تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أمور الاسرة » التربية السليمة : هل أنت مؤهل حقا لكي تكون والدًا ؟

التربية السليمة : هل أنت مؤهل حقا لكي تكون والدًا ؟

أن تكون والدًا ليس أمر شديد البساطة على الإطلاق كما يتصور البعض، فإن التربية السليمة هي ممارسة تحتاج إلى الكثير من الخبرة والاستعداد من قبل الأب والأم.

التربية السليمة

التربية السليمة ليست بتلك البساطة التي تظنها عزيز القارئ. أن تكون أبا أو أما هي مشاعر فطرية زرعها الله فيك، وهي غريزة أموية وأبوية يحاول كل إنسان أن يحققها. وتصيبه الكآبة والأحزان عندما يصيبه مكروه يمنعه من هذه الغريزة. ولكن، هل حقيقة أن هذه الرغبة هي غريزة وفطرة، كافيان لجعلك مؤهلا لتكون والدا؟! هل وصولك لسن الزواج ورغبتك في أن تكون والدا، كافيين لتبدأ في التفكير في إنجاب الأطفال الآن؟ إذا كنت تظن أن إجابة هذه الأسئلة هي نعم، فأنت بحاجة ماسة إلى قراءة هذا المقال. وإذا كنت تظن أن الإجابة هي لا، فأنت أيضا بحاجة ماسة إلى قراءة هذا المقال. لأن الإجابة ليست نعم، وليست لا. الإجابة أصعب من أن نختصرها في حرفين أو ثلاثة. فنحن عندما نتحدث عن إنجاب طفل، لا نتحدث عن شيء بسيط، وإنما نتحدث عن حدث جلل بمقدوره أن يجعل العالم مكانا أفضل كما فعل غاندي .. أو مكانا أسوأ كما فعل هتلر. ربما أنت تفكر أنك ستحضر ابنا لك إلى العالم، لكن في الحقيقة أنت تحضر كيانا كاملا إلى العالم. فهل أنت على قدر هذه المسئولية العظيمة وتحقيق التربية السليمة ؟!

أسس التربية السليمة

المسئولية

جميعنا نعرف أن حياة الفرد الناضج مليئة بأنواع المسئوليات المختلفة. لكن مسئولية الإنجاب ليست كأية مسئولية أخرى. فمسئوليتك الشخصية مثلا كأن تعمل وتحصل على عائد مادي، لن يضرها أن تتكاسل عن العمل يوما أو يومين. ربما يكون التأثير هو خسارة بعض النقود نتيجة هذا التكاسل، لكن في النهاية سيكون الضرر بسيطا جدا. لكن تخيل أن تتكاسل عن مسئوليتك كأب لمدة يوم واحد! أو أن تحيد عن تنشئة طفلك بطريقة التربية السليمة بمقدار ضئيل جدا! الضرر الناتج عن تهاونك في هذه المسئولية أو حيادك عن التربية السليمة قد يحدثان ضررا عميقا في نفسية طفلك وطريقة تكوينه. وإذا حاولنا تتبع نظرية الدومينو ( وقوع قطع الدومينو المرصوصة خلف بعضها عند سقوط أول قطعة بالتبعية)، سنجد أن الضرر الذي ستحدثه في نفسية طفلك قد يظل موجودا بصورة دائمة. هذا سيؤدي إلى وجود تشوه في فرد من أفراد المجتمع، هذا التشوه سينتقل إلى الأشخاص المحيطين به إذا كان ذا تأثير عليهم، وسينتقل حتما إلى أولاده في المستقبل. وإذا لم يتم تفادي هذا الضرر، قد يتحول إلى شيء طبيعي في المجتمع ككثير من العادات القبيحة المنتشرة في مجتمعاتنا الحالية، والتي لم تنشأ سوى بسبب بعض التشوهات في نفسية الأطفال نتيجة إهمال – أو جهل – آبائهم في طريقة تربيتهم. فأنت عند إنجاب وإنشاء طفل، أن لا تنشئ مجرد طفل، وإنما تنشئ أفرادا من المجتمع سيؤثرون فيه بشدة في المستقبل البعيد .. وربما القريب جدا. فكيف تحقق التربية السليمة لكي تضمن تربية طفل سليم نفسيا ومؤهل للتأثير في المجتمع بشكل إيجابي؟

