تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » كيف اندلعت حرب الأفيون بين الصين وبريطانيا وما نتائجها؟

كيف اندلعت حرب الأفيون بين الصين وبريطانيا وما نتائجها؟

عام 1792 كانت بريطانيا قد عانت من سلسلة حروب كلفتها أغلب ثروتها بالإضافة لخسارتها لأحدى أهم مستعمراتها بأمريكا الشمالية، لذا توجب البحث عن مصدر جديد للدخل، وكان هذا المصدر تجارة المخدرات بصورة غير مسبوقة، مما تسبب في حرب الأفيون .

حرب الأفيون

كانت حرب الأفيون نتيجة العجز التجاري الناتج عن الطلب الشديد على المنتجات الصينية في الأسواق الأوروبية وعدم قبول الحكومة الصينية من الأوروبيين غير الفضة في مقابل المنتجات الصينية. بدأت التجارة البحرية بين الصين والأمم الأوروبية عام 1557 حين أستأجر البرتغاليون أرض لهم من الصين في ماكاو، وتبعت الأمم الأوروبية البرتغال في تأسيس علاقات تجارية بينها وبين الصين، التي كانت تعتبر صاحبة أكبر اقتصاد في العالم حينها، وتحول العالم لمكان صغير بسبب سفر التجار الأوروبيون إلى تقريبًا كل مكان على وجه الأرض بحثًا عن منتجات وفرص تجارية جديدة لإشباع نهم سوق الغرب الصناعي للمنتجات الأجنبية، وبدايةً من عام 1635 بدأ التجار البريطانيون بالظهور على الشواطئ الصينية بصورة متقطعة، بدون تأسيس أي علاقات تجارية رسمية بين البلدين عن طريق النظام الامبراطوري الذي كانت تتبعه الأمم الآسيوية في التفاوض مع الصينيين.

أسباب حرب الأفيون الأولى

حرب الأفيون أسباب حرب الأفيون الأولى

عقب غزو الأمريكيتين، استطاعت الأمم الأوروبية الاستعمارية خاصة بريطانيا وفرنسا وأسبانيا الحصول على مصدر جديد للفضة من مناجمهم في الأمريكيتين وبذلك استطاعوا الحفاظ على استقرار اقتصادهم بالرغم من العجز التجاري الشديد بينهم وبين الصين، وكميات الفضة الأوروبية التي غمرت الاقتصاد الصيني بالرغم من أنها أدت إلى توسع الاقتصاد الصيني، إلا أنها تسببت بالتضخم واعتماد الاقتصاد الصيني على الفضة الأوروبية. التوسع الاقتصادي المستمر للأمم الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي أدى إلى زيادة حاجة الأمم الأوروبية للمعادن النفيسة كالفضة والذهب المستخدمة في صك عملات جديدة، مما أدى إلى تقليل الفضة المرسلة إلى الصين وبالتالي ارتفعت أسعار السلع الصينية في الأسواق الأوروبية مما أدى لزيادة العجز التجاري بين الأمم الأوروبية والصين، فاضطر الأوروبيون للمخاطرة بعجز للعملة في أوطانهم في مقابل إرضاء حاجة التجار للفضة في الصين، الذين كانوا يدرون دخلًا ببيعهم المنتجات الصينية القيّمة ببلادهم. وبالرغم من ذلك استمرت التجارة بالنمو حتى حرب الأفيون بنسبة 4% سنويًا.

وأدى إلى زيادة الوضع سوءًا سلسلة الحروب الاستعمارية الضخمة التي نشبت بين بريطانيا وأسبانيا في منتصف القرن الثامن عشر، مما أدى إلى زعزعة استقرار سوق الفضة العالمي وتحرر دولتين غنيتين بالفضة من سطوة الأوروبيين وهما الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، وبدون الفضة التي كان يعتمد عليها التجار الأوروبيون من المستعمرات، اضطر التجار إلى أخذ الفضة من الأسواق الأوروبية الضعيفة لدفع ثمن المنتجات الصينية التي ظل الطلب عليها في تزايد مستمر، مما أدى إلى غضب الأمم الأوروبية حيث شاهدت اقتصادها يتضاءل بسبب قوانين الصين التجارية المتزمتة، بينما اقتصاد الصين لم يتأثر بتقلبات أسعار الفضة حيث استوردوا الفضة من اليابان لحل أزمة صك النقود الجديدة. استمر الأوروبيون في الاستيراد من الصين بينما لا يوجد أي تصدير في المقابل، بسبب عدم رغبة السوق الصيني في المنتجات الأوروبية، لذا توجب على الأوروبيين البحث عن منتج مرغوب فيه بالسوق الصيني حتى يعادلوا العجز التجاري الحاصل ويستعيدوا استقرار اقتصادهم، وهذا المنتج هو الأفيون.

