تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » التدخين والمخدرات » كيف تعمل وسائل الإعلام على زيادة جاذبية التدخين ؟

كيف تعمل وسائل الإعلام على زيادة جاذبية التدخين ؟

جاذبية التدخين هي حقيقة لا تحتاج إلى إثبات، وقد أثبتت بعض الدراسات جاذبية التدخين بالنسبة للرجال والنساء، فلم يعد التدخين من أجل النيكوتين فقط، وهو أمر عجيب حقا، فكيف تصبح عادة صحية سامة جذابة بهذا القدر؟ ويكمن السر في الإعلانات.

جاذبية التدخين

جاذبية التدخين ليست محصورة في طبقة أو فئة، كما يعد التدخين جذابا بالنسبة للرجال والنساء من مختلف الأعمار، والجميع يعلم أضرار التدخين وخطورته، كما لم تساهم كتابة أضرار التدخين على علب السجائر في تقليل مستهلكيها، بل على العكس هم في ازدياد، ونجد أن البعض ينجح في تجاوز أثر النيكوتين وأعراض الانسحاب، يتوقفون عن التدخين لفترة، ويعودون إليها مرة أخرى، ولو كان الأمر في أثر النيكوتين عليهم لما عادوا إلى التدخين مرة أخرى، فتكمن صعوبة الامتناع عن التدخين في جاذبيته بالنسبة للجميع، ولم تتشكل جاذبية التدخين في عقولنا بسهولة، بل جاءت نتاج للعمل والدعاية المتواصلة لشركات السجائر، فقد تجاوز التدخين لدوره وطبيعته، وارتبط في وعينا بما هو أكبر منه بكثير، فقد أضحى التدخين عادة يومية مرتبطة بمزاجنا وحالتنا النفسية، ولن أتحدث معك بمثالية في هذا المقال، فالكاتب مدخن ولا يتحدث من الخارج، بل من قلب الحدث، وسأحدثك كيف عملت وسائل الإعلام والدعاية على زيادة جاذبية التدخين بالنسبة لنا، ولنبدأ رحلة الإقلاع.

أسرار جاذبية التدخين

جاذبية التدخين أسرار جاذبية التدخين

مما لا شك فيه أن جاذبية التدخين صناعة قائمة بذاتها، فلا تعتمد الدعاية للسجائر على جودة المذاق أو الأثر، بل تعتمد على جعل التدخين جذابا بالنسبة لنا، ولعلك لا تتصور حجم الملايين التي يتم استثمارها في إعلانات السجائر، لكنها أرقام ضخمة، جعلتنا جميعا نتجاهل أضرار التدخين، وأضرار التدخين كثيرة ومعروفة، حتى أضحى الحديث عنها مملا مكررا، وهي أول شيء يحذرك منه الطبيب، كما تأتيك الإحصاءات عن ضحايا التدخين كل صباح، حتى أنك تقرأ عبارة التدخين يسبب الوفاة قبل أن تسحب سيجارة من علبتك وتشعلها، فما سر جاذبية التدخين بالرغم من أضراره الصحية المعروفة؟ وأسرار جاذبية التدخيـن كثيرة، سنعرضها فيما يلي عسى أن يساعدنا فهم حقيقتها على الإقلاع عن تلك العادة المميتة، وإليك أهم الأسباب.

الممنوع مرغوب

تساهم التحذيرات المتكررة في زيادة جاذبية التدخين بشكل كبير، فهي خوف الآباء الأكبر، وتكاد تشكل أغلب نصائح الأمهات لنا في فترات المراهقة، كما يدفعنا المنع للرغبة في خوض التجربة، فيصبح التدخين فاكهتنا المحرمة، فيكون مثيرا لفضولنا بشكل غير طبيعي، نرغب في تجربة هذا الشيء الذي يحذروننا منه، خاصة أن أغلب أصحاب التحذيرات يمارسون التدخين، فتتكاثر الأسئلة في رؤوسنا، نبحث عن فهم تلك التجربة، نرغب في فهم صعوبة الإقلاع عنها رغم أضرارها، نحلم بخوض ذلك المجهول وثبر أغوار تلك اللذة الغامضة، فيساهم المنع والتحذير في زيادة جاذبية التدخيـن بالنسبة للجميع، وخاصة صغار السن.

ارتباط التدخين بكبار السن

من أسباب جاذبية التدخين بالنسبة للمراهقين ارتباطه بكبار السن، فتدفعنا رغبة خفية في محاكاة الكبار وتقليدهم، فيمثل التدخين بالنسبة للمراهقين ما هو أكبر، فكأنه إعلان دخول عالم الكبار وانتمائهم لتلك الفئة، وعلى الرغم من امتلاء عالم الكبار بالكثير من الأمور الهامة والجادة، يظل التدخين أسهلها، تماما كإطلاق الشارب واللحية، فيلجأ المراهق بسذاجة نحو التدخين لإثبات أنه لم يعد صبيا صغيرا، هكذا ببساطة تتضاعف جاذبية التدخيـن في أعين المراهقين.

