تسعة اولاد
الرئيسية » شخصيات وعلماء » ليف اريكسون وعلاقته المثيرة للجدل باكتشاف أمريكا

ليف اريكسون وعلاقته المثيرة للجدل باكتشاف أمريكا

ليف اريكسون

ليف اريكسون مُكتشف له فضل كبير في اكتشاف أمريكا، ونحن هنا نعني قارة أمريكا، وليس الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من كثرة الإشاعات فإنه هو الشخص الصحيح.

تُعد علاقة ليف اريكسون باكتشاف أمريكا علاقة مثيرة للجدل بحق، فعلى مر التاريخ حاول الكثيرون اكتشاف هذه الأراضي، وهناك من قال بالفعل أنه قد نجح في القيام بذلك، لكن التاريخ كما نعرف لا يأخذ الأقوال في عين الاعتبار، وإنما الأحداث الرسمية التي تم توثيقها في سجلاته، ووفقًا لهذا، فإن الجدل كله يُثار وينحصر حول المكتشف الشهير كريستوفر كولومبوس، والمكتشف الإسكندنافي ليف اريكسون، والذي هو موضوع حديثنا كما يظهر جليًا من العنوان، ولذلك، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على هذا الرجل وحقيقة اللغط المثار حول اكتشافه لأمريكا، وهل قام بذلك فعلًا أم أن أحدًا ما قد سبقه في هذا الإنجاز العظيم؟

من هو ليف اريكسون؟

هناك مُفردات هامة لكل موضوع فارق مثل هذا الموضوع الذي نحن بصدد التحدث عنه الآن، والحقيقة أن أولى مفردات موضوعنا بالتأكيد بطلع الأول ليف اريكسون، ذلك البحار الإسكندنافي الذي يُقال إنه يتبع أسرة أيسلندية عريقة الأصل والمنشأ، فوالده إريك الأحمر، وهو المؤسس الأول لدولة اسكاندينافية عام 985، أي القرن العاشر، وهو نفس القرن الذي وُلد به مُكتشفنا ليف اريكسون، لكن ميلاده جاء قبل الاكتشاف بقليل، وتحديدًا عام 970.

يُعتبر ليف اريكسون هو الابن الثاني لمؤسس الدولة التي وُلد بها ليف، وهو الملك إريك الأحمر، والذي كان يمتلك ثلاثة أبناء لا يعرف أحد مصير أيًّا منهم باستثناء ليف، والذي حظي بكل هذه الشهرة بسبب اكتشافه الخالد لقارة أمريكا، لكنكم بالتأكيد تودون أولًا التعرف على حياة المكتشف العظيم قبل أن يُصبح مكتشفًا، وكيف مرّ بهذا التحول المُثير.

حياة ليف اريكسون

عاش ليف اريكسون في البداية مع والده في المستعمرة التي قام بتأسيسها، أو الدولة كما يُحب أن يُطلق عليها، ومع مرور الوقت بدأ إريك الأحمر في إثارة غضب الملك في هذا الوقت، والذي أمر بالقضاء على هذه المستعمرة وإدراجها إلى المملكة، كما تم نفي إريك وولده ليف إلى النرويج، وهناك، تم معاملة الرجل معاملة حسنة باعتبارها صاحب الفضل في تأسيس بعض المستعمرات، ومن ضمن هذا التعامل الحسن تقريب ليف من الحاشية وتعليمه المسيحية، مما أدى إلى ترعرعه ككاهن، أو هكذا كان الجميع يعتبر ليف اريكسون، بينما كانت ميوله شيء آخر مُختلف تمامًا.

البحار ليف اريكسون

كان ليف اريكسون يعشق البحر والإبحار، ولهذا كان يستغل سفن الرحلات التجارية ويلبد فيها ليذهب مع القافلة البحرية ثم يعود، كان كل ما يستهويه هو المكوث أطول فترة ممكنة في البحر، وبالطبع لم تكن الفترة التي قضاها في البحر لمجرد الاستمتاع بالمناظر الطبيعية فقط، وإنما أيضًا تمكن خلال هذه المدة من أن يتحول إلى بحار كبير، إذًا، نحن الآن نتحدث عن شاب صغير يمتلك كل شيء إيجابي تقريبًا، فهو ابن ملك سابق، ومُترعرع ككاهن وبحار، وهذا بالتأكيد هو السبب الذي سيجعله يبدأ رحلته الأهم نحو اكتشاف قارة عظيمة بحجم أمريكا، أحدث القارات الكبرى اكتشافًا على الأرجح.

