تسعة مجهول
اليوجينيا
الرئيسية » جريمة » اليوجينيا : تحديد النسل جريمة في حق البشرية أم جنون الساسة ؟

اليوجينيا : تحديد النسل جريمة في حق البشرية أم جنون الساسة ؟

اليوجينيا مصطلح يطلق على تحديد النسل الإجباري، على مدار التاريخ استخدم أسلوب اليوجينيا لتحديد عدد المواليد في العديد من البلدان، نناقش قضية اليوجينيا هنا.

اليوجينيا، أو تجويد النسل، معركة بشرية جديدة يخوضها الإنسان من أجل البقاء، هذا الإنسان الذي يرى في قتل وفناء بني جنسه نجاةً له، وهو الذي أعطى لنفسه حق مُحاسبة البشر والحكم عليهم، وتقرير من يجب أن يبقى ومن يجب أن يموت، وما زال هذا الإنسان أيضًا مُتأثرًا بقانون الغاب، ومُقتنعًا بأن البقاء فقط للأقوى، والأقوى من وجهة نظره هو الإنسان الكامل الصحيح، الغير منقوص ذهنيًا وبدنيًا، ومن عداه يستحقون الموت على جُرمهم، الغريب في الأمر أن جُرمهم هذا لم يجترموه بأيديهم، فما الذي فعله الإنسان المنقوص أو المعاق حتى يستحق الموت كما تقول اليوجينيا.

اليوجينيا وما هي بالضبط ؟

متى وكيف ظهرت اليوجينيا؟

في عام 1883 رأي الفيلسوف فرانسيس جالتون أن البشر، أو الجنس البشري تحديدًا، بدأ يسلك طريق الانحراف، وأن ازدياد أعداد البشر الغير مُدركين لحقوقهم ووجباتهم يُعد خطرًا حقيقيًا يُهدد الجنس بأكمله، وخاصةً فيما يتعلق بانتخاب القادة والحُكام، فكثرة هؤلاء، مع سهولة استغلالهم، يُمهد طريق الحكام المُفسدين والمنحرفين نحو السلطة، وذلك باستغلال هؤلاء البشر الغير مُدركين لحقوقهم.

والواقع أن اليوجينيا لم تظهر في هذا الوقت، بل بدأت قبل ذلك بالكثير، حتى أمكن القول أن اليوجينيا ليست فكرًا أكثر من كونها رغبة، فالإنسان القديم كان يُرسي اليوجينيا في أطفاله، حيثُ كان يُفكر في إمكانياته مقارنةً مع عدد أولاده، فيقوم بالاستغناء عن بعضهم كي يتمكن من تربية البقية، وبذلك يكون الإنسان مُنذ بدء الإنسانية مُقتنعًا باليوجينيا وأهدافها.

دليل وجود اليوجينيا

تعد الحروب دليلًا دامغًا على وجود اليوجينيا، فالإنسان مُنذ أن خُلق، وهو على استعداد للمحاربة والموت في سبيل أهدافه وطموحاته، فحروب المياه مثلًا أكبر دليل على ذلك، حيث إن الإنسان القديم والحديثا خاضا الكثير من الحروب من أجل إقصاء بعض المُزاحمين على الماء، كذلك الطعام وغيره من احتياجات الإنسان، والتي تجعله ينقض على دولة أخرى ويسلب ما فيها من أجل الحصول على ما يكفيه للعيش والاستمرار، وفي ذلك تطبيق واضح لليوجينيا، حتى وإن كان غير مقصود، فأنصار اليوجينيا في كل وقت ومكان يُطالبون بفعل أي شيء لضمان حياة قادمة أفضل، حتى وان كان ذلك سيُكلفهم التخلص من بعض بني جنسهم، وهو مبدأ مُقارب إلى حد ما لقانون الغاب، والذي ينص على أن البقاء للأقوى، وربما يكون الاختلاف الوحيد أن البقاء هنا للأفضل، الأصلح، القادر على التغيير وإحداث الفارق.

أنصار اليوجينيا

على مر التاريخ، نادي الكثير من الفلاسفة والمفكرين والحكام بإرساء مبادئ اليوجينيا وتنفيذ قواعدها، ومنهم من استطاع بالفعل تحقيق بعض أهدافها، لكن جميعهم يشتركون في النهايات المأسوية، حيث لم يذكر التاريخ أي شخص قام بتطبيق اليوجينيا إلا وكانت نهايته دليلًا دامغًا على قبح ما فعل، بل ويُخلّده التاريخ على أنه مُجرم حرب، ومن أمثلة هؤلاء:

1- هتلر. شيخ الأنصار

يظل هتلر الحليف الأول لليوجينيا وواحد من أهم أسباب ازدهارها في القرن العشرين، فقد كان عاشقًا كبير لليوجينيا، بل كان يرى أنها السبيل الوحيد للخلاص من اليهود وغيرهم، وتتجلى اليوجينيا لدى هتلر في حدثٍ كبير تم اعتباره فيما بعد وصمة عار على اليوجينيا وأهدافها السامية، حيث أمر عام 1938 بإخصاء أكثر من 400 ألف ألماني يهودي، إضافةً إلى المُعاقين والمُنحرفين ذهنيًا، والشيوخ العجائز الذين تفشت بهم الأمراض المزمنة والفيروسات، وكان يفعل ذلك طمعًا في تنقية الجيل التالي ومنعه من اكتساب جينات هؤلاء المُعاقين.

