تسعة مجهول
سفاح تارودانت
الرئيسية » جريمة » سفاح تارودانت : سفاح أثار الرعب في المغرب لفترة طويلة

سفاح تارودانت : سفاح أثار الرعب في المغرب لفترة طويلة

سفاح تارودانت سفاح مغربي يدعى عبد العالي الحاضي يعيش في تارودانت وهو الآن مسجون بتهمة قتل واغتصاب أكثر من ثمانية أطفال، إليكم قصته.

من النادر جدًا أن نسمع بقصص للسفاحين في العالم العربي، لأن عالم فطرته سليمة وجرائمه تكاد معدودة على أصابع اليد الواحدة، لكن سفاح تارودانت ، والذي عاش في جنوب دولة المغرب العربي، جاء ليؤكد أن الشر مرتبط بالإنسان فقط، أيًّا كان المكان الذي يعيش به، وقد كان عبد العالي الحاضي، السفاح وبطل قصتنا الشرير، من هؤلاء الذين يحملون الشر في قلوبهم، وبالتأكيد هذا ليس افتراء، فيكفي أن نعرف أن ذلك الرجل قد قام بقتل واغتصاب حوالي ثماني أطفال، ليس هذا فقط، بل إنه قد أخفى جثثهم بالصدفة، ولولا القدر وتصرفاته الغريبة لما استطاع أحد اكتشاف ما كان يفعله هذا الرجال من كوارث جنوب تارودانت، عمومًا، كيلا نُسهب في التقديم، دعونا ندخل مباشرة في الموضوع ونتناول سويًا في السطور الآتية قصة سفاح تارودانت الشهير عبد العالي الحاضي، من هو وكيف وصل به الحال إلى هذه النهاية الكارثية.

من هو عبد العالي الحاضي؟

أولى مفردات قصتنا الغريبة تتمثل في صاحبها، الشخص الذي عاشها وجعلنا مُجبرين على الجلوس الآن من أجل حكايتها وأخذ العظات منها، فاسمه هو عبد العالي الحاضي، وبلده هي تارودانت، أما وطنه فيُعتبر أحد أعرق الأماكن العربية، دولة المغرب، والحقيقة أن كون ذلك الشخص عربي الأصل والمنبع كان يضمن له فطرة سليمة للغاية، خاصةً وأنه قد وُلد في نهاية العقد السابع من القرن العشرين، وهو وقت بدأ فيه استقرار أغلب الدول العربية ونيلها للاستقلال، وطبعًا كما هي العادة في كل السفاحين الذين ظهروا على الساحة فإن ثمة عامل مشترك يجمع بينهم جميعًا، وهو أنهم قد لقوا الكثير من العذاب خلال سنوات طفولتهم، فكيف كانت يا تُرى طفولة عبد العالي الحاضي، سفاح تارودانت المخيف!

طفولة سفاح تارودانت

لم تختلف طفولة عبد العالي الحاضي عن طفولة أي شخص آخر عاش حياة السفاحين وأزهق بيده الكثير من الأرواح، ففي البداية كانت الضربة الأولى متمثلة في موت والدته، والتي قضت بينما كان هو لا يزال طفل صغير يتعلم بالكاد المشي، وربما يُمكنكم تخيل أن الأب سوف يتحمل مسئولية الطفل الصغير ويقوم بدور الأم والأب، لكن ذلك لم يحدث، بل إنه قد تركه وذهب للزواج بينما كان عبد العالي لا يزال في الخامسة من عمره، ومن هنا كانت البداية.

الشق الثاني المريب في حياة أي سفاح يكون التحرش حاضرًا فيه وبقوة، وهذا ما توافر في سفاحنا عبد العالي الحاضي، فقد كان الطفل المسكين يتعرض للتحرش والاغتصاب على يد أبناء عمومته وجيرانه وكذلك بعض أصدقائه في المدرسة، كان يُعاني، ولم يكن أحد يُدرك أنه ربما سيأتي اليوم الذي يحدث فيه الانفجار الذي يُدمر كل شيء، وهذا ما حدث بالفعل، لكن دعونا الآن نترك الحاضي ونركب آلة الزمن سريعًا ونذهب إلى شهر أغسطس الموجود في عام 2004، وتحديدًا في الجنوب القابع في دولة المغرب، حيث واحدة من الاكتشافات المُدهشة التي حدثت في هذا الشهر.