ارتباط التدخين بالنجومية والمشاهير

يرتبط التدخين في أذهاننا بنجوم الغناء والسينما، كما يرتبط بمشاهير الكتاب والأدباء أيضا، ولا شك في مساهمة هذا الأمر في زيادة جاذبية التدخيـن بالنسبة للجميع، لا عجب في ذلك، إذ يرغب الكثير في محاكاة النجم المفضل، لذا تجد رواج قصات شعر المشاهير، كما تباع ملابسهم بأضعاف السعر الطبيعي نظرا للإقبال عليها، ويتكرر الأمر ذاته مع التدخين، وهو ما استغلته شركات العلاقات العامة، فعمدت إلى تصوير نساء فاتنات بطريقة مثيرة أثناء التدخين، كما قامت بعمل جلسات تصوير لنجوم الفن وهم يدخنون السجائر، فخلقوا علاقة بين التدخين والشهرة والنجومية والوسامة والإثارة أيضا، كما تم تصوير التدخين بطريقة فنية، فلا تجد الممثل يدخن بطريقة عادية كما يفعل الجميع، بل يسحب سيجارته ببطء، ويشعلها بتروي، ويسحب أنفاسها بتمهل، وأحيانا ما يصاحب المشهد موسيقى تصويرية ساحرة، هذا بالإضافة إلى المناظر الطبيعية الخلابة، فنتمنى لحظة جميلة مماثلة لأنفسنا، وكل هذا يصنع جاذبية التدخين في عقل المدخن، فمن لا يرغب في محاكاة نجمه المفضل؟

التدخين والتمرد والنضال

يرتبط التدخين لدى البعض بالتمرد والنضال، ليس فقط لإن التدخين ممنوع، ولكن لارتباطه بالصور الشهيرة للمناضلين، فبمجرد ذكر اسم جيفارا على سبيل المثال ستجد عقلك يرسم صورته وهو يدخن السيجار، وهكذا مع كافة الثورات والمظاهرات والاحتجاجات السياسية، وهو ما ساهم في زيادة جاذبية التدخين بالنسبة لنا، فقد ارتبط في الأذهان بالثورة والنضال.

التدخين كفعل رومانسي

ساهمت الدعاية وبعض الأفلام في صناعة علاقة بين التدخين والحب، حتى أضحى التدخين فعل رومانسي بين المحبين، فتجد البطل يشعل سيجارته من سيجارة في فم البطلة، وربما يتشاركان التدخين في أعقاب ممارسة الحب، وكذلك عند مشاهدة التلفاز معا، وجاءت جاذبية التدخين من تلك الحميمية المتخيلة، فعندما تشاهد امرأة تدخن تكاد ترغب في مشاركتها التدخين والحديث الهادئ، فحدث خلط بين الحب وتلك الحالة السامة من الضرر المشترك، فلم نعد ندخن من أجل التدخين فقط، بل نبحث عمن يشاركنا ذلك من الأحبة، وحتى في علاقات الصداقة أصبح التدخين فعلا حميميا يرغب الجميع في تشاركه.

جاذبية التدخين عند الشعور بالتوتر

هناك مشاهد سينمائية يمكنك تكملتها بمجرد معرفة المقدمة، لنأخذ مثالا بسيطا، تتعقد الأمور في حياة بطل الفيلم، يمر بأزمة ما وتصله أخبار سيئة، يجلس وحيدا في مكان ما، لا يتحدث مع أحد، يشعر بالقلق والتوتر والحزن، قل لي ماذا تتوقع أن يفعل؟ سيدخن بالطبع، وهذا بالضبط ما صنع جاذبية التدخين بالنسبة لنا، فقد ارتبط في الأذهان بالمواقف الصعبة المشحونة بالتوتر والانفعال، وعندما تمر بمشكلة ما تتذكرها، تبحث عن الهدوء وتخفيف حدة الضغوط، وتشعر كأنك تنفث المشكلة في الهواء مع كل نفس تطلقه من سيجارتك، وهو الارتباط الأخطر الذي يعوق الجميع عن الإقلاع، فقد تقرر الإقلاع عن التدخين وتشعل سيجارتك مع أول مشكلة تمر بها، وهي لا تقلل التوتر ولا أي شيء، فهذا فقط ما تظنه أنت، وهذا سر جاذبية التدخيـن لنا يا عزيزي.

التدخين كشهادة خبرة عاطفية

انتشرت مؤخرا موجات استهجان الطيبين والملتزمين، فنجد الفتيات بل والرجال لا يفضلون الأشخاص المنضبطين، فيتم ربطهم بالملل والسذاجة، فتجد نظرتنا لغير المدخن كشخص منطوي خارج على الجماعة، وعلى العكس من ذلك يبدو المدخن في أذهان البعض كشخص خبير، وبالنسبة للفتيات اللائي يفضلن الشاب الخبير المجرد تزيد جاذبية التدخين وتأثيرها، إذ ترتبط لديهن بالخبرة وكثرة العلاقات، وهو ما دفع الكثير من الشباب نحو التدخين، ظنا منهم أنه يمنحهم المظهر الجذاب لزير النساء، تلك حماقة بالطبع عند التفكير بالعقل والمنطق، لكنها حقيقة، حتى أنه هناك دراسة عرضت صور للعديد من الشباب على النساء من أعمار مختلفة، ومالت تفضيلاتهم نحو المدخنين من أجل العلاقات على المدى القصير، وهو مما ساهم في زيادة جاذبية التدخين بالنسبة للرجل والمرأة.

