغ والخيال، وابتعدوا عن سجع الكُهان، لكن مع ذلك، احتفظت القصيدة العربية بشكلها القديم، مع اختلاف في بعض المضمون، وذلك لأن ما قبل ذلك كان لأناس جاهليين، أمّا في صدر الإسلام، كان الشعراء أكثر توسعًا وقابلية للتجديد، ووجوب مناسبة الشعر للعصر الذي فيه، ومع الدين الجديد الذي دخل القلوب.

نشر الإسلام بواسطة الشعر العربي

يجب علينا توضيح مسألة مهمة، وهي موقف الإسلام من الشعر، فهل تنافي الآية (224) في سورة الشعراء وجود الشعر في ذلك الوقت؟؛ لا تنافي الآية، لأن الشعراء على قسمين: قسم أضل الهدى ويعادي الدين الجديد، وينشر الفتنة في كل وادٍ، وقسم يتخذ من الشعر وسيلة لنشر الدين الإسلامي، فالنوع الأول هو “المُحارَب”، والنوع الثاني هو الذي نتحدّث عنه، ودليل وجود شعراء من القسم الثاني، شعراء الإسلام ورسول الله، وهم من يساعدون النبي في نشر الإسلام، ويردّون على مثل الضالين الآخرين، الذين استغلوا الشعر في السب واللعن، والفتنة بين المسلمين، فكان الشعر سلاحًا من أسلحة الدعوة، وممن تشرّفوا بحمل هذا السلاح: “حسّان بن ثابت” شاعر رسول الله، و”كعب بن زهير”، و”الخنساء بنت عمرو”، فاختاروا من الأساليب السلسة، وابتعدوا عن الجفاء والغلاظة، فشعر حسّان بن ثابت في الإسلام، خير من شعره في الجاهلية، كما تميّز الشعر بميزة مهمة، في عدم كونه غرضًا للتكسُّب وبُغية المال، وإنما كان خالصًا لله، وفي سبيل الدعوة الإسلامية، ومدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون أي مقابل.

الشعر العربي في العصر الأموي والعباسي

الشعر العربي الشعر العربي في العصر الأموي والعباسي

هل استمر الشعر كوسيلة في نشر الدين الإسلامي؟؛ ظهرت بوادر قوة للشعر، كما ظهرت بعد ذلك بوادر ضعف، وكما تغيّر المغزى الأصلي من الشعر من كونه بلا مقابل، إلى كونه مُتكسّب، فاستمر الشعر بكونه يدعو إلى القيم والفضائل، وإلى الفخر والحماسة لكن للحروب والفتوحات، وإلى الحرص على نيل الشهادة، والافتخار بتأييد الملائكة، بالإضافة إلى الأغراض التي لم يعترض عليها الإسلام، وأقرها الرسول بعد ذلك من شِيَم العرب، كإكرام الضيف، والشهامة والنُبل. فاتسمت قصائد الشعر الأموي، بغرض المدح، كما انقسم الناس إلى طوائف، وظهرت الحياة السياسية فأثّر كل ذلك على أسلوب الشعر، فكان الشعراء يستخدمون الشعر لتأييد الحزب الذي ينتمون إليه، كما جاءت ألفاظهم متحضرّة أكثر، بعيدة عن الحوشية والغرابة، واشتهر الجرير والفرزدق بغرض الهجاء، فنجد أن الشعر في ذلك الوقت ابتعد قليلًا عن هدف الدعوة، ثم جاء العصر العباسي، فازدهر الشعر عمّا كان عليه، لكن مع الأسف كان اللهو والمجون والغزل الفاحش، أغراض منتشرة، ولها شعراء أمثال: أبو نواس، وبشّار بن برد.

وهكذا نرى، أنّ الدعوة الإسلامية نالت حقها من الدفاع عنها في عصر صدر الإسلام، ومن قبل شعراء رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وما بعد ذلك نجد ما فيه من سمات إسلامية، لكن مع اختلاف الأغراض تمامًا، وذلك بسبب، كثرة الفتوحات، والاتصال الثقافي بالعجم، والحياة السياسية وتطوراتها، كما ازدهرت فنون أخرى بجانب الشعر العربي ، كفني الخطابة والكتابة.

الكاتب: آلاء لؤي

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

ثلاثة × واحد =