تسعة مجهول
جينين جونز
الرئيسية » جريمة » جينين جونز : ملاك الموت الذي اغتال براءة الأطفال

جينين جونز : ملاك الموت الذي اغتال براءة الأطفال

جينين جونز ممرضة أمريكية بدأت عملها في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي ذلك الوقت قامت بارتكاب العديد والعديد من جرائم القتل خاصةً بحق الأطفال.

تُعتبر جينين جونز أكبر مثال على أن العرق البشري يحمل من السوء ما لا يُمكن أبدًا تخيله، فأن يقتل شخص آخر لسببٍ من الأسباب هذا أمر مقبول عقلًا، فالغضب يفعل ذلك وأكثر، لكن عندما يتعلق الأمر بامتهان القتل واختيار مهنة تُمكنك منه فقط من أجل المتعة فهذا شيء آخر مُختلف تمامًا، وهذا بالضبط ما فعلته جينين الملعونة بدايةً من ثمانينيات القرن الماضي مُستغلةً عملها كممرضة بأحد المستشفيات الأمريكية، لدرجة أنها قد قتلت ما يزيد عن خمسين شخص أغلبهم من الأطفال، مُستحقةً بذلك لقب ملاك الموت عن جدارة، المدهش حقًا أنه طوال السنوات التي ارتكبت فيها جينين جرائمها لم يتمكن أحد من الشك بها حتى جاء طبيب شديد الملاحظة واستطاع كشف الستار عن جرائمها، لكن ذلك حدث بعد أن كانت قد قتلت العديد والعديد من الأبرياء، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على الشيطانة جينين جونز وحياتها التي تخللها قتل الأبرياء انتهاءً بالسجن الذي يلوح للعالم الآن بصاعقة مُحتملٌ حدوثها بعام 2018.

من هي جينين جونز ؟

مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين بُلي العالم بميلاد طفلة شيطانية صغيرة تُدعى جينين، تلك الطفلة كبُرت في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت في ذلك الوقت لا تستعد لغزو العلم فكريًا فقط، وإنما اعتلائه وإقصاء الدب الروسي من المشهد تمامًا، وربما يظن البعض أن أي طفل سوف يُولد في طقسٍ كهذا سوف يُصبح شيئًا كبيرًا فيما بعد أو على الأقل لن يُصبح شيئًا سيئًا، لكن العكس تمامًا هو ما كان حاضرًا، حيث أن جينين التي تقوم بدور البطولة في أحداثنا لم تستطع كبح جماحها أمام قتل الأطفال مكتوفي الأيدي أو العجائز المُتشبثين بالحياة أكثر من أي شيء آخر.

طفولة جينين لم تشهد قسوة الأب أو بطش الأم مثلما هو المُعتاد مع القتلة والمُذنبين، وهذا ليس لشيء سوى سببٍ بسيط، وهو أنها كانت يتيمة الأب والأم، فلم يُعرفا من الأساس، بل عاشت الفتاة في دارٍ لرعاية الأيتام وقضت فيها طفولتها المُتشردة حتى جاوزت سن السادسة عشر القانوني ثم ساحت بعد ذلك في الأرض تنفث سمها في كل مكان، لكنها قبل ذلك خاضت بعض العلاقات والارتباطات مع أشخاص مُختلفين ولأغراض مُختلفين.

علاقات جينين جونز

في الحقيقة لم تكن العلاقات مشبوهة كما قد يتصور البعض، فقد كانت علاقات زواج وارتباط رسمي، لكنها في نفس الوقت كانت مشبوهة من حيث الأغراض التي كانت تُقام من أجلها، فمثلًا، في الزيجة الأولى تزوجت من شاب كان يعيش معها في دار رعاية الأيتام، وقد كان الغرض من ذلك الزواج كما اتضح فيما بعد حمايته من الأشخاص المتضررين من حوادث السرقة التي كانت تقوم بها، بمعنى أدق، لم يكن أكثر من حارس شخصي، ثم بعد خروجها من دار الرعاية تزوجت من شخص آخر يعمل في مجال التمريض في عام 1974 بعد أن كانت أم لطفلة أنجبتها من زواجها الأول، لكنها لم تُعر الطفلة أي اهتمام، بل كل ما أرادته هو الزواج من مساعد التمريض حتى تتمكن من دخول المستشفى والعمل به، وربما يكون مُثيرًا للدهشة إصرار جينين على العمل في المستشفى إلا أن نيتها قد اتضحت بشدة بعد بدء العمل وتوالي سقوط الضحايا بطريقةٍ أقل ما يُقال عنها أنها وحشية.

