تسعة
الرئيسية » هوايات وحرف » فن النحت : كيف تتعرف على تطور فن النحت عبر التاريخ ؟

فن النحت : كيف تتعرف على تطور فن النحت عبر التاريخ ؟

فن النحت هو أحد الفنون الرئيسية منذ القدم، وإجادة فن النحت يتطلب من النحات الكثير من الخبرة والتمرس والتمرن، في هذه السطور نضغط على أول الطريق.

فن النحت

فن النحت أو فن التمثال كما يُطلق عليه هو أحد الفنون المرئية التشكيلية، يتعامل مع الكتلة والفراغ والأجسام ويخرج بنا من حيز الرسم والتصوير ثنائي الأبعاد إلى حيز التمثيل والتجسيم ثلاثي الأبعاد وتحويل كتلةٍ ملموسةٍ إلى مجسمٍ بكل تفاصيله ووجوده وشغله حيزًا من الفراغ، كما أنه أحد الفنون القديمة التي اشتهرت بها العديد من الحضارات المختلفة واستخدموه بوفرةٍ في التعبير عن تاريخهم ولاستخداماتٍ سياسيةٍ ودينيةٍ، وكثيرٌ من تاريخ الأمم السابقة وحضارتها وصل إلينا عن الطريق النحت بأنواعه كما فعل الرسم، وعُرف النحت منذ آلاف السنين قبل الميلاد.

فن النحت : الطريق من أجل إجادته

أنواع النحت

تختلف أنواع النحت وأشكاله ونتائجه حسب العديد من المقاييس، فهناك المنحوتات الملونة أو التي تحمل اللون الطبيعي للمادة التي نُحتت منها، كذلك فإن المواد الداخلة في النحت عديدةٌ وكثيرة كالصخور والمعادن والفخار والخزف والحديد والبلاستيك والخشب والعاج والآبنوس والشمع والجص وغيرها من المواد القابلة للنحت والتحويل إلى مجسمات، ويختلف أيضًا ذلك الفن من حيث كونه فنًا نحتيًا أو فنًا بنائيًّا، فلو كانت المادة الخام جامدةً وتُحفر وتنحت سواءً ناحتًا بارزًا أو حفرًا داخليًا وتشكل عن طريق النحت والتقشير فيكون فنًا نحتيًا خالصًا، بينما لجأ البعض الآخر إلى التمثيل والتجسيم عن طريق بناء وتشكيل مادةٍ تكون لينةً وسهلة التصرف والتحوير فيها حتى تتحول إلى الشكل المجسم المراد فتجف على هيئته كالصلصال والفخار أو يتم طبعه على قوالب يُصب فيها الجبس أو أي مادةٍ على شاكلته فينتج التمثال من مادةٍ صلبةٍ تمامًا كالتمثال الذي بناه الفنان من الصلصال وحينها يسمى ذلك فنًا بنائيًا.

النحت بين الكامل والمتصل

كذلك فإن أنواع النحت تختلف حسب كونها نحتًا على سطحٍ منبسطٍ أو نحتًا تمثيليًا كاملًا، فالنحت على السطح المنبسط يحدث فيه تشكيلٌ وتجسيدٌ وحفرٌ على سطح المادة الخام المنحوت منها دون حدوث انفصالٍ عنها بعد الانتهاء من المنحوتة فتظل كالخلفية التي يستند عليها المنحوت، وليس بالضرورة أن يكون السطح مستويًا فقد يكون منحنيًا أو مقعرًا أو محدبًا حسب حاجة الفنان ورغبته وتوافر المادة له، كما يُعرف هذا الفن بأنه يُرى من جانبٍ واحدٍ فقط ويشبه اللوحات والرسم والتصوير مع إعطاء الفنان مساحةً إبداعيةً أكبر وأوسع، كما يستخدم الظل والنور والاختلاف بين البارز والغائر لتحقيق التدرج والظلال وإضفاء الواقعية أكثر على نحته.

