تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » الدوافع النفسية : كيف نفهمها من منظور علمي ؟

الدوافع النفسية : كيف نفهمها من منظور علمي ؟

بحسب تعريف علم النفس لها، الدوافع النفسية هي المحرك الرئيسي بالنسبة إلى سلوكيات أي شخص منا، تقوم الدوافع النفسية بتوجيهنا وتوجيه تصرفاتنا دومًا.

الدوافع النفسية

الدوافع النفسية هي حالة نفسية جسمية توجه سلوك ما إلى اتجاه معين وتواصل توجيهه إلى أن يصل إلى نقطة  معينة. فالطالب الذي يريد أن ينجح يذاكر ويجتهد إلى أن يصل إلى النجاح. والدافع هو ذلك المفهوم الافتراضي الذي حث هذا الطالب على فعل المذاكرة ليصل إلى ذلك الهدف وهو النجاح، فنحن لم نر الدافع ولكننا استنتجناه من سلوك المذاكرة أو من الهدف النهائي والنتيجة وهي النجاح. فالأب يحتاج أن يعرف الدوافع النفسية لابنه في حب الانطواء والانعزال عن باقي أصدقاءه، والطبيب النفسي في حاجة أن يعرف دوافع مريضه إلى سلوك الشك والتردد عند المصاب بالوسواس مثلا، أو دوافع المريض بالاكتئاب إلى الانتحار، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فقط، بل إن كل مسئول على جماعة من الناس في حاجة أن يعرف دوافعهم ليوجههم التوجيه الصحيح، كالوالد في الأسرة والمدرس في المدرسة وغيره.

دليل لفهم الدوافع النفسية بشكل صحيح

أنواع الدوافع النفسية

1- هناك دوافع جسمية كالجوع والعطش وهناك دوافع نفسية كالرغبة في إثبات الذات والنجاح
2- هناك دوافع مؤقتة كالجوع وهناك دوافع دائمة كالدافع لإثبات المكانة الاجتماعية
3- هناك دوافع فطرية وراثية كالجوع وهناك دوافع مكتسبة كالشعور بالواجب وتحمل المسئولية

أسباب صعوبة تصنيف الدوافع النفسية

من الصعب تصنيف الدوافع على أساس السلوك الصادر عنها وذلك لعدة أسباب:

1- أن الدافع الواحد قد يؤدي إلى أنواع مختلفة من السلوك باختلاف طبيعة الأفراد، فدافع إثبات الذات قد يدفع احدهم للزواج ويدفع آخر للاجتهاد في العمل
2- أن الدافع الواحد قد يؤدي لأنواع مختلفة من السلوك لدى الفرد الواحد
3- أن السلوك الواحد قد يصدر عن دوافع مختلفة
4- وأن التعبير عن الدوافع يختلف من حضارة إلى أخرى
5- وأخيرا لأن السلوك الإنساني يندر أن يصدر عن دافع واحد فقط، وغالبا ما يكون سبب السلوك هو تضافر عدد من الدوافع النفسية معاً

تقسيم الدوافع النفسية بحسب مصدرها

أما تقسيم الدوافع النفسية على أساس مصدرها فهي مهمة أبسط وأقل تعقيدا:

1- دوافع فطرية ودوافع مكتسبة
2- دوافع شعورية ودوافع لا شعورية

الدوافع النفسية الفطرية

وهي كل ما ينتقل للإنسان عبر الوراثة ولا يكون مكتسبا من البيئة، أما الدافع المكتسب فهو الذي ينشأ من الممارسة والتدريب والاندماج والتفاعل مع البيئة. فدافع الجوع أو العطش دافع فطري، ولقد ذكرنا سالفاً أن الدافع يتكون من عناصر مركبة، المثير والسلوك والهدف، والدافع الفطري هو ما كان مثيره وهدفه فطرياً. أما السلوك فعلى الإنسان أن يتعلمه من البيئة.

إن الإنسان يولد بدوافع فطرية واستعدادات عامة جدا، مثل الاستعداد للخوف، ويختلف عدد ونوع المثيرات في كل مرحلة عمرية عن المرحلة التالية لها، ففي مرحلة الطفولة تكون المثيرات قليلة جدا مثل الأصوات العالية والألم أما في مرحلة الشباب فتتنوع المثيرات فيصبح الإنسان خائفا من الظلام أحيانا ومن الوحدة ومن القانون أحيانا أخرى، ومع تمام النضج الانفعالي والفكري تتطور السلوكيات التي يصدرها الإنسان تعبيرا عن دافع أو استعداد معين.

