تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » كيف تصل إلى الإدمان اللذيذ وما الذي يختلف فيه عن غيره؟

كيف تصل إلى الإدمان اللذيذ وما الذي يختلف فيه عن غيره؟

الإدمان اللذيذ سبيل الوصول للمجتمع الفاضل، والقراءة تغذي الروح، وتمحو عن النفس أدرانها، لكنها تختلف عن بقية أنواع الإدمان، فجميعها محبب للنفس.

الإدمان اللذيذ

يصل إلى أذهاننا فور قراءة كلمة الإدمان اللذيذ أنه يحمل خطأ صياغيا، أو أنه لم يُراجع جيدا قبل نشره، أو أن الهدف من نشره أن نحوِّل الإدمان من أمر سيء يجب الإقلاع عنه إلى أمر حسن نُرغِّب الناس فيه، وأننا ندعو إلى الإدمان بمعناه الواسع، وأننا نأخذ بأيدي القراء إلى هاوية سحيقة لن ينجوا منها إلا بالامتناع عن متابعتنا، وهذا غير صحيح، وأمر يوضح فساده أن نتعرف على الإدمان، وماهيته، وأنواعه، وسبل التعلق والولع به، وأسباب علاجه والإقلاع عنه، وأيضا يجلوا لنا أن للإدمان أوجه حسنة، ومقاصد جليلة، ويفتح بعضه أمامنا أبوابا من الحقيقة، ودروبا من المعرفة والتقدم والرقي.

الإدمان

الإدمان هو تكرار الشيء نفسه بالطريقة نفسها؛ للانشغال عن أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية ونفعا، حتى لو ترتب عليه عواقب ضارة بصحة الفرد العقلية أو النفسية أو الجسدية أو تضر بعلاقته الاجتماعية، والإدمان دائما ما يُشعر المرء بالنقص والقلق والاكتئاب، وقد يؤدي به إلى احتقار نفسه والخوف منها في أحيان كثيرة، وقد يتحول لمرحلة عداء المجتمع، الذي يراه أفضل منه وأنه أقل من كل من فيه.

وللإدمان أعراض عديدة، تعتبرها المراكز البحثية والمستشفيات العلاجية أعراضا واضحة للإصابة بالإدمان، بعضها نفسي كالاتجاه للعزلة والوحدة؛ بسبب قلة المهارات والهروب من مواجهة الأفكار الأخرى، والإنكار التام لإدمانه وعدم إقراره ما وصلت إليه حالته مع عدم قدرته على الإقلاع عنه، إضافة لتبرير مشاكله المتزايدة يوما بعد يوم، وإلقاء اللوم على الآخرين والمجتمع، بتهمة التسبب المباشر فيها.

أما الأعراض المؤثرة على صحته فتأتي في مقدمتها الانحلال الأخلاقي، وهو الاستعداد لفعل أي شيء للحصول على كمية ولو كانت قليلة من المخدر، وهنا تبدأ سلسلة مخالفة القانون وارتكاب الأفعال غير الأخلاقية، وتكمن مشكلة هذا العرَض في التأثير التدريجي على المجتمع، الذي سيتأثر بأفعاله تباعا، ومن هنا تبدأ حالته تسوء وتتدهور يوما بعد يوم، ويزداد معدل إدمانه، ويُضاف إلى الكمية التي يتعاطاها كمية أخرى، ما يؤدي في النهاية إلى إصابته بالحرج الاجتماعي، وتعرضه للهرب الاجتماعي في المواقف المختلفة.

حملات مكافحة الإدمان

تتعدد الحملات التي تستهدف مكافحة الإدمان، منها الحملات الإلكترونية والتلفزيونية القائمة على التوعية والتثقيف والتعريف بأضرار الإدمان وخطورته على الصحة والمجتمع، وتستهدف رفع درجة التوعية في العقل الواعي، وترسيخها في العقل اللاواعي عن طريق التكرار وتعدد طرق العرض، واستضافة علماء وأطباء وأصحاب تجارب سابقة، ومعالجتها من طرق دينية وعلمية وطبية واجتماعية ونفسية؛ فيرسخ في ذهن المتابع ألا مفر أمامه إلا الابتعاد عن الإدمان والإقلاع عنه.

لكن الشيء الملفت للانتباه في حملات مكافحة الإدمان أنها لا تنظر للجوانب الإيجابية في الإدمان، بل وتعتبر الإدمان كله محظورا يجب مجابهته، بل ولا تفتح أمام المدمنين أبوابا بديلة لإدمانهم الضار والمدمر، ما يسد أمام المدمنين أبواب التوبة والرجوع والابتعاد عن الإدمان الضار، واستبداله بـ”الإدمان اللذيذ”.

ما هو الإدمان اللذيذ

الإدمان اللذيذ هو المعالج الإيجابي للإدمان الذي نحاربه، ونبحث عن علاج له طيلة الوقت، وقديما قالوا إن القلب لا يسع شيئين متناقضين، وعليه فإن الإدمان اللذيذ لا يمكن أن يجتمع وإدمان المخدرات والأفلام الإباحية والإنترنت وغيرهم من أنواع الإدمان الذي يجب علينا التوقف عنه والابتعاد عن كل ما يقربنا منه.

