تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » التوهم النفسي : كيف يمكن أن نُشفَى من الوهم والأفكار السلبية؟

التوهم النفسي : كيف يمكن أن نُشفَى من الوهم والأفكار السلبية؟

التوهم النفسي أحد الاضطرابات النفسية التي تهدد صحة الإنسان؛ ما يزيد من معاناته النفسية وتدهور الحالة الصحية للشخص المتوهم، تعرف على أعراضه وكيفية علاجه.

التوهم النفسي

التوهم النفسي من أخطر الاضطرابات النفسية التي قد تصيب الإنسان وهو عبارة عن شعور مزيف وغير حقيقي بوجود معاناة ما سواء جسديًا أو نفسيًا. وعادةُ ما تظهر أعراض التوهم النفسي بالتزامن مع الإصابة باضطراب الوسواس القهري حيث يشعر الإنسان بألم عضوي في أحد أجزاء بدنه، ثم يتطور هذا الشعور ويتضخم حتى يتملكه الوهم تمامًا على نحو مَرَضي، وقد تظهر أعراض هذا الاضطراب في صورة أفكار ومشاعر شاذة وغير واقعية مثل إحساس الإنسان بأن شخصًا ما يكره ويرغب في قتله أو التخلص منه. وهكذا يعبث الوهم في عقل وبدن الإنسان الذي يقع ضحية لكل هذه الهواجس ما يزيد من معاناته وتعقد حياته. ونظرًا لأهمية هذا الأمر سوف نلقي في السطور القادمة نظرة شاملة على أسباب هذا الاضطراب وأعراضه وطرق علاجه.

التوهم النفسي من الألف إلى الياء

التوهم النفسي وأهم أسبابه

غالبًا ما يُصَاب الإنسان باضطراب التوهم النفسي في بداية عمر المراهقة، ويزداد احتمال الإصابة مع التقدم في العمر. وقد تبين أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذا الاضطراب من أهمها:

نمط الشخصية

يؤدي نمط الشخصية والطباع الفردية دورًا مهمًا في تمهيد الشخص للإصابة باضطراب التوهم النفسي وزيادة استعداده له. وعادةً ما تكون الشخصية القهرية هي النمط الأكثر عرضة لأن تكون فريسة سهلة لهذا الاضطراب؛ حيث تتسم الشخصية القهرية بالحساسية المفرطة وسهولة التأثر وسرعة ترجمة المشاعر السلبية إلى أعراض حسية أو أفكار شاذة. ويتميز أيضًا صاحب هذه الشخصية بالانطوائية الشديدة والعزلة والتمركز حول الذات ما يؤدي إلى الاحتجاب وعدم الاختلاط والحرمان من التفاعل الاجتماعي الصحي الذي يوجه الاهتمامات الشخصية بشكل سوي وطبيعي، ويؤدي ذلك إلى خلق عالم خيالي موازٍ يسكب فيه كل أفكاره وخيالاته المريضة ويساعد ذلك على سرعة تجسمها وتحولها إلى صور مادية ما يعزز شعوره الزائف سواء بالآلام العضوية أو بالأفكار الغريبة غير الصحيحة.

عدم النضج النفسي الكافي

هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من تأخر النضج النفسي ما يؤدي إلى القصور في تقدير الأمور والعجز عن معالجتها وقياسها بالمعايير المنطقية الطبيعية ما يؤدي إلى وجود استعداد كبير للإصابة بهذا الاضطراب. وعادةً ما يعاني هؤلاء الأشخاص، غير الناضجين نفسيًا، من سوء تأويل وتفسير المواقف التي تمر بحياتهم؛ حيث يعجزون عن التوصل إلى المعنى المراد توصيله لهم ما يؤدي إلى سوء الفهم وتمرير الموقف في صورة فكرة غير حقيقة والتي تترسخ سريعًا داخل وجدانهم وعقلهم الباطن ويتعاملون معها بصفتها حقيقة مطلقة ما يُعطي لحالة التوهم النفسي التي يعانون منها صبغة واقعية تزيد من سوء الحالة. وقد يؤدي عدم النضج أيضًا إلى وجود إلحاح ما على لفت الأنظار ووضع الذات في بؤرة الحدث لتصبح موضع اهتمام الجميع، فنجد هؤلاء الأشخاص يتوهمون المرض أو اعتناق بعض المفاهيم الخاطئة حتى يلفتون نظر الآخرين واهتمامهم ومن ثم يتصدرون المشهد ويشبعون تلك الرغبة الطفولية التي تحرضهم على ارتكاب مثل هذه الأفعال الغريبة.

