تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » حياة زوجية » زواج الأقارب : كيف يؤدي الزواج من الأقارب إلى المشكلات الصحية؟

زواج الأقارب : كيف يؤدي الزواج من الأقارب إلى المشكلات الصحية؟

زواج الأقارب عادة متأصلة في الكثير من المجتمعات، خصوصًا البدائية منها، نستعرض هنا تأثير زواج الأقارب السلبي على الصحة العامة للأجنة.

زواج الأقارب

زواج الأقارب هو زواج بين فردين تجمعهما صلة دم وجد مشترك. وينتشر زواج الأقارب بين أبناء الأعمام والأخوال، ويُعزَى هذا النوع من الزواج إلى العادات والتقاليد والمعتقدات المسيطرة على ثقافة بعض المجتمعات، لا سيما في العالم العربي، حيث يسود الاعتقاد حول نقاء السلالة والحفاظ على النسل من الجذور الخالصة واستنكار الاختلاط بالغير والتزاوج من الجماعات الأخرى، وغالبًا ما يسيطر هذا المعتقد في المجتمعات القبلية أو ذات الثقافة القومية. ومع مرور الزمن والتقدم العلمي الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض الدراسات التي تشير إلى زواج الأقارب بأصابع الاتهام؛ حيث ترى أن هذا الزواج يكون سببًا مباشرًا في انتشار الأمراض الوراثية وإصابة الأبناء بها نظرًا لانتقال الصفات الوراثية من جيلٍ إلى آخر ما يؤدي إلى توريث بعض الصفات بشكل مركز لينتج عن ذلك توريث الصفات السلبية التي تظهر في صورة أمراض. ونظرًا لأهمية هذا الأمر، نتناول في النقاط التالية بعض جوانب زواج الأقارب المهمة.

تعرف على أثار زواج الأقارب السلبية على الصحة

زواج الأقارب والمشكلات الصحية المحتملة

في السنوات الأخيرة، عادةً ما ارتبط زواج الأقارب بتوقعات حدوث مشكلات صحية في الأطفال الذين يثمر عنهم هذا الزواج، ونظرًا لانتشار هذا الأمر في بعض المناطق الإقليمية في العالم، ركزت بعض الدراسات على تفسير هذه المشكلات الصحية وقياس مدى احتمالاتها وتحديد أنواع الأمراض المتوقعة.

التفسير العلمي للمشكلات الصحية

تحتوي خلية الجسم على 46 كروموسومًا، وعندما يحدث التزاوج وتخصيب البويضة ينتقل 23 كروموسومًا من الأب و23 كروموسومًا من الأم إلى الابن، وهكذا يحمل الطفل نصف كروموسومات الأب ونصف كروموسومات الأم، وبالتالي يشترك الأخوة في نصف الصفات الوراثية، بينما يشارك الطفل أعمامه وأخواله في ربع الصفات الوراثية، في حين أن الصفات الوراثية المشتركة مع أبناء أعمامه وأخواله هي الثُمن. وبناءً على هذه النسب، يصبح احتمال توريث الصفات المشتركة في حال ما تزوج الإنسان من ابنة عمه أو عمته أو خاله أو خالته هو 25%.

ونظرًا لانقسام الصفات الوراثية إلى نوعين هما سائد ومتنحي، فإن غالبًا ما تظهر صفة الصفة السائدة على الإنسان بينما تظل الصفة المتنحية موجودة بالفعل ولكنها غير ظاهرة، إلا أن الصفة المتنحية تظهر في حالة التقاء صفتين متنحيتين معًا، إحداهما في الأب والأخرى في الأم، وهذا يفسر عدم ظهور هذه الصفات في الأب والأم بشكل ظاهر بينما تظهر في الأطفال؛ وسبب ذلك هو أن هذه الصفة المتنحية كانت مع صفة سائدة وبالتالي سيطرت الصفة السائدة، ولكن عندما انتقلت الصفة المتنحية إلى الجيل التالي التقت مع صفة متنحية مثلها وبالتالي ظهرت بوضوح. وهذا الأمر يظهر بوضوح في زواج الأقارب حيث تتراكم الصفات المتنحية عبر الأجيال لتلتقي معًا في النسل الناتج عن زواج الأقارب لاشتراك الأبوين في هذه الصفة المتنحية التي يمكن أن تكون مرضًا وراثيًا، وهنا تلعب درجة القرابة بين الأبوين دورًا في تحديد خطر الإصابة المحتمل في الأبناء، لذلك كلما تباعدت القرابة والجد المشترك، تراجع الخطر وقل تأثيره.

الأمراض الوراثية الشائعة في زواج الأقارب

هناك العديد من الأمراض التي تنتقل عن طريق التوريث والتي غالبًا ما تكون خفية عند الأبوين، وتظهر في الأبناء، وفي هذه الحالة يكون أحد الأبوين حاملاً للعامل المرضي ولكنه غير مصاب به. ومن أشهر الأمراض الوراثية: التخلف العقلي ومتلازمة داون وأمراض الجهاز العضلي والعصبي مثل ضمور العضلات وأمراض فقر الدم (نقص الحديد) وأنيميا الفول، وهو عبارة عن مرض يؤدي إلى تكسر كرات الدم عند التعرض لمثير من البقوليات عن طريق الاستنشاق أو التناول عن طريق الفم، وغيره من الأمراض الاستقلابية المرتبطة باضطراب التمثيل الغذائي، وكذلك الإصابة بالأورام والتشوهات الخلقية التي تصيب التكوين في أحد أعضاء الجسم.