والدوافع الفطرية أنواع، فهناك دوافع تهدف إلى المحافظة على بقاء الفرد كالجوع والعطش والنوم، الدوافع النفسية تهدف إلى المحافظة على النوع مثل الدافع الجنسي ودافع الأمومة، ودوافع الطوارئ مثل الهرب والمقاتلة، ودوافع التعرف على البيئة.

الدافع الجنسي

إن الدافع الجنسي يعتبر من أكثر الدوافع النفسية تأثيرا على الإنسان وعلى سلوكياته وصحته النفسية، ولكن بما أن الحياة الحضارية جعلت كل شئ معقدا فأصبحت دراسة هذا الدافع على ما هو عليه أمر في غاية الصعوبة، فاتجه العلماء إلى دراسة الغريزة الجنسية لدى الحيوانات، وقد اتضح أن النشاط الجنسي سببه هو الهرمونات التي تفرزها الغدد الجنسية في الحيوان، وأنه بإزالة هذه الغدد فأن النشاط الجنسي يفتر تماما، ولكن عندما أجريت هذه التجربة على البشر وتم إزالة الغدد الجنسية في مرحلة الكبر لم يتوقف النشاط الجنسي ولم يقل إلا بمقدار طفيف جدا مما يدل على أثر العوامل الاجتماعية والنفسية على هذا النشاط.

ولقد ذكر فرويد بأن الطفل الصغير لديه من النشاط الجنسي ما لا يمكن التغاضي عنه، فالتلذذ بلمس أعضائه الجنسية وانحيازه للجنس الآخر ما هو إلا صور من صور النشاط الجنسي الذي سماه فرويد بالنشاط الجنسي الطفلي.

دافع الأمومة

كما نرى في سلوك الحيوانات، تسرع الأم لإحضار الطعام لصغارها ثم تبدأ في إطعامهم وتحرص على حمايتهم من الأخطار المحيطة، فدافع الأمومة هو دافع فطري غريزي، ولقد لوحظ أنه عند حقن الفئران بهرمون البرولاكتين فإنهن يبدأن بالتصرف بطف مع صغار الفئران الأخرى ويحاولن حمايتهم، ويعتمد وجود هذه الغريزة عند الأم البشرية بهذا الهرمون أيضا غير أن هناك عوامل أخرى نفسية تجعل الأم تعامل أطفالها بحنان وعطف شديدين حتى بعد أن يقل هذا الهرمون بدرجة كبيرة.

دافع الهرب (دافع التماس الأمن)

يولد الإنسان بخوف غريزي من الألم والأشياء التي تؤذيه جسديا ونفسياً، وإذا ما صادف أي من هذه الأشياء فإنه يسارع بتجنبها والهرب منها تفاديا لهذا الألم، ولكن المخاوف الغريزية قليلة جدا ومع الوقت والتفاعل مع البيئة فإنها تتطور وتتنوع تبعا للشخصية والتكوين النفسي والبيولوجي وتأثير الثقافة والمجتمع وأساس هذه المخاوف (أي الاستعداد الغريزي لها) لا يكتسب بالتمرين ولا بالممارسة فهو غريزي فطري، ومع الوقت يكتسب الطفل مخاوف أكثر تعقيدا وتطورا مثل الخوف من بعض الحيوانات الشرسة ومن المعلم القاسي ومن الأطفال المتنمرين ومن الجماعات المنحرفة وغيره. وكما يتطور مثير هذا الدافع فإن السلوك الناتج عنه يتطور أيضا، فنحن لا نسارع بالهرب كلما قابلنا مثيرا لدافع الهرب ولكننا نلتزم بسلوكيات ناضجة مثل الالتجاء إلى القانون والتحفظ والابتعاد عن المخاطرات والمغامرات قدر الإمكان، وبالطبع يختلف تطور هذا السلوك من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر. ومما يعزز الشعور بالأمن أيضا التماس القوة بالانتماء إلى جماعة قوية يتقمص شخصيتها مثل جماعة سياسية أو تطوعية خيرية أو أعضاء نادي أو نقابة أو غيره، تضمهم وتسمع شكواهم وتحل مشكلاتهم وتدافع عن حقوقهم !