بريطانيا وتسببها في حرب الأفيون الأولى

حرب الأفيون بريطانيا وتسببها في حرب الأفيون الأولى

في أواخر القرن الثامن عشر، كانت بريطانيا أكبر وأقوى امبراطورية على وجه الأرض بالرغم من خسارتها لأهم مستعمراتها بأمريكا الشمالية التي عرفت في ما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم تنج بريطانيا من السُعر الأوروبي للمنتجات الصينية وبخاصة الشاي، أصبح الشاي جزء أساسي من حياة البريطانيون لدرجة أن المنزل البريطاني متوسط الدخل كان ينفق 10% من دخله على الشاي، وأيضًا شكلت الجمارك على الشاي 10% من دخل بريطانيا! حيث كان يتم استيراد ملايين الكيلو جرامات من الشاي كل عام من الصين. وحالها كحال باقي الأمم الأوروبية تأثر الاقتصاد البريطاني بالعجز التجاري مع الصين، ولكن على عكس باقي الأمم الأوروبية، كان أمام بريطانيا الحل. كان الأفيون في الصين يستخدم كعلاج، ولم يعرف الصينيون استخدامه كمخدر في أول الأمر، وحتى بعدما عرف الصينيون كيفية استخدام الأفيون كمخدر كان يتم خلطه مع التبغ، ووضعت الحكومة الصينية القيود على تجارة التبغ وأيضًا وضعوا قيود مماثلة على تجارة الأفيون ظنًا منهم أنه مشابه في التأثير للتبغ.

كان يتم استيراد التبغ من جزيرة جافا بماليزيا، وعقب الحروب النابليونية استعمرت بريطانيا جزر جافا، وبدأ التجار البريطانيون بالسيطرة على تجارة الأفيون، وكانت هذه بداية حل أزمة العجز التجاري، ولكن الكمية لم تكن كافية بعد. قامت شركة الهند الشرقية وهي الجناح التجاري العسكري للحكومة البريطانية بغزو الهند، في محاولة منهم لزراعة القطن هناك وبيعه في الأسواق الأوربية وتحصيل أرباح ضخمة، ولكن في أواخر القرن الثامن عشر ساءت الأوضاع مع شركة الهند الشرقية حيث ازدهرت المصانع المنتجة للملابس القطنية والتي كانت تستخدم القطن المزروع بمصر وجنوب الولايات المتحدة. ولكنهم وجدوا زراعة الخشخاش في الهند بديلًا مربحًا عن زراعة القطن، وقامت الشركة بتنظيم زراعة الخشخاش فلا يُحصد محصول خشخاش بدون إذن الشركة، ومنعت أيضًا التجار من تكرير الأفيون حيث كانت الشركة تشتري الخشخاش الخام وتقوم بتحويله لأفيون جاهز للاستهلاك وتحصل على أعلى ربح ممكن. وبعد أزمة القطن أصبح الأفيون يباع بكميات هائلة في صورة مزاد ضخم بكالكوتا.

ازدهار تجارة الأفيون وموقف الحكومة الصينية منها

حرب الأفيون ازدهار تجارة الأفيون وموقف الحكومة الصينية منها

قام التجار البريطانيون الحاملون لإذن ملكي للتجارة بآسيا بشراء الأفيون من المزاد بكالكوتا وحمله على سفنهم إلى جزيرة لينتين بجنوب الصين، حيث قام التجار الصينيون بشراء الأفيون من هناك وحمله على قوارب سريعة ومسلحة إلى المدن الصينية لتوزيعه، وقاموا بدفع الفضة مقابل الأفيون، ولم يكن هذا كافيًا لإشعال حرب الأفيون بعد، فقد قامت الحكومة الصينية بالتغاضي عن تجارة الأفيون، حيث كان الربح الحقيقي للتجار البريطانيون ليس في بيع الأفيون، بل في شراء كميات كبيرة من الشاي بالفضة التي حصلوا عليها من تجارة الأفيون وبيع الشاي في الأسواق البريطانية في مقابل ربح أعلى، وكان هذا في مصلحة الحكومة الصينية التي كانت تحتكر زراعة الشاي حيث تضاعفت مبيعات الشاي عقب ازدهار تجارة الأفيون. مما أدى إلى زيادة ثروة الحكومة الصينية وعملائها في كانتون، حيث كانت المدينة الوحيدة المسموح للتجار الأوروبيين بدخولها والتجارة فيها.

