تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » كيف أثرت مسرحية بيت الدمية على مسار المرأة في التاريخ؟

كيف أثرت مسرحية بيت الدمية على مسار المرأة في التاريخ؟

مسرحية بيت الدمية هي مسرحية كلاسيكية مميزة أثرت وساهمت في تعرية الواقع السيئ الذي عاشته المرأة في وقت ما، وفي مسرحية بيت الدمية تم عكس صورة المرأة الراضخة والدمية التي يحركها المجتمع الذكوري كما يشاء، إلي إنسانه تثور وتتمرد وتطالب بحقها في الوجود والحياة.

مسرحية بيت الدمية

كانت المرأة ولا تزال تعاني من الاضطهاد والتهميش والإنكار، وكانت العصور القديمة أشد إنكاراً واضطهاداً لها عن العصر الحالي، في القرن التاسع عشر كان وضع المرأة سئ كما هو معهود، وكان يتم التعامل معها كما الحال في العصور القديمة من اهتمام مبالغ فيه بالذكور والنظر إلي أي أنثى نظرة دونية. كانت أوربا مثل الشرق تماماً تظلم المرأة وتتعسف في التعامل معها، ووسط كل هذا الظلام تخرج للنور بعض الكتابات والحركات الثورية التي تنادي بالحرية والمساواة، واعتبار المرأة إنسان له الحق في الحياة كما الذكر تماماً. تخرج من بين كل هذه الظلمة مسرحية بيت الدمية للكاتب النرويجي المميز “هنريك إبسن”، وقد أصدرت المسرحية ضجة كبيرة بين المجتمع الأوربي آنذاك، ويذكر أن أول مرة تم تجسيد فيها هذه المسرحية على خشبة المسرح أثارت غضب وسخط كبيرين بين الجمهور، بل قاموا بإلقاء طماطم على الممثلين، فقد كان الناس ينظرون لما يتم تمثيله على المسرح بأنه إهانة للرباط المقدس بين الأزواج ودعوة لتخريب البيوت الآمنة المطمئنة، التي تحيا بسلام في ظل خضوع المرأة وخنوعها، وبعد أن تم تقدير قيمة هذه المسرحية لمكانتها ولما أحدثته من تغيير، حفظت منظمة اليونيسكو مخطوط هذه المسرحية الموقعة من إبسن كتقدير لقيمته ومكانته.

ما المميز في مسرحية بيت الدمية ؟

ومسرحية بيت الدمية ليست مسرحية نسوية بالدرجة الأولى بقدر ما هي مسرحية تعري المجتمع وتكشف الزيف والظلم فيه، فقد ذكر العديد من النقاد أن إبسن أهتم فيها بالتعبير عن البشر جميعهم وليس الأنثي فقط، فالصدق والبحث عن الذات والكيان شئ يهم كل إنسان، بغض النظر إن كان ذكر أو أنثي، ولكن للتدقيق أيضاً كانت المسرحية تعني بالتحدث عن الأنثي كزوجة مهمشة ليس لها أي دور فعال أو رأي أو حتى تقدر على تحمل المسؤولية المتمثلة في بيتها، فجاءت المسرحية هادمة لكل رؤى المرأة المهمشة لمكانتها في ذلك الوقت، وكانت ردود الأفعال عليها متباين من الناس وقتئذ، حيث هناك من تقبلها وثار على القيود، وهناك من رفض المبدأ من الأساس واستشاط غضباً

مؤلف مسرحية بيت الدمية “هنريك إبسن”

هنريك إبسن هو كاتب مسرحي نرويجي لقب بأبو المسرح الحديث، وكان من العاملين على ظهور فكرة المسرح الواقعي الحديث، من أشهر أعماله بيت الدمية والبطة البرية والأشباح وأعمدة المجتمع.. إلخ، اتسم مسرح إبسن بالواقعية التي تعري المجتمع بلا رحمة أو هوادة وحاول أن يجد حلولاً في النهاية، حيث أنه كان دائماً يعري الأقنعة ويكشف الزيف ويدعو إلي الوسطية والاعتدال، وقد تحدث في مسرحه في عدة موضوعات وعدة مشكلات تواجه المجتمع النرويجي آنذاك، مما جعله يصنف من أهم كتاب المسرح على مر التاريخ.