تكليف الملك أولف

كان ملك النرويج الذي نشأ ليف في كنفه هو أولف، والحقيقة أن أولف هذا كان مُعجب جدًا بما يقوم به ليف اريكسون وببراعته في الإبحار وتعليم المسيحية في نفس الوقت، ولذلك أمر بالإبحار إلى ما يُعرف باسم جرين لاند، وهي بالمناسبة مستعمرة من اكتشاف والده إريك الأحمر، لكنها كانت تدين بالوثنية، وكان أولف يأمل في شخص قادر على التبشير بها ونشر الوثنية وتعاليمها، وبالطبع لم يجد أمامه خيار أفضل من الشاب ليف اريكسون، لذلك تم تكليفه بالرحلة، وكان كل شيء حتى هذا الوقت لا يبعث بأي شيء غريب، لكن، في طريق عودة الرحلة حدث كل شيء تم تسجيله بالتاريخ لاحقًا.

رحلة جرين لاند

بدأت رحلة جرين لاند التي قادها ليف اريكسون مع نهاية العام 1000، أو القرن العاشر بالمعنى الأدق، وفي هذه الرحلة نفذ ليف كل ما أمره به الملك أولف على أكمل وجه، ولم تأخذ الحملة أكثر من شهور قليلة، حيث تمكن المُبشر الشاب من إرساء قواعد المسيحية ووضع تابعين له هناك، مهمة هؤلاء التابعين كانت استكمال المسيرة على نفس النهج الذي بدأت به، والذي كان سهلًا بعض الشيء بسبب وجود مُخطط جيد بحجم ليف اريكسون.

عاد ليف اريكسون مرة أخرى إلى النرويج، أو هكذا كان ينوي، فقد جاء طريق عودته مُخالفًا لما كان ينوي وقاده إلى اكتشاف قارة أمريكا الذي خلده في التاريخ، والحقيقة أن هذه الجزئية تحديدًا هي نقطة الخلاف الكبرى، فهل حقًا كان ينوي ليف اريكسون التوجه إلى هذه الأراضي واكتشافها، أم أن الأمر برمته كان مجرد صدفة؟ هذا ما اختلفت حوله الروايات.

روايات حول الاكتشاف

لأننا نتحدث عن تاريخ مر عليه أكثر من ألف عام لذلك كان من الطبيعي جدًا أن تختلف الآراء والروايات حول ذلك الاكتشاف، والذي يُعتبر الأعظم في ذلك الوقت، فاكتشاف البلاد أمر يفوق بكثير اكتشاف الأجهزة والآثار، فما بالكم ونحن نتحدث عن اكتشاف قارة كاملة تُعتبر الآن واحدة من أهم القارات في العالم، ولنبدأ سويًا بالرواية التي لم تُنصف أبدًا صاحب هذا الإنجاز ليف اريكسون بالرغم من اعترافها به.

مجرد صُدفة عابرة

الرواية الأولى فيما يتعلق باكتشاف قارة أمريكا على يد ليف اريكسون لم يُنكر أصحابها أبدًا أن ليف هو صاحب ذلك الاكتشاف، بل لم يدعوا مجالًا للشك في ذلك، لكنهم في نفس الوقت قالوا بأن الرجل لم يكتشف القارة بعد تخطيط وبحث ودراسة ورحلة شاقة عانى فيها الأمرين، وإنما تم الأمر ببساطة شديدة، فأثناء عودته من أرض الجرين لاند فقد السيطرة على سفينته لأول مرة في تاريخ عمله كبحار، وقد يعتقد البعض أن هذا يدل على حظه السيء إلا أن الأمر على النقيض تمامًا، فقد أدى ذلك الخطأ والتحول عن المسار إلى دخول ليف اريكسون أراضي جديدة، كانت فيما بعد قارة أمريكا.

معلومات تقود إلى الإنجاز

الفريق الثاني من المتحدثين حول ليف اريكسون واكتشافه لأمريكا يقولون إنه أثناء عودته من رحلة الملك في جرين لاند سمع أن ثمة عالم جديد في الجانب الآخر من البحر فقرر اكتشافه، والحقيقة أن هؤلاء بالرغم من إعطائهم الحق للمكتشف ليف اريكسون الحق في اكتشاف أمريكا إلا أنهم في نفس الوقت أعطوه حقًا منقوصًا، بمعنى أنه قد تم نفي عوامل أخرى مثل التخطيط والنية والرغبة، وإنما جعلوه حدثًا خاطفًا لم يستغرق التخطيط والتنفيذ أي جهد على الإطلاق.

