تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » كيف شكلت حضارة الإنكا واحدًا من أهم أسرار التاريخ الغامض؟

كيف شكلت حضارة الإنكا واحدًا من أهم أسرار التاريخ الغامض؟

حضارة الإنكا واحدة من الحضارات التي تشكلت في أمريكا الجنوبية في العصر ما قبل الكولومبي، وكانت لها نفوذا كبيرا على مناطق واسعة، وما تركوا من أهرامات كبيرة مُعقدة جعلتهم لغزًا غامضًا للعلماء، وما يعرفه العالم عنهم يمكن وصفه بالمذهل.

حضارة الإنكا

حضارة الإنكا واحدة من الحضارات القديمة العريقة، وقلة من يعرفون أسرار هذه الحضارة، على الرغم من أنها شيدت مجموعة من الأهرامات الضخمة والمعقدة هندسيًا، وتحكموا في مناطق واسعة من أمريكا الجنوبية قبل أن يصل كولومبس ومعه الإسبان والبرتغال إلى القارة لاحتلالها وتدمير حضاراتها، وعلى عكس أغلب الحضارات القديمة، لم تعتمد حضارة الإنكا على التجارة، بل كانوا أقرب إلى مجتمع منغلق على ذاته، يعتمد على الزراعة ويعيشون في مناطق مرتفعة عن سطح البحر، وكانت لهم عباداتهم الخاصة، وآدابهم وفنونهم وعادات وتقاليدهم الشعبية، في هذا المقال يُمكن إلقاء نظرة أقرب إلى حضارة الإنكا ، والتَعرُف على مجموعة من المعلومات المذهلة المُكتشفة حديثًا عن طبيعة حياتهم وأسرارها الغامضة.

حضارة الإنكا والأزتيك والمايا

حضارة الإنكا حضارة الإنكا والأزتيك والمايا

هم أهم ثلاثة حضارات في الأمريكيتين، بدؤوا تقريبًا من العصر الحجري واستمروا إلى فترة الاحتلال الأوروبي للقارتين، شعوب هذه الحضارات هم الهنود الحُمر، والذين عانوا أشد المعاناة على يد الإسبان والبرتغاليين بعد اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد، حضارة المايا هي الحضارة التي سيطرت على وسط أمريكا، من جنوب المكسيك والسلفادور وبليز وغواتيمالا وهندوراس، أما حضارة الأزتيك هم شعوب وادي المكسيك، وهم مجموعات عرقية تكلموا بلغة واحدة تدعى ناهواتل، أما حضارة الإنكا فكانت أكبر الإمبراطوريات وأقدمها، فسيطروا على المناطق الغرب جنوبية من قارة أمريكا الجنوبية، وكانوا مجتمع كبير يعيش في المناطق المرتفعة بعيدًا عن وسط أمريكا والمكسيك.

أين تقع حضارة الإنكا ؟

بدأت حضارة الإنكا من المنطقة التي تُعرف الآن بدولة بيرو، وبعد توسعهم الهائل خلال 100 عام فقط، سيطروا على الدول المجاورة التي تُعرف الآن باسم بوليفيا والإكوادور، بالإضافة إلى أجزاء من الأرجنتين وتشيلي، وتجمعوا بشكل كبير فوق جبال الإنديز، وبنوا عاصمتهم القوية على ارتفاع 3350 متر فوق سطح البحر، وأطلقوا عليها كسكو، أو مدينة الشمس المقدسة، ومساحتها زادت عن 990 ألف كيلومتر مربع، وبنوا فيه قصور فاخرة ومعابد وأهرامات معقدة في الهندسة، واعتمدوا على نظام المقايضة ولم يعتمدوا عملة معينة بل تقايضوا بالأحجار الكريمة والمعادن النفسية، والتي توفرت بشدة بسبب خيرات الطبيعة، التي نهبها الإسبان فيما بعد.

