تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » أصل الموسيقى : كيف ترتبط الموسيقى بالفطرة الإنسانية الأولى ؟

أصل الموسيقى : كيف ترتبط الموسيقى بالفطرة الإنسانية الأولى ؟

يتعلم الإنسان الإيقاعات الموسيقية قبل أن يتعلم الكلام، لذلك كان أصل الموسيقى مرتبطًا بالفطرة الإنسانية كما سنرى في هذه السطور التي تحلل الفكر الموسيقي.

أصل الموسيقى

توماس فريتز قال يوماً أن الموسيقى عامل من العوامل التي تجعلنا بشر، وإن أصل الموسيقى متأصل داخلنا كأنه فطرة، وما حاول البعض تحريم الموسيقى سيظل الإنسان ينفعل عاطفياً عند كل دقة ونغمة. أصل الموسيقى غامض جداً ومن أهم الدارسات التي يجري عليها العلماء لمحاولة معرفة متى وكيف بدأت الموسيقى وما دورها في تطور الإنسان. وإنما الأكيد هي أنها تتأصل في البيولوجية الإنسانية ومهما كانت ثقافة الموسيقى سيظل أي إنسان يتفهم ما هي مشاعر العازف حين ألفها. في هذه السطور ستتعرف أكثر على أصل الموسيقى وارتباطها بالإنسان الأول.

أصل الموسيقى وارتباطها بنشأة الإنسان

أصل الموسيقى يختص بالإنسان فقط

يرتبط الإنسان والحيوان في الكثير من الغرائز وحتى الحركات إلا فيما يختص بالموسيقى. قد تجد بعض العصافير تغرد صباحاً وبعض الحيوانات تغني في موسم التزاوج ولكن الإنسان وحده هو من استخدام أكثر من مجرد صوته لينتج نوع من النغمات الموسيقية. لذلك أصل الموسيقى موضوع معتقد ويصعب تحديد متى كانت أول موسيقى ظهرت بالتاريخ، ولكن الأكيد أنها ترافقت مع كل مراحل تطور الإنسان منذ أن طرق على الخشب فوجد أنه يستطيع تقليد أصوات الطبيعية المميزة. ومن بعد ذلك تعلم الإنسان كيف يعزف أنواع من موسيقى تثير فيه المشاعر المختلفة، فالموسيقى وحدها قادرة على إيصال مشاعر الخوف أو الفرح أو الحذر بدون أي كلام أخر لذلك فهي طريقة للتواصل بين البشر من مختلف الثقافات واللغات المختلفة. ولها قدرة كبيرة بيولوجياً على الإنسان فتؤثر على نفسيته وبالتالي جسده كله.

مع ذلك نجد بعض الحيوانات ترقص عند سماع الموسيقى أهمهم الببغاء والفيلة والكلاب والقرود والدولفين. ولا أقصد الحيوانات التي تم تدريبها في السيرك بل التي ترقص بمفردها عند سماع الموسيقى لأول مرة وتم ملاحظتها ليس إلا. الدليل القاطع على تفاعل تلك الحيوانات تجده حين يتم إبطاء أو زيادة سرعة الموسيقى فتجد الحيوان اندمج مع ذلك التغير. مما يدل على إن الإحساس بالموسيقى هو إحساس بيولوجي تطور مع الزمن والإنسان على رأس قائمة ذلك التطور كالعادة.

أول آلة بالتاريخ

بعام 2008 تم العثور على أقدم آلة موسيقية عرفها الإنسان أو على الأقل ما نعرف نحن اليوم أنه استخدمها. الآلة هي ناي يشبه تماماً الناي المستخدم الآن. هذا الناي مصنوع من العظام، عظام الوز البري بالتحديد، وتم اكتشافه في مغارة بجنوب ألمانيا. يحتوي الناي على خمس فتحات لتغير أصوات النغمات، طوله 22 سنتمتر وقطره أقل السنتيمتر بقليل. بعد إجراء الدراسات عليه وجد العلماء أن عمر هذا الناي 43 ألف سنة وهو تابع لحضارة اوريغناك وبذلك هو يعبر عن أصل الموسيقى التي تأصلت في البشرية.

الشعوب استخدمت الموسيقى كلغة للتواصل عن بعد

في أفريقيا الغربية ومع القبائل التي تعيش على مسافات بعيدة كانت وسيلة التواصل صعبة جداً، أما قبائل اليوروبا بنيجيريا وأيضاً قبائل الكونغو ابتكروا طريقة جديدة ألا وهي قارعات الطبول. صنعوا طبولاً على شكل كأس كانت تسمى “دوندو” واستخدموا أيضاً جذوع من الأشجار المختلفة التي يتم تفريغها من الداخل ونحتها بأشكال بديعة من الخارجة. وبهذه الطبول استطاعوا إرسال إشارات صوتية إلى القبائل المجاورة كنوع من التواصل لأن تلك القارعات كانت تصل عبر الوديان أعلى من أي صوت بشري. لم تكن النغمات متفق عليها لإرسال رسائل معينة بل استغلوا الأصوات المركبة لتكوين معاني كثيرة تماماً كحروف اللغات المختلفة، ولن تستطيع أنت تميز تلك اللغة إنما أبناء الأرض كانت بالنسبة لهم لغة عادية جداً ومفهومة. بذلك نستطيع القول إن أصل الموسيقى ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالتواصل البشري.