النحت المنبسط

ينقسم فن النحت على السطح المنبسط إلى ثلاثة أقسامٍ أو أنواع: النحت البارز والنحت أو الحفر الغائر والنحت شديد البروز أو يسمى النحت البارز المجسم، في النحت البارز المجسم حيث تقترب المنحوتات من كونها تماثيل كاملة الاستدارة والتكوين والتجسيد فيما عدا وجودها ملتصقةً بالسطح في خلفيتها، وقد اشتهرت به حضارتا الرومان والإغريق لكنه لم يقتصر عليهما فحسب بالطبع، ففي الحضارة الفرعونية نجد تماثيل منقرع الثلاثية حيث يظهر الملك فيها واقفًا بين الآلهة حتحور وممثلة الإقليم، وقد اعتُقد خطأً أنها مجموعةٌ من التماثيل المستقلة ربما كان ذلك بسبب فصلها عن جدران المعابد التي كانت مثبتةً فيها لكن الحقيقة هي أنها منحوتاتٌ شديدة البروز.

النحت البارز والغائر

أما النحت البارز فيحدث فيه أن تبدو الأشكال كالرسم على السطح لكنها بارزةٌ عنه بمقادير بسيطةٍ ويتم تنفيذها عن طريق نحت ما حول الشكل المراد حتى يظل هو فيبرز، النحت الغائر أو الحفر الغائر فيتم حفر الشكل المراد في سطح المادة الخام ويصبح ما حول الشكل بارزًا عنه، وكان المصريون القدماء أشهر مستخدمي فن النحت الغائر.

التماثيل

فن النحت الذي يظهر التجسيد والتمثيل الكامل أي صناعة تماثيلٍ مستقلةٍ وغير متصلةٍ بأي شيءٍ كاملة التصوير والاستدارة اختلف بين التماثيل صغيرة الحجم التي تصل لسنتيمتراتٍ وأخرى الصرحية التي ترتفع لمئات الأمتار، وتمتاز أعمال الفن الصرحي بالضخامة والعظمة في بنائها كتمثال رمسيس الثاني أو أسد بابل أو المعابد الصرحية كمعبد أبو سمبل طاق كسرى، كما أنها تتصف بالبساطة والوضوح وحدة الخطوط والزوايا وعدم الاستغراق في التفاصيل لإنهم يرون أن التفاصيل الدقيقة والمسرفة تشغل العقل عن الإحساس بضخم الصرح الماثل أمامه، كما أنه يُقال أن الفن الصرحي وُجد للتخليد وللأهداف السامية وجلال المعنى وعمق المضمون، فلا يُقام الصرح إلا لمضمونٌ يُراد تخليده في تاريخ تلك الحضارة.

النحت في العصر الحجري

إن تاريخ فن النحت يبدأ من عصور ما قبل التاريخ منذ سالف الزمن بل إننا وجدنا اليوم منحوتاتٍ بسيطةٍ تعود إلى العصر الحجري القديم والحديث، وسيبدو من السخرية ألا نجد أعمالًا نحتيةً مهما بلغت بساطتها لعصورٍ اعتمدت على الطبيعة وأوجدت آلاتها البدائية من الأحجار! لقد كانوا أول من أوجد ذلك الفن رغم استخدامهم له كوسيلةٍ للحياة ولتسهيل المعيشة وليس كفنٍ ذو ذوقٍ أو قواعد و مقاييس جمالية أو حتى محاولات تخليد، وكثيرٌ من تلك الآثار وُجد في وادي النيل وفي وادي الرافدين، كما تمتاز تلك الآثار بالتشابه والذي من المرجح يعود إلى تشابه الثقافات الإنسانية وشكل الحياة الاجتماعية وظروف البيئة المحيطة.

