تسعة مجهول
جوليا والاس
الرئيسية » جريمة » جوليا والاس : جريمة قتل لم تُفك طلاسمها حتى الآن

جوليا والاس : جريمة قتل لم تُفك طلاسمها حتى الآن

جوليا والاس سيدة خمسينية تم قتلها في عام 1931، لكن اللغز في جريمة القتل هذه أنه لم يستطع أحد حتى الآن التعرف على القاتل الحقيقي لهذه السيدة.

تُعتبر قضية مقتل جوليا والاس واحدة من أهم القضايا التي شغلت المملكة المتحدة على مدار عقود كثيرة، فطبعًا من المنطقي أن تحدث جرائم القتل في كل وقت، لكن من النادر جدًا أن تُغلق القضية دون أن يتم الخروج بالقاتل الحقيقي، الأكثر ندرة أن تُقرر المحكمة نسب التهمة إلى شخص ما لإنهاء القضية فيكون هذا الشخص في النهاية هو زوج الضحية الذي لم يكن موجودًا بالمكان من الأساس، والواقع أن التعجب في هذه النقطة من القضية ليس أمرًا صائبًا بالمرة، إذ أن الكثير من الأحداث هنا تستحق حقًا أن ندخر لها كل ذرة تعجب واندهاش ممكنة، فقد صُنفت تلك القضية بأنها واحدة من القضايا التي لم يتم التوصل إلى دليل إدانة مادي واحد، عمومًا، كيلا نُطيل في المقدمات، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كل تفاصيل قضية مقتل جوليا والاس وما الذي انتهت إليه تلك القضية المُدهشة في كل شيء.

بداية الأحداث

البداية دائمًا هي كل شيء، فبكلماتٍ بسيطة يُمكن للبداية أن تُحدد ما ستكون عليه النهاية، والحقيقة أن بداية أحداثنا لم تكن تُثير أي شكوك حول ما سيحدث في النهاية، فكالعادة، وفي شوارع مدينة ليفربول كان ثمة بيت صغير يعيش فيه الزوجين جوليا والاس وويليام والاس، كانا مجرد زوجين، ولا يُمكن أبدًا أن نقول بأنها كانت حياة زوجية سعيدة، لأن الحياة السعيدة ببساطة تتجلى في بعض الأمور التي لم تكن موجود في تلك العلاقة، كما أنها كذلك لم تكن حياة تعيسة لنفس السبب، كانت مجرد حياة زوجية لا تستحق وصف آخر لها.

كان الزوج ويليام والاس يعمل في مجال التأمينات، أما الزوجة فقد كانت ربة منزل عادية، والمُلفت حقًا للنظر أن الزوجة قد تكبُر الزوج بأكثر من عشر سنوات على الأقل، عمومًا، دعونا من كل هذا العبث ولنُركز كامل انتباهنا لليلة التاسع عشر من يناير القابع في عام 1931، ففي تلك الليلة وقع كل ما يُمكن وصفه بالتغير الجذري بالقصة، وقد كانت شرارة ذلك التغير مُجرد مُكالمة تليفونية عادية.

المُكالمة التي بعثرت الأوراق

كما ذكرنا، كان السيد ويليام والاس يعمل في مجال التأمينات، أي أنه كان مسئولًا بشكل أو بآخر عن إنشاء بوليصات التأمين للناس، وقد كان من الطبيعي جدًا أن يُطلبه الأشخاص في الهاتف كي يذهب إليهم ليقوم بقضاء مصلحته معهم، وفي تلك الليلة جاءته مكالمة هاتفية من شخص يدعي أنه يُريد فتح بوليصة جديدة ويطلب من ويليام الحضور في شارع الحدائق الموجود في مينلوف الشرقية، مكالمة عادية وموعد عادي، لكن هذا كان ظاهريًا فقط، فما تُخبئه لنا الأحداث كان أعظم من أن نقوم بذكره الآن دون أن نذكر أولًا ما حدث للسيد ويليام.

عندما ذهب ويليام، تاركًا جوليا والاس خلفه في المنزل، توقع ألا تأخذ تلك البوليصة أكثر من ساعة كما هو المعتاد مع باقي البوليصات، لكنه ظل منتظرًا الرجل فقط لأكثر من ساعتين، الأدهى أنه في النهاية لم يأت، ولم يُرسل أي شيء يدل على أنه سيأتي، بمعنى أدق، كان كل هذا مجرد مزحة أو مقلبٍ سخيف، لكن على كلٍ ليس بيديه أي شيء سوى العودة إلى البيت مرة أخرى ونسيان تلك المزحة، وهنا كانت الكارثة بانتظاره.