هل الموسيقى قادرة على إيصال نفس الأحاسيس رغم اختلاف الثقافات؟

هذا السؤال شغل بال العلماء كثيراً لأن الإجابة هي المهمة، بمعنى لو إن الإنسان في العموم قادر على الوصول لمشاعر العازف من خلال الموسيقى التي يسمعها لأول مرة فقط، إذاً الموسيقى لغة تواصل أكثر مما نتخيل بل وإنها ولها جذور في الإنسان بيولوجياً. لمعرفة الإجابة بحث العالم توماس فريتز من ألمانيا بين أدغال أفريقيا عن شعب لم يعرف الموسيقى التي نسمعها نحن اليوم أبداً، فوجد شعب مافا في الكاميرون وهو شعب لا يعرف الكهرباء ولم يسمع يوما موسيقى من أي نوع والموسيقى الخاصة بهم تقليدية وقديمة جداً تخص ثقافتهم. اختار العالم 21 شخص من مختلف الأعمار من الرجال والنساء وأسمعهم قطع موسيقية حديثة مختلفة، كلاسيك وروك وجاز وبوب وغيرها، بالسمع فقط دون مشاهدة العازف نفسه. بعد كل قطعة كان يعرض العالم صوراً تعبر عن المشاعر الإنسانية مثل الفرح أو الحزن أو الحذر وطلب منهم اختار المشاعر المناسبة كما شعروا هم لكل قطعة موسيقية. النجاح كان بنسبة 60% في كل القطع وبذلك استنتج العالم أن الموسيقى قادرة على التواصل بين البشر في مختلف الثقافات لأسباب أهم من مجرد اعتياد سماع الموسيقى، وإنها مفهومة للجنس البشري كله وكأنها فطرة متأصلة منذ الولادة.

هل الطفل الرضيع لديه تذوق موسيقي؟

إجابة أخرى تقربنا من معرفة أصل الموسيقى وما إذا كانت مرتبطة بالعقل البشري. نحن الكبار عند سماعنا للموسيقى تأثر في مشاعرنا وتغير من المزاج العام، وحين تنظر في التصوير الدماغي للإنسان تجده يتفاعل مع الموسيقى وكأنها تلعب بالأعصاب. التذوق الموسيقي يمكن ملاحظته بسهولة لو أنك كنت تسمع نغمات موسيقية تتكرر وفجأة تتغير فيها نوتة واحدة فقط، ذلك التغير حين تشعر أنت به يكون نتيجة تفاعل عقلك مع النظام الموسيقى الذي يهيئك لسماع نوتة معينة قادمة ثم يفاجئ بتغيرها. في دراسة هنغارية تم ملاحظة أدمغة 14 رضيع تحت سن السنة وهم يستمعون إلى الموسيقي لمعرفة ما إذا كان لديهم تذوق موسيقي وسيكتشفون الفرق في النغمات. البديع بالأمر أنهم اكتشفوها بالفعل أو على الأقل أدمغتهم، وكانت الأدمغة تتهيأ للقفز بالموسيقى كما في المعتاد ولكنه حين لم يحدث تفاجئ وتغير النشاط الدماغي. وبذلك نعرف أن التذوق الموسيقي شيء موروث وليس مكتسب فقط من البيئة.

دراسة كندية أخرى أثبتت أن الموسيقى تنشط مناطق معينة بالدماغ وتلك المناطق مرتبطة تماماً بنشاط احتياجات غرائزية أخرى مثل الطعام والشراب والجنس، مما يعني أن أصل الموسيقى يأتي من الداخل وهي احتياج إنساني. من لديهم صمم تذوق موسيقي تكون المشكلة في الحقيقية عصبية تماماً كالإنسان الغير قادر على الكلام ولكنه يسمع، فإذا كان الشخص غير قادر على تمييز النغمات الموسيقية كما نميزها نحن فلن يكون لديه أي مشكلة في القدرات العصابية الأخرى. ومن ضمن المصابين بصمم التذوق الموسيقي الأشهر بالتاريخ هم الرئيس الأمريكي السابق روزفلت والقائد الثوري تشي جيفارا. والإحصائيات تقول إن 4% من البشر لا يميزون الموسيقى وهم مولودين هكذا بعيب خلقي في الأعصاب ولكن أبناء الموسيقيين المشاهير يتوارثون تذوق موسيقي أعلى من أي شخص أخر.

