إن مهارة حفظ القرآن واحدة من المهارات الجديرة بالتعلم بحق، فأن تحفظ القرآن بالإضافة إلى تطبيق التعاليم الدينية فهذا يعني أنك قد أنجزت قدرًا كبير من الوجبات المفروضة عليك في حياتك، وأنك قد مهدت بحق طريق نحو الجنة، ولهذا نرى أن كل مسلم يسعى جاهدًا لتحفيظ أطفاله ما تيسر من القرآن الكريم أو القرآن بأكمله، خاصةً بعد أن علم أن حافظ القرآن يدخل سبعين من أهله الجنة دون حساب، فبالتأكيد هذا شرف عظيم يستحق بذل الغالي والنفيس، لأنه ليس مجرد شرف بل هو أيضًا يحتوي على جزاء كبير يُثير حفيظة أي شخص، وهذا ما نراه في مجتمعاتنا الإسلامية، لكن تظهر على الحافة مشكلة كبيرة بعض الشيء، وهي أن البعض يجد صعوبة في حفظ القرآن الكريم كما يجب، هذا تساؤل هام سوف نحاول الإجابة عنه سويًا خلال السطور الأتية، حيث مهارة حفظ القرآن وكيفية إجادتها بسهولة دون عناء.
استكشف هذه المقالة
ما هو القرآن الكريم؟
سؤال مثل هذا بالتأكيد لا يُمكن أن يسأله مسلم ويكون جاهلًا فعلًا بإجابته، مسلم بالغ عاقل تحديدًا، لأن أي مسلم بهذه المواصفات لابد وأن يؤدي صلاته بشكل يومي، وإذا كان يؤدي الصلاة فإنه بالتأكيد سوف يستمع لبعض الكلمات وهي تُقرأ في الركعات، هذه الآيات ببساطة هي القرآن الكريم، وهذا ما يُمكن تسميته بتبعات حفظ القرآن الكريم، أن تكون مُدركًا وواعيًا لما يُقرأ في كل الصلاة، بل أن تعرف به من قبل وتكون قادرًا على مراجعة الإمام في حالة إذا أخطأ في التلاوة.
ظهور القرآن الكريم جاء مع نزول البعثة أو الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكما نعلم أنه لكل شريعة أو ديانة من الديانات كتاب، المسيحية لها الإنجيل، اليهودية لها التوراة، والإسلام له القرآن الكريم، وأيضًا هناك الزبور الذي نزل على سيدنا داوود، ولكي نُعطي تعرفًا بسيطًا واضحًا للقرآن الكريم يُمكننا أن نقول إنه كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه محمد عن طريق أمين الروح وسيد الملائكة جبريل عليه السلام.
كتابة القرآن الكريم
بعدما أنزل الله كتابه على سيدنا محمد بدا واضحًا جدًا أنه أفضل كلام يُمكن أن يسمعه بشر في حياته، وبالرغم من أنه في البداية كان يُستخدم من أجل التعرف على الدروس والعبر والأهداف منه فقط، والذي كان بالمناسبة ممتلأً بها، إلا أنه مع الوقت أدرك الناس أن هذا الكتاب يستحق ما هو أفضل من ذلك بكثير، ولذلك بدأوا، ونحن نعني الصحابة بالطبع، يحفظونه عن ظهر قلب، حتى أصبح عدد كبير من الصحابة في وقت قليل حافظ لكتاب الله، بل وجزء كبير من سنة نبيه، وبالطبع لم يكن الأمر فرضًا، وإنما كان فقط يُفعل تقديرًا من بعض الناس لأهمية القرآن، لكن حدث في حروب الردة أن بعض الحفظة بدأوا يتساقطون واحدًا تلو الآخر.
حفظ القرآن كان يتم في ذلك الوقت عن الطريق التلقين على يد بعض الحفظة، لكن الحرب قد نبهت الخلفاء على أنه من الممكن جدًا موت جميع الحفظة وبالتالي زوال القرآن من القلوب، هذا بالرغم من أن الله كان قد تعهد بحفظه، لكن من باب فعل هؤلاء الصحابة لما يُخلصهم أمام الله، تم كتابة المصحف لأول وحفظه في مكان واحد أخذ يتنقل بعد ذلك ويُنسخ حتى وصل إلينا في صورته الأولى كما نزل تمامًا، ومن باب رد الجميل كان علينا كذلك متابعة حفظ القرآن الكريم وخاصةً في القلوب قبل الأوراق أو أي شيء آخر.