حدوث الكارثة

عاد ويليام إلى البيت، وكالعادة كان أول ما فكر فيه زوجته جوليا والاس التي تنتظره دائمًا بما لذ وطاب من طعام، لكنها هذه المرة لم تكن موجودة ولم يكن لها أي أثر من الأساس، وهنا بدأ ويليام يُفتش في البيت كالمجنون لينتهي به المطاف وهو يقف أمام جثة زوجته، وربما هذه صاعقة حقيقية، لكن بالطبع لا يُمكن الاكتفاء بمشاهدتها، وإنما يجب أخذ التصرف السليم في مثل هذه الظروف، وهنا وجد ويليام نفسه راكضًا نحو الشقة المجاورة له وطلب المساعدة من أحد جيرانه، والذي هدأ من روعه واتصل كما هو مُتوقع بالشرطة، أجل، لقد أصبحت القضية تابعة للشرطة الآن.

كانت صدمة كبيرة مُتجلية عندما حملت جهات التحقيق والإسعاف جثة الزوجة أمام زوجها وخرجوا بها للمرة الأخيرة من هذا البيت، كانت الزوجة كل شيء بالنسبة لزوجها، حتى ولو لم يكن يُحبها حبًا جمًا فإنه في النهاية لم يكن يمتلك سواها، فلا أصدقاء ولا أقرباء ولا أي شيء آخر، لقد أصبح وحيدًا لأول مرة منذ عشرين عامًا مضوا على الزواج، لكن، هل حقًا سيعيش ويليام وحيدًا في البيت أم في مكانٍ آخر كالسجن مثلًا؟

أصابع الاتهام تُرفع

عندما دخلت الشرطة بيت ويليام للتحقيق في مقتل جوليا والاس لاحظت شيئًا غريبًا بعض الشيء، وهو أنه لم يكن هناك أي أثر أو دليل للاقتحام أو كسر الأبواب، كما أن البيت كان كما هو، فلم تكن هناك أغراض ناقصة أو أموال مسروقة، الأمر الأدهى من ذلك أن المجني عليها لم يكن بها أي آثار للمقاومة، وهذا يعني أنها لم ترى القاتل أو أنه كان بجوارها لكن لم يكن هناك أي توقع بقيامه بهذا الأمر، وهنا يُمكننا ببساطة الوصول إلى المقصد من هذه المُقدمة، وهو أن الشرطة قد رفعت أصابع الاتهام في وجه الزوج، ويليام والاس.

كان ويليام بالطبع يمتلك حجة غياب لا غبار عليها، وهي تلك التي تتعلق بوجوده في مكانٍ آخر وقت حدوث الجريمة للتواصل مع شخص يُريد إنشاء بوليصة تأمين، كما أن الناس قد شاهدوا ويليام وهو يخرج من البيت قبل وقوع الجريمة ولم يُشاهدوه يعود إلا بعد وقع الجريمة، ومع أن هذه الحجة تبدو قوية كما هو واضح وضوح الشمس إلا أن الشرطة لم تأخذ بها، بل اعتبرت أن ويليام قد قام بهذا خصيصًا من أجل اختلاق حجة غياب وقت وقوع الجريمة، وبعيدًا عن كل ذلك، فقد كانت هناك بعض الأدلة الأخرى على قيام ويليام بتلك الجريمة البشعة بحق زوجته.

أدلة اتهام ويليام بقتل جوليا والاس

كما ذكرنا، اتهمت الشرطة ويليام بقيامه بجريمة قتل جوليا والاس، وقد استندت في ذلك إلى عدت أدلة بعضها منطقي وبعضها ليس كذلك بالمرة، لكن ما نحن مُطالبون به بالطبع ذكر تلك الأدلة كما ورد ذكرها، وأهمها طبعًا حالة البرود التام التي عامل بها ويليام قضية مقتل زوجته.

السلوك المريب خلال تحقيقات القضية

سلوك ويليام يا سادة كان يستحق وصفًا أقوى بكثير من المُريب، فهذا الرجل لم يقف طوال فترة التحقيقات عن إظهار نوع من أنواع عدم الاهتمام، فأي شخص قُتلت زوجته ويتم التحقيق معه باعتباره قاتلها كان سيبدو أكثر توترًا، حتى ولو كان بريئًا فإنه سوف يتوتر لا محالة بسبب ذلك الاتهام، لكن ويليام بدا بارد الأعصاب بطريقة غريبة، وكأنه قاتل بدم بارد لا يخشى ما ينتظره، أو يعرف ما سيحدث له في نهاية المطاف ولا يُعره أي اهتمام، أو يُمكننا القول إنه بد كذلك لكونه بريئًا!