الوقاية من الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب

يمكن الوقاية من الأمراض الوراثية طالما أدركنا الأسباب المؤدية إليها. لذلك ينصح الخبراء باتخاذ بعض الإجراءات الوقائية التي تساعد على تجنُّب الإصابة بمثل هذه الأمراض قدر الإمكان، وفيما يلي بعض الخطوات الواجب اتخاذها في حالة زواج الأقارب .

تَقَصِّي التاريخ المرضي للعائلة

إذا كانت هناك نية لإتمام إحدى الزيجات بين الأقارب يجب على الطرفين أن يتقصيا جيدًا التاريخ المرضي لعائلتهما المشتركة ومعرفة ما إذا كان هناك أحد أفراد العائلة قد أُصيب بمرض وراثي في أحد الأجيال السابقة، ومعرفة مدى احتمالية انتقاله ومعرفة ما إذا كان هناك مرض مزمن ومتكرر في العائلة عبر عدة أجيال، وطلب الاستشارة الطبية المفصلة حول هذا المرض، وتجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات حوله.

التوعية والتثقيف بشأن الأمراض الوراثية

يمكن الإطلاع على الكتيبات والمواقع الإلكترونية المتخصصة في هذا النوع من الأمراض ومعرفة كيفية التعامل معها وطريقة تشخيصها واكتشافها مبكرًا، والقراءة بوجه خاص في موضوع زواج الأقارب وتقليبه على وجوهه كافة، وزيارة المراكز المتخصصة في تقديم الندوات الرامية إلى التوعية وتقديم المشورة حول التعامل مع هذه الأمراض في جميع المراحل.

إجراء الفحوصات والتحاليل الطبية

زواج الأقارب بشكل خاص له حزمة من الفحوصات والتحاليل الطبية التي يجب إجراؤها قبل الشروع في الزواج للاطمئنان بشأن احتمالية وجود أي أمراض وراثية قد تظهر في الأبناء. وفي هذا الصدد، انتشرت في الآونة الأخيرة مجموعة من المراكز الطبية المعنية بفحوصات وتحاليل ما قبل الزواج، زواج الأقارب تحديدًا، التي يعمل بها مختصون في تشخيص الأمراض المحتملة، فضلاً عن المختبرات الطبية المُعَدَّة بالأجهزة المتقدمة والتي يمكن أن تُجرَى فيها التحاليل اللازمة لهذا الغرض. ومن هذه التحاليل: تحليل الكروموسومات وتوافق فصائل الدم بالإضافة إلى خضوع الطرفين إلى فحص طبي شامل لجميع أجهزة الجسم للاطمئنان على الصحة بشكل عام والصحة الإنجابية بشكل خاص، واكتشاف أي أمراض في مراحلها المبكرة.

تجنُّب الإنجاب في سن متأخرة

تزداد احتمالية الإصابة بالأمراض الوراثية بشكل عام في حالة الإنجاب بعد سن 35، لذلك من الأفضل عدم الحمل والولادة بعد هذا العمر لتفادي حدوث أي مشكلات صحية. أما في حالة حدوث حمل بعد هذا الزمن يُفَضَّل المتابعة المستمرة مع الطبيب طوال فترة الحمل لاكتشاف أي اضطراب صحي قد يطرأ على الجنين، بالإضافة إلى إجراء تحليل للسائل المحيط بالجنين، السائل الأمنيوسي، أو فحص عينة من دم الجنين لاكتشاف أي أمراض في مرحلة مبكرة.

تجنُّب العوامل البيئية الضارة والعقاقير غير المناسبة

من الأفضل الابتعاد تمامًا عن الملوثات البيئية طوال فترة الحمل مثل المبيدات والمواد المسرطنة لسهولة تأثير هذه المواد على الطفل والتسبب في وجود تشوهات خلقية أو غيرها من الأمراض، بالإضافة إلى تحري الدقة في أنواع الأدوية والعقاقير التي تتناولها الأم في أثناء فترة الحمل ومراجعة الطبيب في هذه الأدوية وطلب مشورته في حال وجود أي مستجدات، وفي حالة الحمل الناتج عن زواج الأقارب تصبح الأم الحامل أكثر حساسية نظرًا لاجتماع العوامل الوراثية والبيئية، لذلك ينبغي توخي الحذر بشكل مضاعف.

في النهاية، قد يصبح زواج الأقارب في بعض المجتمعات حدثًا لا مفر منه، ولكننا نوصي بتجنبه قدر الإمكان أو على الأقل اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية التي تخفف من آثاره السلبية المحتملة وتفاديًا للمشكلات الصحية التي يمكن أن تصيب ثمرة هذا الزواج من الأطفال.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

16 + أربعة =