حفظ القرآن الكريم
ما نعنيه هنا بحفظ القرآن الكريم ليس وضعه في الورق وتسجيله، أي العملية التي قام بها الصحابة وتحدثنا عنها، لكننا نقصد الآن حفظ القرآن الكريم من الناس وتناقله فيما بينهم، فقدر القرآن ومكانته أكبر بكثير من مجرد وضع نسخة من المصحف في السيارات والبيوت، وإنما يجب أن يوضع في أفضل مكان على الاطلاق، وهو القلوب، لكن كما ذكرنا أيضًا يجد البعض صعوبة في فعل ذلك بسبب عدم قدرته على الحفظ سواء لضعف التلقين لديه أو لعدم إيجاده لوقت فارغ يحفظ فيه القرآن، هذه هي مشكلتنا التي سنحاول أن نضع لها ما يكفيها من حلول أو طرق يمكن من خلالها تحقيق غايتنا، ولتكن البداية مثلًا بالنية والهمة والحب.
النية والهمة والحب
يجب أن تتعلم شيء سيدوم معك للأبد، وهو أن النية والهمة والحب شروط أساسية في كل عمل خير ستفعله في حياتك، وليس هناك عمل بالطبع أفضل من حفظ القرآن الكريم، فالنية الخالصة لله خطوة أولى، فلا يجب أن تنوي حفظ القرآن مثلًا من أجل أن يقول الناس عنك حافظ للقرآن كريم، وإن كان هذا أمر جيد فلا يجب أن يكون النية الوحيدة للحفظ، والهمة والعزيمة كذلك شروط محورية كيلا تفقد شغفك بعد حين من الزمن، وطبعًا حب القرآن أمر لا خلاف على أهميته.
تنظيم الوقت جيدًا
أيضًا من أهم الشروط الواجب توافرها من أجل إنجاز أي عمل مهما كان أن تكون هناك قدرة على تنظيم الوقت، وتنظيم الوقت بالنسبة لعملية حفظ القرآن الكريم سهلة جدًا، فمثلًا، يُمكنك أن تجعل جزء صغير من الحفظ، وليكن ربع على الأكثر، بعد كل صلاة، وبهذا فسوف تنظم يومك على أن يتم حفظ خمسة أرباع يوميًا فيه، وطبعًا هذا البرنامج ليس حتمي، فكل شخص له الحق في تنظيم الوقت حسبما يراه مناسبًا.
الاهتمام بمعاني الكلمات
من ضمن الأشياء التي تُساعد جدًا في اكتساب مهارة حفظ القرآن الكريم الاهتمام بمعاني الكلمات، فكلمات القرآن أغلبها قد يبدو مجهولًا معناه لنا، وهذا ما يجعل من صعوبة الحفظ أمر وارد جدًا، والتصرف الخاطئ أن تترك حفظ القرآن برمته من أجل هذا الأمر، وإنما يجب عليك الاهتمام بتلك المعاني وتذليل معناها لك كي تبدو الأمور سهلة عليك.
المراجعة ثم المراجعة ثم المراجعة
هناك شيء هام يجب أن تعرفه جيدًا، وهو أن من يترك القرآن يتركه القرآن أيضًا، بمعنى أنك إذا أهملت مراجعة ما سبق وحفظته فإنه سيتبخر من رأسك كما يتبخر الهواء، والحل الوحيد من أجل الحفاظ عليه هو أن تتم عملية المراجعة باستمرار وفي وقت محدد يُخصص لها مع وقت آخر يُخصص لحفظ الورد الجديد.
حفظ القرآن عن بعد
ثمة بعض الدول الغير إسلامية التي يتواجد بها في نفس الوقت مُسلمين يتمنون حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، والحصول على الفوائد والفضائل التي يمنحها الله لحافظه، وهؤلاء طبعًا لا يتوافر لهم ما يتوافر في الدول الإسلامية من مكاتب لحفظ القرآن الكريم ومدارس إسلامية ومعاهد أزهرية، فقد لا يوجد لديهم للاتصال بالعالم الإسلامي سوى الشبكة العنكبوتية أو الإنترنت، والحقيقة أن هذا لم يمنعهم من حفظ القرآن، ولو عند بُعد.