لكن جهل الحكومة الصينية بخطورة الأفيون هو ما سيؤدي إلى هلاكها ونشوب حرب الأفيون ، حيث انتشر تعاطي الأفيون من كانتون إلى شمال الصين وغربها وأصبح ذا شعبية كبيرة واستمر متعاطوه بالتزايد مما كان له أثر مدمر على المجتمع الصيني بكل طبقاته وبالتالي على الاقتصاد الصيني. فقامت الحكومة الصينية بإصدار مرسوم ضد تجارة الأفيون وبعدها بحوالي 16 سنة اصدروا حظر تام للأفيون وأمر لحاكم كانتون بإيقاف تجارة الأفيون وأصبح مادة غير قانوني تداولها، ولكن الأوان كان قد فات، فقد أصبحت تجارة الأفيون في الصين أكبر من أن تتوقف بسبب حظر الحكومة لها، فقام التجار بشراء سفن قديمة وحولوها إلى مخازن في المحيط لتجنب السفن الحكومية الصينية حيث واجهت سفن الحكومة الصينية مشاكل في الإبحار في مياه المحيطات، وترسو تلك السفن لوقت ما على شواطئ نهر كانتون، وكان يأتي المهربون الصينيون إلى هذه المخازن لشراء الأفيون والعودة لتوزيعه في المدن الصينية.

دخول التجار الأمريكان والأوروبيون المنافسة

بالرغم من أن شركة الهند الشرقية كانت أشهر الشركات التجارية البريطانية وأقواها، فهي لم تكن الشركة البريطانية البارزة الوحيدة في السوق العالمي، فبسبب ارتفاع تكلفة تجديد الإذن الملكي للتجارة قامت شركة البندقية بالاندماج مع الشركة التركية وكونوا شركة الشام التجارية ليدفعوا ثمن إذن ملكي واحد، وكان مقرها مدينة حلب السورية، وكانت مسؤولة عن تنظيم التجارة مع الإمبراطورية العثمانية، وعلى عكس شركة الهند الشرقية لم يكن لشركة الشام طموحات استعمارية، ولكنهم برزوا في الجانب التجاري وأنشؤوا مراكز تجارية في المدن التجارية المشهورة، وفي مطلع القرن التاسع عشر بدأ التجار الأمريكيون بالانضمام إلى شركة الشام وبدأوا بالسيطرة على تجارة الأفيون التركي واحتكروه، وبسبب ازدهار الأفيون في الأسواق الصينية رأى التجار الأمريكيون فرصة تجارية عظيمة في الصين، وبدأوا بإغراق السوق الصينية بالأفيون التركي ممهدين لحرب الأفيون.

وبالرغم من كون الأفيون الذي جلبه الأمريكيون أقل في الجودة من الأفيون الهندي الذي احتكرته شركة الهند الشرقية، إلا أنه كان أقل سعرًا مما أشعل المنافسة بين التجار البريطانيين والأمريكيين مما أدى إلى انخفاض سعر الأفيون في السوق الصينية، فأصبح أكثر توفرًا للمستهلكين الصينيين، وبسبب كون الأفيون مخدر يسبب الإدمان وعدم وجود توعية قوية ضد المخدرات، غرق المجتمع الصيني في استهلاك هذا المخدر المنخفض السعر وبالتالي ازداد الطلب على الأفيون في الصين مما حث تجار الأفيون الصينيين على البحث عن مصادر جديدة للأفيون لإشباع نهم السوق الصيني للأفيون، وهذا النقص النسبي في الأفيون في مقابل الطلب الشديد عليه، أغري الكثير من التجار الأوروبيين للدخول في تجارة الأفيون في الصين، لدرجة أن أحد التجار الأوروبيين حينما كان يتحدث عن الأفيون قال: إنه مثل الذهب أستطيع بيعه في أي وقتٍ أشاء.