التربية السليمة ليست مسئولية الأم

أعلم أن هذه المعلومة قد تبدو غريبة على مجتمعنا العربي العزيز، لكن هذه هي الحقيقة التي كنا نخفيها عليك عزيزي القارئ. صدقا، التربية السليمة ليست من اختصاص الأم فقط. التربية السليمة هي مسئوليتكما مشتركين، مسئوليتكما سويا دون تفضيل لأحد على أحد. بإمكان أي شخص أن يعمل ويكسب المال يا صديقي، لكن ليس بإمكان أي أحد أن يربي طفلا التربية السليمة التي يحتاجها. لا يجب عليك أن تختصر دورك في دور ماكينة صراف آلي. دورك كوالد أكبر وأعظم من هذا. وسيهمك أن تعرف أن مهمتك كوالد، ستستدعي مجهودا أكبر بكثير من دور الأم. فالأم بطبعها لا تحتاج إلى محاولة كسب أولادها بصفها، فحقيقة أنها هي من حملت الأطفال بداخلها وكانت هي السبب الرئيسي لتغذيتهم طوال أشهر حملها، وبعدها التكفل برعايتهم في فترة الرضاعة، يجعلان تعلق الطفل بوالدته تعلقا فطريا. وهفوات الأم من العصبية أو التهور وغيرهما، ليسوا كافيين لكي يُكوّن الطفل مشاعر سلبية تجاه والدته. فهو سيظل يحبها دائما رغم كل شيئ. نظرا لتك الرابطة القوية التي تجمعهما. أما أنت كوالد عزيزي القارئ، لم تربطك مثل تلك الرابطة الحميمية بطفلك. فدورك إذا لا يجب أن يقتصر على كونك الوالد في العلاقة اسما، أو الشخص الذي يأتي بالنقود. فكل هذا لن يكون شفيعا لك إذا لم يجد طفلك منك الرعاية والاهتمام اللازمين الوافيين. ماذا يجب عليك أن تفعل إذا لكي تتأكد أنك أديت رسالتك تجاه أولادك والمجتمع، وفي نفس الوقت لكي تحظى بحب واحترام أولادك لك؟!

أبنائك لن يستمعوا إليك طويلا

يقدر علماء النفس أن الفترة التي يتوقف فيها أ عن التأثر بك وبما تخبرهم به، يكون عند سن التاسعة إلى الثانية عشر. فعند هذا السن، سيبدأ الطفل بالتأثر بأقرانه أكثر من التأثر بوالديه. لذلك، تتوقف فرصتك في التأثير على طفلك وترك الانطباعات الجيدة فيه عند السنين التسع الأولى في حياته، بعدها ستفقد كثيرا من قدرتك على تقويمه أو إضافة الجديد إلى حياته، لأن المعطيات ستختلف وتكثر جذريا.

إذا، يجب عليك استغلال السنين الأولى في حياة طفلك جيدا، تلك السنين هي التي تسبق مرحلة الحضانة تقريبا، وهي الفترة التي لا يتعامل فيها طفلك مع أحد سواك، أو الأقارب القريبين جدا، في هذه الفترة يستطيع طفلك تعلم الكثير من الأمور، لا تتوقع أن الطفل لا يمكنه تعلم الكثير في تلك السن، ستدهشك كمية الأشياء التي تستطيع تعليمها لطفلك منذ سنواته الأولى. ففي المرحلة بين سنتين إلى ثلاثة، يكون الطفل في بداية رحلته للتعرف على المشاعر والعواطف لديه ولدى الأشخاص الآخرين، ومعرفة طريقة تأثير أفعاله على نفسه وعلى غيره. في هذه الفترة ستحتاج إلى الاهتمام جيدا بهذه الجوانب وتنبيهه إلى ما يجب وما لا يجب فعله. ويجب أن تفعل هذا بكل الحب والعطف الممكنين، فعليك دائما أن تتجنب العصبية والغضب إلى أقصى حد. فطفلك لن يتركك تغضب منه كثيرا، وبعد هذه السنين الثلاثة سيبدأ رحلته في التمرد عليك والعند أمامك دائما.

