تسعة
الرئيسية » دين » كيف رفع الله سيدنا عيسى عليه السلام ونجاه من بني إسرائيل؟

كيف رفع الله سيدنا عيسى عليه السلام ونجاه من بني إسرائيل؟

إن سيدنا عيسى بن مريم –عليهما السلام- واحد من أولى العزم من الرسل الذين اصطفاهم الله –عز وجل- لتبليغ رسالته إلى البشر، ولدعوتهم لعبادته وحده، وترك عبادة الشرك والضلال. وفي هذا المقال سنتعرف أكثر على قصة سيدنا عيسى –عليه السلام-.

سيدنا عيسى

إن قصة سيدنا عيسى –عليه السلام- تعد أحد قصص الأنبياء التي ذكرت في القرآن الكريم، والتي تمتاز بطابعها الخاص، فكما نعلم أن لكل نبي قصته المختلفة، ومعجزاته الرائعة التي أيده الله –عز وجل- بها أمام قومه حتى يؤمنوا به ويتبعوه، ويعد سيدنا عيسى –عليه السلام- أحد أنبياء الله الذين اصطفاهم، بل هو أولو العزم من الرسل أيضًا، حيث عانى الكثير أثناء دعوته لقومه رغم أنه لم يعش طويلًا كسائر الأنبياء، وكان لمولد سيدنا عيسى –عليه السلام- وحده قصة رائعة، حيث يعد مولده أحد تلك المعجزات التي اختص بها، والتي سنتكلم عنها بالتفصيل، وعن السيدة مريم –عليها السلام- كما سنتطرق أكثر لنتحدث عن قصته مع بني إسرائيل، وكيف رفعه الله –عز وجل- إليه، ونجاه من قومه؟

من هم أولو العزم من الرسل؟

إن العزم يعني عقد النية، وقصد تحصيل الشيء، ومنه عزم الرجل على فعل الشيء: أي قصد فعله، وعقد النية على فعله، ومنها أخذ مصطلح أولو العزم من الرسل، ويعد سيدنا عيسى –عليه السلام- أحد أولو العزم من الرسل –كما ذكرنا-، وقد اختص هؤلاء الأنبياء بتلك المرتبة وهذا نظرًا لما تحملوه في سبيل نشر رسالة الله –عز وجل- إلى خلقه، ولم يستطع غيرهم أن يتحمل كل تلك المشقات في تبليغ الرسالة، وهؤلاء الرسل هم: سيدنا إبراهيم، سيدنا نوح، وسيدنا موسى، سيدنا عيسى، وسيدنا محمد –عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

ذكر سيدنا عيسى –عليه السلام- في القرآن الكريم

ذكر سيدنا عيسى –عليه السلام- في القرآن الكريم في خمسٍ وعشرين موضعًا، في ثلاثة مواضع من سورة البقرة، وفي خمس منها من سورة آل عمران، وفي ثلاثة منها في سورة سورة النساء، وفي ستة مواضع من سورة المائدة، وفي موضع من سورة الأنعام، وفي موضع آخر من سورة مريم، وفي موضع من سورة الأحزاب، وآخر في الشورى، وفي سورة الزخرف، والحديد، وفي موضعين من سورة الصف.

عمران جد عيسى –عليه السلام-

يرجع نسب عمران إلى سيدنا سليمان بن داوود –عليهما السلام-، فهو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق، ويتدرج حتى يصل إلى إنشا بن أبيان بن رخيعم بن سليمان بن داوود –عليهما السلام-، وهو والد مريم –عليها السلام- من زوجته حنة بنت فاقوذ بن قتيل.

من هي السيدة مريم ابنة عمران؟

تعد السيدة مريم ابنة عمران أم سيدنا عيسى –عليه السلام-، وهي امرأة طاهرة عفيفة، وقد اصطفاها الله –عز وجل- على جميع نساء العالمين لتقع في هذا الاختبار العظيم، وتكون أمًا لأحد رسل الله، من دون أب، وهو سيدنا عيسى، الذي اصطفاه الله –عز وجل- أيضًا ليبلغ رسالته، وقد كانت السيدة مريم تمتلك كراماتٍ تدل على أنها تختلف عن غيرها من البشر، فسبحان الله! إنه لا يعطي أحدًا معجزة، أو رسالة، إلا وقد قرن معه ما يحمل العاقل اللبيب على تصديقه، إلا أن الله بحكمته يهدي من يريد، ويطمث على قلوب من لا يريد هدايته. وقد كانت مريم –عليها السلام- في مرتبة الصديقين، فقد اصطفاها الله لهذه المرتبة، وهي مرتبة عالية تلي مرتبة النبوة، والصديقين هم أتباع الرسل، الذين لم يتغيروا، ولا ينال تلك المرتبة إلا من هو صادق القول،والفعل، من جعل نيته خالص لله –عز وجل-، وقد استحقت السيدة مريم –عليها السلام- تلك المرتبة العظيمة بالطبع.