تدهور الاقتصاد الصيني وتغير السياسة البريطانية في الاقتصاد

في مطلع القرن التاسع عشر، الفترة التي احتاجت فيها الحكومة الصينية الفضة كي تمول قمعها لبعض الثورات المناهضة للضرائب والعديد من الصراعات الأخرى، تدفق الفضة بدأ بالانعكاس وبدأ التجار الصينيون بدفع كميات كبيرة من الفضة للتجار الأوروبيين في مقابل الأفيون بدلًا من أن يقوم التجار الأوروبيين بدفع الفضة في مقابل المنتجات الصينية كالشاي والبورسالين، فكانت السفن الأوروبية والأمريكية تأتي محملة بالأفيون تبيع بضاعتها في مقابل الفضة، تشتري منتجات صينية بالفضة التي حصلوا عليها، ثم يبيعون هذه المنتجات في الأسواق الأوروبية بأرباح مضاعفة. بدأت الجدالات بالازدياد في البلاط الإمبراطوري الصيني حول إنهاء تجارة الأفيون وكيفية إنهائها، وبدأت الحكومة بالقيام ببعض المحاولات والجهود في إيقاف أو حتى تقليل تجارة الأفيون ولكنها بائت بالفشل بسبب تعقيدات المسؤولون المحليون وتجار كانتون الذين كانوا يستفيدون من تجار الأفيون بحصولهم على رشاوي كبيرة وضرائب على المخدر.

بالإضافة لتجارة الأفيون، أدت الابتكارات الاقتصادية والاجتماعية إلى تغيير النظرة الأوروبية للتجارة مع الصين، والتجارة العالمية بصورة عامة، حيث كانت الدول الأوروبية تؤمن بالمذهب التجاري، حيث ترى الحكومة أن تجميع الثروة والازدهار يكون في تقليل الواردات وزيادة الصادرات إلى الدول الأجنبية، وبفضل الثورة الصناعية بدأت بريطانيا باستخدام بحريتها القوية في نشر نموذج تجاري متحرر يتضمن تشجيع الأسواق الحرة على مستوى دولي وتقليل القوانين والقيود على التجارة. كان الغرض من هذا الموقف التجاري الجديد فتح الأسواق الأجنبية لموارد المستعمرات البريطانية وتوفير المزيد من السلع الاستهلاكية لعامة الشعب البريطاني كالشاي وبالتالي يزداد الدخل القادم من الجمارك. وأدى هذا التوسع الاقتصادي وتبني الحكومة البريطانية لنظام قاعدة الذهب إلى صك المزيد من العملات الفضية، مما أدى إلى تقليل الفضة المرسلة إلى الصين، وبالتالي أصبح من الضروري لبريطانيا أن تغير القانون التجاري الصيني المتزمت، فأصبحت حرب الأفيون وشيكة.

تزايد نفوذ التجار البريطانيين وإنهاء احتكار شركة الهند الشرقية

حرب الأفيون تزايد نفوذ التجار البريطانيين وإنهاء احتكار شركة الهند الشرقية

القضاء على قوانين الصين التجارية المتزمتة لم يكن اهتمام بريطانيا فقط، بل حاز على اهتمام العديد من الأمم الغربية الصناعية كهولندا والدنمارك وروسيا والولايات المتحدة. فقامت تلك الأمم بإرسال سفراء ورسل إلى البلاط الصيني في محاولة للتفاوض وإلغاء نظام الميناء الواحد وفتح باقي الموانئ الصينية للتجار الغربيين ولكن تم رفض كل تلك الاقتراحات من الأمم الغربية، بريطانيا أرسلت سفيرين احدهما رفض أن يركع للإمبراطور الصيني كما هي العادة وكان هذا أمر جلل عند الصينيون فقد اعتبروها إهانة شديدة، وبرر السفير الإنجليزي قائلًا أنه لو كان ليركع لأحد لركع لملك بريطانيا، تم طرد السفير من الصين مما أغضب الحكومة البريطانية وكان هذا إحدى الأسباب المؤثرة في حرب الأفيون . ومع ازدياد التجارة بين الصين وأوروبا، ازداد عدد التجار الأوروبيون في كانتون، وأنشئوا غرفة تجارية لتنظيم الأمور فيما بينهم، وبدأ التجار الأوروبيون الكبار وبتجميع قوة ونفوذ داخل الصين، أشهرهم جاردين وماثيسون اللذان أسسا شركة تجارية لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.