تكيف شعب الإنكا مع الارتفاعات

عاش شعب الإنكا على ارتفاع عالٍ جدًا على مستوى البحر، فوق جبال الإنديز، فتساءل العلماء كيف تمكن هذا الشعب من الاستمرار على هذا الارتفاع ونقص الأكسجين بدون الشعور بالتعب والإعياء، وجاءت الإجابة عبر دراسة الأحماض النووية لأحفاد شعب الإنكا وبعضًا من الهياكل العظمية، فوجد العلماء أن أجسام هذا الشعب تمكنت من التكيف مع الطبيعة المرتفعة للجبال وقلة الأكسجين عبر الأجيال، وتطورت أجسامهم بحيث لم تعاني من الإجهاد على هذا الارتفاع، مثل ما حدث مع شعب شيربا على هضبة التبت، وقدراتهم المذهلة لصعود جبل إيفرست دون استخدام الأكسجين، هذا التكيف كان ميزة في صالح شعب الإنكا على الإسبان، لفترة قصيرة، حتى تمكن الإسبان في النهاية باستخدام المعدات من الصعود على الجبال وإبادتهم.

حضارة الإنكا وأسرارها

واحدة من أهم أسرار حضارة الإنكا هي بنائهم لبيوت مضادة للزلازل، بعضها قائم إلى اليوم، فلا تزال هناك أنقاض ترجع إلى حضارة الإنكا في بيرو، وهي منطقة معروفة بنشاطها الزلزالي، وفي الوقت الحالي كثيرًا ما تعاني منازل السكان باهظة الثمن من الخراب بسبب الزلازل، في الوقت التي صمدت فيه إمبراطورية الإنكا أمام الزلازل نفسها بسبب قوة مقاومة المنازل للطبيعية، فقد كانت لديهم خبرة هندسية مذهلة، وتمكنت منازلهم من الثبات الشديد في وقت الزلازل التي كانت تستمر لفترات طويلة ومتتابعة، بل وصمموا المنازل جنبًا إلى جنب بشكل مثالي بحيث تبقى جميعها في مكانها ولا تسقط لحين انتهاء الزلزال، وطريقة وضعهم لحجارة المنزل الدقيقة، جعلته منيعًا من عنف الزلازل.

التضحيات البشرية

حضارة الإنكا واحدة من الحضارات القديمة الكثيرة التي قامت بتقديم التضحيات البشرية لإرضاء الآلهة، إله الشمس هو الإله المحوري لشعب الإنكا، بالإضافة إلى العديد من الآلهة الأخرى على مدار تاريخهم، ولضمان الحصاد الجيد وغيرها من الأمور التي اعتمدت عليها حياتهم، كانوا يقدمون تضحيات بشرية بطرق كثيرة بشعة، ولك تقتصر التضحيات على البالغين بل على الأطفال، وفي السنوات السابقة وجد العلماء مومياء مُحنطة بعناية ترجع إلى فتاة صغيرة قُدمت كتضحية بشرية في إحدى الشعائر الدينية، ومن الدراسات التي أجريت على المومياء، وجد العلماء أن الفتاة غالبًا ما كانت فقيرة لأن نظامها الغذائي لم يكن جيدًا ولم تأكل أوراق الكوكا في حياتها حتى قبل عام من وفاتها.

أوراق الكوكا هي نبات يشتهر وجوده في أمريكا الجنوبية، وعن طريق مضغه تُستخرج منه مادة الكوكايين، وكانوا الأغنياء يستهلكونه بكميات معقولة كنوع من العلاج أو كإدمان، ولكن خلال العام السابق لوفاة الفتاة تناولت منه كميات كبيرة، بجانب التحسن الواضح في نظامها الغذائي وتناولها للأعشاب الطبية، وكذلك كميات كبيرة من الكحول، وهذا يعطي فكرة واضحة عن طريقة تقديم التضحية البشرية في حضارة الإنكا ، حيث يقع الاختيار على الفتاة قبل عام كامل من تقديم التضحية، وفي هذا العام يمطرون على الطفل بالكثير من الهدايا لأنه من المقرر أن يموت إرضاء الآلهة، وكان الطفل أو الفتاة يعلمون جيدًا بأنهم سيموتون، ولذلك تزيد لديهم معدلات التوتر ما يجعلهم يتناولون كميات أكبر من الكحول والكوكايين، وأخيرًا تُقدم التضحية ويتم تحنيطها على الأرجح.

