تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » كيف فرض الأدب الألماني ثقافته على العالم في مدة قصيرة؟

كيف فرض الأدب الألماني ثقافته على العالم في مدة قصيرة؟

يوهان غوته، توماس مان، هاينريش بول وغيرهم من أشهر كتّاب الأدب الألماني الذين كان لهم أثراً كبيراً في إثراء الأدب العالمي.

الأدب الألماني

يشتهر الأدب الألماني باهتمام كتّابه بأنواع الأدب الرومانسي وبالأخص الروايات والملاحم الشعرية إضافة إلى المسرحيات، كما أنه يتميز بابتعاده عن النمطية فيطلق الأدباء العنان لخيالهم وتصورهم الخاص المستوحى من الطبيعة التي تحيط بهم مما ساهم بارتقاء الثقافة الألمانية وتنوع ثقافتها وفقاً لرؤية كتّابها. لعل من أبرز الأمثلة على ذلك مؤسس الرومانسية “يوهان جوته” وغيره من الكتّاب الذي نالوا عدة جوائز وتكريمات مثل جائزة نوبل للأدب نظير ما يقدمونه من أعمال متميزة أثرت في تطور الأدب العالمي ككل، وهذا إن دل، فيدل على رقي الأدب الألماني ورفعة ثقافته بداية من نشأته وحتى تاريخنا المعاصر.

نشأة الأدب الألماني ومراحل تطوره

كانت القبائل الألمانية تنزح من أوطانها إلى أوروبا الغربية فنقلت ثقافتها الشرقية إلى تلك البلدان حيث انتشرت القصائد الوطنية التي تعبر عن معاناة الغربة من الوطن، إلا أن هذا النوع من الأدب لم يستمر طويلا بعد توقف الهجرة فظهرت الملاحم الشعرية التي لم تُعرف هوية مؤلفيها.

وفي العصر الذهبي الأول استطاعت الملاحم الشعرية من إبراز مكانتها في الأدب العالمي وتنافس الفرسان على كتابة ملاحم الحب والفروسية، ثم انتشر بعد ذلك نوع آخر من الأدب وهو “الحكايا” التي كان يحكيها مؤلفون مجهولو الهوية، كان من أبرزها حكاية “أغنية عائلة النيبلونج”. وفي تلك الفترة انتشرت حكايات الملك آرثر التي انتقلت إلى الأدب الألماني من خلال فرسان المائدة المستديرة، كما تأثر الأدب الألماني أيضا بالأدب الإسلامي بعد الحملات الصليبية، فمن أشهر ملاحم تلك الفترة كانت ملحمة بارسيغال وملحمة هنري الفقير الشعرية.

أما في الفترة الانتقالية التي كانت ما بين العصر الذهبي الأول والثاني، انتقل الأدب الألماني من الأدب الواقعي إلى الأدب الخيالي والرومانسي حيث انتشرت في تلك الفترة ملاحم خيالية كانت تستخدم للتعليم على لسان الحيوانات، واشتهرت هذه الملاحم بأنها ساخرة مما جعلها تنال شهرة واسعة كان أبرزها ملحمة الثعلب راينارد وملحمة نوادر ايولينشبيجل.

في القرن السادس عشر أصبح الأدب الألماني أكثر تطورا وتنوعا، فبرز في تلك الفترة مجموعة من كتاب الحركة الإنسانية فاشتهرت ثقافة الإصلاح الديني والعلوم الإنسانية، وانتشرت كتب الفلسفة والتاريخ الروماني، وكان من أبرز أعمال الإصلاح الديني ترجمة الكاتب الألماني مارتن لوثر للإنجيل إلى اللغة الألمانية إضافة إلى كتب أخرى ورسائل تعبر عن أهمية الإصلاح الديني، ولذلك سمي الأدب الألماني بتلك الفترة بعصر النهضة الروحي.

في الفترة ما بين عامي 1750 و 1830 كان الأدب الألماني في أبهى حلّته، فقد ظهر أساطير الأدب الألماني في ذلك العصر مثل غوته بكتاباته المتميزة، والفيلسوف كانط وبيتهوفن بإبداعاته الموسيقية، ولهذا تُعتبر هذه الفترة بالعصر الذهبي الثاني للأدب الألماني.