العامل الوراثي

عادةً ما يصيب التوهم النفسي الأشخاص من ذوي الاستعداد الوراثي حيث يصبحون أكثر عرضة خاصةً إذا كان أحد الوالدين قد سبق له الإصابة بمثل هذا الاضطراب أو غيره من الأمراض النفسية ذات الصلة به مثل اضطراب الوسواس القهري أو الاكتئاب أو القلق.

التعرُّض للصدمات وحالات الفشل

قد يصبح التوهم النفسي استجابة طبيعية في حالة التعرُّض للصدمات أو حالات الفشل سواء في مجال الحياة الاجتماعية أو المهنية؛ حيث يصبح التوهم في ذلك الموقف حيلة دفاعية للهروب وخلق مبررات للتخفف من الشعور بالمسؤولية واستقطاب الدعم والتضامن من أجل الصمود وتضميد الجرح النفسي الناتج عن الصدمة أو الفشل، ما يؤدي إلى اجتياز المحنة لا شعوريًا. ويأتي هنا التوهم غالبًا في صورة تمارض لاشعوري، أي الشعور بأعراض مرض ما دون الإصابة به بالفعل ولكن دون ادعاء من الشخص المصاب؛ حيث أنه يشعر حقًا بالأعراض الكاملة للمرض الذي يتوهم الإصابة به.

أسلوب التربية الخاطئ

تؤدي طريقة التربية دورًا رئيسيًا فيما يتعلق بالإصابة بهذا الاضطراب؛ حيث يؤدي تدليل الطفل المبالغ فيه إلى نشأة غير صحية وذلك لأن هذا الطفل سوف يصبح في المستقبل شخصًا ضعيف الشخصية ويصعب عليه اتخاذ قرارات حاسمة وسليمة ما يساعد على تحوله إلى شخصية اتكالية تعتاش على دعم وتشجيع الآخرين ما يُفقده هويته النفسية ويجعله فريسة للتوهم النفسي الذي يجد فيه كل ما يفتقده أو ما تعود عليه؛ وذلك يرجع إلى اختلاط هذا الشخص بفئة مختلفة من الأشخاص، بطبيعة الحال، والذين لن يلبوا احتياجاته من المشاعر التي يعتاش عليها، ما يدفعه في النهاية إلى حالة التوهم النفسي بهدف استجداء نظرة الاهتمام وطلب المساعدة من أجل تخفيف المسؤولية مثلما كان الحال دائمًا حينما كان طفلاً صغيرًا.

أعراض التوهم النفسي

هناك العديد من الأعراض التي تصاحب الإصابة باضطراب التوهم النفسي مثل:

تركيز الانتباه على الأفكار الغريبة

عادةً ما يُسَلِّط المصاب كل تركيزه على مجموعة من الأفكار غير الواقعية المرتبطة إما بحالته الصحية أو بعلاقاته الاجتماعية أو ببعض المعتقدات والأفكار المجردة التي قد تدخل في نطاق الخرافات. وغالبًا ما يجد المصاب لذة شديدة في الإفراط في الحديث عن هذا الموضوع الذي يشغله وتحويل مسار الأحاديث الأخرى في اتجاه هذه الفكرة التي تسيطر عليه؛ فإذا كان المصاب ممن يتوهمون الإصابة بمرض معين، يصبح تناول هذا المرض في أحاديثه عادة أثيرة لديه، فضلاً عن رغبته في الإطلاع على المزيد من المعلومات حول هذا المرض عن طريق القراءة أو التوجه بالأسئلة إلى الأطباء والمبالغة في إجراء الفحوصات الطبية الخاصة بهذا المرض.

