تسعة اولاد
الرئيسية » شخصيات وعلماء » عبد الرحمن الداخل : تعرف على الفارس المُلقب بصقر قريش

عبد الرحمن الداخل : تعرف على الفارس المُلقب بصقر قريش

عبد الرحمن الداخل

عبد الرحمن الداخل رجل كأمة كما يُقال عليه، فقد استطاع الشاب تأسيس الدولة الأموية في الأندلس وحده دون أن يكون معه جيش أو أعوان، وقد قام بالكثير من الإنجازات.

يُعتبر عبد الرحمن الداخل، أو صقر قريش كما يُطلق عليه، أكبر دليل على أن الرجال يُمكن أن يكونوا جيوشًا كاملة حالة إذا ما استدعتهم الضرورة لذلك، فهذا الشاب كان حفيدًا لأحد خلفاء بني أُمية، لكنه شهد بنفسه سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين، فأخذ البحر وحيدًا ثم عاد بعد سنوات قليلة وهو قائد للجيوش وحاكم للأمويين الذين استطاع تجميعهم من جديد، ليُعرف بعد ذلك بكونه رجل يُعادل أمة، والحقيقة أن الأهم من استعادته للدولة الأموية هو ما فعله بعد ذلك من إنجازات حُفرت باسمه في سجلات التاريخ حتى الآن، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على صقر قريش عبد الرحمن الداخل والرحلة التي خاضها من أجل استعادة هيبة الدولة الأموية وخلافتها.

من هو عبد الرحمن الداخل ؟

عبد الرحمن الداخل، إنه اسم أشبه بعلامة مسجلة في التاريخ الإسلامي، فإن كان عِقد الخلفاء قد انقطع بعد عمر بن عبد العزيز فإن الداخل قد جاء بعد سنوات وألحم العقد من جديد مُستكملًا الخلافة، فهو حفيد الخليفة العاشر من خلفاء الدولة الأموية، ولد الداخل في مدينة دمشق الموجودة ببلاد الشام، وهو أمر مُتفق عليه ولا يختلف أحد به، لكن تاريخ ميلاده هو ما اختُلف عليه، وإن كان عامي 113 هجريا و731 ميلاديًا هما الأقرب للحقيقة.

ميلاد عبد الرحمن الداخل كان نصرًا حقيقيًا، بالتأكيد لم يكن أحد يعرفه فور ولادة الطفل في منزل بني أمية، لكن الجميع بدأ مع الوقت يتنبأ بذلك، وخاصةً الخليفة هشام بن عبد الملك، الخليفة العاشر للأمويين وجد عبد الرحمن، حيث قام بتربيته ورأى في نشأته ما يؤهله لكي يكون صقر قريش فيما بعد.

نشأة عبد الرحمن الداخل

نشأة عبد الرحمن الداخل في الحقيقة كانت نشأة مُبشرة للغاية، فيكفي أن نقول إنه بعد موت والده انتقل للتربية في بيت جده وتحت رعايته، وجده كما ذكرنا هو الخليفة العاشر للأمويين هشام بن عبد الملك، ولمن لا يعرف، كان هشام بن عبد الملك أحد أهم الخلفاء الأمويين في تاريخه، فقد شجع العلماء وأرسى الأمن وأهتم بالبناء والعمارة والطب والترجمة، كما اهتم بالزراعة من أجل توفير الطعام الكافي للمسلمين في كل مكان، فقد كان يهتم بنشر الإسلام حتى وصل إلى بلاد ما وراء النهر، وكذلك كان مهتمًا جدًا بالمكتبات ودور العلم، لدرجة أنهم كانوا يطلقون على دمشق اسم المنارة.

وجود عبد الرحمن الداخل في دمشق ونشأته بالقرب من جده جعله يكتسب الكثير من المهارات والفنون، والواقع أنه لم يكتسب الفنون فحسب، بل كان يمتلك كذلك العديد من المهارات والقدرات والمواهب، ولهذا كان جده الخليفة العاشر يرى فيه مستقبل الخلافة الأموية، حتى أنه قد قربه منه وفضله على إخوته وأبناءه، لكن كالعادة، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث كان مكتوبًا للداخل أن يرى سقوط الخلافة الأموية بعينه.

