تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » كيف تتخلص من الارتباط بالماضي وتعيش يومك بكل ما فيه؟

كيف تتخلص من الارتباط بالماضي وتعيش يومك بكل ما فيه؟

الارتباط بالماضي يقتل الحاضر ويهدم المستقبل، وهو كالنظر للخلف بينما يجب عليك المضي قدما، وهو ما يجعلك تتعثر في الطريق وتقع في كل حفرة بسهولة، يحدث الارتباط بالماضي في حالات كثيرة، وله كبير الضرر على حياتنا، ولكن هناك فرصة لتجاوزه.

الارتباط بالماضي

الارتباط بالماضي ليس فعلا رومانسيا حالما، بل هو أزمة كبيرة لا يدركها إلا من يقع فيها، إذ أنه ليس حنينا لحظيا لأوقات جميلة في الماضي، بل أن الارتباط بالماضي يمثل سجن ضيق يحرم صاحبه فرصة الحياة والنجاة، فيجعلك أسيرا له، ويفقدك القدرة على العيش في الوقت الحالي، وبطبيعة الحال لن يفسح لك الارتباط بالماضي أي فرصة للحلم بأهداف مستقبلية، كما يسرق منك حياتك ويهدم ثقتك بنفسك، فتقف هنا اليوم بينما تبقى روحك في الماضي، وقد يتمثل الارتباط بالماضي في صور كثيرة للغاية، فقد يقف عقلك عند فترة ذهبية سعيدة في حياتك السابقة، وربما تتوقف عند تجربة مؤلمة أو مخيفة تعرضت لها، وقد تبقى حبيس لحظة صعبة منحتك بعض الاستنتاجات الخاطئة ووجهة نظر في نفسك، والأمثلة كثيرة على التعلق بالماضي ومشكلاته، سنتحدث عنها في هذا المقال، وسنوضح رأي علم النفس في الأمر، وسنمنحك التمارين الفعالة في فك هذا التعلق بالماضي الغابر، حتى نصل في نهايته إلى القدرة على العيش في الحاضر.

مرض الارتباط بالماضي

الارتباط بالماضي مرض الارتباط بالماضي

كي نتمكن من فك الارتباط بالماضي نحتاج لفهم ماهيته، فالخطوة الأولى في علاج أي مشكلة هو إدراك وجودها، وأغلب من يقعوا في فخ التعلق بالماضي يجهلون المشكلة من الأصل، والتعلق بالماضي ليس عاديا، بل يجب التعامل معه كمرض لعين يفتك بنا وبحياتنا، وهو مرض في حقيقة الأمر، ذلك أن الارتباط بالماضي هو الوقوف عند لحظة قديمة في حياتنا، وإغفال باقي المستجدات، فيجهل الشخص أولا بزوال هذا الماضي ونهايته، ويظل حيا فيه حتى وقتنا الحالي، فيكون قد مر بعلاقة عاطفية فاشلة ويظل على أمل استمرارها، ذلك بالرغم من انتهائها، وربما بالرغم من زواج تلك الفتاة التي أحبها بآخر، كما قد يأتي التعلق بالماضي في صورة تجربة مؤلمة جرى تعميمها، كأن يتعرض الشخص للخيانة أو لحادث سيارة مؤلم فيظل بقية حياته متوقعا الخيانة أو الموت في حادث سيارة، والفكرة الرئيسية في الارتباط بالماضي هي إغفال حقيقة انتهائه، والتأثر بنتائجه وانتظار تكرارها وما يصاحبه من آمال وتوقعات وذكريات وآلام وأحلام.

التخلص من الماضي في علم النفس

يمنح علم النفس مسألة التعلق بالماضي الكثير من الأهمية، فهي ليست مسألة عادية، بل يتم اعتبارها مرض مزمن يعوق حياة الشخص، وذلك لما يصنعه الارتباط بالماضي من مشاكل كبيرة، ليست مبالغة إن قلنا أن الارتباط بالماضي يكاد يشل حركة الإنسان ويوقف حياته بشكل تام، فهو ما يمنعنا التقدم للأمام والاستمرار في حياتنا، وقد ذكرنا كيف يمنعنا التعلق بالماضي من إدراك حقيقة أنه انتهى، ولمعالجة المشكلة يؤكد علم النفس على أهمية العودة إلى هذا الماضي، ويؤكد علم النفس على حتمية العودة إلى تلك اللحظة في الماضي التي تعثرنا بعدها، فإن كان الأمر متعلقا بحقيقة مؤلمة حاولنا الهرب منها وعدم مواجهتنا، نصبح في حاجة ماسة إلى العودة إليها ومواجهتها، وهو فعل شديد القسوة بالطبع، لكنه ضروري للتخلص من التعلق بالماضي والعودة إلى إدراك الزمن واللحظة الحالية، إذ يرى علم النفس حتمية العودة للوراء وإصلاح الأمر من بدايته، فلا ينفك التعلق بالماضي بدون مواجهة واضحة لما مضى.