هذا النفوذ والتأثير الأوروبي المتزايد بدأ بإثارة القلاقل في المجتمع الصيني خاصةً بين المبشرين الأوروبيين والموظفين الحكوميين المحليين، وبدأت الحكومة الصينية بفرض ضرائب ضخمة على التجار حتى تضاءلت ثروة التجار الصينيين في كانتون بصورة شديدة، واستمرت بفرض هذه الضرائب حتى بعد إخماد الثورات مبررين بأنهم يقومون باستخدام أموال هذه الضرائب في عمل إصلاحات للمرافق العامة. أيضًا تدهور قيمة العملة الصينية أدى إلى لجوء العديد من الصينيين لإذابة العملات الأجنبية خاصة الأسبانية والأمريكية لاحتوائها على نسبة أعلى من الفضة واستخدامها كعملات محلية مما أدى إلى ربط الاقتصاد المحلى بالتجار الأجانب. عام 1938 نجح مصلحون في بريطانيا بإنهاء احتكار شركة الهند الشرقية وتحديد نفوذها من كيان تجاري إداري تابع للبلاط الملكي إلى كيان إداري فقط، ولم يعد التجار البريطانيون بحاجة إلى إذن ملكي للتجارة في الصين مما فتح الباب على مصرعيه للجميع للمشاركة في تجارة الأفيون في الصين، وبتزايد نفوذ تجارها في الصين، بدأت بريطانيا بتعزيز قوتها العسكرية في جنوب الصين.

تهور نابيير وتدهور العلاقات

كانت شركة الهند الشرقية تقوم بالإشراف على التجارة مع الصين وتنظيمها، وبعد نزع السلطات الإدارية من شركة الهند الشرقية، أصبحت التجارة بين بريطانيا والصين بحاجة لمن يشرف عليها وينظمها، لذا أرسلت الحكومة البريطانية ثلاثة مشرفين وهم نابيير ودايفيس وروبينسون، وكانوا تحت أوامر تقتضي بتنظيم التجارة مع الصين واتباع القوانين الصينية ومعاينة الشواطئ الصينية، وبمجرد وصوله قام نابيير بكسر أول قواعد البيروقراطية الصينية وحاول التحايل على النظام الذي قيد التواصل المباشر مع الموظفين الحكوميين الصينيين عن طريق إرسال رسالة إلى والي كانتون، فقام والي كانتون برفض استلام الرسالة، وفي نفس السنة تم إصدار مرسوم بإيقاف التجارة مؤقتًا مع البريطانيين فقام نابيير بالرد بإرسال سفيتين ملكيتين لقصف حصون صينية على الشاطئ كنوع من إظهار القوة، ولكن لم تندلع حرب الأفيون بعد حيث توقف هذا القصف بعض مرض نابيير وأمره بالانسحاب، ولكن هذا التصرف العدواني أثار استنكار الحكومة الصينية بالإضافة للحكومة البريطانية وكذلك التجار.

ساءت العلاقات بين الحكومة البريطانية والصينية بعد هذا الحدث، وتم طرد البريطانيين من كانتون إلى ماكاو، وازدهرت التجارة مع بعض الأمم الغربية مثل الولايات المتحدة كنتيجة لتدهور العلاقات مع بريطانيا، وبعد فترة وجيزة من انتقاله لماكاو مات نابيير إزاء مرضه وتم تعيين تشارلز إليوت كمشرف على التجارة مع الصين بدلًا من نابيير وتم تكليفه بإصلاح العلاقات مع الحكومة الصينية، ولكن الصين عانت من تجارة الأفيون التي يقوم عليها البريطانيون، فبحلول عام 1838 كان البريطانيون يبيعون ما يقارب 1400 طن من الأفيون للصين سنويًا، وشرعت الحكومة الصينية بإعدام مهربي وتجار المخدر من الصينيين، حتى أنه يقدّر أنه قبيل حرب الأفيون كان ما يزيد عن ربع سكان الصين من الذكور مدمنين للأفيون.