ظهور جريمة تارودانت

قبل كل شيء يجب أن تعرفوا أن كلمة تارودانت تعني بأحد اللغات القديمة الأولاد ذهبوا، وكلمة الأولاد ذهبوا في الحقيقة أقرب شيء إلى ما حدث في أغسطس 2004 عندما اكتشف أحد المارة بعض الهياكل العظمية والجماجم التابعة للأطفال مُلقاة أمام الوادي الواعر بالقرب من هذه المنطقة، وبالطبع قام المارة على الفور باستدعاء الشرطة وطلب كل الجهات المعنية من أجل التحقيق في هذا الأمر الذي بدا لهم مرعبًا.

بالفعل حضرت الشرطة، وكان أو ما فعلته أنها قد أخذت تلك الهياكل والجماجم من أجل عمل الإجراءات الطبية المناسبة لها، والتي أكدت على أن الجماجم تابعة لأطفال تتراوح من سن الثامنة وحتى سنة العاشرة، وأنهم قد قضوا قبل وقت طويل بعض الشيء، ربما يكون ثلاثة أعوام، وبالتأكيد كان المنطقي أن تُحقق في هذه الكارثة وتبحث عن الجاني، والذي بدا من المنظر الموجود أمامهم شخص بلا قلب أو عقل أو أي مشاعر عمومًا، وعلى الفور أُطلق عليه لقب سفاح تارودانت.

البحث عن الجاني

كان الشغل الشاغل في هذا الوقت للشرطة المغربية هو البحث عن سفاح تارودانت، والذي كان مجهولًا بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فلم يكن ثمة دليل يُذكر عليه، وبالتأكيد كان مكان العثور على الهياكل والجماجم هو مسرح الجريمة ومكان البحث المستمر، ولهذا فإن الشرطة قد شكت بالبداية في بعض الأجانب الذين كانوا يقطنون هذه المنطقة، حيث رجحوا أن يكونوا قد قاموا بقتل الأطفال بدعوى إجراء بعض الأفعال الشاذة لهم، لكن، مع التحقيق اكتُشف أنهم ليسوا على علاقة أبدًا بما حدث، وكنتيجة منطقية تم إخلاء سبيلهم.

عاودت الشرطة البحث من جديد في مسرح الجريمة، كان الأمر محيرًا بحق، فلم يكن ثمة دليل أو خيط رفيع يقود إلى شيء، وكان القاتل قد تبخر وتبخر معه كل الأدلة الممكنة، ولكن، في مرة بحث أخيرة، وبقدرة سماوية بحتة، عثر أحد المحققين على أحد الأوراق المُتسخة والملقاة في مسرح الجريمة بطريقة لا يُمكن مُلاحظتها، وقد كانت تلك الورقة أكبر دليل يُمكن أن تحصل عليه في جريمة كهذا، حيث كُتب بها اسم قاد إلى كل شيء فيما بعد، الحاضي.

الوصول إلى الحاضي

نعود إلى ما بدأنا به الحديث، وهو عبد العالي الحاضي، حيث بات بإمكاننا الآن الربط بين سفاح تارودانت وذلك الحاضي، وهذا ليس مجرد تكهنات، فقد قادت الورقة التي عُثر عليها إلى أحد المحلات القريبة من المكان وتحمل اسم الحاضي للمأكولات، ذلك المحل التابع إلى بطلنا الأول عبد العالي الحاضي، وبالبحث عن هذا الرجل اكتُشف أنه يسكن في كوخ قديم، وما هي إلا ساعات قليلة حتى تم مداهمة الكوخ والقبض على الحاضي الذي كان يجلس في مكانه دون أي ردة فعل، وما إن دخلت الشرطة عليه حتى قال صراحة “أهلًا بكم، لقد كنت أنتظركم”، وهذا طبعًا لا يدع مجالًا للشك أو التفكير في كون الحاضي هو سفاح تارودانت أم لا، لكن السؤال الآن، كيف حدث كل ذلك؟ ولماذا؟

كيف كان يحدث ذلك؟

كان الوضع جنونيًا بحق، ففكرة أن يكون هناك قاتل متسلسل عربي ربما تكون مقبولة بعض الشيء، لكن أن يكون سفاحًا متخصصًا في الأطفال فقط فهذا هو سبب الجنون الحقيقي، لكن لم يكن ثمة وقت للاندهاش مما يفعله الحاضي، كان الجميع بحاجة إلى الطريقة التي كان ينفذ بها جرائمه، والواقع أنه لم يُنكر أو يحاول حتى، بل كان متعاونًا إلى أقصى حد ممكن، ولذلك خرجت منه الاعترافات سلسة ودون أي عناء من الشرطة ورجال التحقيق.

