تسعة شخصيات

سيسل رودس .. البريطاني المستحوذ على 90% من ماس العالم

سيسل رودس

سيرة حياة سيسل رودس : من أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ الامبراطورية البريطانية سياسياً واقتصادياً. فما الإنجازات التي حققها وكيف ساهم في ارتقاء دولته ؟

سيسل رودس هو أحد أبرز السياسيين ورواد الأعمال في زمن الامبراطورية البريطانية العظمى، لعب دور فعال في توسعة الامبراطورية البريطانية وفرض سيطرتها على مناطق أوسع من العالم وخاصة في منطقة إفريقيا الجنوبية، كما كان له دور في إرساء قواعد السياسة الاقتصادية للامبراطورية وتنميتها.. يعرف سيسل رودس بلقب ملك الألماس وذلك لأنه من رواد هذا المجال، حيث قام بإنشاء شركة دي بيرز وهي شركة متعددة الجنسيات وتعد من أضخم الشركات في مجال التعدين وهي المسيطرة على النسبة الأكبر من مناجم الألماس في العالم حتى يومنا هذا.

سيسل رودس .. من هذا ؟

سيسل رودس هو أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ الامبراطورية البريطانية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.. فترى كيف كانت حياته؟ وما الإنجازات التي حققها وكيف ساهم في الارتقاء بالامبراطورية الأكبر في ذلك الزمان؟

الميلاد والأسرة :

 سيسل رودس واسمه بالكامل سيسيل فرانسيس رودس، ولِد في الخامس من يوليو عام 1853م وكان ذلك في مقاطعة هيرتفوردشاير الواقعة في جنوب إنجلترا، ونشأ رودس في كنف أسرة بريطانية مسيحية متوسطة الحال ذات سمعة طيبة وتحظى باحترام الجميع، حيث أن والده كان أحد رجال الدين التابعين لأساقفة كانتربري وهو القس فرانسيس وليام رودس، أما والدته فقد كانت ربة منزل تدعى لويزا باكوك رودس.

سيسل رودس كان له أربعة أشقاء هو أصغرهم، وأشهر أشقائه الخبير العسكري فرانسيس وليام الابن الشهير باسم فرانك رودس، الذي خدم بالجيش البريطاني لمدة 23 عاماً شارك خلالها في عدد كبير من المعارك كان النصر حليفاً له في أغلبها، ولهذا يعد واحد من أشهر العسكريون في التاريخ البريطاني.

الدراسة والانتقال إلى جنوب إفريقيا :

بدأ سيسل رودس مسيرته الدراسية من خلال إحدى المدارس البريطانية متوسطة المستوى وهي مدرسة رودس ستورتفورد وكان عمره آنذاك تسع سنوات تقريباً، وفي شبابه أصيب رودس بمرض الربو وأدى ذلك إلى تدهور حالته الصحية بشكل ملحوظ، حتى أن والده خشي أن يكون ابنه قد أصيب بمرض السل الذي كان منتشراً في تلك الحقبة الزمنية.

أشار بعض الأطباء إلى أن تغير المناخ قد يساهم في تحسين صحة الشاب المريض، وكان هاربرت رودس الشقيق الأكبر لسيسل يستعد في تلك الفترة للانتقال إلى جنوب إفريقيا -الواقعة تحت سيطرة بريطانيا العظمى آنذاك- بهدف العمل، فاقترح الوالد أن يصحب شقيقه الأصغر سيسل رودس معه إلى هناك لعل المناخ الإفريقي يساهم في شفائه من المرض.

يذكر أن رودس سيسل في وقت لاحق قطع سفريته إلى جنوب إفريقيا وعاد لبريطانيا لاستكمال دراسته، وقد تمكن من الالتحاق بجامعة إكسفورد ولكنه لم ينتظم في الدراسة بها لفترة طويلة بسبب انشغاله، حيث أنه في تلك الفترة كان قد بدأ العمل في مجال استخراج وتوريد الماس.

حياته في جنوب إفريقيا :

حين وصل سيسل رودس إلى جنوب إفريقيا كانت جيوبه خاوية إلا من نقود قليل كان قد اقترضها من عمته صوفيا قبل سفره، ولعله هو نفسه لم يتخيل أن ذلك المبلغ الصغير سيكون رأس مال لواحدة من كبرى المؤسسات الاقتصادية في العالم.. عمل الشقيقين هاربرت وسيسيل في مجال الزراعة وحاولوا استصلاح بعض الأفدنة وزراعتها بالقطن، لكن لقلة خبرتهما في المجال لم يدركا أن الأراضي التي اختاروها غير صالحة للزراعة بهذا المحصول إلا في وقت متأخر، مما أدى إلى فشل المشروع وخسارتهما للنسبة الأكبر من المال الذي جاءوا به إلى إفريقيا.