ولادة السيدة مريم –عليها السلام-.

قبل أن نتطرق لقصة ولادة سيدنا عيسى –عليه السلام-، سنتحدث أولًا قليلًا عن ولادة ونشأة السيدة مريم –عليها السلام-، فقد ذكر القرآن الكريم تلك القصة، حيث جاء فيها، أن أم السيدة مريم وزوجة عمران أثناء حملها قد دعت الله أن يكون المولود صالحًا، كما أنها نذرت أن يكون ولدها الذي بطنها خادمًا لله، ظنًا منها أنه ذكر، وليس أنثى، ويشاء الله –عز وجل- أن يكون أنثى، وتكون ولادة السيدة مريم، وهي أفضل نساء العالمين، وأمًا لأحد رسل الله، سيدنا عيسى –عليه السلام-، وبعد ولادتها ذهبت بها أمها كي تفي بهذا النذر التي أوجبته على نفسها، وقد اقترع الرهبان فيما بينهم من منهم يتكفل برعاية مريم ابنة عمران، وقد شاء الله –عز وجل- أن يكون زكريا -عليه السلام- هو من يتكفل بها، وهكذا فقد نشأت مريم في محرابه وتحت رعايته.

نشأة مريم –عليها السلام-

ظلت السيدة مريم في معزل عن جميع الناس بحاجز، وكانت زاهدة عابدة لله –عز وجل-، فكانت لما بلغت تجتهد في العبادة، فلم يكن أحد حينها يضاهيها في العبادات، وكانت لديها كرامات من الله، كأن يدخل عليها زكريا في المحراب فيجد رزقًا لا يعرف من أين يأتيها، مثل الفاكهة التي تظهر في غير موسمها، فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، وكانت تجيبه مريم أن هذا الرزق هو من عند الله –عز وجل-، وهو الرازق من غير حساب، وكانت مريم –عليها السلام- سببًا في تمني زكريا –عليه السلام- ذريةً صالحة من الله، رغم أنه كان كبيرًا في العمر.

بشارة الملائكة لمريم –عليها السلام-

وقد خاطبتها الملائكة في يومٍ من الأيام وبشرتها بأن الله اصطفاها، وأنه سيجعل لها ابنًا، سيكون هذا الولد نبيًا ورسولًا، وطاهرًا، وسوف يؤيده الله بالكثير من المعجزات، وهو سيدنا عيسى –عليه السلام-، وبالطبع تعجبت مريم من هذه البشارة، فكيف سيرزقها الله بولد، وهي لم تتزوج من قبل، وليست بمن تعصي الله، ولكن كان رد الملائكة عليها: أن الله –عز وجل- قادرٌ على كل شيء، وأنه إذا أراد شيئًا، فسيكون في الحال، وهكذا فقد سلمت أمرها لله، وهي تعلم أن ما ستمر فيه محنة واختبار عظيم من الله، لأن الناس لن يتركوها في حالها، ولن يصدقوا بسهولة ما ستقول، وسينظرون إلى ظاهر الأمر من غير تفكر أو تدبر.

سيدنا جبريل يتمثل بشرًا

أرسل الله –عز وجل- جبريل إلى مريم في هيئة بشر، فلما رأته استعاذت بالله منه، ولكنه طمأنها بأنه رسول من الله، أي بأنه ليس بشرًا، فهو ملك مبعوث من الله إليها في مهمة محددة، وهي أن يهبها ولدًا، فتعجبت مريم –عليها السلام-، ولكن جبريل أجابها أن هذا وعدٌ من الله بأن سيخلق منك غلامًا من دون زوج أو فعل معصية لله، وأن هذا الأمر يسيرٌ عليه –عز وجل-، وسيكون هذا الغلام -وهو سيدنا عيسى –عليه السلام- معجزة من الله، ودليلًا واضحًا على قدرته، فكما خلق الله –عز وجل- آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكرٍ بلا أنثى، فإنه قادرٌ على أن يخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وهو خالق جميع البشر، وأخبرها جبريل أن هذا الأمر قد قدره الله وقضي به، وقد اختلف في كيفية حملها، فقيل أن جبريل نفخ في فمها، أو نفخ في جيب درعها، والله أعلى وأعلم.