دافع القتال (انفعال الغضب)

وهو الاستعداد الفطري للغضب ومحاولة تحطيم كل ما يقيد حركة الإنسان ويعيق سلوكه ويمنعه من التصرف بحرية، والسلوك الفطري لهذا الدافع هو المقاومة والتحطيم المصاحب بانفعال الغضب، حاول أن تمنع طفلا عن الطعام أو أن تأخذ الطعام من كلب جائع وانظر إلى ردود الأفعال، فسترى الطفل يصيح بغضب وسترى الكلب يحاول مهاجمتك.

وكما يتطور سلوك دافع الخوف فإن هذا السلوك يتطور أيضا بتمام النضج النفسي والانفعالي لدى الفرد، فنحن لا نبدأ في القتال بمجرد أن يعوق أحدهم سلوكنا أو يكبتنا ولكننا نقوم بردود أفعال حضارية ناضجة بأسلوب مهذب مثل السخرية بالألفاظ أو التعريض أو الهجوم الهادئ وغيره من الأساليب.

دافع الاستطلاع

والمثير لهذا الدافع هو الأماكن والمواقف والأشياء الجديدة بقدر من الغرابة، فيبدأ الإنسان بالتنقيب عنها والبحث واستكشافها، ويشترك الإنسان والحيوان معا في هذا الدافع الذي يعتبر من أقوى الدوافع النفسية لدى الإنسان، مثل الميل إلى اكتشاف الأماكن فر مرحلة الطفولة وتهشيم الأشياء لمعرفة هويتها وفهمها، والميل إلى سؤال الوالدين أسئلة استفسارية لا تنتهي، ثم يتطور هذا السلوك ليتحول إلى حب القراءة والاطلاع وحب المغامرات والقيام برحلات ومشاهدة أفلام والتعرف على ثقافات مختلفة وغيره.

دافع اللعب

ويبدو هذا الدافع عند الإنسان في مرحلة الطفولة أكثر وضوحا، كما يبدو عند صغار الحيوانات أيضا، وهو نشاط حر يختار الطفل أن يكمله أو أن يتوقف عنه، وهذا هو الفرق بينه وبين العمل الجدي، ويتوقف اللعب من حيث هو سلوك لا من حيث هو دافع، على طبيعة الطفل وجنسه وسنه والبيئة التي نشأ فيها والحضارة التي ينتمي إليها. ويرى جروس أن اللعب عند الأطفال من أهم وسائل تنمية المهارات اللغوية والاجتماعية والفكرية وهي من وسائل اكتمال نضجه النفسي. وترى مدرسة التحليل النفسي أن الألعاب هي مصدر للتخفيف من القلق الذي يعانيه الطفل، أو الانفعالات التي يكبتها ويكون سببها الأساسي هو الخوف. وهو صمام أمان يقي الطفل من اختلال ميزانه النفسي والاجتماعي.

الدوافع النفسية المكتسبة

ذكرنا أن الدوافع النفسية الفطرية أساسها هو استعداد فطري موروث ثم بعد ذلك فإنه يأخذ أشكالا متعددة من الاستعدادات ويتطور سلوك ذلك الدافع حتى يصل إلى مرحلة النضج التام، و الدوافع النفسية المكتسبة ليست من نتاج البيئة فقط وإنما لابد أن يكون لها منشأ فطري يساعد على تنميتها، ثم تتكفل البيئة والمجتمع بالباقي، و الدوافع النفسية المكتسبة ثلاثة أنواع:

1- إما الدوافع النفسية الحضارية عامة وهي التي يتعلمها الجميع من الخبرات اليومية مثل الدافع الاجتماعي
2- الدوافع الاجتماعية الحضارية وهي التي تعتمد على نوع الحضارة والبيئة التي ينشأ بها الإنسان مثل دافع التملك والسيطرة
3- وهناك الدوافع النفسية الاجتماعية الفردية وهي التي يختلف فيها الأفراد مثل الميل إلى القراءة والميل إلى النشاط الرياضي أو الاجتماعي أو غيره.