جاءت حركة التنوير في الأدب الألماني بعد حركة الإصلاح الديني في القرن الثامن عشر، وظهر في تلك الفترة عميد المسرح شكسبير الذي أبدع بمسرحية ناتان الحكيم حيث كان يدعو من خلالها إلى التسامح، كما ظهر جوتهولد أفرايم ليسنج كأول ناقد أدبي ألماني وكان ينادي بالمزج ما بين التراث اليوناني والألماني

بدأ الأدب السياسي ينتشر بكثرة في بدايات القرن الـ19 وكان من أبرز أدباء الأدب السياسي الألماني الشاعر هايني هاينريتش حيث كان يبدع في شعره السياسي ضد الحكومة الألمانية. وفي تلك الفترة أيضا برز الأدب الواقعي من خلال المسرحيات والقصص والروايات التي حاكي الواقع بعيداً عن الرومانسية الخيالية والعواطف المبالغ بها؛ لعل من أبرز كتاب تلك المرحلة المسرحي والأديب فريدريتش هايل.

عادت الطبيعة والخيال والرومانسية إلى الظهور مجددا بعد أن تخلى أدباء الواقعية عن الكتابة في هذا المنطلق، إلا أنها إحدى منحى آخر غير الذي كانت عليه في بدايات الأدب الألماني، حيث أنها تركزت في معاناة الشعب الألماني من فقرٍ وظلمٍ اجتماعي، وكان من أبرز كتاب تلك المرحلة الفيلسوف الألماني ماركس وداروين وايسن ونيتشه. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى ظهر نوعٌ آخر من الأدب وهو أدب الحركة التعبيرية الذي كان يتفق مع الحركة الطبيعية في نفس الطرح لمعاناة الشعب.

الأدب الألماني المعاصر

بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1945 عاش الأدب الألماني حالة من الركود إلى أن برز بعض أسماء لأدباءٍ جدد مغمورين أمثال هرمان بروخ وروبرت موزيل اللذان سرعان ما أثبتا قدرتهم الإبداعية في رواياتهم مثل رواية الرجل الذي لا خصال له لمويل حيث قام بكتابتها على مدار ثلاثة عشر عاماً، كما نال الأديب غونتر غراس شهرة واسعة في أعقاب الحرب أي بعد انتهاء النازية، بعد نشره رواية “سنوات البؤس” التي تناول خلالها ما تعرضت له ألمانيا من الجرائم النازية.

للمسرح نصيب الأسد في فترة الأدب الألماني المعاصر، فظهر كل من فريدريش دورنمات و ماكس فريش، وقدّما مسرحيات متنوعة تتناول قضايا معاصرة بأسلوب مبالغ به من الكآبة واللامعقولية.

وللشعر دور بار أيضا في تقدم الأدب الألماني المعاصر وتطوره، وكان من أبرز الشعراء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كل من باخمان وسيلان.

لا بد وأن ننوه هنا بأن الأدب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية تأثر بشكل أو بآخر بالأدب العالمي لعل أبرزه الأدب الأمريكي والفرنسي فتنوعت ثقافات الأدب الألماني بشكل ملحوظ وتناول الأدباء أنواعاً جديدة في كتاباتهم مثل الوجودية والواقعية الجديدة وغيرها. كما أقبل القراء من مختلف أنحاء العالم على قراءة أعمال أدباء المنفى أمثال توماس مان وبرتولد بريخت والفريد دوبلين و هاينريش.

وفي منتصف السبعينيات، ظهر على الساحة جليا الأدب النسوي مثل كتابات مارغو شرودر وغابرييله فوهمان وفيرينا شتيفان وغيرهن، حيث كنّ يتناولن موضوعات تخص المرأة والعلاقة بينها وبين الرجل إضافة إلى العلاقات بين الطبقات المختلفة.

شهدت ألمانيا الغربية عدة نجاحات متواصلة في فترة السبعينيات فقد نال حوالي ستة أدباء جائزة نوبل في الأدب. أما في ألمانيا الشرقية فقد اتسم أدبها بطابع خاص حيث وصلت أوج ازدهارها الثقافي لما قدمته الحكومة الألمانية من مساعدات ودعم لإثراء الأدب الألماني، فقدمت العديد من الروايات والكتب بأسعار رخيصة الثمن ليتناولها الجميع.