كيف أتخلص من الحنين إلى الماضي؟

الارتباط بالماضي كيف أتخلص من الحنين إلى الماضي؟

تواجد قواعد علمية ثابتة تساعدنا في التخلص من الارتباط بالماضي وتجاوزه، وهي قواعد ضرورية ولا غنى عنها لمن يرغب في امتلاك حياته مرة أخرى، وللأسف الشديد هي رحلة علاجية مؤلمة، لا تقل صعوبة على أصحابها عن رحلة علاج أي مرض مزمن، إذ أن الارتباط بالماضي لا يحدث ترفا، ولا يحدث بدون أسباب، بل تكون هناك الحاجة الداعية لذلك، كأن يتعرض الشخص إلى حقيقة مؤلمة وصادمة، ولا تكون لديه القوة ولا القدرة على مواجهتها، فيميل إلى الهرب منها، ويحدث الخلل في تلك اللحظة، فينفلت الوعي ويختل الإدراك للزمن، ويقبع الشخص في سجن ما سبق لهذا الألم، أو يتوقف إدراكه عند هذا القدر من الألم، فلا يسهل عليهم تجاوزه، وللتخلص من هذا الارتباط بالماضي يجب علينا اتباع القواعد التالية، وأود فقط التذكير بمدى صعوبتها والألم الذي سينتج عنها قبل ذكرها، فالأمر شاق على النفس ويحتاج إلى الإرادة القوية والعزيمة، كما يحتاج إلى دعم المحيطين بنا ومساعداتهم.

المواجهة القاسية

القاعدة الأولى في التخلص من الارتباط بالماضي هي المواجهة، والحقائق لا تكون جميلة عادة، كما أن مواجهتها ليس سهلا على جميع البشر، ولا يمكن التخلص من التعلق بالماضي بدون مواجهة الحقيقة التي توقفنا عندها وبقينا في أسرها، فإن كان الارتباط بالماضي بسبب انقلاب الحياة من السعادة إلى الحزن، يجب علينا العودة إلى تلك اللحظة ومواجهتها، فقد تنقلب حياتك إلى الفقر بعد الثراء، وتظل على حالة الإنكار، ويثبت عقلك على الماضي الناجح والسعيد، وتظل تردد على نفسك عبارات الإنكار، هنا يصبح لزاما عليك العودة ومواجهة الحقائق، والحقيقة هي انتهاء الماضي، سواء كان حزينا أو سعيدا أو غير ذلك، فتضطر لمواجهة ذلك الألم القديم الذي هربت منه، فنقوم بتذكير أنفسنا بما حدث، سواء كان ما حدث هو موت حبيب أو فقدان صديق أو خسارة مشروع أو حدوث انفصال مؤذي للقلب، فنعود لتلك اللحظة ونستحضرها مرة أخرى، ونقوم بمواجهة ما عجزنا عن مواجهته في الماضي، ونضع الحقيقة الكاملة نصب أعيننا بوضوح.

الاعتراف بالنهاية

لا يهم كيف كان هذا الماضي الذي نتوقف عنده، فما يهم هنا هو إدراك انتهائه، وإدراك نهايته بشكل تام ونهائي وبدون أي انتظار، فتلك قاعدة هامة في فك التعلق بالماضي والتخلص منه، فيجب علينا القضاء على الخط الذي يمد حاضرنا الحالي بما مضى وانتهى، فيجب الاعتراف بانتهاء تلك الحقبة التي نفكر ونصر على العيش فيها، فنواجه أنفسنا بأن العلاقة العاطفية التي تمنيناها قد انتهت، وإن نهايتها ليست محل شك، وأنه لا قبل لنا باستعادتها، فقد انتهت تماما ولا يوجد أي أمل في استعادتها، وهكذا مع حقيقة الموت، خاصة موت المقربين، يجب مواجهة حقيقة أنهم ماتوا، وأن هذا الأمر قد حدث في الماضي وانتهى، وأدرك حجم الألم في مثل تلك الأمور، ولكنه لا بد منها لفك الارتباط بالماضي وتجاوزه، فيجب وضع الأمور في موقعها الحقيقي زمنيا ومكانيا، سواء كانت تجربة سعيدة أو حزينة، لا يهم هنا مدى جودة ما نعيش فيه، فالأهم هو كونه من الماضي، ونحن في الحاضر.