الدوافع النفسية الاجتماعية العامة

1- الدافع الاجتماعي، وكان العلماء يرون بأنه دافع فطري لأن الإنسان دائما بحاجة أن يجتمع ببني جنسه ويشاركهم نشاطهم ويشعر بالضيق والنفور إذا منع من ذلك، ولكن بما أن الإنسان يولد عاجز فإنه بتعلم أن حاجاته لا تقضى إلا بمساعدة الآخرين ومع الوقت فإنه يحاول بأن يجعل علاقاته ثابتة وقوية مع الآخرين لذا لم يكن هناك حاجة لافتراض أنه دافع فطري، فالإنسان حيوان اجتماعي ليس لأنه ولد هكذا بل لأنه في حاجة أن يصبح هكذا.
2- المحاكاة والاستغاثة، وكان يعتقد أيضا أن المحاكاة دافع فطري ولكن الإنسان يميل أن يقلد غيره بسبب أن هذا الفعل أو ذاك سيكون ذا فائدة له فهو دافع مكتسب من البيئة، أما دافع الاستغاثة فيظهر في حالة فشل دافع القتال فيستغيث الإنسان بالآخرين لإنقاذه.

الدوافع النفسية الاجتماعية الحضارية

1- حب السيطرة،كان يعتقد مكدوجل مؤسس المدرسة النزوعية وأدلر مؤسس علم النفس الاجتماعي أن السيطرة غريزة فطرية تظهر عندما يكون الشخص محاط بمن هم أقل منه فيبدأ في التفاخر والزهو والاستعلاء وحب السيطرة، ولكن وجد أن أحد القبائل البدائية في غينيا لا تحبذ هذا السلوك على الإطلاق ويعتبر سلوكا منبوذا، فأصبح الجميع يتجنبون هذا السلوك ويتمتعون بسمات إنكار الذات والتعاون والمسالمة بينهم، أما في الحضارة الغربية وخاصة الأمريكية فيبدأ الوالدان بتشجيع الطفل منذ صغره على المنافسة والتفوق على الآخرين، فتم استنتاج أنه دافع مكتسب وليس فطري.
2- غريزة العدوان وروح الاعتداء، وكان يعتقد أيضا أن العدوان من الدوافع النفسية الفطرية، وقال فرويد بأن الحاجة للعدوان مثل الحاجة للأكل بالنسبة للإنسان، فالطفل يكره أخاه بالفطرة، وأن الناس في عداء كامن طول الوقت ولا وجود لما يسمى الحب بين الناس، ثم جاءت البحوث التجريبية في علم النفس لتثبت أن العدوان ليس غريزيا، ففي قبيلة أرابش في غينيا يتسم الجميع بالتعاون والمسالمة ولا وجود لروح العدوان بينهم، أما في قبيلة بدائية أخرى فيتسم الجميع بالخشونة والغلظة والعدوان، وعندما يولد الطفل فإن عادات وسلوكيات القبيلة تجعل أول ما يشعر به هو الكبت والغضب مما يولد لديه حب العدوان والاعتداء.
3- دافع التملك والادخار، كان يعتبر مكدوجل هذا الدافع غريزيا ويثيره وجود أشياء وطعام للتخزين والاستفادة منهم في المستقبل، ولكن دلت البحوث أيضا أن بعض القبائل في استراليا ممن يعيشون في الصحراء لا يملكون هذا الدافع مطلقا وكل ما يتم جمعه أو صيده يقسّم على الجميع بالتساوي. أما في الحضارة الغربية فينمو هذا الدافع لأن صورة الإنسان القوي المحترم تبعا لهذا المجتمع، هو الإنسان الذي يستطيع أن يجمع المال وهذا هو معيار النجاح والتفوق.

الدوافع النفسية الاجتماعية الفردية

الاتجاهات والعواطف

الاتجاه النفسي أي Attitude وهو استعداد وجداني مكتسب كالميل لحب شخص دون غيره أو كره شخص دون غيره أو الميل للتعصب لشعب أو جماعة دون غيرها، أو حتى الميل لحب الذات واحترامها أو كرهها وفقدان الثقة بها. فإذا كان هذا الاتجاه مصحوبا بانفعال قوي سمي عاطفة، وإذا كان اتجاها أعمى عنيدا سمي انحياز. وتتكون هذه الاتجاهات من تكرار اتصال الفرد بموضوع الاتجاه في مواقف مختلفة تثير في نفسه دوافع كثيرة وترضيها مثل الشعور بالفخر والسرور أو الشعور بالألم أحيانا أخرى، فعاطفة الولاء للوطن تأتي من تكرار ذكر الوطن في مواقف كثيرة، فالوطن هو الذي يضمن لك العيش الآمن المريح، والحماية من الأعداء، وتتيح لك الفرص للتعبير عن رأيك واثبات ذاتك.

