تسعة
الرئيسية » معتقدات وظواهر » الفلسفة العدمية : كيف نشأت العدمية وما هي ملامحها الأساسية؟

الفلسفة العدمية : كيف نشأت العدمية وما هي ملامحها الأساسية؟

الفلسفة العدمية حركة أدبية واتجاه فلسفي يسلط الضوء على ماهية الوجود الإنساني ومعنى الحياة وقسوة الواقع، في هذا المقال نتعرف على نشأتها وتاريخها وتطورها.

الفلسفة العدمية

الفلسفة العدمية هي اتجاه أدبي منبثقٌ من إحدى المدارس الفلسفية التي تحمل نفس الاسم. وقد برزت أفكار الفلسفة العدمية في الأعمال الأدبية بشكل أوضح عن كونها نظرية فلسفية مجردة؛ لذلك كان انتماؤها إلى الأدب هو الأقرب. وتهدف أفكار هذه المدرسة إلى إيقاظ الوعي الإنساني وتنبيهه إلى محدودية القدرة البشرية وتأكيد فكرة العدم بصفتها المآل الأخير للحياة الإنسانية. وتشير أغلب الأعمال الأدبية لهذا الاتجاه دائمًا إلى حتمية العدم وإجهاض قيمة الحياة هادفةً بذلك إلى استثارة الإدراك العقلي واتخاذ موقف ناضج من الحياة وتحفيز الجنس البشري على الارتقاء والاستعلاء واستبصاره بخصوصية ذاته المميزة له عن الحيوان وتدريب العقل على التناول العميق والمجرد لنظرته للحياة والوجود.

ما هي الفلسفة العدمية أو العبثية؟

الفلسفة العدمية ونشأتها

يعود تاريخ هذا الاتجاه الفكري إلى العصر الإغريقي حيث انتشار المسرحيات والأعمال التي تناولت فكرة العدم وصراع الإنسان مع الأقدار والمصائر الحتمية والتي تمثل دفاع الإنسان عن وجوده وأحقيته في إثبات ذاته وكينونتها ومقاومة العدم والنهاية. وقد تطورت هذه الأفكار وتبلورت عبر الزمان، وقد تناولتها الأديان المختلفة بصور متفاوتة ومعانٍ مختلفة حتى بدأت تتكوَّن في صورتها الحالية في العصر الحديث.

وقد ظهر تأثير هذه الأفكار على الأدب والرؤى الفلسفية في أوروبا اعتبارًا من القرن التاسع عشر حيث برزت بشكلٍ جلي في الأعمال الروائية الواقعية لجوستاف فلوبير التي اهتمت بنقد الواقع والنفاذ إلى جوهر الأشياء من خلال تسليط الضوء على الجوانب السلبية والبشعة منها، لذلك يعد جوستاف فلوبير واحدًا من أبرز المؤسسين لهذا التيار الفكري. وفضلاً عن ذلك تناولت أعمال آندريه دي بلزاك نفس الرؤية وتبنت نفس الأفكار. ومن ناحية أخرى كانت هناك بعض التنظيرات والشروحات الأكثر وضوحًا لأطروحات هذا الاتجاه على يد الشاعر جوتفريد بن حيث أوضح أن الهدف من الفلسفة العدمية هو وضع الإنسان أمام حالة من الصدمة تعينه وتحفزه على مواجهة حقائق الوجود بشجاعة ووعي، وأن الغاية المنشودة منها بعيدة تمامًا عن زرع بذور الذعر واليأس والاستسلام في النفس البشرية.

مباحث وأطروحات الفلسفة العدمية

تسعى أطروحات الفلسفة العدمية دومًا إلى تفسير الكون وظواهره من منظورها الخاص والمتفرد، وفي النقاط التالية نحاول إبراز بعض الرؤى الشمولية لهذه الفلسفة والمباحث التي تتناولها.

استخدام النقيض

ترى الفلسفة العدمية أن وجود الكون ما هو سوى نتيجة للوعي الذاتي للعدم من خلال استخدام النقيض وهو الوجود؛ حيث يرى العدميون أن جوهر الشئ يُدرَك بإدراك نقيضه، ومن ثمَّ يُفَسَّر الوجود الكوني بأنه الوجه الآخر للعدم ذاته والذي يحاول إدراك ذاته من خلال إدراك نقيضه. وهكذا ترى هذه المدرسة أن الوعي الإنساني مجرد جزءٌ قاصرٌ من الوعي الكلي الناتج عن محاولة للعدم لإدراك ماهيته من خلال وجوده.

ماهية العدم

ينظر هذا التيار الفكري إلى العدم بصفته جوهرًا غير قابل للإدراك الحسي ولكنه قابل للإدراك من خلال استشعار تأثيره ومشاهدة صوره المختلفة التي يتجلى فيها؛ حيث يفسر رواد هذا الاتجاه نهايات الأشياء والموت والفناء بأنها صور متعددة يتجسد فيها العدم، بل أن تحول المادة من طبيعة إلى أخرى ما هو سوى تحول إحدى صور العدم إلى صورة أخرى له.