الاكتشاف من نصيب اريكسون

في الحقيقة بالرغم من الاختلاف الكبير حول كيفية اكتشاف أمريكا من قِبل ليف اريكسون إلا أنه في النهاية تم تسجيل الأمر باسمه في سجلات التاريخ، وبالطبع كان الأمر محسومًا بين وبين الرحالة الشهير كريستوفر كولومبوس، فالأخير تم توثيق وصوله في القرن الخامس عشر، أي بعد وصول اريكسون بأكثر من أربعة قرون، وبالطبع لا ننسى أن نذكر محاولات البعض المُستميتة من أجل محو الاكتشاف عن ليف اريكسون، حيث خرجوا بتصريحات من عينة أن الرجل كان مجرد عضو في الطاقم البحري الذي توجه إلى القارة الجديدة ومن باب أولى يجب أن يُنسب الإنجاز إلى الفريق بأكمله، والواقع أن هؤلاء ربما قد نسوا أن لكل سفينة بحار تمتثل بأوامره ويُنسب له فشل أو نجاح أي عملية، وبحار السفينة التي توجهت إلى القارة الجديدة بأمر مباشر منه هو ليف اريكسون ولا أحد غيره.

ما بعد الاكتشاف

كان من المفترض أن يفعل ليف اريكسون مثلما فعل والده عندما أنشأ المستعمرة التي اكتشفها ونصب نفسها قائدًا عليها، لكن ليف لم يفعل ذلك، أو يُقال أنه لم يستطع أن يفعل ذلك بسبب الضغوطات التي كانت عليه من الطاقم المُصاحب له في الرحلة، والذي رفض تمامًا المكوث في مكان غير مدروس أو معروف هويته بالنسبة لهم، كما أنهم لم يكونوا مُمتلكين سوى لطعام يكفي شهر واحد فقط، مما يعني أن الموت جوعًا كان بانتظارهم، وهنا يمكن أن تضيع سيرة الاكتشاف وأصحابه، وإن كان الأمر فعلًا جيد ومفيد فإنه لابد من إيصال خبره إلى العالم، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بالموت على أراضي القارة الجديدة، وبالفعل اقتنع ليف بكلام الطاقم وعاد إلى الملك من جديد بعد أن اكتشف واحدة من القارات الهامة.

نهاية ليف اريكسون

عاد ليف اريكسون إلى الملك، والذي للغرابة لم يُعر الاكتشاف أي اهتمام، وإنما أخذ في إرسال ليف على رأس البعثات التبشيرية إلى كل مكان في العالم، وقد قال البعض أن ليف كان لا يحيد أبدًا عن اتجاهه في أي رحلة من الرحلات مخافة أن يقوده ذلك الانحراف إلى اكتشاف جديد، ولا يعرف أحد حتى الآن لماذا كان يخشى اكتشاف مناطق جديدة أو هل تعرض لأذى وتهديد من أي نوع عقب اكتشافه الأول أم لا.

استقر ليف بعد تقدمه في السن بالمكان الأحب إليه على الإطلاق، وهو جرين لاند، حيث هناك بدأ يُبشر بالمسيحية لكن هذه المرة بدون توجيهات من الملك، والذي كان قد مات وقتها، والواقع أن الملك الذي تلاه لم يُقرب ليف اريكسون منه مثل سابقه، مما أتاح له فرصة الاستقرار في جرين لاند واستكمال رسالته في نشر المسيحية والتبشير بها، واستمر على ذلك حتى مات في عام 1020، ليُنهي قصة مكتشف أحد أهم قارات العالم الجديد، والتي لا يعرف أحد هل كانت من ضمن مناطق العالم القديم التي ضربها الوباء وفتك بجميع سكانها أم أنها فعلًا لم تشهد أي كائن بشري من قبل!

تكريم ليف اريكسون

ظل اكتشاف ليف اريكسون لقارة أمريكا مجرد حدث مُسجل في التاريخ والكتب، لكنه لا يلقى أي حفاوة تذكر، حتى جاء عام 1964 الذي شهد تقدمًا كبيرًا بهذا الصدد، وذلك من خلال التصديق على قرار بجعل التاسع من أكتوبر في كل عام يوم خاص للمكتشف ليف اريكسون، يتم فيه الاحتفال بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا التي مر بها ليف في فترة من الفترات، كما تم تسمية بعض المتاحف باسمه ووضعت فيها بعض الأغراض التي يُعتقد أنها ترجع إليه، لكن في النهاية يبقى التكريم الخالد له هو الحيوات التي تعيش في القارة التي اكتشفها قبل أحد عشر قرنًا، والتي لولا إرادة الله وتوفيقه لهذه الراجل لما كان للقارة أو سكانها وجود.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثلاثة عشر − 10 =