أثر القابلية للاستهواء SuGgestibility

ويقصد بها سرعة تصديق الفرد للأفكار والمعتقدات دون مناقشة وتفكير، فنحن نملك الكثير من الانحيازات والاتجاهات التي تكونت لدينا في مرحلة الطفولة بسبب أن الأسرة التي نشأنا فيها تحمل نفس الاتجاهات، مثل الاتجاهات الدينية والسياسية والاجتماعية، كما تلعب المدرسة والإعلام والصحافة نفس الدور بتلقين هذه الاتجاهات للأفراد.

الاتجاهات والعواطف المعنوية

ويقصد بها القيم المجردة كحب الأمانة والعدل والوطن وكره الغش والخداع والظلم والخيانة، وهذه الاتجاهات لا يكتمل بنائها قبل مرحلة المراهقة، لان الطفل لم يدرك بعد كيف تكون الأمانة وكيف يكون العدل أو كيف يكون الظلم بشعا ومنفرا إلى أقصى حد، لذا فتكون هذه الاتجاهات يستلزم إدراكا عقليا لها قبل أن يكون دافعا وجدانيا. وتؤثر الاتجاهات والعواطف على آرائنا بشكل كبير، مثلا إذا سئلت عن شخص تكرهه فإنك تعدد مساوئه وإذا سئلت عن شخص تحبه فإنك تعدد محاسنه.

وهناك فارق كبير بين المعلومات والاتجاهات فالمعلومات قوى خامدة غير مؤثرة على السلوك بشكل قوي أما الاتجاهات فتتبعها عواطف وهي قوة تؤثر على السلوك تأثيرا مباشر، فنحن مثلا لا نهتم إذا كان شخص ما لديه معلومات كثيرة عن الدين والأخلاق، بل نهتم باتجاهه نحو الدين والأخلاق لأن هذا هو ما يؤثر على تكوينه وسلوكه كشخص. والطريقة الصحيحة لغرس الاتجاهات هي بالممارسة الفعلية لها والترغيب فيها وبيان محاسنها خصوصا للأطفال، والقدوة الحسنة هي خير معلم للاتجاهات الإيجابية.

الميول المكتسبة

الميل المكتسب أو الاهتمام هو اتجاه نفسي أيضا ولكنه أقدر على تحفيزنا من الاتجاه للقيام بعمل ما، مثل الميل إلى مهنة معينة أو شخص معين أو كتاب معين. فنحن لا ندع شيئا نحبه ونهتم به إلا ونقوم بعمله معظم الوقت، ولا تختلف طرق اكتساب الميول كثيرا عن طرق غرس الاتجاهات، ويؤدي الميل إلى عمل معين في الغالب إلى إتقانه كما يؤدي إتقان شئ ما في النهاية إلى الميل إليه وذلك لارتباط الإتقان بشعور الفوز والانتصار والنجاح.

العادات

والعادة هي استعداد مكتسب دائم لأداء عمل من الأعمال قد يكون عملا حركيا أو خلقيا أو عقليا مثل عادة النظافة والقراءة أو ممارسة نوع معين من التمارين الرياضية. أما “حكم العادة” هو الميل إلى تكرار المألوف والإعراض عن الجديد، فمثلا إذا اعتاد الإنسان أن يأكل طعاما محددا فإنه من الصعب أن يغيره فجأة، ويقول العلماء هذا لأن الإنسان ينزع إلى الخوف من المجهول ويحب بذل أقل مجهود ممكن لأداء عمل ما، فنحن إذا لاحظنا ما نفعله كل يوم فسنجد أننا نفعل نفس الأفعال بنفس الأسلوب، طريقة المشي والكلام وأداء الأعمال الروتينية. والعادات إن لم تتمتع بقدر من المرونة كانت عائقا لعملية التكيف الاجتماعي، وهناك عادات من الصعب استئصالها مثل عادة قضم الأظافر أو عادة الاسترسال في أحلام اليقظة، وهناك عادات إذا بذل الفرد جهدا كافيا فإنه يمكن التخلص منها، والعادات المستعصية على التغيير تعني اضطرابا في الشخصية وتحتاج إلى علاج نفسي.