تأثير الآخرين

عند بداية مرحلة الحضانة وما يليها من المدرسة، وتحديدا من السادسة إلى الثانية عشر، سيكون هناك تدخلات مختلفة في التأثير على طفلك غيرك أنت ووالدته. فسيكون هناك أساتذته وأقرانه وكل شخص جديد سيتعرف عليه. وكل هذه التدخلات والشخصيات المختلفة بأفعالها وقناعاتها المختلفة، ستترك تأثيرات وبقايا على شخصية طفلك وتصرفاته. لذلك، عليك الانتباه جيدا للتغيرات في تصرفات طفلك عند تلك المرحلة، ومحاولة تنبيهه إلى الأفعال السيئة وتغييرها سويا دون اللجوء إلى الغضب أو العنف. فالطفل في هذه السن الحرجة لا يملك أي تفريق بين الصواب والخطأ، وقد يقوده خياله إلى أفعال جامحة قد تبدو مخيفة بالنسبة إلينا، لكنه لا يرى فيها سوى المتعة. لذلك، مهمتك أنت كوالد أن تراقب تصرفات طفلك، ومحاولة تقويمها متى ما اعوجّت، مع إيضاح الصواب والخطأ، وتعريفه بأضرار وأخطار أفعاله. ولا تنس أن تخاطب المنطق دائما في طفلك، فالطفل ذكي ويحاول الوصول إلى المعرفة دائما، وإذا لم تلجأ إلى المنطق في تقويمه واكتفيت بفرض التغيير بطريقة إجبارية، سينتهي الأمر إلى إحدى نتيجتين، إما أن يتمرد عليك طفلك ويصر على أفعاله مهما كانت، وقد يصل به الأمر إلى التقليل من احترامه لك، وحينها ستكون قد ساهمت في تربية طفل غير سوي. أو سيتحول إلى طفل ضعيف يلتزم بالأوامر دون فهم، الآن وفي المستقبل، معك ومع أي شخص آخر، وأيضا ستكون قد ساهمت في تربية طفل غير سوي. فكلا النتيجتين مخيفتين ولن تتمنى أبدا أن يكون طفلك أحد هذين الطفلين.

ازرع المبادئ، لا الأفعال

ربما يكون مفهومك عن التربية السليمة هو أن تقوّم أفعال طفلك الخاطئة وتخبره عن الفرق بين الصواب والخطأ. لكن الأمر لا يتعلق فقط بالأفعال الصادرة منه. فهناك الكثير من المبادئ والأفكار التي لن يتعرض إليها طفلك أثناء نموه، وربما يفاجأ بها فيما بعد، ولن يكون قادرا على مواجهتها بشكل مناسب حينها لانعدام خبرته. مهمتك نحو تحقيق التربية السليمة هي أن تزرع المبادئ والقيم داخل طفلك منذ اللحظة التي يتمكن فيها من فهم معاني هذه الكلمات. وزراعة القيم هنا تعني أن تغرسها جيدا داخل أعماق طفلك، وأن ترويها بعناية بوضعه في مواقف مختلفة يتعلم منها كيف يتمسك بها، وأن تتأكد من قدرته التامة على الاستناد إلى مبادئه هذه عند الاحتياج. لذلك، اعرف أولا الأشياء التي تراها حتمية ليتعلمها طفلك من أجل التربية السليمة، ثم ابدأ في البحث عن كيفية تقديمها إليه وغرسها فيه. حدثه عن الصدق، ثم أره ذلك بأفعالك، ثم اجعله يُدخله هو أيضا في أفعاله. حدثه عن الأمانة، ثم أره أمانتك، ثم ضعه في المواقف التي تستدعي الأمانة وأخبره كيف يتصرف. علمه الثبات على حسن الخلق، ثم أره حسن خلقك، ثم ضعه في أماكن تختبر حسن خلقه، وأره كيف يظل متمسكا بمكارم أخلاقه.