تعيين لين زشوو والقضاء على تجارة الأفيون

حرب الأفيون تعيين لين زشوو والقضاء على تجارة الأفيون

ضاق ذرع الإمبراطور الصيني بسبب تجارة الأفيون وأثرها المدمر وعجزه عن القضاء عليها بسبب الفساد الإداري، فقام بتعيين لين زشوو مفوضًا امبراطوريًا لديه كامل صلاحيات الإمبراطور للقضاء على تجارة الأفيون من جذورها وبصورة نهائية، اشتهر لين بكونه موظف حكومي صاحب مبادئ وأخلاقيات وغير مرن بالمرة حيث لا يقبل الرشاوي وما شابهها، وبدأ لين بإرسال رسالة إلى الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا يستنكر فيها سماحها لتجارها ببيع الأفيون في الصين بينما تجارة الأفيون ممنوعة على الأراضي البريطانية وأحاطها علمًا بأنها إن لم تنهي تجارة الأفيون سيقوم هو باتخاذ الإجراءات الضرورية لإيقاف هذا السم من تدمير بلاده، وبالطبع لم يصل لين أي رد من البلاط البريطاني لذا شرع في استئصال تجارة الأفيون من جذورها في كانتون وقال: إن لم نوقف تجارة الأفيون الآن فلن يكون لدينا مال أو جنود لنقاوم بهم العدو بعد بضع عقود من اليوم.

قام لين بتجريم تجارة الأفيون وطالب التجارة بتسليمه جميع ما تحتويه مخازنهم من الأفيون وقام بإغلاق جميع الممرات البحرية لكانتون كي لا يقوم التجار بتهريب البضاعة، حاصر لين مخازن التجار الرافضين لتسليم الأفيون قرابة الشهر والنصف حتى استسلموا وسلموا ما يملكون وكانت تقدر قيمة الأفيون المصادر بخمس ما تنفقه بريطانيا على جيشها -أكبر وأقوى جيش حينها- سنويًا، تسببت كمية الأفيون المصادرة في خسارة جسيمة بل وحتى إفلاس بعض التجار، وفي محاولة منه لتهدئة الأوضاع وعد تشارلز إليوت التجار البريطانيون بتعويض الحكومة البريطانية لهم عن خسائرهم، وبالطبع رفضت الحكومة البريطانية دفع هذا المبلغ الطائل الذي كان ليفرغ الخزانة البريطانية من المال. وازدادت الأوضاع سوءًا حينما قتل بحارين بريطانيين مزارع صيني وطالب لين بتسليم المجرمين للحكومة الصينية ولكن إليوت رفض وقام بعقد محاكمة بحرية لهما على سفينته ودعا لين لحضور المحاكمة والتعليق عليها ولكنه رفض.

طرد البريطانيين من الصين واشتعال حرب الأفيون

غضب لين زشوو من مخالفة البريطانيين للقانون الصيني على الأراضي الصينية وعدم تحملهم لمسئولية أفعالهم، فقام بطرد البريطانيين من ماكاو ونشر إشاعات بأنه قد تم تسميم المياه التي كان يشرب منها التجار الأجانب ومنع الصينيين من بيع الطعام لهم، فقام البريطانيون بالتراجع لجزيرة قاحلة عرفت باسم هونج كونج، ولكن أزمة الطعام كانت في أوجها لذا أرسل إليوت سفينتين حربيتين لشراء الطعام من القرى الساحلية ولكن قائد حصن كولون القريب منع الفلاحين من بيع الطعام لهم، وحصلت مناوشات بين السفن البريطانية والصينية دامت ليوم ولكن لم تستعر حرب الأفيون بعد. حاول التجار البريطانيين الذين امتنعوا عن تجارة الأفيون أن يستأنفوا تجارتهم مع الصنيين ولكن إليوت منعهم، ومنع أي سفن تجارية أخرى من دخول كانتون، وحينما حاولت سفينة بريطانية تجارية دخول كانتون قامت سفن البحرية البريطانية بإطلاق طلقات تحذيرية نحوها، وحينما علم الصينيون بذلك أرسلوا أسطولهم وحاولوا حماية السفينة التجارية ولكنهم فشلوا حيث كانت السفن البريطانية أكثر تقدمًا وقوة من السفن الصينية.