تطور النحت في عصور ما قبل التاريخ

كما أنه بجانب الأدوات والحلي والأواني وُجدت تماثيل طينية وفخارية للحيوانات أو بعض البشر أو الآلهة التي عبدها الإنسان في ذلك الوقت، ويستمر التطور في أشكال وجودة التماثيل تلك كلما تقدم الزمن حتى الـ3500 قبل الميلاد فيبدأ النحت البارز في الظهور في ما يُعرف بعصر الوركاء حيث تطور النحت تطورًا كبيرًا ظهرت معه مسلات صيد الأسود والإناء النذري الشهير وتمثيل الرؤوس وبعض الأختام الأسطوانية، وفي نفس ذلك الوقت في بلاد ما بين النهرين كان النحت المجسم يُصور الدمى الصغيرة من الطين والفخار والحجر الجيري وقد لوحظ صغر حجم تلك المنحوتات والتماثيل وإغفال تجسيم الأقدام في بعض تلك الدمى.

النحت في العصر السومري

كان العصر السومري هو بداية أو فجر التاريخ وبدأ النحات في ذلك الوقت صناعة التماثيل من قطعٍ صغيرةٍ مجمعةٍ من ألوانٍ مختلفةٍ ليحقق التباين في اللون الذي يريده في تماثيله، ثم مع الوقت تطور إنتاجه الفني ليصل لأفضل تجسيدٍ وتقريبٍ للواقعية والإبداع في تفاصيلها الدقيقة، وكسابقيه فلم يكن النحت للإنسان في ذلك الوقت مجرد فنٍّ جماليٍّ وإنما كانت طريقته في التعبير عن نفسه وحياته وكونها وبيئته وآلهته ومجتمعه وأفكاره وروحه، وشاركه في ذلك النحات البابلي والآشوري والأكدي حيث كانت العراق القديمة مواطن تلك الحضارات وفنونها.

النحت في باقي الحضارات

في مصر القديمة برز فن النحت والجمع بين العمارة والنحت والتمثيل في معابدهم المختلفة ومقابرهم، واتجه فن النحت والتمثيل فيها إلى اتجاهٍ دينيٍّ وروحيٍّ بجانب الفني والسياسي والتاريخي كما مثلت التماثيل مرشدًا للروح في مقابرهم حسب اعتقادهم كي تتعرف عليهم، كما عبرت أحجام التماثيل عن الرتب الاجتماعية وكانت المسلات من أبرز مظاهر فنون النحت الفرعوني.

اليونان القديمة أو حضارة الإغريق رسول الجمال والرقي والإبداع في فن النحت بين كل الحضارات القديمة، رغم أنها برزت في الكثير من الفنون إلا أن فن النحت كان متصدرًا قائمة فنونها، استخدمه الإغريق كثيرًا للتعبير عن أساطيرهم وفرسانهم ومحاربيهم، واستخدموا الرخام والبرونز كموادٍ خامٍ أوليةٍ صنعوا منها تماثيلهم ومنحوتاتهم وأضافوا لها الأحجار الكريمة والثمينة زيادةً في جمالها الذي أوجده دقة التصوير وجمال الخيال ونعومة الطريقة والإنتاج.

جاء النحت الروماني متأثرًا بالنحت اليوناني نتيجة علاقات التجارة والتواصل بين الحضارتين كما كان معظم النحاتين العاملين في روما من أصولٌ يونانيةٍ في إحدى الفترات الزمنية، وكان الاهتمام بغرس جذور حضارة الامبراطورية وتخليد أبطالها ورموزها وتاريخها مدخل فن النحت إلى الحضارة الرومانية.

ذكر تلك الحضارات لا يقصر فن النحت عليها وحدها فكما أسلفنا القول فالنحت فن عريقٌ موجودٌ قدم الإنسان ذاته ودخل واشترك في كل الحضارات على تفاوتها واختلافها ومازال فنًا قائمًا حتى يومنا هذا.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

18 − 6 =