أنت لن تكون موجودا دائما من أجل طفلك. سيكبر ذلك الفتى الصغير وسيواجه الحياة بمفرده، ولن تتمكن حينها من الوقوف بجانبه وتصحيح مسار حياته من أجله كما هي الحال الآن. لأن هذه هي مهمتك الآن، ليس حينها. التربية السليمة منذ الصغر هي التي ستكون بجانبه عندما يحتاج إلى مساعدة. لذلك، لا تأل جهدا في غرس أي مبدأ حسن في نفس طفلك. ولا تأل جهدا في التأكد من ثباتها بالأفعال والمواقف. ولا تأل جهدا في التأكد من أنه سيكون قادرا على مواجهة الحياة بمفرده عندما يأتي ذلك الوقت.

طفلك لديك منذ صغره حتى بداية مراهقته، عجينة لينة بإمكانك تشكيلها بأفضل شكل ممكن. بعد هذه المرحلة، سيجد طفلك نفسه مُشكّلا بطريقة معينة، ولن يجد صعوبة في معرفة أن ما هو عليه الآن، ما هو إلا نتاج التربية التي ربيتها أنت له. وهذه التربية إما أن تكون التربية السليمة أو التربية الخاطئة. وصدقني عزيز القارئ، أنت لن تريد أن يصل طفلك إلى تلك المرحلة، فيجد أن والديه قد شوّها تلك العجينة، وتركاه في مواجهة معركتين، المعركة الأولى من أجل إصلاح ما أفسدتماه أنتم. والمعركة الثانية من أجل التكيف لمواجهة الحياة الجديدة التي هو بصددها الآن.

علموا أولادكم الاستقلال

هناك تلك العادة السيئة المنتشرة في مجتمعنا العربي، قد نظنها نوعا من التربية السليمة، لكنها في الحقيقة تؤدي غرضا معاكسا تماما. وهي الاعتماد على الوالدين! هل تذكر الفترة التي بدأ والداك بتركك على الاعتماد فيها على نفسك؟ أو أول وظيفة لك؟ أو طريقة حاولت جني المال بها لنفسك – ليس بغرض أن تصرف على نفسك، ولكن لمجرد الشعور بالمسئولية حتى -؟ غالبا لا تذكر، لأن هذا لم يحدث لتذكره. هذه هي المشكلة التي نتعرض إليها كثيرا في مجتمعنا العربي. يحرص أهالينا دائما على تسهيل الحياة لنا جدا، لدرجة قد توصلنا إلى التواكل وفقدان الهمة. فالأب سيصرف على أولاده طوال الوقت. حتى يصبح ابنه كبيرا وقادرا على العمل في وظيفة. وحتى تحصل الابنة على زوج آخر يتولى مسئولية الإنفاق هو. فيؤدي هذا إلى تواكل الأبناء على ما سيوفره لهم أباءهم وجعلهم تابعين معتمدين عليهم، وربما أثر هذا في شخصيتهم بطريقة جذرية فيصبحون غير قادرين على اتخاذ قرار بمفردهم! هل تعتقدون أن مثل هذه الشخصية قادرة على قيادة مجتمع في المستقبل؟! أو حتى قادرة على تقديم التربية السليمة لأولادهم فيما بعد؟! غالبا، الإجابة هي لا.

علموا أولادكم الاستقلال عنكم والاعتماد على أنفسهم. اتركوا لهم حرية الاختيار ومواجهة الحياة منذ صغرهم. فهذه إحدى الطرق التي ستجعلهم متأهبين إليها عندما يصلوا إلى السن الذي سيضطرون فيه إلى مواجهة الحياة رغما عنهم لا اختيارا منهم. يٌقال أن التدريب يصنع المعجزات، فبالمثل جدا، كلما تركت طفلك يعرض نفسه لمواقف الحياة المختلفة، كلما جعلته أكثر قدرة على مواجهتها. فلا تخف على طفلك كثيرا ولا تربطه بجوارك خوفا من أن يمسه مكروه. فالمكروه كل المكروه، هو أن يكبر طفلك وهو غير قادر على الاعتماد على نفسه أو الثقة في قدراته الكبيرة. قدراته التي لن يدري عنها شيئا، لمجرد أنك كنت خائفا عليه من أن يعيش!

