تسعة
الرئيسية » معتقدات وظواهر » الإيمان الأعمى : كيف يصبح الإيمان طريقًا للهلاك في بعض الأحيان؟

الإيمان الأعمى : كيف يصبح الإيمان طريقًا للهلاك في بعض الأحيان؟

الإيمان الأعمى بالعادات والتقاليد قد يسبب كوارث في المجتمعات، لأسباب لا تعد ولا تحصى. لذلك على الشخص أن يميز بعقله طبيعة الإيمان الذي يريد أن يعتنقه.

الإيمان الأعمى

كل شخص في العالم يكون لديه قناعاته الخاصة، ولكن هناك فرق بين القناعة وبين الإيمان الأعمى بالمعتقد أو الفكرة. فالقناعة هي مجرد فكرة ومن الممكن أن تكون قابل للتطور فيها، لأنها من الممكن أن تكون على خطأ، أو تكون متجددة وتغيرها مع الوقت إلى فكرة مختلفة تمامًا. أما الإيمان الأعمى فهو تحول القناعة إلى معتقد راسخ لن يستطيع شيء أو إنسان تغيره داخل عقل الإنسان. وهذا الموضوع مهم جدًا لسبب بسيط، لأن حياة البشر الاجتماعية قائمة على فكرتي القناعات والمعتقدات. والإيمان بالمعتقدات هو الذي يجعل المجتمع يسير في طريق النجاح والتطور، أو يسير في طريق الانحدار والفشل مع الوقت، ليصير الشعب في قيعان البلاد النامية. ولذلك في هذا المقال سنتكلم بطريقة وافرة عن فكرة الإيمان والمعتقد، وكيفية تأثير الإيمان الأعمى بالمعتقدات المختلفة سواء الصالحة أو الغير صالحة على حياة البشر. أيضًا سنتكلم عن كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يؤمنون بالمعتقدات بطريقة لا تحمل التفكير ولا العقلانية، بل طريقة تعتمد على الحفظ فقط دون فهم.

ما هو الإيمان الأعمى ؟

المعتقدات الشخصية

هي نوع من المعتقدات يخص الشخص نفسه، بمعنى وكمثال بسيط، عندما يكون لدى الشخص معتقد في قرارة نفسه أنه غبي أو أنه لا ينفع لعمل شيء أو أنه لا يخطئ أو أنه قبيح الملامح. كل هذه المعتقدات تندرج تحت بند المعتقدات الشخصية وهي في الأساس تنشأ داخل العقل الباطن للشخص نفسه، بناءً على كلام الآخرين أو على رؤية الشخص لنفسه، أو حتى بسبب مرور الشخص ببعض الأزمات الحياتية التي جعلته يعتقد أنه سيء الحظ، وأنه لن يرى نجاح في حياته لأن الحياة لا تريد أن تنصفه.

الإيمان الأعمى بالمعتقدات الشخصية

مشكلة الإيمان الأعمى بمثل هذه المعتقدات هو أنه يدمر حياة الشخص تقريبًا نفسيًا، مع العلم أنه في المقابل الشخص نفسه ربما يكون مؤمن بمعتقد داخلي مثلًا أنه بطل أسطوري أو أنه أفضل شخص عاش في هذا العالم. في كلا الحالتين الإيمان الأعمى بمعتقد شخصي يجعل من هذا الإنسان متطرف وليس متزن، فلو كان هو يؤمن أنه سيء الحظ فهو سيعيش حياته لا يحاول من الأساس في أي فرصة تتاح له لأنه يعتقد أنه لن ينجح مهما حاول. ومن الجهة المقابلة الإيمان الأعمى بأن الشخص هو الأفضل على الإطلاق يجعل الشخص يشعر بالغرور، مما يجعله غالبًا يخسر أي منافسه يدخل فيها بسبب أنه فقط لم يضع في الحسبان إمكانية وجود شخص أفضل منه.

طريقة التعامل مع المعتقد الشخصي

طريقة التعامل مع المعتقد الشخصي لا يجب أن تكون بالإيمان الأعمى أو التسليم بصحة ما تعتقد عن نفسك. بل يجب أن تعرف أنه لكل شيء في هذا العالم استثناءات، وليس هنالك شيء مطلق حتى الحظ السيئ. فليس هناك حظ سيء بصورة مطلقة، لو افترضنا وجود هذا الشيء من الأساس. ولذلك عندما تفكر في رؤيتك لنفسك لا تتعامل معها على أنك متطرف، بل يجب أن تتعامل مع نفسك بطريقة متزنة. فلا تكون شخص متحامل على نفسك بطريقة قوية جدًا، ولا تكن شخص يحب نفسه بطريقة نرجسية جدًا. بل اجعل معتقدك الشخصي هو أنك من الممكن أن تكون على صواب أحيانًا، ومن الممكن أن تكون على خطأ أحيانًا أخرى. وبذلك الأمور ستسير في هذه الحياة بطريقة متزنة.