مستوى الطموح

الطموح هو ما يريد المرء أن يبلغه أو هو ما يشعر أنه يستطيع بلوغه في رحلة تحقيق أهدافه، ويشعر الفرد بالنجاح إذا بلغ طموحه أما إن قصر عنها فإنه يشعر بالفشل والإخفاق، ويعتمد مستوى الطموح على فكرة الفرد عن نفسه ومكانته الاجتماعية ورغبته في أن يكسب احترام الجماعة التي ينتمي إليها، وبما أن بعض الناس لا تكون لديهم صورة صحيحة عن أنفسهم فنرى أن مستوى طموحهم أعلى من مستوى قدرتهم على الإنجاز والنجاح.

وفكرة المرء عن نفسه هي الصفات التي يعتقد أنه يتسم بها من صفات خلقية وجسمية وقدرات عقلية وقد تكون فكرة صحيحة أو خاطئة حسب البيئة والأسرة التي نشأ بها الفرد وهي وليدة عوامل اجتماعية تبدأ منذ الصغر مثل طريقة معاملة الكبار له داخل الأسرة ومركز الطفل في الأسرة، هل هو الطفل الأكبر أم الأوسط أم الأصغر هل هو ذكر أم أنثى، واختلاط الفرد بغيره مما يجعله يكتشف في نفسه صفات وقدرات جديدة. وتتكون وتنمو وتنضج هذه الفكرة مع الوقت، وقد تأخذ وقتا طويلا حتى يصل الإنسان إلى الفكرة الدقيقة الصحيحة عن ذاته.

وفائدة معرفة كل فرد الفكرة الصحيحة عن نفسه هي أن يوازن بين مستوى طموحه ومستوى قدراته لأن الإخلال بهذا التوازن وارتفاع مستوى الطموح عن مستوى القدرات الفعلية يؤدي إلى الإحباط والشعور بالفشل والاضطرابات النفسية والجسمية.

الدوافع النفسية اللاشعورية

قد يظن المرء بأنه يعرف لماذا يقوم بهذا السلوك أو ذاك وأنه يفهم ويدرك دوافعه جيدا ولكن الواقع أن الإنسان يجهل أغلب الدوافع النفسية حيث يكون هناك بعض الدوافع النفسية اللاشعورية والتي لا تكون على صلة مباشرة بالسلوك الناتج عن هذا الدافع. ففي التنويم المغناطيسي قد يوحي المعالج إلى النائم بأوامر معينة ينفذها النائم دون أن يشعر لماذا يقوم بهذا، وقد يقنع المعالج النائم بأنه تحت ظروف معينة فيبدأ النائم بالتصرف كما لو أن هذه الظروف حقيقية فعلا. ومثال آخر هو المخاوف الشاذة الغريبة كخوف بعضهم من بعض الحيوانات الغير مؤذية على الإطلاق، مثل الفئران أو القطط، وحسب مدرسة التحليل النفسي فإن هذه السلوكيات أو المخاوف تكون متصلة بحادثة ما في عهد الصغر وهي مخزنة دائما في العقل اللاواعي إلا أن العقل اختار أن ينساها لأنها ليست ذكرى سارة فتغيب عنا وكأنها لم تحدث.

وتظهر هذه الدوافع اللاشعورية فيما نطلق عليه زلات اللسان أو القلم، فمثلا بعث أحدهم إلى صديقه رسالة بعد لقائه له وقال” لقد كان لقاؤنا أنحس مناسبة لعقد الصفقة” فكتب أنحس بدلا من أحسن، من قبل كانت هذه الأخطاء ترجع إلى الغفلة والنسيان ولكن عندما جاء فرويد أرجعها إلى دوافع لا شعورية مكبوتة في العقل اللاواعي. ونستدل أيضا على هذا النوع من الدوافع بمثال إضاعة الأشياء التي نظن أنها ضاعت دون قصد منا وبغير إرادتنا إلا أن هذه الأفعال قد تكون مقصودة –لاشعوريا- لأننا مللنا من هذه الأشياء أو لم يعد في رغبتنا استخدامها بعد الآن. والدافع اللاشعوري بوجه عام هو ذلك الدافع الذي يدفع الفرد إلى نوع معين من السلوك الذي لا يكون واضح الهدف لدى الإنسان، وهي من الدوافع النفسية المكبوتة ولا تصبح شعورية إلا بطريقة