الإرادة والعزيمة

في اللحظة التي تقرر فيها أن التربية السليمة تستدعي ترك أولادك للاعتماد على أنفسهم، ستدرك أن هاتين الصفتين ستكونان من أهم الصفات التي سيحتاجها طفلك إليها في مستقبله. التربية السليمة تكمن في أن تعلمه كيف يضع هدفا، و أن يملك العزيمة والإرادة الكافيين لإنجازه. أن لا يستسلم عند أول سقطة له، وأن لا يتوقف عندما تغلق الأبواب في وجهه.

عندما يبدأ طفلك في الاعتماد على نفسه، احرص على أن تكون بجانبه في البداية. التقطه عندما تسوء الأمور منه، أره أين أخطأ، وأخبره كيف يبحث عن طريقة لإصلاح أخطائه. شجعه على الاستمرار عندما يبدأ شعوره بالملل. وذكره دائما بقدراته عندما تشتد صعوبة الاعتماد على نفسه. لا تترك ثقته بنفسه تتزعزع لوهلة، واحرص على بقاء حماسته حتى انتهاءه من عمله. في المرة الثانية اترك مساحة من أجله هذه المرة. لا تتدخل إلا عندما يتطلب الأمر ذلك، وواصل تشجيعك الدائم له. في النهاية ستجد أن طفلك الصغير بدأ يعتمد على نفسه تماما، وأصبح لديه القدرة على الاستمرار في المواقف رغم صعوبتها بفضل عزيمته وإرادته الذين حرصت على تحليه بهما. وستصبح قدرته على مواجهة الحياة أقوى كل فترة بسببك أنت. وسيشكرك طفلك على هذا لاحقا عندما يدرك أهمية ما فعلته، وعندما يرى كيف تهزم الحياة غيره من الأشخاص.

ولكن، وللمرة التي لا أذكر كم هي، لا تستعمل العنف أبدا مع طفلك. سواء كان عنفا جسديا أم عنفا عاطفيا. أن تتركه يعتمد على نفسه، لا يعني أن تضغط عليه بشدة حتى ينفجر. بل أن تعلمه مواجهة الحياة مع الاطمئنان بأن والده سيكون دائما سندا وعونا له. أن تعلمه الصلابة، لا يعني أبدا أن تقسو عليه. القوة والعطف لا يتعارضان أبدا. تعلم كيف توازن بين احتياجات طفلك الحياتية، وبين احتياجاته العاطفية. واحذر أن تترك أحدهما تطغى على الأخرى. فالنتيجة في كلا الحالتين ستكون كارثية. والإفراط في أي شيئ يجعل ضرره أكبر من نفعه دائما.

اقرأ كثيرا

ربما كانت غريزتك الأبوية أمرا فطريا. لكن صدقني، قدرتك على التربية السليمة ليست كذلك إطلاقا. التربية السليمة ليست إحساسا تتبعه أو أمرا بسيطا لتستهين به. كما أوضحت لك، التربية السليمة هي أن تنشأ فردا سويا، قادرا على التفريق بين الصواب والخطأ، قادرا على التمسك بمبادئه ومكارم أخلاقه، وقادر على الاعتماد على نفسه ومساعدة غيره. وفوق كل هذا، قادرا على التعبير عن مشاعره وإظهار العطف والحب الكافيين للآخرين. وهذا الشيء لن يتأتى بمجرد قراءة مقالة أو بحث سريع علة شبكة الإنترنت. إذا، التربية السليمة هي شيئ يستدعي أن تبحث كثيرا وكثيرا جدا لتتمكن من تحقيقه. وأن تقرأ في كتب علم النفس لمعرفة كيفية التعامل مع نفسية طفلك، والقراءة في كتب الأطفال لتعرف احتياجات طفلك في كل مرحلة سنية مختلفة، والقراءة في كافة المجالات المختلفة لمعرفة كيفية تنمية طفلك عاطفيا وعقليا وجسديا. الاهتمام بطفلك لا يتلخص في توفير طعام وملبس له. و التربية السليمة لا تتلخص في أن يحسن التصرف أمامك وأن يفعل ما يريده من وراء ظهرك. لكي تنشأ طفلا سويا، عليك أن تعرف جيدا معنى الطفل السوي أولا. ولكي تربي طفلا سويا، عليك أن تعرف معنى التربية السليمة أولا، ولكي تصبح والدا جيدا، عليك أن تعرف معنى الوالد الجيد أولا.