الفرضية الصفرية عن أصل الموسيقى

يعتبر العلماء الموسيقى عند الإنسان حاسة من حواسه أي القدرة على الإحساس وإنتاج الموسيقي. ولكن ما ارتباط أصل الموسيقى بالتطور الإنساني أي كيف تمكن الإنسان الأول من امتلاك هذه الحاسة؟ هذا السؤال أجاب عليه عالم الأعصاب ستيفن بنكر بما أسماه الفرضية الصفرية. تلك الفرضية تقترح أن أصل الموسيقى هو نتاج ثانوي لوظائف تطورية كثيرة، وتلك القدرة قادمة من قدرة العقل على تنظيم وتصنيف الموجات الصوتية حسب قواعد وقوانين حدثت مع طوره تسمح لها بالضغط في مناطق معينة، والمشاعر التي تشعلها النغمات تكون بسبب قربها مع أصوات أخرى مثل أصوات الأطفال والطبيعة والحيوانات والعقل ينظمها فقط. مع إن تلك الفرضية ممكنة إلا إن هناك نظرية أخرى محتملة والتي تقول إن الموسيقى نتائج الاصطفاء الجنسي أي أنها تحرك مشاعر جنسية بداخل الإنسان بطبيعته البيولوجية، والدليل هو امتلاك أغلب الموسيقيين والمغنيين جاذبية خاصة عند الفتيات وليس السبب في الشهرة والنجومية لأن الموسيقي الغير مشهور يجد عند محبوبته قبول أكثر وأسهل من أي شخص أخر. الفرضية الأخيرة تواجه النقض في فكرة حب الموسيقى المعزوفة أياً كان جنس العازف، وكذلك الأطفال غير البالغين يتشاركون الكبار في الذوق رغم عدم نضوجهم الجنسي بعد.

الموسيقى هي السبب في نشوء اللغة

أصل الموسيقى يبدو معقد جداً والعلم لا يستطيع الإجابة عليه بسهولة، ولكن هناك فرضية يتفق عليها الكثير من العلماء في فكرة أصل نشوء اللغة، أي إن السبب الرئيسي لظهور اللغات الأولى للإنسان هي الموسيقى. الموسيقى في أغلب الآلات البشرية والصوت البشري يخرجون بنفس الطريقة، البشر يستخدمون أوتار وأحبال صوتية في الحنجرة ليخرج الصوت واللسان يتحكم في تنظيم الحروف، أي إن تلك العملية لا تختلف أبداً عن طريقة ترتيب النغمات ليخرج صوت معين والإنسان عندما يتكلم لا يفعل أكثر من عزف بعض أصوات الحروف لتخرج الكلمة من فمه. تطابق طريقة كلام البشر مع عزف الموسيقى جعل العلماء يتساءلون عن سبب قرب العملية. الاحتمال الذي يفرضه العلماء يقول بأن الإنسان في بادئ الأمر أخرج أصواتاً بسيطة تماماً كالحيوان وكأنه طفل رضيع يناجي أمه، تلك الأصوات جعلته يتواصل مع باقي البشر من حوله كما تتواصل الأم مع أطفالها بأصوات لا معنى له سوى بتواصل المشاعر، وعندها بدأ الإنسان بتحديد بعض النغمات ككلمة يطلقها على شيء معين وتطور الأمر ليصير لغة أولية تتطور مع تقدم الإنسان في المفاهيم والمعاني.

الموسيقى والتلقيح الصناعي

لو كانت بالحقيقة الموسيقى ترتبط بالعوامل البيولوجية للإنسان فيجب أن نشاهد لها تأثير في أولى مراحل تكوين الأجنة البشرية. من الصعب أن نلاحظ تأثير الموسيقى على عملية التخصيب الطبيعية بغض النظر عن استخدامها لإشعال الشغف الجنسي للزوجين، هل لها تأثير على الإخصاب؟ قد لا نلاحظ تلك العملية بداخل الرحم ولكننا نستطيع ملاحظتها بالخارج أي في التلقيح الصناعي وهذا ما تفعله عيادة لأطفال الأنابيب بإسبانيا. بحيث تستخدم الموسيقى في تهدئة البويضة حتى يتسنى للحيوانات المنوية تمام التخصيب. في تلك العيادة وبعد أخذ البويضات من الأم والحيوانات المنوية من الأب يتم تشغيل موسيقى للبويضة وأظهرت التجارب نجاح أكبر مع الموسيقى عن التلقيح الصناعي بدون الموسيقى. أول طفل يتم ولادته بتلك الطريقة هو الطفل البريطاني فريدي وهو يملك من العمر الآن العام ويلاحظ عليه حبه وشغفه بالموسيقى الشديد، حتى إنه ينام فقط على أصوات الموسيقى.

كما أشارت دراسات أخرى على إن استماع الأم الحامل إلى الموسيقى خاصة الكلاسيكية تساعد الجنين على النمو الصحي الهادئ ويكون في المستقبل أكثر ذكاء وذلك من بعد الأسبوع الرابع عشر حيت تكتمل القدرة السمعية للجنين. وأيضاً الموسيقى تعمل على زيادة الحليب في صدر الأم المرضعة، وفي بعض مزارع البقر الآن يتم تشغيل الموسيقى عند حلب البقر وذلك بسبب ملاحظة زيادة اللبن وقت تشغيل الموسيقى.

الخلاصة عزيزي القارئ أن أصل الموسيقى يرتبط مع أصل الإنسان في كل شيء حتى في العمليات الحيوية، وهي ليست مجرد فن بل هي احتياج نفسي وجسدي مثل باقي الغرائز المهمة بالإنسان.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

1 + 14 =