الإيمان الأعمى بالمعتقدات الاجتماعية

هناك نوع أخر من المعتقدات يتكون في الأصل من أفراد المجتمع ويخص أفراد المجتمع. ويكون أكثر انتشارًا من المعتقد الشخصي، ومشكلة هذا النوع من المعتقد هو أنه غالبًا يكون منتشر وقوته تسير على أي فرد من أفراد المجتمع. وذلك ببساطة لأنه يتحول لعرف أو قانون اجتماعي وليس مجرد معتقد. ومشكلة المعتقدات الاجتماعية أنها صعبة جدًا في التغير، وغالبًا أي شخص يحاول أن يواجه هذه المعتقدات سيحاربه المجتمع نفسه بكل أشخاصه. لأن التعرض لفكرة العرف والمعتقدات المجتمعية والتقاليد والعادات يعتبر درب من دروب العبث في أي مجتمع. لأن هناك فكرة سائدة وهي أن العادات والتقاليد هي التي تميز كل شعب عن الأخر، ولذلك من سيهاجم هذه العادات والتقاليد، إذًا هو يريد أن يحارب التميز والأصالة التي تخص هذا المجتمع. مما يجعل الأمر في مثابة الحرب الأهلية بين المجدد وبين الذين يتخذون الإيمان الأعمى بالمعتقدات المجتمعية سبيلهم في الحياة.

كيف تتكون المعتقدات المجتمعية

هناك أكثر من سبيل لتكوين المعتقد الاجتماعي وأولهم هو الأصولية. أو استمرار عادات أسرة معينة من قديم الزمن بين الأحفاد والأبناء على مدار الأجيال، حتى تتحول هذه الأسرة إلى بلدة أو منطقة أو قرية لها عادتها الخاصة التي اكتسبوها وحفظوها وعاشوا بها على مدار السنين. هناك سبيل أخر لتكوين المعتقد الاجتماعي، عن طريق اكتساب عادات وتقاليد شعب أخر، وهذا يحدث كثيرًا نتيجة استعمار البلاد للبلاد الأخرى. حتى تجد مثلًا دولة مثل مصر الحديثة من بعد الفتح الإسلامي، اكتسب المصريون عادات وتقاليد غير هذه التي كانوا يعيشون بها في أيام البطالمة وقبلها أيام الفراعنة. الطريقة الأخيرة لتكوين المعتقدات المجتمعية هي عن طريق النهضة. بمعنى أن فكرة النهضة المجتمعية تكون عن طريق الثورة على طريقة حياة معينة بعاداتها وتقاليدها والبدء من جديد في نهضة فكرية، يتغير فيها المجتمع نفسه فكريًا فتتغير المعتقدات بصورة سريعة جدًا لتتكون معتقدات وعادات جديدة.

طريقة التعامل مع المعتقد الاجتماعي

يجب أن يميز الإنسان عمومًا بين العادات والتقاليد السيئة والجيدة، لأن ليس كل المعتقدات الاجتماعية صحيحة، بل هناك معتقدات تكون مؤذية فعلًا. وكمثال على هذا العلامة طه حسين الذي كان يعاني من مرض الرمد، ولكن في قريته لم يذهبوا به إلى الطبيب بل قطروا له في عيونه زيت وأشياء متعارف عليها مجتمعيًا فقط أنها علاجية. ولكنها لم تكن كذلك، بل أذيت نظره أكثر، ولكن أهله أعطوها له لأن هناك معتقد اجتماعي أن هذه الأشياء مباركة وستجعله يرى. ولكن ما حدث كان أن الرجل أصبح من أشهر العميان في تاريخ مصر، وذهب نظره بسبب معتقدات الريف الغير العلمية. وهناك الكثير من المعتقدات مثل ختان الإناث، وهي العادة الأكثر بشاعة في العالم ومنتشرة جدًا في الدول الأفريقية والدول العربية. كل هذه عادات وتقاليد ناتجة من معتقدات سيئة جدًا والتعامل مع هذه المعتقدات يجب أن يكون بزيادة الوعي والبحث خلف هذه الأشياء والأفعال، التي لا يجب أن يفعلها الآباء في أولادهم بكل هذا الإهمال، لمجرد أنها عادات توارثوها ولم تثمر. بل فكرة توريث المعتقد نفسها فكرة قاتلة للإبداع والإرادة. ولذلك الإيمان الأعمى بالموروثات والتقاليد هو خطر كبير جدًا على كل المجتمعات، ويجب على المجتمع أن يكون متجدد وواعي ومثقف.