ولادة عيسى –عليه السلام-

كان حمل مريم –عليها السلام- بسيدنا عيسى من معجزات الله –عز وجل-، والتي كانت تعلم أنها ستلاقي صعوبة كبيرة في أن يصدقها أحد، بل أن الكثير من الناس سوف يتكلم في حقها بكلامٍ كذب، وقد اختلفوا في مدة حملها، فمنهم من قال أنها حملت تسعة أشهر كبقية النساء، ومنهم من قال ثمانية أشهر، ومنهم من قال تسع ساعات، والله أعلم وأعلم، وقد مرَّ حملها يسيرًا، حتى جاء أمر الله –عز وجل- أن تضع مولودها، وفي هذا الوقت العصيب والاختبار العظيم فقد عانت مريم كثيرًا مما جعلها تتمنى أنها لو لم تكن في هذه الحياة، فكيف يكون لفتاة لم تتزوج ولد؟، وكيف سيصدقها الناس؟ وكيف هو ألم الوضع؟ فبعث الله رسالة طمأنينة لها على لسان ابنها عيسى، ليقول لها أن لا تحزن، وقد أمرها أن تأكل وتشرب، وإن رأت أحدًا من البشر فعليها أن تقول لهم بلغة الإشارة أنها نذرت الصمت لله، حيث كان ترك الكلام والطعام جزءًا من شريعتهم.

موقف الناس من ولادة عيسى –عليه السلام-

لما رأي الناس السيدة مريم –عليها السلام- وهي تحمل ابنها، فقالوا لها أن ما جاءت به فهو فعل شنيع، وقالوا لها في لهجةٍ تدل على التأنيب منهم أن أبوها وأمها كانا صالحين، فكيف تأتي هي بهذا الفعل في وجهة نظرهم، أما في قولهم لها يا أخت هارون، فإن الرد على الأقوال التي تقول أن هارون هو نبي الله، وأخو سيدنا موسى فهو خطأ، فمن المعروف أن عهد سيدنا موسى وهارون –عليهما السلام- بعيد عن عهد السيدة مريم، وابنها عيسى –عليه السلام-، وهذا أمر من السهل جدًا إدراكه، أما هارون المقصود هنا فهو رجل كان مشهورًا بالصلاح والدين، كانوا يشبهونها به في العبادة، والتقرب إلى الله، وحينها أشارت السيدة مريم إلى ابنها عيسى –عليه السلام-.

سيدنا عيسى يتكلم في المهد

فكما نعلم أن مريم –عليها السلام- قد نذرت الصمت لله –عز وجل-، فلم تستطع الرد على كلام قومها ممن يتهمها كذبًا، وهذا جعل تشير إلى ابنها عيسى –عليه السلام- في المهد كي يتكلم معه قومه، وعندها حدثت معجزة أخرى من معجزات الله التي أيد بها مريم وابنها عيسى، حيث تكلم الطفل الرضيع، وكان أول ما قاله أنه عبدٌ لله –عز وجل-، وهذا اعتراف منه بعبودية لله، وأن الله هو ربه، وهذا دليل واضح على من يدعي أن عيسى هو ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن مريم أمة الله، ثم أتبع قوله هذا بتبرئة أمه مما نُسب إليها من الجهل والضلال والكذب، بأن قال أن الله –عز وجل- اصطفاه ليكون نبيًا، وآتاه الكتاب وهو الإنجيل، كما أنه قد علمه التوراة وهي كتاب بني إسرائيل، فكان الإنجيل مكملًا لما قبله، وأكمل كلامه أن الله جعله مباركًا في كل مكانٍ يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.

وصية الله إلى عيسى –عليه السلام-

وأكمل سيدنا عيسى –عليه السلام- كلامه بذكر وصية الله له بالصلاة والزكاة، وهاتان العبادتان تشملان حق الله في عبده، وهي الصلاة، وحق الناس في الزكاة، فطهارة النفوس تأتي بالصلاة، وتطهير الأموال تأتي بالعطاء للمحتاجين في الزكاة، كما أكد على حق والدته عليه، أن يكون بارًا بها، وذكر أن الله –عز وجل- لم يجعله بفظٍ أو غليظ، أو يصدر منه قولًا أو فعلًا يغضب الله –عز وجل- أو يعصيه، وعلى الرغم مما رآه الناس وسمعوه، فإنهم لم يصدقوا ذلك، وهذه طبيعة كل نفسٍ خبيثة على مر الزمان، ولكن سيدنا زكريا –عليه السلام- لما سمع ما حديث لمريم وابنها، أيدها، وصدقها، وكيف لا يفعل هذا؟ وهو نبي الله –عز وجل- أيضًا.