جينين ومستشفى بيكسار

تحقق للمجنونة جينين جونز ما تُريده في عام 1978، ففي ذلك العام تمكنت من العمل أخيرًا في مستشفى بيكسار الشهيرة، والتي استغلت من أجلها زوجها، ثم بعد أن امتلكت الوظيفة تركته وأقامت دعوى طلاق ضده، لم تكن تُريد شيء في الحياة سوى دخول هذه المستشفى، المُدهش أنها عندما بدأت العمل كانت كالنسمة الخفيفة في الجو، فلم تفعل أي خطأ، بل قامت بكسب حب واحترام الجميع، هذا بالإضافة إلى أنها وثقت العلاقة بينها وبين جميع زملائها، ومع انتشار صيت جينين وتناقل الكلام الجيد عنها تم نقلها إلى قسم الأطفال الرضع، وعلى ما يبدو أن ذلك هو المراد الذي سعت لتحقيقه كل هذا الوقت، وها هو قد تحقق أخيرًا.

كان قسم الأطفال مُميزًا لأكثر من سبب، بدايةً لأنه لا يحتاج إلى مجهود كبير من الممرضات، لأنهم في النهاية مجرد أطفال رضع يسهل حملهم والتعامل معهم، وثانيًا لأنه كان كثير الطعام والزيارات المُكدسة، وهذا أمر تحرص عليه الممرضات بصورةٍ كبيرة، لكن كل هذا لم يكن يشغل جينين أو يعنيها في أي شيء، فما تُريده كان أشد جنونًا بكثير.

سفاحة الأطفال المجنونة

بعد مرور عام آخر على وجود جينين جونز في مستشفى بيكسار بدأت الكثير من الأمور المجنونة تحدث، فمثلًا، كان معدل الوفيات بين الأطفال حديث الولادة مرتفع بشكل جنوني، حتى أولئك الذين يولدون بأتم صحة وعافية كانوا يلقون حتفهم بعد أيام قليلة من وجودهم بالقسم في ظروفٍ غامضة، لدرجة أن تلك المُستشفى قد ذاع صيتها وأصبحت تُعرف باسم مقبرة الأطفال الرضع، كل هذا ولم يجرؤ أحد على التشكيك بوجود شبهة جنائية بالأمر.

مع مرور الوقت ازداد عدد الضحايا أكثر وأكثر، بات من غير المعقول موت كل هؤلاء في فترة قصيرة، إضافةً إلى أن الأطفال بدأت تحدث معهم أمور غريبة مثل قطع النور عن المكان الذي يتواجدون به وتنقلهم من مكانٍ إلى آخر دون سبب، عمومًا، في نهاية المطاف شهرت المستشفى أن شيء ما خاطئ يحدث، ولهذا تم اتخاذ قرار بتسريح كل العاملين بقسم الأطفال وتعيين طاقم جديد مُختلف تمامًا، لكن، هل انتهى جنون جينين جونز عند ذلك الحد؟

جنين جونز تواصل القتل

لم تتوقف جنين جونز عند ذلك الحد، فعلى الرغم من أنها قد نجت من إلقاء القبض عليها وأنها قد قتلت كبير جدًا من الأطفال إلا أنها لم تقتنع بهذا العدد، بل ظنت أنه من الأفضل لها رفع الحصيلة أكثر وأكثر، وما دمنا نتحدث عن الأطفال والولادة فليس من الواجب أن يتم ذلك في مستشفى أطفال فقط، فهناك الكثير من المصادر التي يُمكن من خلالها الحصول على الأطفال، على سبيل المثال العيادات، والتي كانت في هذا الوقت كثيرة نظرًا لفقدان الثقة في المستشفيات بعد مقتل الكثير من الأطفال، عمومًا، كانت العيادة لا تبعد كثيرًا عن المستشفى، وقد قررت جنين منذ اليوم الأول أنها لن تُهدأ من الرتم أو تتوانى فيما ستفعله، بل أنها قد عزمت على رفع الوتيرة أكثر وأكثر.

في العيادة لم تنتبه جنين إلى أن المسألة هناك محبوكة بعض الشيء، فليس هناك عدد كبير من الأطفال، كما أن الرعاية الجيدة من المفترض ألا تترك خلفها أسباب تؤدي إلى كوارث مثلما كان يحدث في المستشفى التي كانت تعمل بها السفاحة المجنونة من قبل، لكنها لم تُولي ذلك اهتمامًا وبدأ الأطفال يموتون بأعداد غير مسبوقة في هذه العيادة التي كان معروفًا عنها سمعتها الجيدة، وهنا تشكك الطبيب في الأمر وبدأ التقصي والتحقيق خلف آخر الأعضاء المنضمين إلى العيادة في الآونة الأخيرة، جنين جونز ولا أحد غيرها.