قال الحاضي في اعترافه أنه كان يغوي الأطفال بالحلوى ثم يذهب بهم إلى حيث يسكن وهناك يقوم باغتصابهم وقتلهم شر قتل، ثم كان الأمر الأصعب بالنسبة له، وهو التخلص من جثثهم، وقد كان يفعل ذلك بطريقة وحشية جدًا، حيث كان المجرم يحفر حفرة كبيرة في الأرض ثم يضع الأطفال بها في وضع القرفصاء ويقوم بالضغط عليهم حتى تتكسر عظامهم ويُصبحوا مناسبين لحجم الحفرة، أرأيتم كيف يكون الجنون، لكن لماذا يا تُرى كان يفعل ذلك؟

أسباب وجود سفاح تارودانت

هل تبدو كل الأسباب مُقنعة؟ في الحقيقة لا، وهل ثمة سبب يُبرر قتل الأطفال؟ بالطبع لا أيضًا، لكن هذا لا يمنع بالتأكيد من التعرف على الأسباب التي جعلت عبد العالي الحاضي يُقدم على قتل الأطفال واغتصابهم، فقد ذكر السفاح خلال التحقيقات أنه كان يفعل ذلك كانتقام لطفولته، فهل تذكرون ما تحدثنا عنه وقلنا إن الحاضي قد عانى منه في طفولته؟

قال الحاضي أنه كان يقع فريسة للاغتصاب من أكثر من شخص في آن واحد بسبب ضعفه، كما أن الأم حين توفت وتزوج والده لم يجد هو بُد من الانحراف، والذي لم يختاره وإنما سيق إليه، كما اعترف بأنه لم يكن يختار ضحاياه من الأطفال بصورة عشوائية على الإطلاق، بل كان يُراعي أن يكونوا من المتشردين والمنسيين من قِبل آباءهم، كان يُبرر ذلك بأنه لا يُريدهم أن يكبروا ويحظوا بنفس المصير الذي حظي به هو، كان مجنونًا ويمتلك في نفس الوقت فكرة مجنونة تجعله يُبرر القتل، لكن، لماذا يُمكن أن يتوقف يا تُرى إن كان مقتنعًا بما يفعله كل هذا الحد؟

لماذا توقف سفاح تارودانت ؟

السؤال البديهي الآخر الذي من المفترض توجيهه إلى عبد العالي الحاضي هو الأسباب التي جعلته يتوقف عن أعمال القتل في الأطفال إن كان مقتنعًا بأن ما بفعله كان لسبب وجيه، لكنه قد أجاب بعدم رغبته في الإنهاء، لكن البناية التي كان يعيش بها تعرضت للهدم فلم يكن باستطاعته الاستمرار فيما يفعله، كما أن العظام كانت كثرت للدرجة التي لا يُمكن معها الإخفاء، ولذلك لاذ بالفرار وقرر التوقف، بيد أن صرخات الأطفال الضحايا الذين قتلهم لم تتوقف أبدًا عن مُلاحقته، وهذا كان السبب خلف اعتكافه في بيته وعدم خروجه مجددًا حتى وصول الشرطة، وها قد وصلت وتم التحقيق معه وحان وقت المحاكمة والعقاب.

محاكمة سفاح تارودانت

بعد الاعتراف أُقيمت المحاكمة، وكإجراء احترازي سأل القاضي عبد العالي إذا كان يشعر بالندم على ما فعله بهؤلاء الأطفال الأبرياء؟ فأخبره الحاضي أن هذا الأمر بينه وبين الله، هو وحده من يحاسبه، وطبعًا أنتم تتوقعون الحكم وتتيقنون منه، أجل، إنه الإعدام ولا شيء غيره، لكن الأمر الذي ربما لا تتوقعونه أنه بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عشر عام على هذه الأحداث إلا أنه لم يتم تنفيذ الحكم على المذنب حتى الآن، وهذا ربما ما يُثير جنون المغاربة، والذين يتعجبون من كون الحكم لم ينفذ في الوقت الذي اعترف فيه المجرم بجريمته وكل الأدلة تُشير إليه، فما الذي ينتظره القضاء؟

بالنسبة لذوي الضحايا فبعد عمل التحاليل الطبية على الجماجم تم تسليم الجثث إلى ذويها، وطبعًا كان الأمر مفجعًا إلى أقصى حد ممكن، فبالرغم من مرور سنوات طويلة على اختفاء الأطفال إلا أن الأهالي كانوا يتوقعون كون أطفالهم مخطوفين ويُمكن أن يعودوا في يوم من الأيام، ولم يكونوا متوقعين أبدًا أن أطفالهم قد اغتصبوا وقتلوا شر قتل على يد سفاح مجنون يُدعى سفاح تارودانت، ولقد تسببت تلك الحادثة في بث الذعر في المغرب الهادئة لفترة طويلة، لدرجة أن الأهالي كانوا لا يُخرجون أطفالهم لشهور من البيوت!

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

3 + تسعة عشر =