الإيمان الأعمى بالمعتقدات الدينية

المعتقدات الدينية هي أصلًا عبارة عن عادات وتقاليد وأفعال وأقوال مبنية على أساس ديني حسب كل دين. وحسب موسوعة “باريت” المسيحية، عدد الديانات عبر التاريخ تخطى ال10000 ديانة ذات شعبية. ومن هذا المنطلق نرى أن هناك زخم كبير من العقائد حول العالم على مدار التاريخ. ولذلك الإيمان الأعمى بالمعتقدات الدينية ليس دومًا مفيد، بل من الممكن أن يضرك أحيانًا، لأنه ربما سيقودك إلى عادات وتقاليد دينية ولكنها ليست إنسانية. ومن ضمن الأمثلة البسيطة، ثورة عبدة الشيطان في السبعينات من القرن المنصرم حيث انتشر في العالم نغمة جديدة من موسيقى تدعى الميتال، ومعها تم انتشار ديانة جديدة لعبدة الشيطان. وكانت لهم عادات مقززة مثل أنهم يشربون الدماء ويقدمون أضحية بشرية ودموية بطريقة ليست إنسانية. بالإضافة إلى المخدرات والعلاقات الشاذة التي كانوا لا ينقطعون عنها، فكان الآباء يتزوجون بناتهن. وهناك حالات مسجلة تاريخيًا وتم عمل أفلام وثائقية عليها.

تأثير الإيمان الأعمى بالمعتقد الديني على المجتمع

فكرة أنك تؤمن بمعتقد ديني بطريقة عمياء دون ذهن منفتح هي كارثة، وفي الحقيقة هذا ما يسبب انتشار فكرة ما عُرف بالإرهاب، والذي غزى العالم في السنوات الأخيرة. أي كان نوع الدين أو الطائفة فالإرهاب لا دين له، بل هو مجرد شخص متطرف يؤمن إيمان أعمى دون أن يفكر، ببضع معتقدات دينية غالبًا لا تكون صحيحة. لأن المعتقد الديني الصحيح يتيح للإنسان حرية الاختيار والتفكير أمام المعتقد. أما الدين المتطرف فهو يقمع العقل ويستغل الجهال الذين لا يتسألون، بل فقط يحفظون بضعة أشياء يقال لهم أنها حقيقية دون أن يتأكدون منها.

كارثة أخرى قد تحدث في المعتقدات الدينية، وهي أن من الممكن أن رجل دين يكون له مريدين ليسوا بالقليل وإيمانهم بتفسيره للدين إيمان أعمى. ومن ثم يأتي مثل هذا الشخص ويقول شيئًا ليس له علاقة بالدين، وهذا سيتحول إلى مشكلة للمريدين لأنهم يؤمنون بفكره وسينطبع فكره بدل من فكرهم. ولذلك سيبدأ مثل هذا الشخص انشقاقًا في الدين وبلبلة. مشكلة الإيمان الأعمى في المعتقدات الدينية مشكلة حساسة جدًا، ولذلك يجب على أي شخص في العالم يعتنق دين معين ألا يثق في الأشخاص ولا يثق في كتاب واحد، بل يجب أن يبحث حتى يصل إلى الراحة العقائدية في الدين. ولا سيما أن الدين جزء من التكوين الإنساني. ولذلك تجد أن لكل شخص في العالم تقريبًا له دين، حتى لو كان الدين يختلف. ولكن ستظل فكرة احتياج الإنسان للدين فكرة واقعية وحقيقية.

كيف تتعامل مع العميان لو قابلوك

هناك أشخاص كثيرون في هذا العالم يؤمنون بمعتقداتهم إيمان أعمى، لدرجة أنهم من الممكن أن يشتمونك لو اختلفت معهم، أو يبدئوا في إهانتك بطريقة شخصية. ولذلك عليك أن تتعامل بطريقة حكيمة مع مثل هؤلاء الناس ولا تجادلهم، لأن فكرة الجدال معهم ستقودك إلى الهاوية، فهم عميان لا يرون الصواب ولا يريدوا أن يروا الصواب. فحتى لو كنت تعرف الصواب وعرضته عليهم سيتهمونك بالشرير، وأنك شخص غريب عنهم ولا يجب أن تعيش معهم ووسطهم، لأنك ستؤثر عليهم سلبًا. ولذلك يجب عليك إن قابلت شخص مثل هذا أن تتجنبه ولا تتكلم معه في أي معتقد، وأن تجعل علاقتك به سطحية حتى لو هو من أراد أن يتقرب منك، فحاول جاهدًا ليس كبرياءً أن تهرب منه. لأن هذه العلاقة في الأخير ستنتهي بأنه من الممكن أن يؤذيك دفاعًا عن الإيمان الأعمى الذي يؤمن هو به. ويريدك أنت أن تكون مثله ولن يقبل فكرة الرأي الأخر. ولذلك أفضل طريقة هي أنك تتجنبه فورًا.

بالأخير، فكرة الإيمان الأعمى في أي شيء في هذه الدنيا تجعلك مثل الغائب عن الوعي. تُقَاد نحو الطريق الذي يريده لك الآخرون. لتكون واحد منهم رغمًا عنك، لأنهم يكرهوا المتميز ويخافون منه.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

2 − اثنان =