سقوط جنين جونز

في عام 1984 كان السقوط المدوي بانتظار جنين بطريقةٍ كانت ستأتي لا محالة، ففي يومٍ من الأيام أرادت أن تقتل أحد ضحاياها بينما كانت الطبيب المقيم بالعيادة يتربص بها من أجل الإيقاع بالمجرمة في الوقت المناسب، وبالفعل، عندما اقتربت وهي مُمسكة بحقنة غير مُدرجة ضمن أدوية الأطفال قام الطبيب بالانقضاض على المجنونة وإحكام قبضته عليها، وتخيلوا يا سادة أنها قاومته وأردت قتله بتلك الحقنة المسمومة؟ أجل بكل بساطة كانت تُريد قتل من يقف بطريقها أمام قتل الأطفال، لكن من حسن حظنا وسوء حظها أن ذلك الطبيب قد شك بها وتربص لها حتى تحقق المراد وسقطت السفاحة.

في المحكمة، وكما كان من المتوقع طبعًا، حاولت جنين في البداية الدفاع عن نفسها والتملص من كل الجرائم، بل إنها قد أعطت هيئة المُحلفين وصلة من البكاء والنحيب وكأنها قطة التف حولها قطيع كامل من الأسود والنمور، لكن مع الضغوطات والمواجهة بالأدلة لم تتمكن جنين من التواري خلف ذلك القناع الزائف أكثر، ففي النهاية كان لابد من انهيار القناع وانكشاف الحقائق، وهذا ما حدث في تلك المحاكمة التاريخية التي شهدت اعترافات مدوية كادت أن تقتل ذوي الضحايا من القهر والوجع، تخيل أنك جالس الآن في مكان تستمع فيه للطريقة التي تم قتل طفلك من خلالها، هل سيكون الأمر سهلًا عليك؟ بالتأكيد لا، وهذا ما حدث بالضبط خلال المحاكمة حتى أن بعض الأهالي اندفعوا باتجاه جنين وأرادا خنقها قبل أن تُفرقهم الشرطة من على رقبتها.

لماذا تفعل ذلك؟

هناك من خرج علينا بعد القبض على جنين جونز بنظرية تبدو للوهلة الأولى مُستحيلة على الرغم من أنها أقرب إلى المنطق، حيث تقول تلك النظرية أن جنين لم تكن مجنونة كما نعتقد، وإنما مجرد فتاة ذكية رأت أن الطريقة الوحيدة للحصول على دعم الأطباء وثقتهم هي المساهمة في إنقاذ الأطفال باللحظات الأخيرة، ولكي يحدث ذلك فإنها من المفترض أن تضع الأطفال في خطر عن طريق حقنة قاتلة ثم تبدأ في إنقاذهم، لكن في مرات كثيرة، وتحديدًا أكثر من ستين مرة، لم يُحالفها الحظ وانتهى بها الحال وهي قاتلة للطفل الذي أرادت استخدامه في تنفيذ خطتها الشيطانية.

أنباء تُثير الاستياء

أُثير في الآونة الأخيرة أن المحاكمة تفكر جديًا في قبول تظلم جنين جونز والإفراج المشروط عليها بحجة أنها قد عرفت الالتزام في السجن، هذا مع الوضع في الاعتبار أن الحكم الذي حظيت بها هو السجن لمدة مئة عام، أي ينتهي في عام 2085، وبالطبع نبأ مثل هذا أثار استياء وهياج وغضب الشعب، فليس من المقبول أبدًا أن تقتل امرأة مجنونة هذا القدر الكبير من الأطفال دون أن تحصل على حكم بالإعدام، ثم بعد ذلك تتواصل المهزلة وتخرج من السجن بعد مدة قصيرة فيه، عمومًا، لم يرضى الناس بهذه الأنباء وقام بعض المحامين بتحريك القضية من جديد مع الزعم بأنه ثمة جثث جديدة تظهر للأطفال الذين قتلتهم جنين جونز، أي أنه ثمة تهم أخرى ولم تنتهي القضية بعد، على كل سننتظر ونرى ما الذي سيحدث في نهاية المطاف، وإن كان من المتوقع بشدة أن يتم التراجع عن قرر الإفراج هذا حقنًا للغضب.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

19 + ثمانية =