بعد انتهاء أول معركة في حرب الأفيون التي حاول فيها الصينيون حماية سفينة بريطانية من البحرية البريطانية ولكنهم فشلوا وخسروا المعركة، قاموا بإعلان انتصارهم على البريطانيون وحمايتهم للسفينة التجارية وساهم ذلك في تقليل الصينيون من قدر البريطانيون، ولم يتخيلوا أن البريطانيون سيحاربونهم حقًا حيث أنهم في بعيدون جدًا عنهم، ولكن البريطانيون في هذا الأثناء كانوا يحشدون جنودهم في بريطانيا والهند واستراليا استعدادًا لحرب كاملة، وصل الجنود البريطانيون من كل أنحاء الإمبراطورية إلى الأراضي الصينية، وبدأوا بغزو الجزر والحصون الصينية الواحدة تلو الأخرى وظهر التفوق العسكري من حيث قوة الجنود والتسليح، قام الإمبراطور الصيني بعزل لين زشوو وتعيين تشي شان بدلًا منه وأمره بالتفاوض مع البريطانيين لإنهاء الحرب.

بداية المفاوضات وانتهاء حرب الأفيون الأولى

تفاوض تشي شان مع إليوت واتفقوا على دفع الصين 6 مليون جنية إسترليني كتعويض للأفيون الذي تم تدميره بعد مصادرته وإعادة البريطانيين جميع الأراضي الصينية المحتلة للصين، ولكن المفاوضات فشلت في بادئ الأمر بسبب رفض الصينيون تسليم جزيرة هونج كونج التي احتاجها البريطانيون كمقر عمليات في حال نشوب الحرب مرة أخرى. ولكن بعد فترة تم الاتفاق على دفع 6 مليون جنية إسترليني للصين في مقابل جزيرة هونج كونج. ولكن ذلك الاتفاق لم يرضي كلًا من الحكومة الصينية والبريطانية لذا تم عزل إليوت وتشي شان واستمرت الحرب، واستمر البريطانيون بالاستيلاء على المدن الصينية حتى كادوا أن يصلوا للعاصمة، حينها قرر الإمبراطور الموافقة على شروط البريطانيين وفتح المزيد من الموانئ للتجارة وإعطاء البريطانيين جزيرة هونج كونج ودفع 21 مليون جنية إسترليني كتعويض بدلًا من 6 مليون وبهذا انتهت حرب الأفيون الأولى.

حرب الأفيون الثانية في الصين

حرب الأفيون حرب الأفيون الثانية في الصين

لم ترضي الاتفاقية التي تلت حرب الأفيون الأولى طموحات الحكومة البريطانية، لذا طالبت الحكومة البريطانية بعد حوالى 12 سنة بتجديد الاتفاقية ورفع الحظر على تجارة الأفيون وفتح الصين بأكملها للتجار البريطانيين وإعطائهم حقوق مشابه لحقوق الصينيين وعدم فرض جمارك على البضائع البريطانية وحرية التجارة في العمالة الرخيصة، واشتعلت الحرب بمصادرة الموظفون الصينيون لسفينة بريطانية اشتباهًا في أنها سفينة قراصنة، وكانت هذه السفينة في السابق سفينة قراصنة استولت عليها الحكومة الصينية وباعتها. وتكرر الأمر ثانيةً بدأ البريطانيون بغزو المدن الصينية الواحدة تلو الأخرى ولكن هذه المرة لن تقف القوى الأوربية الأخرى وتشاهد بريطانيا تنهب خيرات الصين وحدها، لذا شارك الفرنسيون والروس والأمريكيون في الحرب وبدأوا بنهب الصين حتى هرب الإمبراطور من قصره وتم نهب القصر وحرقه.

وانتهت حرب الأفيون الثانية بشروط أكثر ظلمًا للصينيين من حرب الأفيون الأولى وتم رفع الحظر على تجارة الأفيون والسماح بشحن العمالة الرخيصة للأمركتين وحصول البريطانيون على مزايا وحقوق أفضل في الصين، وسميت فترة حرب الأفيون الأولى والثانية بفترة الاتفاقيات الظالمة، وكانت تلك الفترة بداية حقبة سمتها الحكومة الشيوعية فيما بعد بمائة عام من الذل.

الكاتب: عبد الله نادي

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

10 − واحد =