المعطف الواقي من المطر

من الأشياء التي أدانت ويليام في قضية مقتل زوجته جوليا والاس ذلك المعطف الذي كان يرتديه، فقد كان من نوعٍ خاص يُقال إن شغله الشاغل هو امتصاص السوائل، وطبعًا الدم أحد هذه السوائل، ولهذا فإننا إذا اعتبرنا ويليام متهمًا رئيسيًا في القضية فإن ذلك المعطف كان هو الأداة التي استخدمها في التضليل بعد قتله لزوجته، حيث أنه قد قتلها واستغل معطفه المميز في التخلص من آثار دمها، هكذا تقول الاتهامات، وهكذا تم تثبيت التهمة أكثر على ويليام.

اختلاق موعد وهمي

السبب الآخر الذي استندت إليه المحكمة في قضية مقتل جوليا والاس وتأكدت بأن ويليام مُذنب هو سبب الموعد الذي قام باختلاقه مع الرجل صاحب قصة التأمين، فالمحكمة ترى أنه لم يتصل أحد بويليام أو يطلب منه شيء، والدليل على ذلك أنه لم يلتقي بأحد فعلًا، هو فقط أراد أن يخلق عذرًا لغيابه، والحقيقة أنه نجح في فعل ذلك بأفضل طريقة ممكنة، وإذا ركزنا في التفاصيل أكثر فسنجد أنه قد تعمد سؤال المارة أكثر من مرة كي يخلق أكبر عدد ممكن من الشهود على وجوده في هذه المنطقة وقت وقع الجريمة.

وجود عشيقة وهمية

السبب الأخير الذي كان كذلك من أسباب اتهام ويليام بقتل زوجته جوليا والاس أنه كان يمتلك عشيقة وكان يُريد التخلص من زوجته من أجل الاختلاء بهذه العشيقة، لكن هذا السبب لم يؤكد بسبب عدم ظهور تلك العشيقة المزعومة، عمومًا، رأت المحكمة أن ما سبق كافيًا وأطلقت حكمها المباشر على ويليام.

الحكم على ويليام

استنادًا إلى الأدلة السابقة أصدرت المحكمة حكمها بإعدام ويليام في قضية قتل زوجته جوليا والاس، وفي اللحظة الأخيرة لتنفيذ الحكم تراجعت المحكمة فجأة، حيث أنه قد تبين لها أن الأدلة ليست كافية، وأن ويليام يمتلك ما يُضاهي تلك الأدلة ويُثبت عدم صحتها، لذلك وجدت المحكمة نفسها في موقف محرج وقررت تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد، ثم بعد شهور قليلة أصدرت الحكم النهائي ببراءة ويليام مع وضعه تحت المراقبة.

في الحقيقة بدا جليًا على ويليام عدم اكتراثه بالمحكمة أو الأحكام التي تُصدرها، ولا يعرف أحد هل كان ذلك بسبب التأكد من براءته أو شعوره بالذنب على قتله لزوجته، ولكم أن تتخيلوا بأنه لم يستطع أحد حتى الآن التعرف على قاتل السيدة بالرغم من مرور عقود على الحادثة، وإن كان هناك من أخرج بعض التكهنات لكنها لم تكن كافية أو كفيلة بالتصديق، ومثال ذلك أن ابن عم الضحية المُتنازع معها على الميراث قام بقتلها، أو أحد الجيران المُختلين عقليًا.

نهاية ويليام والاس

النهاية أيضًا جاءت بطريقة مُفجعة فيها الكثير من الخذلان، فقد ابتعد الجميع عن ويليام بالرغم من أن التهمة لم تكن قد ثبتت عليه نهائيًا وبالرغم من أن المحكمة قد قضت ببراءته، لكن الجيران والأصدقاء في العمل ظلوا ينظرون له على أنه قاتل زوجته المتوحش، ولهذا بدؤوا يبتعدون عنه، حتى العمل تعرض للفصل منه بعد أن تم منعه من الحصول على المعاش ومبلغ التأمين، بمعنى أدق، لقد نبذه المجتمع تمامًا إلى الحد الذي جعله ينعزل في بيته ويمتنع عن علاج مرضه حتى مات في نهاية عام 1933، أي بعد مقتل زوجته بعامين، وطبعًا لا يُمكننا وصف هذه النهاية إلا بأنها مأساوية خالصة لم يكن يستحق الزوجين المرور بها في يومٍ من الأيام.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثلاثة × 5 =