سقوط الخلافة الأموية

عاش عبد الرحمن الداخل في كنف الخلافة الأموية حتى يوم سقوطها، والحقيقة أن الشاب الذي كان يبلغ وقتها أربعة وعشرين عامًا قد رأى بأم عينه ذلك السقوط الذي جاء على يد العباسيين، حيث انقلبوا على الحكم وقتلوا كل من يمت بصلة للدولة الأموية، حتى الأطفال الصغار لم يتركوهم، ومن ضمن أفراد الدولة الأموية بالتأكيد بطلنا عبد الرحمن الداخل وأخيه الوليد، والذي كان وقتها طفلًا لا يزال في الثالثة عشر، وربما كان هذا السن الصغير سببًا في عدم إدراك الحقيقة التي أدركها عبد الرحمن الداخل عندما كان على شفا الموت في نهر المرات.

فر الداخل وشقيقه من قصر الخلافة عبر نهر الفرات، وهناك تم محاصرتهم ووعدهم بأنهم إذا عادوا فلن يتم قتلهم، وقد كان غريبًا جدًا أن يقتنع الطفل الصغير الوليد بهذا الكلام ويعود لهم، ولا يستمع لنصائح عبد الرحمن الداخل بعدم تصديق العباسيين، على كلٍ، كان الداخل مُحقًا، ففي اللحظة التي عاد فيها الوليد كانت السيوف تلتف حول رقبته وتجتزها أمام أعين شقيقه، ذلك الشقيق الذي أقسم في تلك اللحظة على إعادة المجد للدولة الأموية من جديد.

رحلة الفرار من الموت

كان الموت يُلاحق عبد الرحمن الداخل في كل مكان، فقد سخر العباسيين كل قوتهم من أجل الحصول على رقبة آخر فرد مُتبقي من الأمويين، لكنه أخذ يتنقل من الحجاز إلى مصر إلى ليبيا، وفي كل مكان يمكن أن يبتعد عن دمشق وما يجري فيها، ثم أخذته نفسه إلى الاستقرار في القبائل البدوية التابعة للبربر في شمال أفريقيا، حيث قضى هناك أكثر من خمس سنوات وهو يُخفي شخصيته الحقيقية، وبالتأكيد سوف يظن البعض أن الداخل كان خائفًا على حياته، لكن الواقع أنه كان يُجهز للطريقة التي سيرفع بها راية الأمويين من جديد، فقد كان وقتها لا يزال شابًا في الرابعة والعشرين من عمره، وبالفعل كانت السنة الخامسة والعشرين في حياته هي السنة الفارقة، ففيها قرر بدء حرب النهوض من خلال الأندلس.

البداية من الأندلس

كان عبد الرحمن الداخل يؤمن تمامًا بأن البداية الحقيقية سوف تكون من الأندلس، وذلك لأن بها الكثير من العائلات الأموية التي يمكنها استقباله، وبالفعل راسل الداخل كل أموي في الأندلس حتى اجتمع بهم في حصن رجل يُدعى أبي عثمان، وهناك بدأ التخطيط لاستعادة ملك جده، آخر ملوك الدولة الأموية، والذي لم يشأ عبد الرحمن أن يخذله بعد أن كان يتوسم فيه الخير ويرى به كل سمات القائد، عمومًا، بعد معاناة كما ذكرنا، جلس كل من تبقوا من الأمويين في الأندلس على طاولة واحدة تحت قيادة شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، كان اسمه عبد الرحمن الداخل.

كانت المشكلة الأولى المطروحة أمام عبد الرحمن الداخل هي بداية اندثار الإسلام من بلاد الأندلس، وقد كانت مشكلة جد خطيرة، خاصةً وأن اعتماد الداخل الرئيسي كان على هؤلاء الذين يؤمنون بالخلافة وأهمية توحيد راية الإسلام، لذلك بدأ الداخل في تتبع الطرق التي من شأنها نجدة الإسلام من جديد، كذلك ضم إليه بعض قبائل البربر من أجل إعطائه قوة إضافية في مواجهة العدو الأول له، وهو يوسف فهري، الوالي الأخير للأندلس.

معركة المصارة

بالرغم من اتباع كل الأمويين للداخل والاستعداد للوقوف بجانبه إلا أن والي الأندلس يوسف فهري كان يعتقد أن اتباعه للداخل يعني تخليه عن الحكم له، فهو من بيت الخلافة وبالتأكيد الحكم سيكون له، لذلك، في كل مرة كان يُرسل الداخل للاجتماع به كان يتهرب منه ويرفض ذلك، حتى جاء بأحد المرات وقرر الخروج بجيش كبير ومحاربة الداخل والقضاء عليه بصورة نهائية، وهو ما قابله الفتى الذكي باستدعاء اليحصبي ألد أعداء فهري بجيش مكون من خمسة آلاف جندي كلهم بايعوا الداخل على مناصرته والوقوف بجواره ضد حاكم الأندلس.