في فترة الثمانينيات لجأ العديد من الكتاب والمشاهير آنذاك من ألمانيا الشرقية إلى الغربية وغيرها من البلدان بعد أن سمحت لهم الحكومة بالنزوح خارج نطاقها.

بعد اتحاد الألمانيتين في فترة التسعينيات، اتجه أدباء ألمانيا إلى التعبير عما كانوا يتعرضون له من الشيوعية في ألمانيا الشرقية، وتناول معظمهم القضايا المتعلقة بالمشكلات لاتي كانت تواجههم جراء الاشتراكية والشيوعية التي تتسم بها الحكومة. كما انتشر بشكل جلي أدب الأطفال لعل من أشهر كتّابه الأديب مايكل أندى الذي ألف رواية قصة بلا نهاية.

أفضل روايات ألمانية عرفها التاريخ

آلام فرتر

هي أول باكورة أدبية للروائي والشاعر الكبير “يوهان غوته” نشرت لأول مرة في عام 1774، وهي من روايات الأدب الرومانسي، تدور أحداثها حول شاب يُدعى فرتر عاش قصة حب مستحيلة. يُذكر أن الرواية نالت إعجاب الكثير من الشباب آنذاك وتأثر بها معظمهم إلى درجة إقبال البعض إلى الانتحار بسبب الرواية.

طبل الصفيح

نشرت لأول مرة في عام 1959 للروائي الشهير غونتر غراس، تدور أحداثها حول شخص يُدعى “أوسكار ماتزيراث” الذي كان يمتلك موهبة تحطيم الزجاج بالصراخ الشديد وكان يستخدم موهبته كسلاح، وقد حُجز بمستشفى الأمراض العقلية وله العديد من العلاقات الغرامية، إلى أن حصل على هدية وهي طبل صفيح حاول بكل قوته أن يحافظ عليه.

لعبة الذكريات الزجاجية

للروائي هيرمان هيسة، وهي آخر رواية للكاتب، تدور أحداثها حول تصويره للعالم في المستقبل، وقد برز الروائي نظرته حول الفلسفة البوذية. يُذكر أن هيسة حصل على جائزة نوبل للأدب على خلفية تلك الرواية.

آل بودنبورك

الرواية الأولى للكاتب الألماني توماس مان، نشرت لأول مرة في عام 1901، بالرغم من صغر سنه إلى أنه حصل على جائزة نوبل للأدب نظير روايته هذه، تدور أحداث الرواية حول عائلة ألمانية ثرية تدهورت أحوالها المادية، وقد تناول شخصيات الرواية من الواقع مما جعل للرواية طابع خاص واشتهرت جماهيريا بشكل واسع.

العطر قصة قاتل

من أشهر روايات الكاتب الألماني باتريك زوسكيند، نشرت لأول مرة في عام 1985، تروي أحداثها حول قصة حياة جان باتيست جرونوي وهو شخصية غربية تتمتع بحاسة شم قوية يعيش في باريس، يعمل بصناعة العطور، وتتناول القصة حياة الشاب الذي أصبح مهووسا بالعطور وروائحها وكيف أثّر هوسه هذا على حياته وحياة من حوله. يُذكر أن الرواية تحولت إلى فيلم سينمائي في عام 2006 وحققت نسبية مبيعات عالية بعد ترجمتها إلى أكثر من أربعة وسبعين لغة.

خاتمة

مم لا شك فيه، أن الأدب الألماني استطاع أن يكون له مكانة هامة في الأدب العالمي، فما تعرضت له ألمانيا من أحداث تاريخية وسياسية على مر العصور واختلاطها بثقافات متعددة، كل هذه العوامل خلقت مبدعين من مختلف المجالات الأدبية تمكنوا بكتاباتهم وإبداعاتهم من جذب القراء لهم منذ نشأة الأدب الألماني وحتى يومنا هذا، مازال يحظى بمتابعة جماهيرية ومكانة متميزة في الأدب والروايات الألمانية تتصدر قائمة المبيعات.

نادية صالح

كاتبة مقالات ومدونة، عملت في عدة مواقع عربية، الكتابة هوايتي ومتنفسي.