عم تتحدث مسرحية بيت الدمية؟

الفصل الأول

تبدأ مسرحية بيت الدمية بليلة رأس السنة في منزل نورا حيث تدخل إلي منزلها وهي تحمل العديد من الهدايا فيستقبلها زوجها فتتحدث معه عن الحفل الذي تجهز له ولكنه سخر منها بطريقة لطيفة، لأنها ترتب لهذا الحفل منذ فترة طويلة، ولأن هذا العيد يصادف ترقية تورفالد فقد أخبرته أنه يجب أن يكون هذا العام استثنائي وأن يحتفلوا بهذه المناسبة بشكل يليق بها. بعد فترة وجيزة تطرق عليها صديقتها كريستين الباب والدكتور رانك صديق العائلة الذي جلس في المكتب وتحدث مع تورفالد، تحدثت كريستين مع نورا عن حياتها ووحدتها وكيف توفي زوجها وتركها وحيدة وذكرت أنها جاءت إلي نورا لتبحث عن عمل ترشدها إليه عن طريق تورفالد، تحدثت السيدتين كثيراً وأخذت كل منهن تحكي للأخري كيف أنها كانت شجاعة وتحمل المسئولية، فأخبرت نورا كريستين بأن تورفالد زوجها قد مرض منذ فترة ما وسافر لإيطاليا لتلقي العلاج هناك، وواصلت كريستين الحكي وقالت لنورا بأنها تشعر بفراغ فظيع وذكرت لها حينما توفت والدتها قامت كريستين بتربية ورعاية أخواتها الصغار ولكن عندما كبروا شعرت بالوحدة والملل ولذلك فهي تبحث عن عمل لشغل كل هذا الفراغ، أشفقت عليها نورا ووعدتها بأنها ستسأل تورفالد ليساعدها في إيجاد عمل مناسب لها، فقالت لها كريستين ” إنك بريئة مثل الأطفال يا نورا”، فثارت نورا لذلك وأخبرتها بأنها إنسانة مسؤولة وليست كما الأطفال والدليل على ذلك أنها اقترضت الأموال التي سافر بها زوجها للعلاج من أحد المعجبين وقد أخبرت زوجها بأن كل هذه الأموال من والدها، وقد خاطرت بكل ذلك حتي تفعل شيئاً لزوجها المسكين.

ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً فهي قد اقترضت هذه النقود بطريقة غير شرعية وتعمل طوال هذه الفترة على تسديد هذه الديون. بعد ذلك يدخل إلي المنزل السيد كورجستاد الموظف في بنك تورفالد، ويتجه ناحية مكتبه، بينما يخرج الدكتور رانك من المكان نفسه، وتتوتر نورا بشدة عندما تري السيد كورجستاد داخلاً المنزل، يذكر الدكتور رانك وهو خارج من عند تورفالد أنه يشعر بالبؤس لما يعانيه وانه يرغب في أن يعيش حياه كريمة، ويقول أنه على الرغم من مرضه العضوي فإن الشخص الخارج لتوه من عند تورفالد هو مصاب بمرض أخلاقي. بعد ذلك يخرج تورفالد من المكتب ويتحدث مع زوجته نورا فتسأله هل بأماكنه إيجاد وظيفة لصديقتها كريستين، فيخبرها تورفالد بأن صديقتها هذه محظوظة فقد أصبحت هناك للتو وظيفة شاغرة، ثم يغادر تورفالد ودكتور رانك وكريستين المنزل ويتركوا نورا بمفردها، وبعد فترة قصيرة من لعب نورا مع أولادها يتسلل كورجستاد فجأة إلي غرفة معيشتها ويخبرها بأن زوجها قد فصله للتو من وظيفته، وهو يطلب منها أن تتوسل إلي تورفالد لكي يعيده في وظيفته. ترفض نورا ذلك فيهددها كورجستاد بابتزازها بما أخذته من قرض لرحلة علاج زوجها في إيطاليا، فيهددها بأنه سيخبر تورفالد بأنها زورت توقيع والدها لتقترض المال. تخاف نورا وترجو من تورفالد عند عودته أن يعيد كورجستاد للعمل، يرفض تورفالد ذلك بل ويضحك من طلب نورا ويقول لها بأن كورجستاد مخادع وغشاش، فقد زور توقيع شخص ما وهو يشعر بالاستياء الحقيقي لأن يعمل مع شخص يحوي كل هذا النفاق والفساد، وطلب منها ألا تذكر هذا الموضوع مرة أخرى.