الهرم الاجتماعي في حضارة الإنكا

حضارة الإنكا الهرم الاجتماعي في حضارة الإنكا

رأس الحكومة عند شعب الإنكا هو “سابا إنكا” وهو يعتبر بمثابة الإمبراطور لشعب الإنكا، كان يتمتع بقوة عظمة وسلطان مطلق وتحكم تام بالجميع، ويتعاملون معه على إنه إله مثل الفرعون، يليه المستشار، والتي كانت غالبًا ما تكون امرأة، تسمى “يازما”، يليهم نظام اجتماعي معقد من المستشارين وولي العهد ومن ثم الجنود والفئات الاجتماعية المختلفة مثل المزارعون “هاتونروناس” والرجال المخصصون لاستعمار الأراضي والغزو “ميتيمايس”، وأخيرًا العبيد “ياناكوناس”، وهذا الهرم الاجتماعي وفر فرصة للتعايش السلمي، ولم يحتاجوا أبدًا لاختراع الأموال، وكانوا يعيشون على نوع من النظام الاشتراكي والمقايضة أحيانًا، لم يكن هناك شخص جائع بمعنى الكلمة، بل حرصت الحكومة أن يكون هناك اكتفاء داخلي دائم.

غزو المناطق المجاورة

على عكس حضارة المايا، لم يكتفي شعب حضارة الإنكا ببناء الهياكل الحجرية فحسب كدليل على وجودهم، وعلى عكس حضارة الأزتيك لم يكونوا متعطشين للدماء، بل استخدموا قوتهم العسكرية بحكمة، وتمكنوا من السيطرة على أراضي واسعة، ووصلوا في أوج قوتهم إلى ما يُعرف الآن بدولة شيلي، ولولا الغزو الأوروبي الخارجي، لكانوا قد تمكنوا من احتلال أمريكا الجنوبية كلها، وكانت للتجارة مكانة أقل عند شعب الإنكا ولكنهم استغلوها في الحفاظ على مناطقهم الجديدة والتواصل فيما بين المدن، وكان الملح والفلفل الحار والمعادن من أهم المنتجات التي يتاجروا فيها.

كما سمحوا للشعوب المهزومة من عبادة ألهتهم الخاصة، ولكن يجب عليهم احترام سابا إنكا على إنه إله في حد ذاته، والانضمام لعبادة الإله “أنتي” إله الشمس على أنه الإله الأعظم والأقوى، وتقديم التضحيات البشرية له لضمان جودة الطقس وحصاد وفير، وعلى عكس الإمبراطوريات الأوروبية، لم يهدم شعب الإنكا حضارات الشعوب التي قاموا بغزوها، بل حاولوا الحفاظ على بنيتهم التحتية وعاداتهم وتعلموا من خبراتهم، وبذلك استطاعوا تكوين مجتمع سلمي واشتراكي، على الرغم من انهم لم يمتلكوا الكثير ولكن كانوا مكتفيين بذاتهم.

الزواج المتعدد للنبلاء

نبلاء شعب حضارة الإنكا والعائلة الملكية، كانت لهم أفضلية كبيرة وحقوق أكثر من الفلاحين، خاصة فيما يتعلق بتعدد الزواج، فكان من غير المسموح للفلاحين الزواج من أكثر من امرأة، بينما يمكن للنبلاء الزواج من أكثر من امرأة في حال أرادوا ذلك، وعلى الرغم من أن الأمر غير منصفًا، إلا إن الفلاحين لم يعترضوا على هذا الأمر، فمن ناحية كانوا نبلاء الشعب شرفاء ويهتمون بالأمور الفكرية والدينية ولا يهينون الشعب، ومن ناحية أخرى لم يكن للفلاح العادي أموال كافية يتحمل بها تكلفة الزواج الثاني.