الكتب والأبحاث التي تتعلق بالأطفال وبطرق التربية السليمة، هي نتاج التفكير والدراسات والمحاولات الجادة من الأشخاص المتخصصين لإنشاء أطفال أسوياء سعداء في حياتهم وقادرين على التأقلم جيدا مع تقلبات الحياة. هذه الكتب والأبحاث قد درست أطفالا كثيرين جدا، أكثر من الأطفال الذين ستتعامل معهم في حياتك. لذلك، أعدك بأن رغبتك في أن يكون طفلك هو أفضل طفل في العالم، سيستحق الوقت الذي ستقضيه في قراءة بعض الكتب من أجله.

الأبوة هي وظيفة دوام كامل

ربما يُشعرك كل الكلام المذكور في المقال، بأن كونك والدا، يعني أن كل وقتك سيكون مخصصا لأطفالك. وأنك لن تملك الوقت الكافي لتفعل أشياء أخرى كثيرة غير هذا. وهذا هو في الحقيقة ما يخبره لك المقال بالضبط! الأبوة هي وظيفة دوام كامل. إذا كانت رغبتك في إنشاء طفل سوي في معظم نواحي حياته. سيستدعي منك هذا الأمر مجهودا خرافيا. فأنت لا تصنع آلة تسير ببرنامج محدد، أو تكتب كتابا لديه شروط محددة ليوافيها. إنما أنت تبني إنسانا! فردا وكيانا وروحا ونفسا! أنت تبني شخص يتأثر بكل شيئ يحيط به، كيانا لا يملك سواك لتوجيهه وليكون مسئولا منه. روحا تستدعي وجودك الدائم ورعايتك المستمرة حتى تصبح قادرة على رعاية نفسها بنفسها. لذلك، لا تستسهل أبدا مهمتك كأب. ولا تستقل بما تحتاجه منك هذه الوظيفة. ولا تضع لحظة واحدة من اللحظات التي يحتاجها طفلك منك في الاهتمام بشيء أقل أهمية. وصدقني، النقود والملابس والمنازل وكل تلك الأشياء التي تظن أنك تسعى ورائها من أجل مستقبل جيد لأولادك، لن تنفعهم بشيء عندما يكبر أولادك ليجدوا أنهم ليسوا جيدين بما يكفي من أجل تلك الأشياء التي تركتها لهم! وقتك في هذه الحياة محدود، ووقت أطفالك للاستماع إليك والتأثر بك محدود أيضا. فندما تقرر أنك ستأتي بطفل إلى العالم، احرص على أن يكون هذا الطفل هو هدفك الأول ووظيفتك الأولى. وأجل أحلامك وطموحاتك بعض الوقت حتى يصبح طفلك قادرا على الاعتماد على نفسه كليا، لا عليك أنت.

أن تكون والدا ليس أمرا سهلا إطلاقا، لكن أن لا تكون والدا هو الأصعب بكل تأكيد. هذا المقال لم يكن الغرض منه إخبارك بالتفكير في إنجاب الأطفال من عدمه إطلاقا، وإنما كان الغرض منه أن تنتبه قبل أن تقدم على تلك الخطوة. وأن تعلم أن تلك الخطوة تتطلب الكثير من التحضيرات والخبرات التي لن يشفع لك أي شيئ الافتقار إليها عند احتياجك إليها. هذا المقال يخبرك أن لا تتهاون أبدا في موضوع الإنجاب. أو أن تتعامل معه كأنه حقك المكفول لك. فهؤلاء الأطفال سيكونون مسئوليتك أنت أولا وأخيرا. والكثير جدا من معالم مستقبلهم تحددها أنت بطريقة تعاملك مع طفولتهم. وبالتالي، لن أخبرك أنك يجب أن تكون حريصا على مستقبلهم لأنك ستعرف ذلك أفضل مني بكل تأكيد. ولكن سأخبرك أن هناك الكثير من الأشياء التي ربما تغفلها لأنك لم تدرك كم هي كبيرة جدا خطوة الإنجاب تلك. فابدأ الآن بالانتباه. واعرف جيدا ما الذي ينتظرك لتتمكن من مواجهته بأفضل طريقة ممكنة.

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.

أضف تعليق

خمسة × واحد =