الفصل الثاني

ينتهي الفصل الأول ويبدأ الفصل الثاني من المسرحية بزيارة كريستين لنورا لمساعدتها في التجهيز لحفلة تنكرية ستذهب إليها هي وتورفالد، يرجع تورفالد من البنك وترجوه نورا ثانية بأن يعيد كورجستاد للعمل ولكن بحيل غير مباشره، فتواصل الحديث وتخبره عن مخاوفها من أن يشهر كورجستاد به أو يكيد له في العمل، ويرد عليها تورفالد مطمئناً بأنه لا يخاف من ذلك وأنه يقوم بعمله على ما يرام، ثم يتركها ويدخل إلي مكتبه. يأتي الدكتور رانك لزيارة تورفالد فتطلب منه نورا مساعدتها في أمر ما، فيخبرها بأنه مريض وفي المرحلة الأخيرة من مرض السل في نخاعه الشوكي، ويعترف لنورا بأنها يحبها منذ زمن بعيد فتضطرب نورا لذلك القول وتخبره بأنه تعتبره صديق فقط لا أكثر. يدخل كورجستاد لمنزل تورفالد وقد شعر باليأس بعد أن تم فصله بالفعل من عمله، أخبر نورا بأن ما عليها من تسديد للدين أمر لا يكترث له، وأن ما يهمه الآن هو أن يخبر زوجها بما فعلته من تزوير ويبتزه بذلك، خافت نورا وأخبرت كورجستاد بأنها فعلت كل ما بوسعها لكي يعود إلي العمل بل ويترقى أيضاً لكن زوجها رفض. كان كورجستاد قد أرسل بالفعل رسالة بها تفاصيل جريمة نورا التزويرية. تحاول نورا أن تفعل شيئاً وتطلب المساعدة من صديقتها كريستين، فتخبرها كريستين بأنها كانت على علاقة بكورجستاد في الماضي وأنهما لا يزالان يحبان بعضهما، ولسوف تتحدث معه بشأن هذا الموضوع ليتهاون فيه.

يرجع تورفالد للمنزل ويفتح صندوق البريد ليستقبل الجوابات المرسلة، تقلق نورا لذلك كثيراً وتحاول أن تصرفه عما يفعل فتحاول إظهار نفسها بأنها مهتمه برقصة الحفلة بشدة وأنها متوترة لأجل ذلك كثيرا، ثم تنجح في أن تصرف تتزوجها عن الصندوق البريدي ترقص معه وكان قد بقى معها طول الليل حتى ترقص بشكل جيد في اليوم الثاني في الحفلة، بينما الحقيقة هي عكس ذلك.

الفصل الثالث

يبدأ الفصل الثالث بمقابلة كريستين لكورجستاد، وتخبره بأنها ما زالت تحبه وان ظروفها في السابق هي التي اضطرتها للزواج حتي يمكنها أن تعول أمها وأخواتها، لأنها لم يكن لديها أي دخل في ذلك الوقت، كما كشفت له أنها تعلم أن سبب انحلال كورجستاد لم يكن إلا بسبب هجرها له، لذلك فجاءت تعرض عليه الحب من جديد. اقتنع كورجستاد بكل ما قالته كريستين، وبعد إيضاح منها قرر أن يستعيد الرسالة الابتزازية التي أرسلها، ولكن رغم كل ذلك فقد رأت كريستين أن الأفضل لنورا وتورفالد أن يعلم تورفالد بكل ما حدث.

انتهت الحفلة وعاد تورفالد ونورا لمنزلهما وكان دكتور رانك موجود فودع نورا بطريقة غير مباشرة، وذهب تورفالد لتفقد الرسائل البريدية، واقتنعت نورا بأنه لا مفر مما سيحدث وبدأت في التوتر، قرأ تورفالد الرسالة وغضب كثيراً ووجد نفسه مبتز من كورجستاد ويجب أن ينفذ كل ما يطلبه. صرخ تورفالد في نورا وعنفها كثيراً لأنها غشاشة مخادعة، ولا تصلح أن تكون أم، وقرر بأن حياتهما ستأخذ منعطفاً جديداً منذ ذلك اليوم. دخلت الخادمة وهي تحمل خطاباً أعطته لنورا ولكن يأخذه تورفالد منها، وبعد لحظات تظهر البشاشة والسرور على وجهه، حيث أن كورجستاد قد أرسل وثيقة الدين بأكملها ولم ينتظر تورفالد أي شئ وأحرقها على الفور. بعد كل ما حدث تراجع تورفالد عن كل ما تفوه به وأهان به زوجته، وأخبرها بأنه قد غفر لها وسامحها.

أهم مشهد في المسرحية (الخاتمة)

مسرحية بيت الدمية أهم مشهد في المسرحية (الخاتمة)

بعد الموقف الذي حدث غيرت نورا وجهة نظرها في زوجها تماماً ورأته على حقيقته الأنانية على عكس ما اعتقدته من أن زوجها شخص مثالي وشجاع. أخذ تورفالد يتحايل على نورا أن تسامحه، وشرح لها أن السماح دليل على الحب عكس ما هي تعتقد. لم يول تورفالد أي اهتمام بما قامت به من تضحية بضميرها في سبيل سد الديون، ومعاناتها في تسديد الديون طوال السنين الماضية، بل كل ما فعله أن عنف زوجته واتهمها بالغش عندما مس الأمر مصلحته. لم تذعن نورا لكل ما قاله تورفالد وأخبرته بأنها ستترك المنزل وتعثر على نفسها من جديد، حيث ستأخذ حياتها منعطفاً جديداً منذ هذه اللحظة.