الملابس عند شعب الإنكا

كانت الحكومة هي المسئولة عن توزيع الأقمشة على الشعب، فهي تجمع المنتجات الزراعية وهم من يتحكمون بصناعة الأقمشة ومن ثم يوزعونها كما يرون، وهذا النظام يعتبر نظام اشتراكي بامتياز، حصلت طبقة الفلاحين على الأقمشة الخشنة والأقل في الجودة، بينما حصلت طبقة النبلاء على أقمشة ناعمة ومريحة ومميزة في الألوان والتصاميم، بينما الأسرة الحاكمة والإمبراطور نفسه كان يمتلك امتيازات كبيرة في الملابس، لدرجة أنه لم يرتدي نفس الملابس مرتين بالسنة، وتمتع بأجود الأقمشة وأكثرها روعة في الألوان والتصاميم، وبهذا الشكل كانت للملابس أهمية كبرى في حياة شعب الإنكا، لأنها كانت إشارة على الطبقة الاجتماعية.

السبب الحقيقي وراء اندثار الحضارة

حضارة الإنكا السبب الحقيقي وراء اندثار الحضارة

لم تكن بنادق الإسبان هي السبب الحقيقي في اندثار حضارة الإنكا وتفوقهم الساحق على شعب الإنكا واستيلائهم على مصادرهم الوفيرة بالمعادن النفسية، لأن أعداد شعب الإنكا كانت ستهزم الإسبان لا محالة، حتى في حال استخدامه للقوس والسهم فقط، لأن ذخيرة الإسبان كانت ستنفذ مع الوقت، ولكن الأمراض الأوروبية هي السر وراء اندثارهم السريع، فلم يكن الطب أحد المجالات التي تقدمت فيها حضارة الإنكا ، وكانوا يميلون إلى استخدام السحر والقليل من الأعشاب في معالجة الأمراض، هذا الأمر كان جيدًا عند التعامل مع أمراضهم العادية.

ولكن بمجرد وصول الإسبان إلى شواطئ أمريكا الجنوبية، انتشرت الأمراض بجنون في شعوب الإنكا، وخاصة الجدري، حيث مات 50% من شعب الإنكا نتيجة للمرض، بدون أي تدخل يُذكر للإسبان، لأن الإسبان كانوا حاملين للمرض ولكن مناعتهم كونت مقاومة للمرض على مدار التاريخ، بعكس مناعة شعب الإنكا التي لم تتعرض أبدًا لهذا النوع من الأمراض وبالتالي لم تتمكن من مقاومته بسرعة والتصدي للإسبان، وكان على الإسبان السير في مناطق شعب الإنكا فتنتقل الأمراض ويسقطون موتى واحدًا تلو الآخر.

حضارة الإنكا هي حضارة عظيمة وعريقة، تركت للعالم آثار في منتهى الدهشة والقوة، والآداب وفنون متعددة من أعمال النحت والخزف، ونظام حكم سلمي عظيم استطاعوا السيطرة به على أجزاء كبيرة من أمريكا الجنوبية، ولولا الإسبان والغزاة الأوروبيين لكانوا استمروا لفترة أطول وشيدوا معابد وأهرامات أكبر وأكثر تعقيدًا.

أيمن سليمان

كاتب وروائي، يعشق منهج التجريب في الكتابة الروائية، فاز ببعض الجوائز المحلية في القصة القصيرة، له ثلاث كتب منشورة، هُم "ألم النبي (رواية)، وإنها أنثى ولا تقتل (رواية)، والكلاب لا تموت (مجموعة قصص)".

أضف تعليق

17 − 6 =