ظل هتلر حليفًا لليوجينيا حتى جاءت نهايته على يد قوات الحلفاء عام 1945، حيث قام بإطلاق الرصاص على نفسه بعد تعرضه لشر هزيمة في الحرب العالمية الثانية، وتم حرق جثته وإخفاء رمادها وسط لعنات ملايين ضحاياه والذين كان أغلبهم بدافع اليوجينيا.

2- ستالين. هتلر الاتحاد السوفيتي

كان جوزيف ستالين رئيس الاتحاد السوفيتي مُحبًا لليوجينا مثل هتلر، وكان يرى أن الدولة الصناعية التي يطمح في تأسيسها لن تقوم في ظل وجود هؤلاء المُعاقين والعجائز، لذلك كان يقوم بحبسهم في أماكن مجهولة وقتلهم في أغلب الأحيان، وكان يُجرم الزواج من هؤلاء ويعتبرها خيانة عُظمى للاتحاد السوفيتي.

رحل ستالين كما رحل هتلر، لكن الفارق بينهما أن هتلر قد أطلق الرصاص على نفسه وانتحر، أما ستالين فقد تعرض للخيانة على يد أحد مُعاونيه، وتم دس السم في طعامه، ليرحل مقتولًا دون أن يتم مُحاسبة القاتل، وينهار الاتحاد السوفيتي، ويتأكد بعدها أن سياسته وانتهاجه لليوجينيا لم يُجديا أي نفع.

3- ماسوليني. ظلّ هتلر

يُعد الرئيس الإيطالي ماسوليني واحدًا من سلالة السفاحين التي تفشت بالقرن العشرين، حيث قام بالانضمام إلى صفوف هتلر في الحرب العالمية الثانية، وقام قبلها بالانضمام إلى مبادئه وتطبيقها، وعلى رأسها اليوجينيا، ولم تسلم إيطاليا مما اعتبره ماسوليني حملة تطهير واسعة، راح ضحيتها آلاف المُعاقين والمرضى والعجائز، بل وأضاف ماسوليني إليهم صنف أخر وهم الشواذ والمنحرفين جنسيًا، فكان يرى أن مثل هؤلاء لن يعودوا بالنفع على إيطاليا، ولن يتمكنوا من إنجاب جيل جديد قادر على النهوض بإيطاليا وإعادة الإمبراطورية الرومانية إلى مجدها مرة أخرى.

بعد هزيمة ماسوليني في الحرب العالمية الثانية كما هو الحال مع هتلر، قام الشعب الإيطالي- الذي مارس فيه ماسوليني اليوجينا- بتعليقه في ميدان عام وقتله رميًا بالحذاء، كما تم التمثيل بجثته وإخصاءه كما كان يفعل مع المُعاقين والعجائز بدافع اليوجينيا، لتكون نهايته أسوأ نهاية لرئيس دولة في التاريخ.

عودة اليوجينيا

بنهاية هتلر وماسوليني وهزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، واغتيال ستالين بعدها، خسرت اليوجينيا جُزءًا كبيرًا من قوتها، بل وتم تجريم كل الأفعال التي قام بها طوال فترات الحكم والحرب، بما في ذلك استخدامه المُفرط لليوجينيا، وتم كذلك القضاء على اتباعه من أنصار الحزب النازي، والذين كانوا ينتون انتهاج نفس سياسة هتلر، حتى ظن البعض أن اليوجينيا قد اختفت للأبد.

في عام 1988 عادت اليوجنيا مرة أخرى عن طريق بوابة أسيا، حيث أقدمت الصين على منع زواج المُعاقين والمُصابين بأمراضٍ مزمنة من الزواج، بل وقامت بتحديد إقامتهم في مكانٍ مُعين وقللت من زيارات الأهل لهم، في محاولة منهم لتطبيق مبادئ اليوجينيا ولكن في صورة أقل عنفوانًا من اليوجينيا التي سلكها هتلر في مطلع القرن العشرين.

الخُلاصة

رغم قلة عدد أنصار اليوجينيا، إلا أن العالم بأكمله لا يتريث في التدخل إذا ما طفت على السطح هذه الكلمة أو هدد أي شخص أو دولة باستخدامها، ولكن هذا لا يمنع من وجود أنصار لليوجينيا مُعتدلين، يرون في اليوجينيا جيلًا أفضل قادر على الذهاب بعيدًا بهذا العالم وانتشاله من الويلات والكوارث المتكررة وتجنيبه الحروب، حتى لو كان فعل ذلك يستوجب خوض حروب بالفعل، أجل، منع الحروب بالحروب.

وقد تبدو المبادئ والنقاط الرئيسية لدى هذا الفريق صحيحة، لكنه فقط غير قادر على فعل ذلك بالصورة المثالية الصحيحة، ولهذا السبب، وحتى يستطيع هؤلاء خلق هذا النوع المطلوب من اليوجينيا، ستظل هذه الكلمة بداية لكل حرب ودمار، وخير لا يحدث إلا عن طريق الشر، وستظل أيضًا كلما ذُكرت استدعت الجريمة أو الجنون.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

18 − أربعة عشر =