المبالغة والتضخيم في تصوير المشاعر

يبالغ المتوهم دائمًا في تصوير معاناته وأفكاره المرضية سعيًا للفت الانتباه والحصول على المزيد من الرعاية والاهتمام. وبطبيعة الحال يعمل على تحويل أي إحساس صغير سواء كان ألمًا أو موقفًا عابرًا إلى كارثة تستحق العناية الفائقة، فإذا شعر بوخز بسيط في معدته، قد يتوهم بأنه مصاب بمرض عضال في جهازه الهضمي قد يستحق التدخل الجراحي أو الإقامة في المستشفى وما إلى ذلك من المبالغات غير الطبيعية.

الشكوى والتذمر

إن الشخص المتوهم كثير الشكوى والتذمر لأتفه الأسباب؛ حيث يعاني المحيطون به من كثرة حديثه عن مأساته ومشاكله المستعصية التي يعاني منها، في حين أنه لا يعاني من شئٍ من الأساس.

زيادة الشعور بالنقص والدونية: يعاني المتوهم من الشعور بالدونية والتقزم والانسحاق ويرجع ذلك إلى نظرته السلبية إلى نفسه بصفته شخصًا مقهورًا ومغلوبًا على أمره ما يزيد من سوء حالته المرضية ويعيقه عن التواصل الصحي مع الأفراد المحيطين به.

علاج التوهم النفسي

إن التوهم المرضي يُعَد اضطرابًا نفسيًا يستحق الرعاية والاهتمام والعلاج، وفيما يلي أهم الطرق العالة للعلاج:

العلاج النفسي والسلوكي

يهدف هذا العلاج إلى مساعدة المريض على الاستبصار بحالته ووعيه بأبعادها، فضلاً عن تقويم السلوك وتغيير الأفكار والمعتقدات الخاطئة والراسخة والتي تشكل البؤرة الرئيسية لحالة التوهم النفسي والقضاء على الصراعات النفسية وزرع السلام النفسي بدلاً منها. بالإضافة إلى تأهيل الشخص المصاب ليصبح شخصية مسؤولة وواعية للقرارات التي يتخذها دون انتظار الدعم الخارجي.

العلاج الاجتماعي

يجب أن يُوضَع الشخص المصاب في بيئة اجتماعية صحية حيث يختلط بالمزيد من الأشخاص ويعتاد التفاعل الاجتماعي في المحيط الخاص به وممارسة الأنشطة المُعِيْنَة على الاندماج مثل العمل والرياضة والرحلات الترفيهية ما يؤدي إلى إزالة حالة التمركز حول الذات وتحويل مسار الانتباه إلى الأمور الحياتية الجديرة بالاهتمام بالفعل بدلاً من الأفكار والأوهام المرضية التي يجد فيها ملاذًا زائفًا.

العلاج الدوائي

قد يلجأ الأطباء إلى العلاج الدوائي في الحالات المتقدمة والتي لا يجدي معها العلاجات السابقة حيث تؤدي الأدوية إلى تعديل وتحسين حالة المزاج والسيطرة على كيمياء المخ ما يساعد على إيقاف الأفكار المرضية والتسهيل من السيطرة عليها.

وهكذا نجد أن التوهم النفسي اضطرابًا نفسيًا خطيرًا قد يحول حياة الشخص إلى جحيم لا سيما في حالة الاستسلام التام وعدم تلقي الرعاية والاهتمام والعلاج. ومن أجل ذلك نوصي بسرعة التعامل مع المصابين بهذا الاضطراب والسعي إلى التعامل معهم وعلاجهم على النحو الذي يحقق لهم الشفاء.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

ستة عشر + 6 =