دعوة عيسى –عليه السلام-

كبر سيدنا عيسى، وكان يدعو قومه من بني إسرائيل إلى عبادة الله، وكان مؤيدًا من الله بالكثير من المعجزات، فكان يحيي الموتى، ويشفي المرضى، مثل: إبراء الأكمه والأبرص، وكان يستطيع أن يعيد نعمة البصر لمن فقدها، وأن يصنع من الطين طيرًا، فيصير حقيقةً، وقد تعرض سيدنا عيسى –عليه السلام- للكثير من أشكال الإيذاء من قومه، وهذا كان سببًا لكونه من أولي العزم من الرسل، حيث أنه تحمل ما لم يستطع أن يتحمله بشر، ومن المعروف أن تلك المكانة لم يحظ بها من الرسل إلا سيدنا، إبراهيم، ونوح، وموسى، و عيسى، ومحمد –صلوات الله وسلامه عليهم-، ولقد ذكرنا أن سيدنا زكريا –عليه السلام- ما إن علم ما حدث مع مريم فقد صدقها، وهذا ما كان عليه ابنه يحيى أيضًا، كما صدقه أيضًا الحواريون.

موقف اليهود من سيدنا عيسى

في كل وقتٍ سنجد من يتخذ من التعاليم الدينية مصلحةً يخشى أن تزول بقدوم دينٍ جديد، وهكذا فقد خشي أحبار اليهود في هذا الوقت من دعوة سيدنا عيسى –عليه السلام- حيث اعتبروها بمثابة تهديد لهم، مع العلم أنهم حرفوا الكتب السماوية التي معهم، لأنهم إن كانوا يؤمنون حقًا بما جاء فيها لم يكونوا ليكذبوا دعوة سيدنا عيسى، وهكذا فقد عزموا على التخلص من سيدنا عيسى –عليه السلام-، حتى يكونوا أسياد بني إسرائيل، فيقال أنهم ذهبوا إلى ملك الرومان في هذا الوقت ليقوم بالتخلص من سيدنا عيسى، إما يقتله، أو يسجنه، وحينها أصدر أوامره للجيوش بالقبض على سيدنا عيسى، وأن يتم صلبه بتهمة تغيير الدين، ولكن الله حفظ –عز وجل- عبده ونبيه، ورفعه إليه، وقام القوم بالقبض على شبيه لسيدنا عيسى، وصلبوه بدلًا منه، وقيل أن هذا الرجل المشتبه به هو أحد الحواريين الذين خانوا سيدنا عيسى –عليه السلام-، ووشى به إلى الحاكم، فانتقم الله –عز وجل- منه.

رفع سيدنا عيسى إلى السماء

رفع الله –عز وجل- سيدنا عيسى إلى السماء ببدنه وروحه، وسينزل مرة أخرى إلى الأرض في آخر الزمان، وهي واحدة من علامات الساعة، حيث يمكث فترة في الأرض، ويحكم فيها بشريعة الله، ويقتل المسيخ الدجال، ويعد أمر الإيمان برفع سيدنا عيسى إلى السماء من الأمور الأساسية في الدين، فهو أمرٌ معلومٌ من الدين بالضرورة، كغيره من العقائد والغيبيات التي يجب الإيمان بها.

تنزيه الله عما يدعون

هناك الكثير من الادعاءات التي انتشرت، فمن هذه الادعاءات الكاذبة أن سيدنا عيسى –عليه السلام- إله، ومنهم من يدعي أنه ابن الله، وغيرها، ولكن القرآن أتى فكذب كل تلك الأكاذيب، فلا إله إلا الله، هو الواحد، الذي ليس له ولد، ولم يلده أحد.

إن طريق الدعوة إلى الله كان ولا يزال محفوفًا بالعقبات، والاختبارات، فإن سيدنا عيسى وأمه مريم تعرضا للكثير من تلك الاختبارات، فسبحان الذي يصطفي من يصنعه على عينه ليكون يده في الأرض، فعلى قدر الاختبار والمشقة، يكون الثواب، نسأل الله أن يستعلمنا ولا يستبدلنا، وأن يدخلنا جنة الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء. آمين.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

خمسة عشر − 12 =