التجريد والامتناع عن المبالغة

يقوم الارتباط بالماضي على المبالغة وتضخيم الأمور، فذاكرتنا تبهت بمرور الوقت، ونكاد ننسى بعض الأشياء، كما أن انتهاء الأشياء وزوالها يمنحها المزيد من الجاذبية، حتى أن ضياع هاتفك القديم يحوله إلى أفضل هاتف في العالم، وهو ما يحدث بالضبط مع الأشخاص والتجارب وباقي الحياة، فعند انتهاء فترة سعيدة من حياتنا نميل إلى اعتبارها أجمل أيام الحياة، وننظر لها باعتبارها الأجمل على الإطلاق، ونتجاهل كافة عيوبها ومشكلاتها، ونتعامل معها كما لو أنها جنة الخلد، فلا ننظر لها بطريقة واقعية أبدا، وهو ما يؤدي إلى زيادة قوة الارتباط بالماضي وصعوبة التخلص منه، لذا يجب علينا التزام الموضوعية إذا أردنا فك الارتباط بالماضي ومعالجته، فنباشر بكسر تلك الهالة الأسطورية التي صنعناها حوله، فحبيبتك التي فارقتها لم تكن أجمل فتاة على كوكب الأرض كما تظن، وفترة الحياة السعيدة التي تتمنى العيش فيها طوال العمر لم تخل من المنغصات والضغوط، وكل شيء في الدنيا يمكن وضعه في حجمه الطبيعي وتجاوزه نهائيا.

قطع الصلة بالماضي

يقوم الارتباط بالماضي على الجسر الذي نبنيه للوصول إليه في وقتنا الحالي، وهذا الجسر ليس رمزيا ولا متخيلا، بل يعتمد على أشياء مادية ملموسة، فيكون التعلق بالماضي هو عملية إعادة إنتاجه بطريقة مستمرة، فنعيد تذكره طوال الوقت، نذكر أنفسنا بما انتهى، ونطلق العنان لخيالنا للعيش في أحلام اليقظة، فقد نختلق حكايات جديدة لما انتهى وفات، وتأخذك أسئلة لو الشيطانية إلى التعلق بالماضي أكثر، فتسأل نفسك ماذا لو لم نفترق حينها؟ كيف كانت حياتنا الآن؟ وتخلق المشاهد الجديدة بخيالك، كما تعود للتفتيش في هذا الماضي المنصرم، فتخرج كل ما في خزانتك لمساعدتك على التذكر، وحتى لا يكسو الغبار هذا الماضي، فتعيد تأمل الصور والهدايا وتكرار الحكايات على نفسك والآخرين، ولا يمكنك التخلص من التعلق بالماضي بدون هدم تلك الجسور، لذا يجب التخلص من هذه الذكريات بشكل تام ونهائي، يجب عليك منعها من إعادتك إلى الارتباط بالماضي واستحضاره، فتخلص من كل الصور القديمة وحكايتها، كما يجب مراقبة حكاياتك جيدا.

إجبار النفس على الحياة من أسهل وسائل فك الارتباط بالماضي

التوقف عن الحياة يؤدي إلى زيادة الارتباط بالماضي واستمراره، فانتظار فك الارتباط بالماضي لا يجدي نفعا، لن يهبط العلاج على رؤوسنا من تلقاء نفسه، بل يجب أن نسعى إليه بكل طاقتنا، وأول خطوات السعي نحو الحل هو إجبار النفس على الحياة، وإدراك حقيقة أنه لابد للحياة من الاستمرار، لذا يجب العيش في الحاضر، بل ويجب أيضا النظر للأمام، فيكمن العلاج في العيش في الحاضر والنظر نحو المستقبل، وتلك ليست خطوة اختيارية، بل يجب دفع النفس تجاهها عنوة، فيجب أن ندرك هذا الحاضر، ونغادر غرفتنا المظلمة، وننطلق في الحياة ونلتقي بالآخرين، كما يجب أن نسعى نحو الانشغال الدائم، فنلهي أنفسنا بالمزيد من العمل، ويمكننا البحث عن هوايات جديدة، كما يفضل تكوين علاقات جديدة وصداقات مختلفة، وهذا الانشغال هو سر فك التعلق بالماضي وكيفية التخلص منه، وهو النقيض مما يحدث عند الاستسلام إلى توقف الحياة، فالاستسلام يزيد من قوة الارتباط بالماضي ويضعف عزيمتنا تماما.