بالرغم من العدد الكبير لجيش فهري إلا أن عبد الرحمن الداخل قد تمكن من الانتصار عليه في معركة شهيرة عُرفت باسم معركة المصارة، وبعد هذه المعركة أصبح للداخل السيطرة الكاملة على الأندلس، وأصبح له كذلك مكانة كبرى في نفوس الأندلسيين بمواقفه التي لا تُنسى.

مواقف لا تُنسى

في الحقيقة منذ اللحظة الأولى للداخل في حكم الأندلس وهو يضرب العديد من الأمثلة لشعب الأندلس، وقد كان الموقف الذي قام به مع يوسف فهري أحد أهم هذه المواقف، فعقب هزيمته له في معركة المصارة لم يشأ الداخل أن يفعل مثلما كان شائعًا في هذا الوقت، وهو قتل الفهري وكل ذريته، وإنما أمر جيشه بعدم تتبع الفهري الذي فر بعد نهاية المعركة، كما أعطى له الأمان وقام بإخراج أهله وإيصالهم إليه دون أن يتعرض لهم أحد بأي أذى.

مواقف عبد الرحمن الداخل لم تتوقف عند هذا الحد، وإنما قام بالعديد من الأشياء التي ضمنت له حب المحيطين به، وحب الشعب كذلك، لكن الموقف الأهم والأشهر هو الذي فعله الداخل بعد توليه الحكم، حيث ألغى الخلافة في الأندلس وجعلها دولة قائمة بذاتها، أي أنها قد أصبحت إمارة كبيرة لها أمير وليست مجرد ولاية صغيرة لها والي.

لماذا فعل الداخل ذلك؟

بالتأكيد البعض سوف يتعجب من قيام الداخل بإنهاء الخلافة في الأندلس، لكن الرجل كان يمتلك مبرراته وأسبابه المنطقية، فقد كانت الولاية في ذلك الوقت حائرة بين الأمويين والعباسيين، وكانت الأندلس مشتتة بين هؤلاء وهؤلاء لدرجة أنها قد شهدت أكثر من خمسة وعشرين ثورة من أنصار الفريقين، لذلك كان عبد الرحمن الداخل يرى الصواب في أن تصبح الأندلس العريقة دولة قائمة بذاتها لا تتبع أحد، والحقيقة أن ذلك القرار قد ظهر صوابه فيما بعد، حيث اندثرت الحروب وتوحد الشعب الأندلسي، خاصةً وأن الداخل قد قام بعدة أشياء أخرى من شأنها توطيد ذلك التوحد.

إنجازات صقر قريش

اعتبر عبد الرحمن الداخل الأندلس دولة خلافة كبيرة للأمويين، لذلك سعى في إنجاز الكثير من الأمور من أجل النهوض بها، وأول هذه الأشياء التي اهتم بها الداخل هي الوحدة كما ذكرنا، وفيما يتعلق بذلك فقد أصدر الداخل قرارًا بأن كل حجازي ويمني يعيشان في الأندلس ويُقررا التعاون في أي مشروع فإن الدولة مسئولة عن تمويل ذلك المشروع ومنحهم الأراضي والمنافع اللازمة له مهما كانت.

فيما يتعلق بالجيش فلم يغفل الداخل تأسيس جيش قوي قادر على الزود عن الأندلس، وبالفعل خلال سنوات قليلة كان جيش الداخل يتجاوز المئة ألف جندي، بعضهم من المرتزقة والأكثرية من المتطوعين الأندلسيين، أما العلماء فلم يغفلهم الداخل واهتم بهم، تمامًا كما كان يفعل جده الخليفة الأموي العاشر هشام بن عبد الملك.

وفاة صقر قريش

ظل عبد الرحمن الداخل يحكم الأندلس لأكثر من أربعة وثلاثين عامًا، يُقال إنها من أفضل فترات الأندلس على مدار تاريخها، وليس هذا بسبب الإنجازات التي ذكرناها وإنما للكثير من الأشياء الأخرى التي ربما لم يسعفنا الوقت لذكرها، تمامًا كما لم تُسعف الحياة الداخل وانتهت بالنسبة له في عام 172، أي حوالي ستين عامًا، والواقع أن البعض قد عبروا عن حبهم وامتنانهم للداخل بذلك التمثال الذي بُني له في مدينة تقع جنوب إسبانيا تُسمى المنكب، ولا يزال هذا التمثال قائمًا حتى الآن في دلالة على أن الإسبان يعتقدون أن ذكر الداخل لا يستحق أن يُقطع أبدًا.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية عشر + ستة =