في السنوات العشر الأخيرة ظهرت في بعض الدول العربية ما يُعرف بمدارس حفظ القرآن عن بُعد، وهي تلك التي توفر للمغتربين والأجانب المُسلمين حفظة للقرآن على أعلى مستوى يقومون بتدريس وتحفيظ القرآن لهم من خلال بعد برامج الاتصال بالفيديو، والواقع أن تلك الطريقة قد أثبتت سريعًا فاعليتها وحققت نجاحًا كبيرًا جعل أغلب المُسلمين المتواجدين في الدول الغربية قادرين على حفظ القرآن بسهولة، بل إن من منهم نماذج كثيرة ناجحة ومتفوقة.
فضل حفظ القرآن
بعد أن ذكرنا كيفية حفظ القرآن الكريم في أسرع وقت وبالطريقة بالتأكيد قد تبدو سهلة جدًا لابد أننا الآن في حاجة إلى التذكير بالشيء الأهم، وهو فضل وفوائد حفظ القرآن الكريم التي سنجنيها، والحقيقة أنها كثيرة جدًا، لكننا سنكتفي فقط بذكر أبرزها كي تكون سببًا في إلهاب حماسك ودفعكم دفعًا إلى حفظ القرآن الكريم، وعلى رأس هذه الفوائد بالتأكيد الشفاعة للحافظ والعتق من النار، وضمان دخول الفردوس الأعلى بإذن الله.
الشفاعة والعتق من النار
إن من أهم الأشياء يبحث عنها أي شخص هي أن يكون مُستمتعًا في الدنيا وفي نفس الوقت ضامنًا النعيم الأبدي في الآخرة، أو الجنة بالمعنى الأدق، والحقيقة أن حفظ القرآن الكريم يضمن لك بسهولة تحقيق هذا الأمر، فهو يعتقك من النار ويُعطيك الشفاعة التي تضمن لك الجنة، فليس هناك شيء أفضل عند الله من أن تحفظ ما أنزله في كتابه.
درجات أفضل في الجنة
بعد دخول الجنة يراود كل مسلم طمع مشروع، وهو الارتقاء في هذه الجنة إلى أعلى الدرجات الممكنة، والحقيقة أن حفظ القرآن الكريم يضمن لك هذا الأمر، حيث أن الله تعالى يقول للحافظ أقرا ورتل وارتقي، فإن منزلتك عند آخر أية تقرأها، وبالتأكيد لا أحد منا يريد تفويت لحظة عظيمة مثل هذه مهما كلفه الأمر، وهو في الواقع لن يُكلفه سوى بعض الوقت الذي سيقضيه في حفظ القرآن، وهو أصلًا وقت مبروك لن يشعر فيه بملل أو كلل.
الحصول على تاج الوقار
هناك تاج يُسمى تاج الوقار يُلبسه الله يوم القيامة لمن عكف على حفظ القرآن الكريم، وليس له فقط، بل أيضًا لوالديه، حيث يبدو وكأنه نجم مُضيء يوم القيامة، وهو بالتأكيد شرف كبير، ولهذا قلنا إن الوالدين يُحاربا من أجل أن يحفظ طفلهما القرآن، هما في الأصل يأملان في لحظة كهذه.
مع الشهداء والأبرار
لكي تتيقنوا من أن مكانة حافظ القرآن الكريم جدًا عند الله يجب أن تعرفوا أن الله تعالى يجعل حافظين القرآن في مكانة واحدة مع الشهداء والأبرار، وبالطبع هؤلاء يكونون في درجة عالية جدًا، إلا أن الشخص الذي يحفظ القرآن يضمن مكان بينهم، وهو أمر عظيم، فتخيلوا أن الشخص الذي تمكن من حفظ القرآن يُعادل في المكانة ذلك الذي بذل روحه في سبيل الله وقضى شهيدًا، ويتساوى كذلك مع الأبرار في مكان واحد.
إعمال التدبر والتفكير
من يتشرف بمهارة حفظ القرآن الكريم يكون أمامه فرصة حقيقية لاستكشاف هذا العالم، فالقرآن كما نعلم في حد ذاته معجزة، لكنه في نفس الوقت يحتوي بداخله على الكثير من المعجزات التي لا يزال تحققها يحدث حتى الآن، كما أن العديد من الأمور الكونية والتأملية ستجدها في القرآن الكريم في الكثير من آياته، وهذا يعني أن حافظ القرآن سوف يحصل على علم دنيوي كبير لم يكن يمتلكه قبل الحفظ، وهذا أمر جيد آخر لا يجب تغافله.
اللهم اجعلنا ممن يقيمون حروفه وحدوده
ماشاءالله