الروح بين الوجود والعدم

تُعَد الروح من المنظور العدمي هي الفكرة والوعي وأن هذه الروح دائمًا ما تسعى إلى إيجاد الوسيط المناسب حتى تتجسد وتظهر من خلاله وهي الكلمات والأفكار المنظمة. ويمكن تفسير هذا الأمر بأطروحات القدماء الذين لم نعاصرهم ولكنهم حفظوا أرواحهم في كلماتهم التي خُلِّدَت ومن ثم انتقلت إلينا هذه الروح عبر الكلمات والأفكار، وبالتالي فإن الروح خالدة ولا تفنى بل تنتقل من وعاء إلى آخر في دورة مستمرة وأبدية حتى تزداد وعيًا ونضجًا بالإضافة والتطوير.

العدم والإيمان

يرى العدميون أن الفلسفة العدمية ليست مرادفًا لعدم الإيمان أو الإنكار المطلق لوجود أي شئ، بل هي محاولة إلى النظر بعمق إلى جوهر الأشياء مع اتخاذ منهج الشك بصفته أداةً للكشف ووسيلة للنفاذ إلى باطن الوجود وذلك بهدف زيادة الوعي والإمعان في التوصل إلى عدم الوجود.

أفكار الفلسفة العدمية

يمكن إيجاز أهم المعتقدات الفكرية التي يعتنقها العدميون وتطرحها الفلسفة العدمية في النقاط التالية:

الإمكانيات البشرية المحدودة

يرى العدميون أن البشر لديهم إمكانيات محدودة للغاية، وأن القناعات العدمية هي التي تساعدهم على إدراك وجودهم اعتمادًا على مبدأ النقيض، وهذا الأمر لا يتحقق دون التصرف الحكيم في هذه الإمكانيات وإدارتها بحصافة من أجل تجنب الشعور بالذعر والهروب إلى اليأس والخنوع أو المبالغة في الاعتقاد في الأفكار المبالغ فيها والخارجة عن نطاق سيطرته ومن ثم يتحول إلى حالم مجذوب ومنفصل عن الواقع.

الصراع العبثي

ترى هذه المدرسة أن الصراع بين البشر يصور قمة العبث؛ حيث يعتقد العدميون أن هؤلاء البشر يتصارعون من أجل البقاء، في حين أن العدم والفناء ينتظرهم جميعًا في النهاية وبالتالي فإن هذا السلوك التنافسي أمر لا طائل منه وأن هذا الصراع ما هو إلا صورة من صور العبث الذي يظهر بوضوح حينما يتخلى الإنسان عن وعيه.

رسالة التذكير

يؤمن العدميون أن رسالتهم السامية هي تذكير الإنسان دومًا بأنه كائنٌ قاصر ذو إمكانيات محدودة وأن عليه استغلال هذه الإمكانيات بأفضل وسيلة ممكن وعلى أحسن وجه.

العدم هو ذروة الوجود

من أهم الأفكار التي تطرحها الفلسفة العدمية هي أن لكل شئ نهاية حتمية، وأن هذه النهاية هي المرادف للفناء والعدم، إلا أن هذه النهاية أيضًا هي خير دليل على الوجود، وأن النهايات هي التي تمنح للأشياء قيمتها، وأن الحياة تصبح بلا معنى إذا كانت أبدية.

الرومانسية الحالمة ضعفٌ إنساني

عادةً ما ينظر العدميون إلى الرومانسية الحالمة والإمعان في الخيال على أنه هروب من الواقع وانفصال عنه؛ حيث يلجأ الإنسان إلى تلك الرومانسية هروبًا من حالة الهلع التي تنتابه حينما يدرك العدم والفناء الحتمي الذي في انتظاره وأنه يخوض معركة خاسرة من أجل وجوده، وهكذا يؤجل الإنسان لحظات انهياره أمام هذه الحقيقة من خلال خياله وتصوراته البعيدة عن الواقع ومعطياته.

إدراك العدم هو الغاية المنشودة

تفترض هذه المدرسة أن الهدف الأسمى لأي إنسان هو إدراك عدمه الذي يحقق بدوره النضوج الفكري الذي يُرَقِّي الإنسان إلى مرتبة سامية تعلو مكانته السابقة التي تساويه بالحيوان.

شمولية المعرفة الإنسانية

يسعى هذا التيار الفكري إلى المعرفة الشاملة المتكاملة غير القابلة للتجزئة؛ لذلك عملت على هدم الحواجز القائمة بين العلم والفن من أجل النهل من المنبع المباشر الذي يمد البشر بالمعرفة المجردة التي تعينه على مواجهة الواقع المؤلم وتوطد علاقته بالوجود والعالم.

وهكذا يتضح لنا أن الفلسفة العدمية اتجاه أدبي وحركة فكرية ظهرت منذ القدم وتبلورت في العصر الحديث. وتسلط هذه المدرسة الضوءَ على معاناة الإنسان من أجل النفاذ إلى المعنى الحقيقي للحياة. ولا شك أن هذه الأفكار قد واجهتها الكثير من الانتقادات التي تخالف هذه النظرة التشاؤمية للحياة لا سيما الرؤى الدينية التي ترى هذا الاتجاه نوعًا من الإلحاد والهرطقة إلا أن هذه الأفكار جديرة بالتأمل من أجل زيادة الوعي الإنساني وإدراك القيمة الفعلية لوجود الإنسان في الحياة.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

أربعة عشر − 6 =