تجارة الماس الاولى :

في أكتوبر 1871م وبينما كان سيسيل رودس في الثامنة عشر من عمره انتبه إلى أن هناك ما هو مُربح أكثر من زراعة القطن وهو تجارة الماس، ذلك المعدن النفيس الذي يتوفر بكثرة في منطقة كيمبرلي الواقعة ضمن مقاطعة كيب في جنوب إفريقيا.. لم يكن سيسل رودس يملك رأس المال الذي تتطلبه إقامة مثل ذلك المشروع فقام بعرض الأمر على عائلة روتشيلد التي قبلت بتمويله.

خلال فترة قصيرة نسبياً تقدر بحوالي 17 عاماً فقط كان سيسل رودس قد تمكن من الهيمنة على تجارة الماس في كيمبرلي، واستطاع تكوين ثروة طائلة جعلته أحد أغنى رجال الأعمال البريطانيين في تلك الفترة.

الاحتكار والهيمنة على سوق الماس :

ابتداءً من عام 1880م توسع سيسل رودس في عمله في مجال استخراج وتجارة الماس، وفي عام 1888م قام بتأسيس شركته الخاصة شركة دي بيرز ومن خلالها أحكم سيطرته على النسبة الأغلب من حقول الماس في العالم، وبعد عامين فقط تمكن من احتكار تجارة وتوريد الماس في العالم، وقد تمكن من تحقيق ذلك من خلال عقده شراكة تعاون مع غرفة تجارة الماس الواقعة في لندن، حيث اتفق الطرفان على التحكم في معدلات العرض العالمي من الماس للحفاظ على الأسعار في حالة ارتفاع.

يذكر أن شركة دي بيرز التي أسسها سيسيل رودس كانت تسيطر على سوق الماس العالمي بنسبة 90% تقريباً في تلك الفترة، ولكن تراجع دورها بعد سقوط الامبراطورية البريطانية وصارت تسيطر فقط على 60% من حجم تجارة الماس في العالم.

السياسة :

في عام 1881م تم انتخاب سيسيل رودس ليشغل منصب رئيس الحكومة ومبعوث الامبراطورية البريطانية في مستعمرة الكاب في جنوب إفريقيا، ومن خلال منصبه السياسي ساهم رودس في توسعة رقعة الامبراطورية البريطانية فقام بضم منطقة بتسوانا إليها في عام 1885م ثم في وقت لاحق ضم إليها الجزء الأكبر من منطقة ماتابيل.

التأثير :

يعد سيسيل رودس أحد رموز الوطنية البريطانية، فقد أفنى الرجل حياته في خدمة وطنه بأشكال عديدة سواء من خلال استثماره في مجال التعدين والذي كان يصب في صالح الاقتصاد البريطاني في المقام الأول، هذا بخلاف عمله السياسي والذي كان له دور بارز في تمديد الامبراطورية البريطانية وفرضها لسيطرتها على العديد من المواقع الجديدة خاصة في منطقة جنوب إفريقيا.

حياته الخاصة المثيرة للجدل :

لم يتزوج سيسيل رودس طيلة حياته ولم يطمح يوماً إلى تكوين أسرة، وكان ذلك سبباً في إثارة الجدل حوله حيث ذهب بعض المؤرخون للقول بأنه كان مثلي الجنس، إلا إنهم لم يأتوا بأي دليل ولو ضعيف ليبرهنوا به على صحة ذلك، في حين رأى الأغلبية أن عدم زواج رودس يرجع إلى انهماكه التام في العمل السياسي والاستثماري وكثرة سفره وانتقاله، كما رأى البعض أن ربما حالته الصحية لم تكن مناسبة للزواج، فمن الثابت تاريخياً أن سيسل في طفولته قد عانى من العديد من الأمراض وكان شديد الضعف، ولعل ذلك أثر بصورة سلبية على صحته الجنسية ولهذا لم يتزوج.

التكريم والاحتفاء :

كرمت إنجلترا ذكرى سيسيل رودس بعِدة أشكال باعتباره واحد من رموزها الوطنية والاقتصادية، ومن أمثلة أساليب تكريمه الآتي:

  • إقامة تمثال لرودس في منطقة كيمبرلي بجنوب إفريقيا
  • إقامة نصب تذكاري لرودس في منطقة كيب تاون
  • إقامة تمثال نفسي لرودس في كيب تاون
  • إقامة تمثال نصفي على جدار العقار رقم 6 بشارع الملك إدوارد وهو العقار الذي كان يقيم به رودس خلال فترة دراسته في أكسفورد

وفاته ووصيته :

توفي سيسيل رودس في السادس والعشرين من 1902م نتيجة تعرضه لأزمة قلبية، وقد أوصى بأن تسخر ثروته المالية لمجالات الخدمة العامة، كما قدم منحة سخية لصالح جامعة إكسفورد لتطوير العملية التعليمية.

محمود حسين

محمود حسين، مدون وقاص مصري، خريج كلية الآداب جامعة الإسكندرية، الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة، وأري أن وصفها المهنة امتهان لحقها وقدرها، فالكتابة هي المتعة، وهي السبيل لجعل هذا العالم مكان أفضل

أضف تعليق