مدرسة التحليل النفسي

والكبت هو عملية استبعاد الدوافع المؤلمة والمخزية وإجبارها على التراجع في منطقة العقل اللاواعي لأن تذكرها قد يسبب للشخص ألما أو شعور بالحرج الشديد أو الخزي أو الإحساس بالذنب، فهي عملية دفاعية يقوم بها العقل لحماية الإنسان من الألم النفسي، وللكبت وظيفة أخرى وهي صد الدوافع الغير لائق إظهارها مثل الدافع الجنسي والعدواني. والفرق بين الكبت والقمع هو أن الكبت عملية لا شعورية أي أن الشخص لا يعرف ولا يفهم ماذا يكبت ولماذا يكبته، أما القمع فهو استبعاد الأفكار والذكريات المؤلمة ولكن بإرادة الشخص ولفترة مؤقتة فقط.
ثانياً: علاقة العقد النفسية بمسألة الدوافع النفسية.

والعقدة هي مجموعة من الأحداث أو الذكريات المكبوتة بشحنة انفعالية قوية مثل الغضب أو الخوف أو الإحساس بالذنب. وقد تنشأ العقدة من صدمة انفعالية قوية أو صدمات متكررة مثل تأنيب الطفل بشكل دائم ومتكرر مما يخلق لديه عقدة الإحساس بالذنب. والعقدة هي استعداد لا شعوري لا يفطن المرء إليه بل يلاحظ نتائجه وأثره في السلوك. والعقدة النفسية مختلفة عن المرض النفسي تماما، فوجود عقدة ما أو عدة عقد في الشخص لا يعني أنه مريض نفسي، إلا أنها قد تكون عاملا في اضطراب نفسي لاحق.

ومن أشهر العقد النفسية عقدة النقص وهو استعداد لاشعوري يختلف عن الشعور بالطبيعي بالنقص الذي نشعر به جميعا في مرحلة ما، وقد يسلك الشخص المصاب بالعقدة سلوكا غريبا لإخفاء عقدة نقصه اللاشعورية مثلا كأن يتصرف بزهو شديد أو يسرف في تقدير ذاته.

ومن العقد النفسية أيضا عقاب الذات، وهي تنشأ من كثرة لوم الطفل على كل ما يفعله، غير أن هناك حاجة لا شعورية بداخلنا تدفعنا أن نشعر بالذنب لما ارتكبناه ونتمنى العقاب لتحقيق الراحة النفسية، وقد يزداد هذا الإحساس مما يدفع الشخص أحيانا إلى الانتحار.

عقدة أوديب

هي شعور الطفل بالكره والحنق من والده بسبب منافسته له في حب أمه، وهي عند مدرسة التحليل النفسي من أكثر العوامل المؤثرة في اضطرابات الشخصية والاضطرابات النفسية لاحقا. وترى مدرسة التحليل النفسي أن هذا الشعور فطري عند جميع الأطفال غير أن التوجيه الصحيح في هذه المرحلة قد يزيل هذه العقدة من نفس الطفل تمام.

علاقة الأحلام بمسألة الدوافع النفسية

اختلف الناس قديما في تفسير الأحلام فمنهم من قال بأنها نتيجة اضطرابات جسمية ومنهم من قال بأنها تنبؤات لما سيحدث في المستقبل، وأول من تحدث عن الأحلام بشكل علمي هو فرويد حيث قال بأن الأحلام تعبر عن الصراعات النفسية التي يعانيها الشخص والذكريات المكبوتة في عقله اللاواعي. ووظيفة الحلم عند فرويد هي حراسة الشخص النائم، حراسته من المؤثرات الداخلية النفسية والخارجية كالمنبهات الحسية. وقد تعبر الرغبات المكبوتة عن نفسها في الحلم تعبيرا رمزيا بدلا من التعبير المباشر، مثل الرغبات الجنسية وكره أحدى الوالدين الذي قد يظهر في صور غريبة ولكن لها دلالة في العقل اللاواعي.

نعمة إبراهيم

مهندسة، مهتمة بالأدب، والشعر، والتنمية البشرية، واللغة العربية.

أضف تعليق

عشرين − 20 =