طلب المساعدة من الآخرين

لا يجب علينا مواجهة الارتباط بالماضي بمفردنا، فهذا هو دور الأصدقاء والمقربين، ويمكننا أن نطلب منهم مساعدتنا في عملية التجاوز، فيمكنهم منعنا من استمرار النظر إلى الخلف، فيساعدوننا على هدم الجسور التي تربطنا بالماضي، ويمكن للأصدقاء مساعدتنا أيضا على العيش في الحاضر، فيقدمون لنا الدعم والتشجيع اللازمين للخروج من غرفتنا المظلمة، فيمكنهم دعوتنا للخروج ومشاركتهم الأنشطة وممارسة الهوايات، ويسهل على الأصدقاء القيام بهذا الدور، ويمكننا بمساعدتهم فك الارتباط بالماضي ونسيانه تماما.

تمارين لفك الارتباط بالماضي

الارتباط بالماضي تمارين لفك الارتباط بالماضي

تحدثنا فيما سبق عن ماهية التعلق بالماضي وأسبابه، كما تحدثنا عن منطق علم النفس في علاجه، وكيف يكون من الضروري حل المشكلة من الأساس، وذلك بالعودة إلى اللحظة الصادمة في الماضي وعلاجها، كما تحدثنا عن قواعد فك الارتباط بالماضي الرئيسية، ولهذا الأمر بعض التمارين ذات الفعالية، وهي ما يمكن اعتباره تطبيقات عملية على قواعد فك الارتباط بالماضي التي تم ذكرها، وأهم تلك التمارين هو الانغماس في اللحظات الحالية، وذلك بتأمل كل ما نحياه الآن، وبالاستغراق الكلي فيما نعيشه ونصنعه، فيجب التركيز على العمل والبشر الذين نلتقيهم في يومنا، ومن تمرينات فك التعلق بالماضي التخطيط للمستقبل أيضا، فيمكننا وضع الخطط المستقبلية لتحقيق أهدافنا الجديدة، ذلك أن السر في تمارين فك التعلق بالماضي يكمن في إدراك الواقع، فهذا الإدراك هو ما يساعدنا على التعامل مع الماضي كما ينبغي له كماضي، أي التعامل مع حقيقة زواله، فيمكننا فك الارتباط بالماضي عن طريق الانغماس في الحاضر وانتظار المستقبل بأمل.

في النهاية يبقى التعلق بالماضي مشكلة عويصة، ولا يمكن لأحد التقليل منها ومن آثارها السلبية، بل أن الحديث عن آثارها بوصفها سلبية يعد تدليلا لها، فقد يؤدي التعلق بالماضي إلى توقف حياة الفرد تماما، فيبقي رأسه نحو ما انتهى، ويوقعه في ثقب أسود يكاد يبتلعه، ويظل على حاله دون أفق زمني لانتهاء تلك المأساة، فالأمر إذن خطير، وتحدثنا في هذا المقال عن ماهية التعلق بالماضي ، وذكرنا كيف يتعامل علم النفس معه باعتباره مرضا شديد الفتك بالبشر، وتحدثنا أيضا عن رؤية علم النفس لحتمية علاج أصل المشكلة، وهو ما لا يمكن حدوثه بدون العودة إلى هذا الماضي وإصلاحه، فنعود إلى لحظة المشكلة ونواجه حقائقها الصادمة بكل قوة، وهو أمر مؤلم للغاية، لكن لا غنى عنه لفك التعلق بالماضي وتجاوزه، ويسهل علينا بعد ذلك تطبيق قواعد فك الارتباط بالماضي المعروفة، ويمكن تلخيصها في هدم الجسر الذي يصلنا بالماضي، وحرق المراكب التي تعيدنا إليه، وإجبار النفس على عيش الحاضر والتخطيط للمستقبل.

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

خمسة + 19 =