الإدمان اللذيذ هو الفعل الذي نوسع به مداركنا، ونثقف به عقولنا، وننشط به ذاكرتنا، ونفتح أمامنا آفاقا من الأفكار اللامتناهية، والخبرات غير المحدودة، والموروثات السليمة، والعادات والتقاليد الحسنة، فنتبعها، وننصح باتباعها، وتجلو لنا الأفكار الذميمة والخبرات الضيقة، والموروثات السلبية، والعادات والتقاليد التي تخالف العلم، وتحارب التقدم، فنتجنبها، وننصح بالابتعاد عنها.

الإدمان اللذيذ ستجده في أماكن موجودة في بيوتنا، في أدراج مكتبنا، وفي مكتبتنا، وفي ملفات متعددة على أجهزة الكمبيوتر، وبعد اكتشاف الهواتف الذكية أصبح الإدمان اللذيذ متوفرا في أيدينا، نفتحه في كل الأماكن، في العمل والبيت والمواصلات، في غرفة المعيشة وعلى السفرة، بل ونفتحه في أحايين كثيرة على أسرة النوم، لكن السؤال الذي نطرحه: هل فكرت يوما فيما يعنيه الإدمان اللذيذ؟

الإدمان اللذيذ هو القراءة، والتمتع بما تحتويه الكتب من درر لا تظهر إلا بمطالعتها، واستكشاف بواطن ما فيها، والبحث في مكنوناتها، واستقراء ما تتحفنا به بالطرق كلها، سواء بالعيش بين سطور الكتب والمراجع، والاستمتاع لمنتجات تلفزيونية تبث المحتوى في منتجات مرئية ومسموعة.

القراءة هي نوع راقٍ من الإدمان، وهي إحدى أنواع الإدمان المحمود، بل وتعد القراءة أمتع أنواعه، وأكثرها إبعادا عن الإدمان المذموم، ولا غرو في أن الشعوب التي تقرأ هي التي تقود العالم، وهي التي تضع له سياساته، وتبني له اقتصاده، والقراء هم القادة كما يقول المثل الإنجليزي؛ بسبب ما يكتسبون من خبرات، وما يكتسبون من قدرة على الاستنتاج والاستقراء.

كيف تصل إلى الإدمان اللذيذ

لكي تصل إلى الإدمان اللذيذ، وترسخ مبادءه في عقلك، وتضبط بوصلتك عليه، فلن يكون هذا إلا بمزيد من الجهد والتدريب المستمر والتمرين، ومن رغب في القراءة بذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليها؛ لما فيها من نشاط ذهني وتغذية روحية وتنمية إدراكية ومعرفة علمية، وحتى تستطيع الوصول إلى متعة القراءة، وتحويلها إلى حالة من الإدمان لا تفارقك، فعليك اتباع الآتي:

  • القرار: قرر منذ الآن أن تكون قارئا جيدا، بل ونهما، بل أن تكون على رأس قائمة الناجحين، الباحثين عن الخبرات المكثفة، المتبحرين في كل العلوم.
  • خطة العمل: ضع برنامجا زمنيا، تستهدف من خلاله الانتهاء من قراءة جزء ثابت من الكتب، لا تتنازل عن تنفيذ الخطة الموضوعة ولو كلفك الأمر التخلي عن بعض الأشياء الأقل أهمية من القراءة.
  • اختيار الوقت المناسب: اختر أفضل أوقات نشاطك خلال اليوم، وليكن هذا الوقت خاليا من الضوضاء والإزعاج، ولتبدأ بعدد ساعات قليلة تزيد تدريجيا كلما اعتدت تنفيذ المهمة بنجاح لعدد أيام كافٍ.
  • الاختيار الجيد للموضوعات: ولتبدأ باختيار الموضوعات الشيقة، والمحتويات القصيرة، وغالبا ما تكون هذه المحتويات في كتب الجيب، والروايات، والقصص القصيرة.
  • التدوين: ركز فيما تقرأ على الفوائد التي تمر بك، ودون هذه الفوائد في دفتر صغير باستخدام الأقلام الملونة لتعود إليها وقت الحاجة إليها؛ ما يحقق لك الإمتاع والأنس والإفادة، خاصة إذا عدت للكتاب مرة أخرى.
  • الاستغراق: اقرأ في كل مكان، واصطحب معك الكتاب أينما حللت، وحيثما ذهبت، واشغل أوقات انتظارك بمطالعة محتوى مكتوب، حتى ولو كان مقالا في مجلة، أو قصيدة شعرية قصيرة.
  • الاستعانة بأصدقاء أدمنوا القراءة: فالأصدقاء أصحاب هواية المطالعة الضخمة عادة ما يدفعون أصدقائهم إلى هواياتهم، فالصاحب ساحب، وما من شيء أكثر تأثيرا على المرء من صاحبٍ له هوايات مستمتع بها.
  • معرفة قيمة القراءة: ولا تكتفي بأن تعرف قيمة القراءة بشكل نظري، بل طالع كتبا ومؤلفات توضح أهمية القراءة ككتاب القراءة أولا لعدنان سالم، ولماذا نقرأ لعبد الكريم بكار.
  • أخيرا كافئ نفسك إن أنجزت خطة زمنية معينة، وضاعف مكافأتك إن داومت على الحفاظ على إنجازك.

محمد الجداوي

أضف تعليق

ثمانية عشر − 16 =