شركات السجائر وصناعة جاذبية التدخين

تحدثنا عن أسرار جاذبية التدخين بالنسبة للجميع، للكبار والصغار والرجال والنساء، ويأتي دور الحديث عن دور شركات السجائر في صناعة تلك الجاذبية، والحقيقة أنها السر الخفي في جاذبية التدخين، وذلك من خلال إعلانات السجائر عبر وسائل الإعلام، فقد تجاوزت تلك الإعلانات مسألة التدخين، وامتدت إلى خلق علاقة بين التدخين والجاذبية، فقد ربطتها في البدء بالرجولة الكاملة، وهي الثورة التي قادتها مارلبورو في تغيير ثقافة الإعلانات، فقبل ذلك كانت الدعاية للنساء من الطبقات الغنية الراقية، ثم انتقل الأمر نحو الرجال الذين يمتطون الخيول، واعتمدوا على الكاوبوي في البداية، ثم تطور الأمر حتى أصبحت إعلانات السجائر مرتبطة بالرجولة والقوة والوسامة، وكذلك تم زيادة جاذبية التدخيـن بالنسبة للمرأة، وذلك بالاعتماد على نساء فاتنات مثيرات في الإعلانات، إذن كانت الإعلانات هي السر خلف جاذبية التدخين منذ البداية، والأخطر من الإعلانات هو ما صنعته العلاقات العامة بالوصول إلى السينما، فإضافة التدخين إلى سلوك أبطال السينما لم يكن صدفة.

جاذبية التدخين لا تدوم طويلا

جاذبية التدخين حقيقة، نعم هذه هي الحقيقة المؤسفة، لا يمكنني الادعاء بغير ذلك، لكن من الحقائق أيضا أن تلك الجاذبية لا تدوم طويلا، يسهل معرفة ذلك بمراجعة أسرار جاذبية التدخيـن بالنسبة لك، فإن جذبك التدخين في مراهقتك لارتباطه بعالم الكبار، فقد أصبحت كبيرا وانتهى الأمر، وإن كان مصدر جاذبية التدخيـن هو ارتباطها بنجوم الفن والسينما، فقد أنفقت الكثير ولم نر صورة واحدة لك في هوليود يا عزيزي، وهكذا فيم يخص النضال والرومانسية وتعدد العلاقات وخلافه، فتلك جاذبية متوهمة، صنعتها شركات السجائر في رؤوسنا كي نشتري الموت، وبعيدا عن مدى حماقة تلك الأسباب الدافعة للتدخين، جاذبية التدخيـن لا تستمر لأسباب أخرى في غاية الأهمية، على المدى البعيد يصبح المدخن شخص فاشل غير في مسئول في نظر الجميع، ويصبح بالنسبة له شخص غير قادر على التحكم في حياته وحماية صحته وأمواله، ومؤكد هو مظهر غير جذاب، فهل هذا هو ما تريده لنفسك؟

جاذبيـة التدخين هي العائق الأكبر في الإقلاع عنه، كل المدخنين يعرفون أضرار التدخين أكثر من غيرهم، يعرفونها حق المعرفة لإنها تحدث لهم، كما يكلفهم التدخين الكثير من المال، بل ويؤدي إلى كثير من المشكلات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية، والسر في عدم قدرتهم على الإقلاع هو جاذبية التدخيـن بالنسبة لهم، وتحدثنا في هذا المقال عن أسرار تلك الجاذبية، والحق أن جاذبيـة التدخين لم تحدث صدفة، فقد أنفقت شركات السجائر الملايين على الدعاية لذلك، ونجحت في اختيار المدخل المناسب للجميع، فصنعت من تلك العادة السيئة عامل جذب، فربطته في عقولنا بالكبار والنجوم والمشاهير والحب والرومانسية وتخفيف التوتر، وربطته بالرجولة والقوة والوسامة والإثارة، وكلها أشياء منبتة الصلة بالتدخين، إذ لا علاقة له بالشهرة أو تقليل التوتر، وحتى جاذبية التدخيـن فهي لا تستمر، إذ تزول مع السعال وصعوبات التنفس والأمراض السرطانية، ويجب أن نتحلى بالشجاعة ونعترف بمساهمتنا في صناعة جاذبية التدخين بالنسبة لنا، فقد تلقينا الطعم وأوقعنا أنفسنا في هذا الفخ، وحان وقت الخروج منه.

الكاتب: أحمد ياسر

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

18 − إحدى عشر =