قالت نورا أنها عاشت طيلة عمرها كدمية يحركها الآخرون ويلعبون بها، بدءاً من والدها أولاً ثم زوجها. رفض تورفالد كل ما قالته نورا وأمرها بأن تبقي في المنزل لتكون مسؤولة كزوجة وأم فردت عليه نورا قائلة بأن مسؤوليتها الأهم يجب أن تكون لنفسها، ثم تقوم بدورها كزوجة وأم بعد ذلك. أخبرت نورا تورفالد بأنها كانت تتوقع منه رد فعل أنبل من ذلك فقد ضحت من أجله بالكثير ولذلك توقعت أن يضحي من أجله هو أيضاً، ولم يفعل بل أعتبرها خائنة غشاشة، وأيقنت نورا أن بعد كل هذه الفترة من الزواج أنها قد تزوجت الشخص الخطأ على المبادئ الخطأ.

أندهش تورفالد تماماً من كل ما قالته نورا فهو لم يعتد أن يسمع امرأة تتفوه بمثل هذا الكلام من قبل، فكل معلوماته عن المرأة أنها تافهة وذات عقل ساذج، وقد كان كل ذلك بالأمر الغريب عليه. وكانت عقلية تورفالد كما الرجال في عصره نرجسية لا ترى إلا نفسها، فلم يدرك ما شعرت به نورا وكيف تغيرت نظرتها لزوجها التي اعتقدت انه إنسان مثالي يستحق كل حبها.

تركت نورا خاتم زواجها ومفاتيح المنزل وخرجت تاركه تورفالد ينتحب خلفها لا يعلم ماذا يفعل، وخرجت نورا لا تعلم إن كانت هذه المرة ستكون أخر مرة تزور فيها المنزل أم لا. (ستار).

ما هي أهمية هذه المسرحية؟

تكمن أهمية مسرحية بيت الدمية في الجزء الأخير منها والغير متوقع في الوقت الذي نُشرت فيه، فقد كانت المرأة في القرن التاسع عشر مهمشة ولا دور لها في الحياة سوي خدمة الزوج ورعاية الأبناء، ولم تكن ترقي حتي لتحمل المسؤولية أو العمل أو حتى المشاركة في الرأي مع الرجل، فكان حدثاً جللاً أن يخرج من يصور امرأ استثنائياً كهذا، كانت فكرة تصوير امرأه تترك بيتها وزوجها وأولادها لتجد نفسها وتحدد أهدافها أمر لم يستسيغه أحد، فمن هي المرأة لتتحدث أو تبحث عن ذاتها لو حتى تعترض. ومن ضمن الاعتراضات على مسرحية بيت الدمية عندما تم تمثيلها على خشبة المسرح في دول مختلفة، منها ألمانيا على سبيل المثال وقد قرر وكيل إبسن في ذلك الوقت أن يجد نهاية بديلة للمسرحية حتى تتناسب مع المجتمع الألماني في ذلك الوقت، وكانت النهاية تصور نورا عائدة إلي منزلها مرة أخري وترتمي في أحضانهم وتبكي بعد أن أغلقت الباب خلفها، وقد كشف إبسن بعد ذلك أن تغيير النهاية يعتبر مهانة لهدف إبسن الأصلي من للمسرحية، إذ أنه بعد هذه النهاية لا تعتبر المسرحية عمل بارز أو مميز.

برزت أهمية مسرحية بيت الدمية فيما حققته من تأثير وتغيير في المجتمعات الأوربية بعد ذلك، وقد تم تحويلها لعدة أفلام تقديراً لمكانتها وقيمتها، وتم الاحتفال بالمسرحية من عدة جهات في ذكري مئوية إبسن، كما تم تصنيف المسرحية من ضمن أهم 100 عمل أدبي مؤثر في العالم.

كانت مسرحية بيت الدمية من الأعمال التي عكست بعض الظروف التي عاشها إبسن في حياته وأراد أن يعريها أمام الناس والمجتمع حتى يتم معالجتها، وبالفعل كانت المسرحية عملاً مهماً تمكن من إنجاز المهمة الخاصة به، برغم كل ما ألقي عليها من مآخذ ولوم، وأنتم شار كونا يا أصدقاء، هل قرأتم مسرحيات كلاسيكية أثرت في التاريخ الإنساني مثل مسرحية بيت الدمية ؟

وفاء خيري

قارئة نهمة محبة للأدب وشغوفة بالكتابة والتدوين، أرغب في إثراء المحتوي العربي على الإنترنت للأفضل.

أضف تعليق

9 + اثنا عشر =